15 نوفمبر، 2024 6:48 م
Search
Close this search box.

ملكة الدار محمد عبد الله.. أول روائية سودانية اهتمت برصد أوضاع النساء

ملكة الدار محمد عبد الله.. أول روائية سودانية اهتمت برصد أوضاع النساء

خاص: إعداد- سماح عادل

“ملكة الدار محمد عبد الله” كاتبة سودانية، ولدت بمدينة “الأبيض”، إقليم كردفان- الواقع غرب السودان سنة 1920، وهناك تلقت تعليمها الأولى في خلوة الشيخ إسماعيل الولي بالأبيض، ثم التحقت بكلية المعلمات ب “أم درمان” لمدة سنتين لتعمل بعد تخرجها في عام 1934 بمجال التدريس.

حياتها..

تعلمت “ملكة الدار محمد عبد الله”  اللغة الإنجليزية بمجهودها الخاص، وذلك بالمراسلة وبتبادل تعليم اللغة مع بعض المعلمات الإنجليزيات في السودان آنذاك، وعملت معلمة في كثير من مناطق السودان، في “كسلا” وفي “سنجة” وفي “الدلنج” ثم في مدرسة “أم درمان” الوسطى. في عام 1960 عينت مفتشة للتعليم في “كردفان”، وكانت عضو مؤسس في جمعية الأبيض الخيرية النسائية، وعضو في الاتحاد النسائي، إلى أن رحلت في 17 نوفمبر عام 1969 وكانت آخر وظيفة لها هي وظيفة مفتش مدني بتعليم الخرطوم.

الكتابة..

تعتبر “ملكة الدار” واحدة من أهم كتاب القصة القصيرة السودانية وقد نشرت لها قصص كثيرة في الصحف والمجلات المحلية والعربية، وهي رائدة الرواية السودانية عن طريق عملها الروائي الخالد “الفراغ العريض” التي كتبتها في النصف الأول من الخمسينات، ولم تطبع الرواية إلا أوائل السبعينات، أخرجها المجلس القومي للآداب والفنون آنذاك، ولكنها رحلت قبل أن ترى عملها الأدبي الكبير يطبع في كتاب.

من أشهر أعمالها القصصية “حكيم القرية” و”المجنونة” و”متى تعودين” وفي هذه القصص جميعها يظهر اهتمام الكاتبة بأوضاع المرأة السودانية وهمومها المعيشية والعاطفية، وخاصة في بيئة ريفية صميمة لا تسمح لها كثيرا التصريح بمشاعرها كإنسان.

فازت “ملكة الدار” بالجائزة الأولى في مسابقة الإذاعة السودانية للقصة القصيرة سنة 1947، و فازت قصتها “متى تعودين” بالجائزة الثانية في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها إذاعة ركن السودان بالقاهرة عام 1968.

تحول المجتمع..

يقوا “مبارك الصادق” في مقاله (ملكة الدار.. مَلَكَةَ للسرد الباكر): “ملكة الدار محمد واحدة من رائدات ورواد السرد السوداني.. وقد سجلت اسمها بأحرف بارزة في خارطة السرديات لما امتلكته من جرأة باكرة.. وفرادة نادرة.. وما اتسمت به من وعي باليات الكتابة، رغم شح المحصول المعرفي في تلك المرحلة من نهايات العقد الخامس من القرن الماضي. ولعل انخراط الرائدة في سلك التعليم كمعلمة قد أكسبها حب المعرفة.. وشحذ همتها للاستبصار والنظرة الفاحصة لكل ما هو جار من حولها، ولهذا راحت تلتقط شخوصها ونماذجها من خلال البيئة المحيطة لمجتمعها الذي أخذ يشرئب ويتطلع نحو مرحلة الانتقال والتحول من مجتمع رعوي زراعي إلي مرحلة نشوء القوى الحديثة التي تعرفت على أنظمة الزراعة الحديثة بديلاً عن الزراعة التقليدية، والرعي المنظم والرعاية البيطرية، وبروز طبقة العمال والمزارعين والإنتلجنسيا.. حيث تسارعت وتيرة الحياة لتصير أكثر دينامية بقيام الحركة الوطنية التي اتخذت من العمل الاجتماعي والثقافي وإقامة المدارس الجديدة بوابة للولوج إلي العمل السياسي والذي أفضي بالأخير إلي دحر الاستعمار، وإحداث الاستقلال السياسي.. ملكة الدار نظرت إلي كل ذلك.. وعاشت كل ذلك.. وراحت من خلال كتاباتها في السرديات تعبّر عن ذلك الهم.. حيث كتبت القصة القصيرة والرواية.. وراحت تعبر عن قضايا المرحلة بذلك الوعي المتفتح والذي برز من خلال روايتها: “الفراغ العريض” والتي مرت بها العديد من الملابسات التي كادت أن تعصف بها، وأدت إلي ضياعها، على أنها نشرت في نهاية الأمر”.

حكيم القرية..

يواصل: “قصة “ملكة الدار” الموسومة بـ (حكيم القرية) والتي نشرت أول مرة بمجلة القصة للراحل “عثمان علي نور”، ثم نشرت بعد ذلك بأكثر من صحيفة يومية، وقد رأينا قراءتها لما اتسمت به من براعة سردية وصور فنية محكمة.. اتسمت القصة بكل شروط القص التقليدي لتلك المرحلة.. وكانت ناضجة ومتماسكة.. من خلال البنية السردية.. ومتانة الحبكة.. وأفلحت القصة في الإمساك بالقارئ من خلال التحفيز الدرامي الذي جعل القارئ يلهث لمتابعة الحدث.. فضلا عن استخدامها لعلم النفس الحديث لتشريح نفسية البطلة الشائهة والتي كادت أن تهدد القرية وسلامتها وأمنها. وكذلك كان للوصف دوره من حيث إكمال عملية البناء المعماري.. رغم إن الوصف في جانب منه لم يكن متجانساً مع واقع الحال أو متطابقاً مع حركة السرد.. كما أن لغة الحوار على لسان الشخصيات عمدت خلالها إلي استخدام اللغة الفصحى، ولم تجر الحوار على لسان الشخصيات باللغة المحلية أو اللغة الدارجة. إنّ قصة (حكيم القرية) إذا ما نظرنا لها في سياقها التاريخي نجدها قد حققت سبقا على السائد وتجاوزاً واضحاً لقصة تلك المرحلة  مما يؤكد أنها كانت ذات أفق متقدم..تزخر القصة بالعديد من الصور البديعة.. وباللغة الموحية، وبالإرهاص والتوقع..إن نص (حكيم القرية) يزخر بالعديد من الشخصيات الفعلية والاعتبارية. ورغم احتشاد النص بأسماء الشخصيات  إلا أن المتلقي لا يحس بطغيانها بل تبدو مندغمة في نسيج القصة، وفي تكوينها”.

مغامرة جريئة..

ويقول “ميرغني عبد الله مالك” في مقاله (ملكة الدار محمد.. مفرد بصيغة الجمع): “ملكة الدار محمد بطلة تلك المغامرة الجريئة وإحدى شهود عصرها. ولدت في عشرينات القرن الماضي في حي القبة في مدينة الأبيض، وعاصمة كردفان – السودان ، والقبة هنا، هي قبة الشيخ إسماعيل الولى مؤسس الطريقة الإسماعيلية، إحدى الطرق الصوفية التي ذاع صيتها، في هذا الحي ولدت وترعرعت ملكة الدار محمد، وأظهرت في طفولتها شغفاً جامحاً بالمعرفة، وفضولاً دافقاً للقراءة وفك طلاسم الحروف الملغزة. لم يكن الأمر هيناً، في بيئة تجثم على صدرها ثقافة “الحريم” والمحرمات، بدأت معركتها الأولى داخل البيت وهي معركة ملحمية لأنها تخوضها أصالة عن نفسها ونيابة عن نساء كثر يراد لهن أن يقبعن داخل ذلك السجن الذكوري ويرسفن في قيود الجهل والأمية، لم تكن وحدها، فقد وقف إلى جانبها والدها الفقيه الورع الذي حفظ القرآن، وألم ببعض علوم الفقه والنحو, إلاّ أن آخرين ناصبوها العداء وسعوا دون هوادة لتثبيط همتها، واغتيال طموحها. كانت معركة صامتة وصاخبة، وسلاح ملكة الدار، إرادة قوية وعزيمة لا يفت في عضدها الرفض المطلق أو الرفض الخجول واليائس لرغبتها في العلم والتعلم في ذلك الزمن السحيق الذي يرى في تعليم المرأة عاراً وعيباً لا يغتفر وزره. وانتصرت ملكة الدار، وأرهص انتصارها لعصر جديد، وفجر جديد نقطف نحن ثماره التي غرست زرعها ملكة الدار وملكات أخريات في ذلك الوطن، منذ عقود طويلة . أنها معركة/ ملحمة تعرضن فيها للاضطهاد والتمييز والسخرية والتهكم والتحقير، والعزل والإقصاء، لكن الشجاعة التي ذخرت بها قلوبهن، والمثابرة الجريئة، والطموح الذي لا سقف له كتب لهن النصر المؤزر. التحية والتجلة لملكة الدار محمد وللرائدات من جيلها”.

ويضيف: “كتبت ملكة الدار مجموعة من القصص القصيرة هي “حكيم القرية” و “المجنونة” و”متى تعودين”. وتعود قصة “حكيم القرية” إلى عام 1947 والتي فازت بجائزة القصة القصيرة في ذلك الوقت ونشرت في مجلة القصة السودانية. وتجسد “حكيم القرية” صراع الثنائيات بين العلم والخرافة، والخير والشر. وانتصر العلم والخير في ذلك الصراع . وما يبهر الإنسان اللغة السلسة الرشيقة التي كتبت بها تلك القصص مما يكشف عن امتلاك ملكة الدار لناصية اللغة وقد أسلمت لها قيادها. كما أوحت لها تجربتها المعاشة بعمل روائي تستودعه تجربتها الخاصة ممزوجة بالعلم وتوثق به المعركة الملحمة، لكن من منظور فني يستخدم تقنية القص والسرد وتوالي إبداعها وانسكب مخزونها الفني فخرجت من رحم كل ذلك رواية “الفراغ العريض” لملكة الدار محمد. “الفراغ العريض” تنتسب لجنس السيرة الذاتية لأسلوب سردي شيق وحبكة روائية بضمير الروائي تقارب فيه البيئة والمناخ الاجتماعي الذي عاشت في كنفه. والشخصية الرئيسية و المفتاحية هي البطلة “سارة” التي خاضت صراعاً مريراً ودامياً ولم تلن لها قناة، ضد المعسكر القديم، حارس كل القيم البالية المتكلسة، والذي يحلم وبئس الحلم بتكريس عصر الحريم وأبدية الاستبعاد، والثقافة البطريركية. الرواية حافلة بالوقائع والمواجهات الشاحنة، والتصعيد الدرامي ولحظات العجز والقهر والانكسار الذي يتبدد فيها كل أمل بالانتصار، وتموت الأحلام الجميلة، ويذوى بريق الحياة الجديدة . كما ترشح الرواية في تلك اللحظات التي تجدد فيها الأمل وتبعث روح مقاومة، ومصادمة لن يهزمها ظلم أو قهر، وتظل مشدودة لحياة جديدة ستولد حتماً مهما طال ليل الظلم . ما يحزن القلب ويدمي الخاطر أن رواية “الفراغ العريض” لم تر النور ولم يكتب لها النشر إلا بعد رحيل ملكة الدار في أوائل سبعينات القرن الماضي، لأن فصولاً منها ضاعت وهي في طريقها للطبع مما دفع بها لأن تكتب مقالة شهيرة في صحيفة الرأي العام تحت عنوان “أدب أضاعوه فهل يعيدوه” عبّرت عن حسرتها ومرارة الفقد الفادح. لم يقف إبداع ملكة الدار محمد عند حدود “الفراغ العريض”، وإنما تفتق حسها الإبداعي مجدداً، فسطرت مقالات بديعة في النقد والأدب وسجلت حضوراً متميزاً في “الندوة الأدبية” التي أسسها الأديب الراحل “عبد الله حامد الأمين”، وأمها رهط كبير من الأدباء والشعراء من بينهم أبوبكر خالد ومبارك المغربي ودكتور حسن عباس زكي”.

 

الختان الفرعوني..

وعن كونها مناضلة في مجتمعها يستطرد: “نقلت ملكة الدار معركتها إلى مجال محاربة العادات الضارة فأقامت المحاضرات والندوات منددة بالختان الفرعوني وعادة الشلوخ، وجابت القرى والأرياف في منتصف أربعينيات القرن الماضي تبصر بأضرار تلك العادات ونتائجها الكارثية، وتخاطب العقول بلغة الواقع دون استعلاء أو صفوية. ونجحت في اجتذاب المؤيدات والمؤيدين رغم الخصومة التي قادها الحرس القديم. تلك المعركة الضروس، وصمود ملكة الدار في تلك البيئة التقليدية المحافظة والعالم يدفن ضحاياه، ويداوي جراحات الحرب العالمية الثانية التي ألقت أوزارها لتوها. كانت ملكة الدار شعلة متقدة في مجال العمل الاجتماعي وميادين الإبداع المختلفة”.

وفاتها..

توفيت” ملكة الدار” في نوفمبر 1969.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة