خاص: حاورتها- سماح عادل
“نهاد عبد” كاتبة عراقية، صدر لها روايتين (بغداد نيويورك- رأس البصلة)، في روايتها (رأس البصلة) صورت الكاتبة كيف يبقى النساء في الوطن المتداعي ويتعاملن مع كل الظروف، ويتعرضن لكل الفواجع من فقد الأبناء وقتلهم في الحروب أو في أعمال العنف والاقتتال الطائفي، لكن رغم ذلك يحافظن على الود والتراحم وتظل بينهن علاقات الدعم والمساندة. وقد رصدت ببراعة وجهة نظر النساء تجاه الحرب والصراعات والكوارث المتخلفة عنها، كما رصدت وجع النساء وهمومهن من الخيانة والهجر والفقد والموت.
وفي حوار معها تحدثت باستفاضة عن الرواية:
** في رواية (رأس البصلة) صورت الرجل الذي يترك زوجته وأسرته، في ظل الأحداث الكارثية التي مرت بها العراق من حصار وحروب وغزو، ليتمتع مع امرأة أخرى.. هل عانت المرأة العراقية من مثل تلك التجارب في فترات العراق الحرجة وفي رأيك ما السبب في ذلك التخلي؟
ـ في الحقيقة حين كتبت رواية (رأس البصلة) لم أكن أقصد مناصرة المرأة ولست ممن تقصد التعبير عن أفكار الفامنيست، كتبت الرواية بسبب تزاحم أفكاري عبر سنوات طويلة من العمر قضيتها في السفر والترحال المستمر، ثم أخيرا طلب اللجوء في دولة أخرى كي أعيش آخر سنواتي بمأمن، مازلت في بداياتي وأظنني أمتلك طاقة كبيرة للبحث والقراءة وكتابة أفكاري دون قيود.
في الحروب يحدث ما لا يخطر على البال أيام السلم، الحروب انقلاب ليوم الفرد العادي ينتج عن هذا الانقلاب قصص كثيرة يتوجب كتابتها، وعن كتابتي عن معاناة المرأة في الاغتراب في حياة قاسية، لا أقصد جلب تعاطف المجتمع معها لأنها نصفه وهي طرف عليه يقع أيضا إصلاح ما تدمر، من هنا أقول أنني لا أحمل أفكار روائيات سابقات كن مثل داعيات نسائيات، لست ممن تنادي بالمساواة أو الاستقلالية إنما هو على الأغلب تعاطف مع حالات صعبة صارت عامة من كثرتها، الحوار البسيط بين شخصيات الرواية النسائية إنما جاء لإلقاء ضوء على همومهن ورغباتهن المستترة التي لا تقوى أي منهن على البوح بها علنا، دون أن أعطي رأيي.
** في رواية (رأس البصلة) كانت النساء يتعاملن مع بعضهن البعض بود وتراحم رغم الكوارث التي تمسهن بشكل مباشر هل النساء تتمتع بقدرة على تجاوز المحن في رأيك بطريقة مخالفة للرجل؟
ـ لم أكن أقصد بالضبط، تشابه الشدائد تصهر الأفراد مع بعضهم، غالبا تتجمع الآراء المتشابهة عندما يقع الأفراد تحت ذات الضغط، كانت لي صديقة في بغداد، زوجها ضابط كبير في الجيش، وغالبا هو في الخدمة بعيدا عنها، كانت تقضي وقتها مع صديقاتها، يوما ما دعتني إلى جلستهن الدورية في بيتها، وجدتهن يتشابهن من حيث جميعهن مطلقات أو أرامل أو لا وجود حقيقي للزوج، من هنا انبثقت أفكاري حول تراحم النساء مع بعضهن، وهذا موضوع إنساني بحت.
أنا شغوفة بالخوض في أحاديث النساء ونقل همومهن لبعضهن، رغم أن بعض القراء يعتبر هذه الحوارات ليست ذات أهمية أو لا مغزى منها، لكنها برأيي المتواضع شحنة من عواطف وحنان وإنسانية أضفيها على تفاصيل الرواية مهما كانت تيمتها، بطلة رواية (رأس البصلة) “فاتن” شخصية مضطربة مهمومة وبذات الوقت شجاعة مقتدرة من هنا وجدت أبواب كثيرة تنفتح على كتابة مطولة لا نهاية لها إلا حينما أريد، الذي لا أحبه تلك القيود التي يضعها النقاد على كتابة الرواية فيما يصح وفيما لا يصح، حينما ينفتح قلم الكاتب لا يعرف أباه الذي أنجبه.
** هل فرصة النساء في الهجرة والخروج من العراق كانت أقل من الرجال ولماذا؟
ـ سألتني حول فرصة الهجرة للنساء العراقيات أكثر من الرجل أو أقل، حقيقة كما أعرف أن القوانين في العراق لا تسمح للمرأة بالسفر إلا مع محرم، وهذه كانت مشكلة كبيرة للسيدات تحت سن معين، لا أدري إذا تغير القانون بعد 2003، بالإضافة إلى أنها لا تسافر خارج البلاد رفقة أطفالها إلا بموافقة من الزوج وإن كانت مطلقة، وهذا موضوع معقد يطول شرحه.
** في ثنايا الرواية كانت هناك حكايات عن زنا المحارم وعن الجنس المثلي لماذا أردت الإشارة إلى تلك الظواهر؟
ـ تطرقت في الرواية إلى زنا المحارم والى الجنس المثلي ليس لخلق موضوع مثير للقراءة كما تفضل أحد النقاد، إنما كان في بالي منذ زمن طويل أن يعالج البيت هذه المشكلة علانية وليس خفية، ولا أظن أن هذه الأمثلة التي رويت عنها بعيدة عن الواقع، لقد استبقت ما كان طوال الوقت مضمرا في النفوس وفي الأقلام أيضا، غالبا يطغي على كتاباتي الهاجس الإنساني وقد اعتبرت هذا الموضوع موضوعا إنسانيا أيضا.
** أشرت إلى إدعاء البعض الجنون لكي يتمكن من الهجرة هل هذه حكايات حقيقة؟
5ـ سألت عن حكاية طالب اللجوء الذي أضطر لتمثيل دور المجنون كي يحصل على لجوء إنساني، حقيقة الأمر هو لم يمثل دور الجنون إنما عاش حقيقة وضعه النفسي، فعلا هو مصاب بالجنون إن لم تشفع له تلك الدوائر التي طالما تعثرت في فهم قضايانا، حكايات قصص اللجوء حكايات لا تنتهي، تدمي القلب وتعذب الروح، أن تعصري سنوات عمرك كلها لتثبتي لموظف يجلس أمامك أنك بلا وطن وتبحثين عن بديل، أمر رهيب.
** أيام الحصار حرم العراق من أبسط أبجديات الحياة الكريمة هل في رأيك وقع العبء المضاعف على النساء ولماذا؟
ـ في التسعينات من القرن الماضي عاشت بلادي سنوات عجاف، عانى منها الرجل والمرأة على السواء، العبء كبير كان حتى على الحكومة التي صارت تبحث عن خبز بديل، كانت معاناة ليس بوسع قلمي نسيانها، أينما كتبت وجدت سنوات الحصار تقفز أمامي دون قصد هي هكذا تأتي، غالبا تأتي الكتابة مواكبة لأفكار تلك الحقبة إلا الحصار الغذائي على العراق أينما نذهب في كتاباتنا يأتي ويحشر نفسه، قال أحد نقاد الرواية، لماذا يظهر صوت الكاتب لأكثر من مرة، وقد انتبهت فعلا إلى عدم التزامي الصمت طيلة كتابة تلك الرواية أنسى نفسي وأتدخل.
** لماذا نشرت في مصر هذه المرة وكيف كانت تجربة النشر في مصر؟
ـ موضوع نشر الكتب موضوع بائس جدا، دور النشر في العالم العربي صارت تنتقي كتّابها وتكرس جهدها لنشر كتبهم وتكتفي، حتى رأيت يوما منشورا على موقع التواصل لصاحب دار نشر يقول بتبجح أن الكتّاب الذين يطبعون كتبهم خارج العراق إنما كتّاب من الدرجة الثانية، وسعدت جدا بالخبر لأني كاتبة من الدرجة الثانية وليست العاشرة.
هل تعلمين أن أكبر مشاكل الكاتب هي مشكلة نشر كتابه دون دفع مبلغ لا يتناسب مع دخله الشهري، الناشر الآن لا يشجع على الكتابة مطلقا هو فقط حائر بنفسه، لاحظت مؤخرا كم الكتب الأجنبية التي تترجمها دور النشر وقد قللت بشكل واضح من نشر روايات عراقية وهذا اعتبرته حرب ضد الكاتب العراقي والعربي ودفع القارئ نحو المترجَم، هذا ما أقوله أتوقع أنه موجود في أغلب دول البلاد العربية، أما عن سؤالك لماذا اخترت النشر في مصر، فلا أظنني أنا التي اخترت بل الظروف هي من تقودنا دائما، دار النخبة دار جيدة لا تقل أهميتها عن الدور العراقية، تشارك في جميع معارض الكتاب العربية ولها سمعة طيبة في الوسط الثقافي أيضا.
** هل تروجين لكتبك في أمريكا وهل لديك قراء هناك؟
ـ حقيقة لا أروج لكتابي في الولايات المتحدة لأني لا أملكه أصلا، الكتب كلها في دور النشر، وهذه الدور لا تتكفل في عرض الكتاب الكترونيا في مواقع البيع لذا نقع نحن المغتربون في حيص بيص، إنما أحاول قدر إمكاناتي المتواضعة جلب شيء ولو قليل لقرائي في الولايات المتحدة وأعتقد أن لهم حق علينا أيضا.
** هل يمكنك التواجد ككاتبة في العراق رغم إقامتك خارجه وكيف ذلك؟
ـ لا أدري ماذا تقصدين بالتواجد في العراق ككاتبة، أنا لم اذهب إلى العراق من سنة 2004، لكن كتابتي باللغة العربية والقراء في العراق يقرأون بالعربية غالبا لذلك نحاول بذل جهد في طبع كتبنا هناك وتسويقها أيضا.
** في رأيك هل تتناول النساء الكتابة عن الكوارث بشكل مختلف فقد لاحظت أنك ركزت على تفاصيل حياتية يومية تتعلق بالاجتماعي أكثر من السياسي. وفي رأيك هل تناولت الرواية العراقية الحرب والصراعات بشكل جيد؟
ـ أغلب الروايات العراقية تتكلم عن البيئة العراقية وهموم الوطن ونحن كما تفضلت بلاد كوارث لا تنتهي، نعم الكل يكتب عن كوارثنا ولا أظننا سنخرج منها على المدى القريب، أنا بطبعي شخصية حنونة وأميل للكتابة الإنسانية، أنا أم وجدة ولي أيضا حياة طويلة احتوت على كثير من المصائب صقلتني جدا وحولت قلمي إلى آلة كتابية تحكي عن كوارثها وكوارث غيرها بانسيابية عجيبة لا تعرف التوقف، لا أكذب إن قلت لك أن ثلث يومي للكتابة وثلث آخر اقضيه في القراءة والثلث الباقي للتفكير فيما سأكتب غدا وأفكر في الكتابة حتى في منامي.