خاص: إعداد- سماح عادل
تحت عنوان “نصي حقي” كان هذا الملف الذي يستهدف بشكل أساسي مناقشة حقوق الكتاب، والتي تهدر على يد بعض دور النشر في المنطقة، لا نعلم الأسباب الحقيقة وراء عدم إعطاء بعض دور النشر للكتاب حقوقهم، خاصة وأنهم يبرمون عقودا ينصون فيها على نسبة معروفة من أرباح الكتاب في حالة بيعه وتوزيعه من قبل دار النشر، ورغم ذلك لا يحصل كثير من الكتاب على هذه النسبة كما تحدث صنوف أخرى من التلاعب بين دار النشر والكاتب المتعاقد معها على نشر كتابه.
نوع أنيق من البيزنس..
يقول الكاتب والقاص المصري”أحمد الخميسي” ل”كتابات”: “تجربتي مع النشر الورقي كانت أفضل قليلا من الكثيرين، لأنني لم أدفع مالا لقاء النشر أو الطباعة، وكنت أتلقى مبلغا مقدما مكافأة عن الكتاب. وتشير معظم العقود إلي نسبة معينة من سعر غلاف الكتاب يتقاضاها الكاتب من كل نسخة تباع، لكن الناشرين لم يلتزموا بذلك قط، ولا يلتزمون به، خاصة أن الكاتب لا يعلم في الواقع كم عدد النسخ التي طبعتها الدار ولا إن كانت قد نفدت من السوق أم لا، ولا حتى بأي سعر وأين تم بيعها. ولم يقدم لي أحد كشف مبيعات، وعامة يعتبر الناشرون أن تسجيل حصة من الأرباح لصالح الكاتب في العقد هو نوع من الوجاهة التي تميز الدار، أو أن الإشارة لحصة ما للكاتب تعفيهم من قدر من الضرائب، لكنهم لا يدفعون شيئا، ولا يعتزمون دفع شيء، هذا في الوقت الذي يتشدق فيه معظمهم بكلمات ضخمة عن دور الثقافة وما شابه، أما في الواقع فإن النشر عندنا نوع أنيق من البيزنس المربح”.
ويواصل الأستاذ “أحمد الخميسي”: “أما عن قوانين حماية الملكية الفكرية فإنها قائمة على المستوى العالمي، حيث يحتفل العالم سنويا باليوم الدولي للكتاب وحقوق المؤلف في 23 أبريل، وهو يوم أقره اليونسكو عام 1995، مسترشدا بيوم ميلاد الكاتب العظيم وليم شكسبير. وفي مصر هناك قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 وهو تعديل لقانون صدر في 1954، وفي مصر سنت ثورة يوليو قانون حق المؤلف رقم 354 لسنة 1954، ثم تم تعديل القانون ليصبح “قانون حماية الملكية الفكرية ” رقم 82 لسنة 2002، وفيه تحديد قاطع للمصنفات الفكرية التي يحميها القانون، لكن تلك الحقوق تبقى حقوقا على الورق، طالما أن الأدباء مضطرون لنشر أعمالهم مجانا، وبدون حماية لكي لا يظل إبداعهم حبيس الأدراج”.
وعن وزارة الثقافة وتعاملها مع الكتاب يستطرد: “ومن البديهي أن يتجاهل الناشرون تماما أي حق للمؤلف، إذا كانت وزارة الثقافة الجهة الرسمية التي يفترض بها رعاية الثقافة تنهب حقوق المؤلفين، وفي هذا السياق قام أبناء الملحن المعروف “منير مراد” برفع قضية على الوزارة التي استخدمت أعمال والدهم من دون أن تدفع لهم مقابل، وقام أبناء الشاعر الراحل “عبد الرحمن الخميسي” برفع قضية على الوزارة التي قامت بعرض أوبريت “الأرملة الطروب” لوالدهم “الخميسي” من دون مقابل لسنوات طويلة، بينما يرتع موظفو الوزارة في مكافآت هي ثمرة إبداع المؤلف، والأمثلة كثيرة . فإذا كانت الدولة المنوط بها حماية القوانين تسطو على حق المؤلف فما بالك بدور النشر؟”.
المؤلف كادح..
ويؤكد بخصوص حقوق المؤلف: “ليس لدينا حقوق مؤلف في الواقع، إلا إن كانت تلك الكلمات المنمقة في قانون حماية الملكية الفكرية. وكلما حل اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف أجدني أتذكر بأسى ما كتبه الكاتب العظيم “عبد القادر المازني” عام 1924 في كتابه “حصاد الهشيم” مخاطبا القارئ بقوله: “هذه مقالات مختلفة.. وقد جمعت الآن وطبعت، وتباع المجموعة بعشرة قروش لا أكثر. ولست أدعي لنفسي فيها شيئا من العمق أو الابتكار أو السداد، ولا أنا أزعمها ستحدث انقلابا فكريا في مصر، أو فيما هو دونها، ولكني أقسم لك أنك تشتري عصارة عقلي وإن كان فجا، ومجهود أعصابي وهي سقيمة، بأبخس الأثمان! وتعال نتحاسب. إن في الكتاب أكثر من أربعين مقالا تختلف طولا وقصرا وعمقا وضحولة، وأنت تشتري كل أربع منها بقرش! ثم أنك تشتري بهذه القروش كتابا، هبه لا يعمر من رأسك خرابا، ولا يصقل لك نفسا، فهو على القليل يصلح أن تقتل به ساعات الملل، أو هو على الأقل زينة على مكتبك. على أنك قد لا تهضم أكلة مثلا فيضيق صدرك وتشعر بالحاجة إلي التسرية وتلقى أمامك هذا الكتاب فالعن صاحبه وناشره ماشئت! ثم أنت بعد ذلك تستطيع أن تبيعه وتنكب به غيرك! أفقليل كل هذا بعشرة قروش؟”. وقد مر على تلك السطور التي كتبها “المازني” نحو مئة عام تقريبا، لم تختلف خلالها أحوال الكتاب والمؤلف كثيرا، ولم يطرأ تغيير يذكر على حقوقه ولا سادت نظرة احترام لجهده وعصارة عقله! مازال المؤلف كادح يروي مجانا حدائق النشر.
دار نشر وهمية..
ويحكي لنا الكاتب السوري “نافذ سمان” عن تجربته في النشر الورقي: “طبعا النشر الورقي هو حلم وهدف كل من يطمح لإيصال صوته ولكنه للأسف كان كارثيا معي وفي مرتين على التوالي، ومع داري نشر مختلفتين (أو ما يسمون أنفسهم كذلك). النتيجة ليست صفرا بل أقل بكثير، إضافة لتعب الأعصاب والقلق والاضطرار للتعامل مع بشر لا يفقهون ألف باء الحياء. لك أن تعلمي أنني لم أتحصل على أي شيء ولا حتى نسخي المجانية المنصوص عنها بالعقد في مرة، وعليها بعد عناء ولكنها تالفة في مرة أخرى.. الدار تنصلت في المرة الأولى من كل شيء، وفي المرة التالية باعت بعض النسخ في معرض الكتاب ولكن بسعر خيالي جدا ثم اختفت.. كلا الدارين قامت بحظري ورفض التكلم معي أو مناقشتي ولا أعلم عنهما شيء حتى الآن”.
وعن عدم احترام القانون يقول الأستاذ “نافذ سمان”: “الأسباب كثيرة الحقيقة ولكن بشكل عام نحن نفتقد لسيادة القانون، فدائما هناك ناس تحسن القفز عليه لسبب أو لآخر. في أوائل عام 2016 تم التواصل مع ما يُسمى (دار الكتب) ممثلة بالمدعوة (آ ع) وتم الاتفاق معها على نشر روايتي (إنهم يخفون شيئا) وكان الاتفاق على أن يرى العمل النور بعد أشهر ثلاث، طبعا بعد مضي الأشهر المحددة دون أي تحرك، أعدت التواصل مع الدار، هاتفيا وعبر وسائل التواصل وعبر البريد الالكتروني (كوني أقطن في شمال أوربا ) طبعا كان كل ذلك بلا جدوى. بعد شهور تسعة، قررت تصعيد الأمر وبدأت أنشر على “الفيسبوك” محادثاتي مع “آ ع” والبريد الالكتروني للدار والصفحة الشخصية على “الفيسبوك”. عندها تواصلت معي إحداهن، قالت أنها المسئولة الآن ولا تريد أن تسمع أي شيء عن الماضي وأننا بدأنا صفحة جديدة. طبعا كان كذبا وشراء للوقت، فتلاها أخرى، ومن ثم جاء شخص اسمه “أ ف”، وعن طريقه رأت الرواية النور أخيرا بعد حوالي سنة من التعاقد. تواصلت مع الشخص الأخير ووعدني بإرسال نسخي المجانية التي ينص عليها العقد، وفعلا وصلتني ولكنها كانت تالفة، ممزقة، وكأن الأمر كان متعمدا”.
ويواصل: “طبعا تواصلت معه ولكنه اختفى بدوره، الدار قالت أن العيب بالبريد، علما أن الكرتونة التي حملت الكتب كانت سليمة وحتى الأكياس الهوائية المحيطة بالكتب كانت سليمة أما الكتب فكانت مقصوصة من المنتصف. بعد حظري من قبل صفحة الدار على “الفيسبوك” وانقطاع أي وسيلة تواصل، اتفقت مع محامي وبدأت حملة على “الفيسبوك” استطاعت أن تكشف لي أعداد كثيرة من المنصوب عليهم من قبل نفس الدار، واتفقنا على حملة موحدة سرعان ما أتت أكلها. و”آ ع” أصبحت تدعى باسم آخر وطارت إلى دبي والله أعلم ما اسمها الآن وماذا تعمل.
عدم الأمانة وضعف التسويق..
وعن تجربته مع النشر مع إحدى دور النشر يقول الكاتب الجزائري “لخضر بن زهرة”: “لا أعتبرها موفقة لأسباب عدة: (- عدم الأمانة في طباعة العدد المتفق عليه- إقصاء العمل من المعارض خارج معرض القاهرة الذي زامن ولادة العمل – ضعف التسويق وضبابية التعامل مع الكاتب”.
وعن الأرباح المكتوبة في العقد بينه وبين الدار يضيف: “مع الأسف اكتملت السنتان تماما منذ صدور العمل دون الحصول على أي شيء، ويتم التهرب بحجج واهية من فصل موضوع الأرباح. كما تم إقصاء العمل من المعارض وجه أول لعدم النزاهة في العمل وعدم التوزيع كما يجب، إضافة إلى غياب العدد المطلوب في المكتبات، واقتصار التواجد في مكتبة أو اثنتين بعدد لا يتجاوز عشر نسخ. ولم يتم تقديم كشف حساب عن مبيعات كتابي، ولا مبرر لهذا التهرب إلا التعتيم على ازدواجية التعامل مع الكتاب وعدم التصريح بالعدد الحقيقي للمطبوع والموزع والمباع إما بزيادة أو نقصان”.
وعن القوانين التي تحمي ملكية الكاتب الفكرية والمادية يقول: “المنظومة الثقافية كلها تعاني، والمشرع لا يثق بالطبقة المثقفة لأن الصراع بينها والاستغلال الذي نعيشه جعل الهيئات المشرعة لا تهتم بتقنين علاقة الكاتب بالناشر كما يجب أو حقوق الكتاب بصفة عامة من الجوانب المادية والمعنوية. حيث أن الناشر غالبا ما يكون كاتبا بالأساس يستغل كاتبا مثله، فقبل الحديث عن تقنين هذه العلاقة علينا الحديث عن الأخلاق السامية داخل المنظومة الثقافية التي من المفترض الاعتناء بها لأن الكاتب والناشر وجه للثقافة المحلية أمام القارئ ومقتني العمل المنشور”.
فقدان الثقة في النشر..
وتقول الكاتبة العراقية “شيماء عبد الله”: ” أول دار نشرت معها كان كتاب مشترك وطبع في سوريا، وأخذوا من كل كاتب 30 ألف عراقي، ولكن لا أتصور أن الكتاب تم توزيعه، وزع فقط في الحفل ولم تحصل مبيعات له. ثاني دار نشر كانت مصرية بعثولي دعوة لاشترك معهم واشتركت لكني لم أدفع المبلغ، لأني أبلغتهم بصعوبة إرسال المبلغ فقالوا نأخذه من الأرباح، ومرت سنتين تقريبا وعندما سألتهم عن الأرباح قالوا لم ينفذ الكتاب.
وتواصل: “ثالث دار نشر كانت عراقية، حصلت منهم على مبلغ بعد البيع ودفعت أنا مبلغ الكتاب، هذه الدار الوحيدة التي دفعت، فأنا لم أحصل على أرباح لا من الدار السورية ولا المصرية، أما آخر دار للآن لم ينته موعد العقد، ولا يجيبون سؤالي عن حجم المبيعات، ولم يقدموا لي كشف حساب عن المبيعات”.
وبخصوص نسخ كتبها تقول: “أول دار لم يبعثوا لي نسخ إلا بعد أن أرسلت أنا شخص من بلدي ليجلبها لي، متحججين بالتكلفة مع أنهم هم من دعوني للمشاركة معهم.. أنا لا أريد أن اشوه سمعة أي دار لكن المشكلة في أنه لا يوجد قانون يحمي الكاتب، حتى إن وقع عقد قد يكون عقد شكلي، وهناك أيضا مشكلة ارتفاع أسعار الطبع والتكلفة غالية، فالإقبال على الشراء قد يكون قليل، أنا أجد التعاون منهم في البداية لكن لم أجده في النهاية، جميل أن يدعوك ويقدموا تسهيلات ولكن في النهاية لا تجدي ما يريح قلبك، أين نتاج تعبك ككاتبة، وكلما يقل عدد النسخ يرتفع سعر الطبع، طيب لماذا أنا قللت الطبع أكيد لأجل أن أخفض من الأسعار ولكنهم يزيدون الطين بلة وترتفع أكثر.. أنا عندي منجز لكني تراجعت عن طبعه لأني لم أجد دار أثق وأكون مرتاحة لتعاملهم”.