خاص: إعداد – سماح عادل
استكمالا لما بدأناه من محاولة رصد واقع النشر في المنطقة، وكيفية تعامل دور النشر الخاصة مع الكتاب ونصوصهم، والتأكيد على حقوق الكاتب المادية والمعنوية والتأكيد على أنه صاحب النص وله كل الحقوق في استغلاله، على خلاف ما يحدث في الواقع من دور نشر كثيرة، شارك معنا في هذا الملف الكاتب العراقي والروائي “عمار الثويني” بمقال رأي، يتناول فيه واقع النشر من خلال تجربته الخاصة في النشر الورقي.
خنق أصحاب الثقافة..
المقال بعنوان: (بعض من واقع النشر العربي.. خدمة الثقافة وخنق أصحاب الثقافة) يقول فيه “عمار الثويني”: “خلال تجربتي المتواضعة في عالم النشر العربي، أتيحت لي الفرصة للقاء بالعديد من أصحابها، التواصل معهم والاستفسار عن آلية النشر، وهي تجربة مهمة أثرتها أيضاً لقاءاتي بالعديد الكبير من أصدقائي الكتاب الذين خاضوا المعترك ذاته وشاطروني ثمار تجاربهم، بحلوها ومرها.
والسؤال الذي يرد لي في كل مرة، من أصدقاء وصديقات ممن أتموا كتابة عملهم الأول ويتطلعون إلى الولوج لعالم النشر، عن الأرباح التي يتحصلون عليها، فتكون إجابتي على الدوام صادمة لهم عند التأكيد أن السواد الأعظم من الناشرين العرب يحترمون “جيب” الكاتب أكثر من أصالة عمله، لأن ملاءمته المادية لا الفكرية هي من يحدد قرار الموافقة على النشر. وإذا ما استثنيا بعض دور النشر التي تحترم جهد الكاتب وقيمة الثقافة وتدفع له نسبة تتراوح ما بين 10-15% من سعر الغلاف مع تحمل كافة التكاليف بما فيها الطباعة والتدقيق والترويج والتوزيع، فإن العدد الأكبر لا يحترم أي جهد بحجة ارتفاع الأسعار والتكاليف وضعف الإقبال على الكتاب في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وقرصنه الكتب. لذلك يريدون من الكاتب وحده الذي يسهر على عمله ليل نهار ويعيد قراءته عشرات المرات وربما يعرضه على مختصين أن يدفع مبلغ أكبر حتى من التكاليف الفعلية، ويخرج من تلك التجربة بخفي حنين سوى من الألم وهي يرى إبداعاته “نهباً” لغيره”.
نظام النشر الٌإقطاعي..
ويواصل: “المثقف والمبدع والكاتب العربي مهضوم الحقوق شأنه شأن الإنسان العربي، الأول على يد أرباب الثقافة والثاني على يد أرباب السلطة. لذلك، نرى في عالمنا العربي مئات المطابع، وآلاف المكتبات والناشرين التي تعتاش على أقلام وإبداعات الكتّاب والمترجمين لأجيال وعقود، لكننا لا نرى كاتباً أو مترجماً واحداً في عالمنا العربي يعتاش من قلمه. لم تتغير معادلة “نظام النشر الإقطاعي” منذ عقود وليس ثمة بوادر للتغيير، ودور النشر التي تطبع على حسابها وتمنح الكاتب ربحاً بسيطاً هي قليلة ولا تتحمل طباعة العدد الكبير من المخطوطات التي تصل إليها فضلاً عن أولويتها الممنوحة لمجموعة من الكتاب المعروفين.
وقد أفضت ظاهرة غبن حقوق الكاتب وكذلك المترجم الذي لا ينال إلا فتات من جهوده إلى العديد من السلبيات أولها بحث القارئ على النصوص المقرصنة بحجة ارتفاع الأسعار، ودون مبالاة لاحترام حقوق الناشر لأن الأخير- وفقاً لما يقول كثيرون- لا يحترم حق الكاتب، وهي ظاهرة كتبت عنها شخصياً وتعاطفت بشدة مع الأصدقاء الناشرين. أما النتيجة الأخرى فهي نشوء علاقة “مضطربة” بين الكاتب والناشر لأن الأول- وإن لاذ بالصمت والصبر- يرى نفسه الخاسر الأكبر في معادلة بيع الكتب مقابل فوز الثاني بحصة الأسد. ولعل النتيجة السلبية الثالثة- الأخطر- هي اندثار مشاريع المؤلفين في عالم النشر، فالإنسان المتحمس لنشر عمله الأول ربما يتحمل التكاليف، لكن مثل هذا الأمر سيغدو مبهضاً نفسياً وأخلاقياً له فضلا عن أنه يصيبه بالإحباط ليهجر عالم الكتابة عاجلاً أو قريباً آجلاً. أعرف العديد من المؤلفين الجدد الذين كانت لديهم مخطوطات وواجهوا عالم النشر على حقيقته بالطلب منهم تحمل كافة التكاليف، فقرروا وأد إبداعاتهم في مقبرة الطباعة والنشر”.
شعارات رنانة..
ويستطرد : “إن ما يثيرني تلك الشعارات الرنانة التي يتشدق بها البعض من الناشرين بدورهم العظيم في خدمة الثقافة العربية لعقود، وهو الأمر الذي نادراً ما ألاحظه من جانب دور النشر الأجنبية التي تحترم حقوق الكاتب وترى فيه صاحب الفضل في نجاحاتها وتخصص صفحات تعريفية ولقاءات له مع جمهور القراء وفي مواقعها الالكترونية المميزة. الأمر عندي يماثل ادعاء الغرب بالإنسانية في وقت هو يخنق الإنسان بعدما حوله إلى ماكينة تعمل ليل نهار. ما جدوى خدمة الثقافة من جانب الناشر العربي في وقت هو يخنق قلم الثقافة وصاحب الفضل الأكبر فيها، فلولا الكاتب والمترجم لم تبصر النور تلك الكتب والمؤلفات التي يعتاشون عليها!”.
ويطالب الكاتب ب: “إن الجميع مطالبون بوقف هذه الحالة الاستغلالية البشعة من جانب أصحاب النشر خاصة مع التطور التكنولوجي. وخلال الأعوام القليلة المقبلة، أرى أن المعادلة ستنقلب رأساً على عقب وستقفل العديد من دور النشر أبوابها في ظل ثورة النشر الالكتروني، مثل موقع أمازون “كيندل” الذي لا يحتاج سوى إلى نص مكتوب بشكل معين لينطلق الكاتب، الشهير والجديد، إلى عالم النشر الواسع دون أن يتحمل أية تكاليف، بل ليجني ثمار تعبه وجهده وإبداعه من جانب مؤسسة تحترم حقوق الكاتب ولا تبخسه أي شيء”.