خاص: حاورته- سماح عادل
“محمد حسني عليوة” شاعر وقاص، وهو عضو جمعية الأدباء بالقاهرة، وعضو الرابطة العربية للآداب والثقافة- العراق، حصل على المركز الثالث في مسابقة “صلاح هلال حنفي” في القصة القصيرة 2018 ، والمركز العاشر مكرر في المسابقة العربية الثالثة للقصة القصيرة للعام 2018، دورة الروائي والقاص الراحل “كاظم الحصيني”. صدر له ديوان شعر: (رقصة أخيرة برفقة ملاك)، عن أخبار الأدب، سلسلة الكتاب الأول الشهرية نوفمبر 2018.
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
- شأن كل كاتب، لا يتوقف شغفه بالأشياء من حوله: جمالها وقبحها، قداستها ودناستها. كل وقت لدي شغف بشيء ما، كل نظرة، كل إطلالة، كل إيقاع موسيقي أسمعه لأول مرة وارتبط به، ف الشغف تيمة أصيلة في تكوين الكاتب.
وكانت محاولاتي الأولى في مرحلة التعليم الثانوي، عبارة عن خواطر متواضعة أبقيت على البعض منها ومع مرور الوقت محوت بقيتها، وكانت هناك قصص قصيرة تكونت صورها في المخيلة لفترات، كتبت أول قصة لي بشكل مقنع لحد ما فنيًا عام 1995 نُشرت في جريدة الأهرام المسائي عام2001.
تطورت الأدوات شيئًا فشيئًا مع الاستماع إلى النُّصح بالقراءة والمزيد من القراءة والاطلاع على كافة صنوف الأدب والفنون والعلوم الأخرى، والتي كانت لسلسلة “عالم المعرفة”، و”من المسرح العالمي” – واللتان تصدران عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت- جانبًا مؤثرًا في تكويني اللغوي والمعرفي فيما بعد.
كما كنت شغوفا بقراءة أعمال “دوستويفسكي”، “تولتسوي”، “تشيخوف”، ولدينا “يوسف إدريس”، “نجيب محفوظ”، “يحي حقي”، الخ القائمة الطويلة جدًا، والتي كانت مكتبة مدرس اللغة العربية في صفّ المرحلة الابتدائية تزخر بها.
(كتابات) تكتب القصة القصيرة وتكتب الشعر ماذا يحقق لك كل فن منهما؟
- القصة وجع مؤجل يخفف من وطأته الشعر. والحديث عن القصة يطول، فهي ابتداءً مصدر متعة لي كما الرواية بالطبع؛ أن تحمل كل كلمة يكتبها فلسفة خاصة، من شأنها وضع معايير التكيف مع الحياة.
وهنا لا نتكلم عن حدوتة نقُصها على مسامع الآخرين فحسب؛ بل فن إبداع الحدوتة ذاتها بنكهة محفزة لإثارة الحواس. أما الشعر فهو هاجس الذاكرة المفضل في النـزوع إلى التروي والسكينة. والكاتب في رحلته الأبدية الشاقة، دائمًا ما يبحث عن هويته الإبداعية الخاصة، بصمته التي تخلق وجودها في عقول وقلوب الناس.
(كتابات) نشرت أول ديوان لك في أخبار الأدب احكِ لنا كيف حدث ذلك؟
- كان من الصعوبة بمكان، البحث عن دار نشر تغامر بنشر الكتاب الأول لكاتب غير معروف في الأوساط الأدبية. لذا فكرت في مراسلة أسرة تحرير جريدة أخبار الأدب، عسى أن يكون هناك صدى لما أكتبه. كان متوقعًا بعد مرور الوقت أنه لا أحد يلتفت هناك أيضًا، إلا أن رسالة إلى بريدي الالكتروني أثلجت صدري جاء فيها أنه تمت الموافقة على نشر الديوان ويحتاجون لصورة فوتوغرافية.
(كتابات) في ديوان (رقصة أخيرة برفقة ملاك) غزل عذب.. كيف هي صورة المرأة في شعرك؟
- المرأة ببساطة، تتمثل في نوتة موسيقية يدوزنها رجل أنيق بإيقاع يملك زمامه بغرور. ولا نستطيع الفرار من تلك الحلقة المفرغة وهي تمارس تطويق رقابنا، نحاول التحرر ونُستقطب من جديد.. ما يشبه مرانًا دائما على التشويق والإثارة.
(كتابات) في ديوان (رقصة أخيرة برفقة ملاك) شعر عن الحرب والإحساس بالوحشة في هذا العالم حدثنا عن ذلك؟
- الكاتب، لا ينفصل بحال من الأحوال عن التنفس بهواء مجتمعه. فتواصله مع المجتمع، قائم على ما يحويه من تراث وفكر ومعرفة وحضارة، ومتفاعل ليس فحسب تفاعلا مع المتغيرات المتسارعة، ولكن أيضًا دأبه البحث عن فرص خلاقة للابتكار والرقي بالفكر وعملا على إرساء قاعدة الوعي بالمعرفة.
وكما تنطق الكلمات بالفرح والأمل، تعبر أيضًا عن الحزن والألم والشقاء. كما ترسم ريشة الفنان بابًا في قفص العصافير لتتحرر، تطعنها في الظهر ضغينة المهووسين بالحرب. وفيما نكتبه رفضٌ تام لفكرة الحرب، لنزعة الصراعات التي اجتاحت العالم شرقه وغربه شماله وجنوبه. تلك النزاعات التي لا تخلف غير الدمار والفوضى.
(كتابات) في رأيك هل استقرت قصيدة النثر في أدبنا أم مازال يدار حولها الجدل ولما؟
- قصيدة النثر جنس أدبي مستقل. تقول “سوزان برنار” في كتابها “قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا”: أنها قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية… ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجًا عن كل تحديد”، كما يري الشاعر العراقي “عز الدين المناصرة”: أن قصيدة النثر هي نص مفتوح على أنواع سردية نثرية، وفيه درجات عالية من النثرية، أي أنه كتابة حرة، وبالتالي فهو جنس مستقل، لأن من مميزات قصيدة النثر: الاستقلالية بجانب الإيجاز والوحدة الموضوعية”.
الإشكال إذن الذي يتجذر في حلقات نقاش المؤتمرات والندوات التنظيرية ويروجه الشعراء والنقاد مناوئي قصيدة النثر، بما تحمله من هوية خاصة، على أنها “قصيدة سيئة السمعة” تقاطع أشكال الشعر أو تقاطع الشعر برمته، بات من الحقيقة بمكان أنه غير مقنع أو شافٍ لغليل منابر النشر التي فتحت آفاقًا أرحب ليتخفف البعض، بعد ذلك، من مواقفهم حيالها. وبات هناك من المرونة بمكان التعاطي بصورة جيدة مع كتاب قصيدة النثر.ولا أنكر أنها تمثل لي حالة من اكتشاف وجدانية الذات، استطعتُ معها التعبير بشاعرية متحررة من كل قيد أو شرط.
(كتابات) هل واجهتك صعوبات في النشر وما رأيك في حال النشر في المنطقة؟
- مرحلة النشر، في كونها معادلة صعبة مؤرقة، امتصت مني عمرًا ذقت فيه مرارات سنوات عجاف، بحثًا عن نافذة تطل منها كتاباتي.
وحال النشر شيء يصعب وصفه. إن كنت تبحث عن دور نشر حكومية فأنت ستقع بلا شك في فخ البيروقراطية، وهذا التخوف السائد لدى كتاب شباب كثيرين تنحوا عن الخوض في هذه المتاهة. أما إن بحثت عن دور النشر الخاصة فأنت أيضًا ستقع بين مطرقة ناشر يستنزفك ماديًا، وسندان سوء التوزيع.
لذا على الكاتب أن يبذل جهدًا مضاعفًا لعمل الدعاية والترويج لكتابه، ويسعى لتوزيعه، ولو بشكل فردي، على معارفه وأصدقائه وزملائه في العمل.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في مصر وهل يجد الكتاب الشباب دعمًا؟
- المجتمع بناء هرمي، ما لم تكن قمته مرتكزة على قاعدة ثقافية قوية لا يكتب له الاستمرار.
بما يمكننا القول أن هناك علاقة طردية بين تنمية المجتمع، تنمية تنبع من القاعدة سياسيًا واقتصاديًا، وتنميته أيضا ثقافيًا. ولا يأتي “فعل” البناء بمجهود فردي أو مجموعة “أفعال” فردية، لكن من تضافر جهود الدولة والمنظمات والمؤسسات المعنية بتلك التنمية، تنمية تُحدث تغييرًا جذريًا في بنية الوعي العام للمجتمع، وتسهم بصورة فاعلة في تشكيل رؤية الناس إلى تراثهم و إلى انجازات مبدعيهم ومثقفيهم المستنيرين في العلوم والفنون والآداب.
وبالحديث عن محاولات الكتاب الشباب البحث عن دور نشر تؤمن بموهبتهم وتدعم منتجهم الذهني، فهي جد بائسة إذ تقابل بمعوقات عدة من بينها أن أغلب دور النشر لا تفكر في معيار جودة الأعمال المقدمة إليها بقدر ما تبحث عن مؤشر الربحية.
(كتابات) هل ساعدتك وسائل التواصل الاجتماعي على الوصول للقراء؟
- بلا شك، تعد وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة سهلة تستأثر بقبول وتجاوب كثير من الكتاب والمشتغلين بالثقافة والمعرفة، فهي تساعد في تبادل المعلومات والملفات والصور ومقاطع الفيديو، لما تتضمنه من آلية وقدرة على التأثير، وما لدورها الحيوي في تشكيل اتجاهات الرأي العام.
وكانت بمثابة قنطرة أعبر خلالها بكتاباتي ومشاريعي الإبداعية إلى ملايين من مستخدمي الانترنت، بالإضافة إلى أنها ساعدتني في مد جسور التواصل مع نقاد وأدباء من أجيال وأطياف فكرية مختلفة.
(كتابات) ما هي الصعوبات التي واجهتك ككاتب وما هو جديدك؟
- دائما ما تكون صعوبة النشر هي التي تؤرق كل كاتب. ومع مرور الوقت أحاول التغلب عليها.
في الوقت الراهن أعمل على الانتهاء من رواية مخطوطة، ظلت حبيسة الأدراج لفترة زمنية طويلة. بالإضافة إلى مجموعتين شعريتين جاهزتين للطباعة. ومجموعة قصصية مزمع الانتهاء منها قريبًا.
قصائد لمحمد حسني عليوة..
طوبي لعشّاق الدرب
أزورُ مُقلتيكِ كلّ صباحٍ
أزفُّ إليهما الشوقَ
مشبوبًا
وممتنّا.
أزوركِ،
في جعبتي العشقَ
والنرجسَ الفوّار بالزهوِ
أضِيفُكِ من لدنّي
كلّ ما صُغْتهُ
، في عينيك،
شِعْرًا
ونسَجْتهُ
مِن لحَمِ سَريرَتي
فصار يفوحُ عِطرًا
عبقريًّا،
من ” لدنّـا”
في صُرّةِ القلبِ،
اعترى وجْدي فتورٌ
– لبعضِ العمرِ-
فهَلُمّ نَسْقِيهِ اليومَ
عِشْقًا
ففي مجونِ العشقِ:
فَنـّا
……….
طوبى لمزيجِ الشّهوةِ والفورانْ
طوبى لحضورِ الرؤيةِ والنسيانْ
طوبى للقفزِ على زَفَراتِ العُمرْ
واستنشاقِ الحبِّ على حِرْمانْ
………
وطوبى،
لمن صار
على الدّربِ
وغنّى.
***
سهرة على إحداثيات الغياب
أنتِ،
وكل المدن التي
ترفرف منهكةَ التفاصيل،
مثل روحٍ غزَتْ شرايينَ الكونِ
انتشاءً بمزاجِ الحرية.
….
حين يدورُ مُشغِّل الموسيقى
ينهش جلدي لهبُ الرقصِ
ويضّج في ضلوعي
صهيلُ الرغبةِ في الهذيان!
…..
على وقع ارتعاشاتِ يديكِ
صَنعْتِ لي قُرصَ شَمسٍ
من حَفيفِ جِنّياتٍ رقصنَ صَخبًا
بإيقاعِ تنفّسكِ السيمفونيّ..
وبقيتُ أغني، طربًا،
حتى سقطتِ من رأسي
منهارةً كذكرياتٍ مريرة،
فوق خشب البيانو العتيق.
……….
لا ندري ما الحب إن تلاقينا
وماذا قد كان في تجافينا؟!
….
أنا الطائر السرمدي المجنح،
و الأبيض الدامس في السراب..
أنا الضائع في الرمال
فلا كفّتْ نوارسُ البحرِ عن كشف أصدافي
ولا كفّ شلالُ الحزنِ يغسل مقلتيّ برفق.
……….
من منا تمنحه الريحُ نصالها الحمراء
ويقصّ من نعومة حزنه السفر؟
أي سفرٍ تقصده القلوب،
معطرًا بالفقد،
إن لم تكن الليالي الحبلى بالوجد ثكلى؟!
……….
حين مضى بنا العمر،
توقف القلب
وانسلخ الشريان إلى قضاء سهرته
في الغرفة المظلمة.
***
قبل الحياةِ بأمتارٍ قليلة
أجلسُ إلى طاولةٍ بعيدة
ككلبٍ،
يُسقِطه الخوفُ والتّيهُ
وبردُ المدينةِ القارس
في غياهبِ زاويةْ.
يُسكِته مفوّه صاخب
يعلن الحربَ على الحزبِ الحاكمِ
ويلعن كلّ الأحذيةِ
في رُدهاتهِ الخاويةْ
لا شيء يشبهني
ولا أشبه شيئًا
تفيض في كأسهِ الخمرُ
وتكسر فيه التعاسةَ غانيةْ.
…………….
أجلس إلى طاولةٍ بعيدة
أتركُ رأسي كاملةً عليها
ثم برفقٍ أنزعها….
والناس من حولي:
– آكلي العشب الطيبين،
الودودين لكلِ خسارةٍ تدميهم-
يقفزون في خطى كنغر مذعور
في حواريها
.. شوارعها
.. ضواحيها
نواصيها المنبعجة
أشرطة التروماي
المغضنة في جبهة الزمان البالي
/تأخذهم/
/تسحبهم/
/تهادنهم/
تمررهم من ثقوبٍ صغيرة
إلى نافذة أرحب اتساعًا
من اللاشيء!
………….
وأنا أجلس إلى طاولة بعيدة
في كوكب يسير بمفرده
وقارة تتلكؤ في طلبِ الخبز
ورغبة الوقوف تحت الشمس
لتجف تحت جلدتها الرطوبة
هناااااك،
ولا شيء غير هناك
قرب الحياة بأمتارٍ قليلة،
أترك للكآبةِ منافيها
للبحارِ موانيها المعطلة
للعالمِ حزنَه الكابي
وأعتصمُ بنبضِ قصيدةٍ
يخفق في ضبابِ الأسئلة.
وأنا أجلس إلى طاولةٍ بعيدة
أفكر في أن أسأل نفسي:
عن حياة أخرى،
لا تأتي قبل أمتارٍ قليلة،
نسيَ الموت في جيب سترتها قنبلةً موقوتة!
وهل يَصلح الحرثُ في الماء؟
ما ضرّكَ،
إن أنهكتَ القلب شوقًا
والعينَ انتظارَ النهار
والروحَ بعثًا بالرجاء
لا يُلام البحر
إن ماجتْ حواشيهِ
شغفًا،
بنيلِ الهوى
وهل يَصلح الحرثُ في الماء؟
يا لهفةَ الوجدِ حين يمسّه
من معينِ القربِ عَوْدٌ
يجبـُر النأيَ بوعدِ اللقاء
هائمٌ،
لا غرو إن أضحت به الدنيا
يجرب في ضنكها الحزن اللدود
بوفرةِ الداء!