10 أبريل، 2024 7:00 م
Search
Close this search box.

رواية تانغو طوكيو.. رحلة امرأة من التبعية إلى تحرير الذات

Facebook
Twitter
LinkedIn

 خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (تانغو طوكيو) للكاتبة اليابانية “ريكا يوكوموري” تحكي عن فتاة ضعيفة عانت من أم متسلطة طوال طفولتها، تظل تشعر بالضعف والاتكالية سنوات عديدة، إلى أن تستطيع في النهاية تحقيق استقلاليتها النفسية والفعلية.

الشخصيات..

سايا: البطلة، بدأت الرواية وهي فتاة مراهقة في التاسعة عشرة  من عمرها، تعيش في الحياة بتخبط وتشعر دوما بالخواء ولا هدف لحياتها، إلى أن تحب رجلا وتتخذه هدفا لحياتها، ونتيجة لحياته الخطرة تعيش هي أيضا حياة متذبذبة وغير مستقرة، ثم تقع في غرام رجل آخر مخالف تماما في صفاته للرجل الأول، ثم وبعد وقت تقرر أن تحق استقلالها النفسي.

أم سايا: سيدة قوية، كانت تنتمي لأسرة معروفة بانغماسها في المقامرة مما أفقد الأسرة أموالها وثرواتها وأجبرها أن تتحمل مسؤولية نفسها منذ صغرها فعملت وكافحت طوال حياتها، وكانت لا تهتم بإظهار نفسها كأنثى جميلة، كما اتسمت بالتسلط مما انعكس على زواجها وأصبح زوجها يعاني، ثم هجرها في النهاية وتزوج من سيدة كان تعمل في بار.

أبو سايا: رجل لطيف ضعيف الشخصية نوعا ما، استسلم لتسلط زوجته عليه وكان يعاني في صمت، مما أثر على طفولة “سايا” وجعلها دوما تشعر بالذنب تجاهه، وفي النهاية هجر زوجته وأحب سيدة كانت تعمل في بار.

بوغي: رجل في أواخر الثلاثينات تعرفت عليه “سايا” حين كانت في ال19 من عمرها ووقعت في غرامه، وعاشت معه حوالي أربع سنوات، حيث كان يمثل بالنسبة لها الأمان الذي افتقدته في أسرتها، وكان نموذج للأب الذي افتقدت حنانه ورعايته، لكنه كان يعمل في سوق الأوراق المالية وعمله كان في جزء منه غير قانوني، فكان يكسب أموالا طائلة لكنه ينفقها باستهتار، كما كان لديه نزوع للمقامرة وعمل علاقات بنساء أخريات، ثم سجن في النهاية نتيجة للعمل غير القانوني لشركته.

كاورو:  كاتب على درجة من الثقافة انبهرت به “ساي”ا وتركت “بوغي” لأجله، لكنها بعد أن سافرت معه إلى نيويورك اكتشفت أن حياتها معه لم تملأ الخواء داخلها، وإنما دفعتها إلى إدمان الكوكايين والكحول.

الراوي..

البطلة “سايا” هي التي تحكي عن نفسها بضمير المتكلم، تروي في تصاعد حوالي خمس سنوات فارقة من حياتها، ومن تنقلها من مرحلة المراهقة إلى الشباب، وتحكي عن باقي الشخصيات الأخرى من خلال وجهة نظرها ورؤيتها لهم، وتترك مسافة قصيرة لهم للتعبير عن أنفسهم من خلال الحوار.

السرد..

السرد محكم البناء يعتمد على أحداث متصاعدة، الرواية تقع في حوالي 332 صفحة من القطع المتوسط، وتصور كيفية تطور شخصية البطلة من شخصية تابعة سلبية إلى الاستقلال والتحرر والتصالح مع الذات، ويتسم السرد بالاهتمام بدواخل البطلة وتطور شعورها تجاه الحياة وتجاه الشخصيات الأخرى.

الاقتصاد الريعي والرأسمالية الطفيلية..

أهم ما تقدمه الرواية هي رحلة شابة مراهقة في اليابان، في فترة الثمانينات من القرن الماضي، من التبعية إلى الاستقلال، حيث أن الرواية رغم أنها تحكي عن “سايا” وحياتها إلا أنها تقدم خلال ذلك صورة عن المجتمع الياباني في الثمانينات، وبالتحديد عن هؤلاء الذين استفادوا مما أسمته الكاتبة ،أكثر من مرة، الفورة الاقتصادية لليابان، مثل “بوغي” والذين كانوا يتربحون أموالا طائلة من نمط الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على أسواق المال والمضاربات في البورصة، فشركات كثيرة في تلك الفترة تربحت أموالا طائلة من خداع الناس ومن المضاربات في البورصة، مما خلق طبقة من الرأسماليين الطفيليين الذين يتربحون دون إنتاج اقتصادي فعلي، هؤلاء الذين ينفقون ببذخ واستهتار ويعيشون حياة الرفاهية في الفنادق والأماكن لفاخرة، ويقيمون علاقات جنسية وحميمية مع فتيات صغيرات حيث أنها أصبحت ظاهرة في ذلك الوقت.

كما رصدت “سايا” أحوال البارات في اليابان وكيف أن المراهقات في ذلك الوقت، اللاتي كن يلتحقن بالجامعات كطالبات، كن يلجأن إلى العمل في البارات كمضيفات بضع ساعات في الليل، لكي يتحصلن على نقود ينفقنها على الملابس والأزياء والمتطلبات الحياتية، حتى تظهرن في أناقة كاملة وتتماشين مع النموذج المجتمعي المتعارف عليه في ذلك الوقت لطالبة الجامعة، التي ولابد أن ترتدي ملابس من ماركات عالمية وتكون جذابة ومتأنقة، والعمل كمضيفة يعني مجالسة الزبائن والذين في الغالب يكونون من الرجال في منتصف العمر أو أكبر، وقد يمتد الأمر إلى بيع أجسادهن مقابل المال في فنادق خصصت لمقابلات الغرام فقط، ويبدو أن البغاء والبارات كانت ظاهرة في تلك الفترة في اليابان تزامنا مع “الفورة الاقتصادية” التي حدثت.

لقد عملت “سايا” مضيفة في بار أثناء دراستها بالجامعة التي أرغمتها أمها على الالتحاق بها، وأيضا تورطت في العمل بالبغاء ولم تكن تشعر أنها تقوم بأمر سيء، رغم أن أمها كانت تنفق عليها ولم تكن تحتاج لمال، وكانت تفعل ذلك فقط لتشتري ملابس وأشياء تحسن من مظهرها، ولتستمع برفاهية ما كانت سائدة في أوساط المراهقين في ذلك الوقت.

من التبعية إلى تحرير الذات..

حين تعرفت “سايا” على”بوغي”، أثناء عملها نهارا في شركة تجارية، تعلقت به وقررت أن ترتبط به وكان بمثابة الأب المفقود بالنسبة لها، وعاشت معه ظروف متقلبة، فقد كان أنانيا استحواذيا يشعر بأنه يمتلكها وفي نفس الوقت كان يعاملها بعنجهية ذكورية، وكانت تتحمل ذلك رغم أنه في فترة من الفترات كان يعاني الفقر، وحتى حين تتحسن أعماله فإنه يذهب لأخريات للترفيه، لكنها رغم ذلك تحملت تلك الحياة لأنها كانت تشعر بالأمان في التبعية له، وكأنها استبدلت أمها المتسلطة التي أخضعتها سنوات طوال ب”بوغي” الذي يمتلكها وينفق عليها، ويعزز لديها الكسل والاتكالية، لكنها كانت تشعر بين حين وآخر بالملل وبالخواء يملأ ذاتها ومع ذلك تستسلم لمزيد من التبعية، لكن حين قابلت رجلا آخر مختلفا كليا عن “بوغي” انجذبت له وكانت هذه البداية للتخلص من التبعية ل”بوغي” لكنها كانت تبعية لرجل آخر حتى وإن كان أكثر ثقافة.

وبعد تردد هجرت “بوغي” وعاشت مع “كاورو” في نيويورك لكنها لم تجد الراحة أيضا، وأحست أنها لازالت خاوية ولازال الشعور باللاجدوى ينتابها، حتى أنها اتجهت لإدمان الكوكايين والكحول، لكن وبعد جهد ونوبات ضعف كثيرة قررت أن تتحرر من تلك التبعية وتختار لنفسها طريق، وتواصلت مع رغباتها الحقيقية لتكتشف أنها كانت ترغب منذ طفولتها في أن تصبح صانعة ملابس، لكن أمها منعتها فقررت أن تدرس لأجل ذلك، وساعدتها أمها أخيرا معترفة لها بأن تسلطها ربما هو أحد أهم الأسباب في تخريب حياتها، واستطاعت “سايا” أن تدرس اللغة الانجليزية في نيويورك والأزياء، ووجدت طريقها وقد سجن “بوغي” وانتهت الرواية على ذلك.

الرواية مميزة لأنها قدمت شخصية متطورة تتحول من حالة إلى أخرى بفعل التغيرات التي تحدث لها، كما أنها كشفت عن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لليابان في فترة الثمانينات، كما رصدت كيف كانت تعامل المرأة في تلك الفترة حيث أن العمل بالنسبة للنساء في ذلك الوقت كان عملا هامشيا مقارنة بالرجال، كما كان النساء يتقاضين أجرا ضئيلا وكان من النادر أن تحقق المرأة تراكما اقتصاديا ومهنيا، فقد كان هناك تمييزا جنسيا ضد النساء في ذلك الوقت مما دفع بعض النساء إلى العمل في البغاء أو في البارات، وفي مصاحبة الرجال الأثرياء، أو البحث عن رجل في مهنة جيدة لتتزوج منه ويعولها.

الكاتبة..

“ريكا يوكوموري” كاتبة يابانية مولودة عام 1963 ، نشرت أكثر من 30 كتابا في العشر سنوات الأخيرة، ترجم لها إلى العربية رواية “تانغو طوكيو”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب