خاص: حاورته- سماح عادل
“محسن النوبي” كاتب مصري، من مواليد محافظة قنا، يعمل مهندس زراعي، صدر له مجموعتين قصصيتين: (جبل الرماد- قطرات على زجاج الحلم المكسور).
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
- البداية بالكتابة كانت من أوائل التسعينات، وذلك أثناء المرحلة الثانوية حينما أكتشف أستاذ اللغة العربية تباشير الكتابة الأدبية لدي في أحد موضوعات التعبير التي كلف الفصل بها، وكتبت الموضوع وعرض على الأستاذ وقال لي دي قصة، وكانت شبه مكالمة، وكان معي زميل في الفصل اسمه عبد الله مبارك قال لي: أنا بروح قصر ثقافة قنا، وفى هذه الأيام كانت قنا زاخرة بالكتاب والشعراء أمثال الكاتب الكبير “محمد نصر ياسين” والشاعر “محمود مغربى” و”فتحي عبد السميع” و”كرم الأبنودي”، والعديد من كتاب القصة وعرضت عمل لي، وكان ينقص كثيرا من مقومات القصة ولكن بتوجيهات كاتب القصة “فتحى سعد” الله يرحمه أخذ النص وأعاد صياغته وأعطاني إياه ومدني ببعض الدوريات، ومن تلك الأيام بدأت بالكتابة.
(كتابات) لما اتجهت لكتابة القصة القصيرة؟
- اتجهت لكتابة القصة وأيضا اتجهت لكتابة شعر العامية، ولكن القصة لدي كانت أكثر أهمية لما امتلكه من القدرة على السرد والوصف، سواء بالنسبة للشخصية أو المكان مع وحدة الحدث.
(كتابات) في قصة “قطرات على زجاج الحلم المكسور” تناولت تغيرات الزمن التي تعبث بالبشر والحزن الذي تخلفه في عيونهم حين يدركونها.. حدثنا عن ذلك؟
- أما عن قصة “قطرات على زجاج الحلم المكسور” فهي تضمنت رؤية سيدة تعاني الإهمال من أولادها وهى معاناة جحود الأبناء لوالديهم، وكان الندم الذي يصيب الأبناء بفقدان أعز الناس، والصورة المغايرة من يشعر أن العبء عليه في خدمة العاجزين تملئ عيونهم الفرحة، هذا من الرؤية السطحية ولكن لها مغزى سياسي في الأرض العربية التي تقلصت وخاصة فلسطين.
(كتابات) في قصة لقاء تناولت قصة حب.. كيف هي صورة المرأة في أدبك؟
- أما عن قصة “لقاء” فهي تناولت التخلص من الوحدة بلقاء الحبيبة، وهى أيضا الأم وفقدان الحنان الذي فقده البطل بعد موت الأم، فالأمر هنا أيضا كان رحم الشجرة التي كانت تحتضنه في تجويفها، وهى رمزية. صورة المرأة في قصصي تعبر عن صورة الأم والحبيبة والأخت هي الجزء المكمل للرجل، وربما يرجع ذلك للحبيبة الأولى وهى الأم.
(كتابات) من أين تستلهم شخوص قصصك وهل يلعب الخيال دورا كبيرا؟
- استلهم شخوصي من الحياة، أتفاعل معهم ويتفاعلوا معي وينعكس ذلك في كتاباتي مع خيال الكاتب بداخلي.
(كتابات) هل الكتاب في الأقاليم مظلومون.. وما هي مشاكلهم؟
- كتاب الإقليم الآن مع الأجهزة الحديثة ووجود الانترنت يمكنهم التواصل بسهولة ونشر نصوصهم وأعمالهم على عدد كبير من القراء.
ولكن لا يمنع ذلك أن هناك ظلم يقع على كتاب الأقاليم، وخاصة البعد عن القاهرة والمنتديات والصحف الكبرى وخاصة أن القائمين على الصفحات الأدبية ينشرون لمعارفهم مثل “الثقافة الجديدة”، وبالذكر أذكر المرحوم الكاتب “محسن الخياط” الذي كان يهتم بالأدباء وكان هو أول شخص ينشر لي قصة في جريدة الجمهورية في عدد الخميس، ولم يكن يعرفني، فقط طابع بريد على مظروف وخطاب عادي وكانت القصة بالجريدة.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في مصر؟
- حال الثقافة في مصر متردي عما سبق، ربما يرجع ذلك بسبب القائمين على العمل الثقافي، وعدم نشر الوعي لدى الكاتب، والمتلقي الذي يبحث عن الوجبة السهلة مثل مشاهدة المسلسلات التي نشرت البلطجة في الشارع المصري، مثل الكثير من الأفلام الحديثة، البطل يستخدم السلاح الأبيض والكلمات المتداولة سيئة، بدون ذكر أسماء.
(كتابات) هل حاولت أن تكتب رواية وفي رأيك هل تراجعت القصة أمام طغيان الرواية؟
- فعلا حاولت كتابة رواية وحاليا أعمل على كتاباتها واسمها “وجه القمر”.
(كتابات) في رأيك هل يشكل النشر عقبة في وجه الكاتب وكيف ذلك؟
- النشر الآن لا يعتبر عائق لأن النشر موجود في “الفيسبوك” والجرائد الالكترونية، كل شيء أصبح متاحا.
(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتب وما هو جديدك؟
- الآن لا توجد صعوبات والجديد لدى مشروع رواية “وجه القمر”.
قصتين لمحسن النوبي..
قطرات على زجاج الحلم المكسور..
تفك ضفائرها أمام مرآة العمر وهى تنظر للسنين التي تلحق بها. ترفضها وتحاول أن تقهرها مع لحظات الشباب التي تتذكرها، تراه جالسا ينتظرها، وهى تقدم له الغداء ووجهها تشرق منه ابتسامة تداعب شفتيها تحت شجرة الجميزة، التي شهدت طفولتهما وشبابهما. كان يتسلق تلك الشجرة في مهارة، يشعر بأنها تحني له جذعها كعادتها حتى يصل إلى أعلي فرع فيها، يأخذ ثمارها التي شرطها بمشرطه, يلقى التالف الذي نسيه ولم يجمعه من قبل على الصبية الذين يقفون على الأرض، ويجمع الذي اكتمل نضجه في كيس صنعته بيدها.
يهبط النهر الذي يداعب جذع الجميزة بأمواجه الهادئة، يخرج أجمل وأحلى الثمار ويعطيها، ترفع حاجبا دون الآخر.
– حلوه.. حلوه قوى.
– بس مش زيك.
تضحك تتمايل في خجل.
- والله كبرنا.. وبقينا نتكسف تضع يدها على عيونها ومن بين أصابعها تلاحظ عيونه تتفحصها.
يتفحص وجهها الأبيض الناصع البياض وعينيها السوداوان وشعرها الأسود الناعم كالحرير، الذي يظهر جزء منه تحت طرحتها الرمادية التي تكمل لوجهها استدارته. يمسك يدها وعيونه تطوق عيونها. يتسلق الجميزة التي تحنى له جزعها كعادتها له ليصل إلى الفرع الذي يلامس النهر، ينكسر الفرع ويسقط هو، تزداد ضربات قلبها، اتسعت حلقات توتر ماء النهر وانكمشت في داخلها.هو لم يخرج، نسيت أنه يجيد الغطس تحت الماء, يهبط في مكان ويخرج من مكان آخر، جاء خلفها بخفة لم تشعر به, أغمض عينيها، شعرت بأنفاسه الساخنة تلهب وجنتيها، يقبلها. نظرت له وجرت تاركة ثمار الجميزة وأثار أسنانها على واحدة.
لم يغب طويلا، حتى رقصت الخيول على صوت المزمار أمام بيت أبيها وأهل القرية يهنئون، يومها تورمت ركبتها من القرص، البنات اللاتي لم يتزوجن يطبقون المثل.
(اقرصوها في ركبتها تحصلوها في جمعتها) في الصباحية (تغلبيه بالعيال, يغلبك بالمال).
قطرات الدموع أوشكت على الهبوط، كان يسمع ندائها تطلب منه أن يخلصها من أفعال أبنائها الذين انحازوا إلى زوجاتهن ضدها وهى وحيدة.. جاءها ومعه ثمرة الجميز.
كان أبنائها ملتفين حولها، طلب منها أن تنظر إلى وجوههم وأن تقرأ عيونهم، العيون تفضح أصحابها يلاحظ اندهاشها أنى أرك معافي مما كنت فيه، ساقاك تحملانك كسابق عهدك قبل أن تتركنا.
حمارك العجوز شعر بوجودك معنا، بدأ يرفس في الداخل يريد الخروج من الزريبة، لكي تضع البردعة عليه ليحملك إلى…
- ليه سكتي، وحشني كلامك؟!
قطرات الدمع تنساب منها, تنام بين تجاعيد خدها.
- تقصدين أن يحملني إلى الأرض.
- الأرض التي لم تعد موجودة إلا في خريطة الذاكرة.
تلك الخريطة التي تقلصت حدودها ولم تعد إلا بقعة, كادت أن تموت وتختفي, نعم فرطوا فيها.. أما شجرة الجميز فهي الوحيدة سلوتى. التي كلما تذكرتك سبقتني دموعي وتساقطت تحتها مثل حبة الجميز. فكنت أشعر بأنفاسك تخرج منها, أراك وأنت تتسلقها كعادتك, وهى تبسط جذعها لك, وتقطف لي ثمارها التي شرحتها بشفرتك وتعطيني واحدة منها. تفيق على قطرة ساخنة ألهبت وجنتيها من أحد أبنائها, الذي يتوسل لها أن تسامحه.
تحدثه
– هل رأيتم أبوكم؟ إنه معنا.
– لأحد يشعر بوجودي هنا.
– تتركني لكي أعود إليهم.
– تعودين وتتركيني!
– لا لن أتركك.
أومأ برأسه
- اجعليهم يزينونك لكي تعودي لي تعودي في أكثر صحة, وتتعافي من غليان الدم الذي في رأسك. ونعيش سويا إلى الأبد .
ابتسمت وهى تحدق في وجوه مودعيها. منهم من كان يبكى بحرقة.. وآخرون كانت عيونهم تنطق بالفرح.
…….
ملك..
المولد, الناس فيه تموج, تتزاحم في الممر الذي يصل للجامع حيث يرقد صاحب المقام, هي لا تعرف شيء,غير أنها خارجة مع عمها, تنظر إلى والاستغراب يملأ وجهها الطفولي.
تسال نفسها من أكون؟
انظر إليها, أحاول فك طلاسم وجهها, ونظراتها حينما كانت تنظر لي. الأضواء تجذبها, والأصوات التي تخرج من مكبرات الصوت, من مديح وأغاني. لم تستطع المشي على أقدامها من تزاحم أفواج البشر القادمين من القرى والمحافظات المجاورة. الكل متجمع في نفس المكان, كنا نخاف أن تدهسها الأقدام، وقفت أمام فاترينة الألعاب والدمى, بادرت بشراء عروسة صغيرة بشكل الدبدوب, تضئ كلما أمسكتها.
رفعها عمها على كتفيه, تنظر للعبة التي في يديها, تلقيها في الهواء, ترجع لها مرة أخرى, عبر الاستك المربوط, ما بين أصبعها, ورأس الدبدوب, فكلما ألقته يضئ، وكلما ضغطت عليه يخرج صوت, وهو يتأرجح بالاستك المطاطي.
تبهرها الأضواء، جلسنا على البلدورة أمام الجامع، أشارات بأصبعها على رجل يرتدى جوال من الخيش فصلة جلباب له أفزعها شكله, وعلى عاتقه يحمل قربة من الماء, يلف بها ويسقى من يقابله. رفضت البقاء في المكان, خرجنا من حيث عدنا, مرة أخرى للخارج, متجهين إلى استاد قنا، حيث الألعاب والناس تموج أكثر.
هي مازالت محمولة على كتفي عمها، كلما أشارت على شيء وقفنا, تريد أن تشتري كل ما تقع عينيها عليه، إعجبتها البالونة الحمراء، الطرطور الورقي، الدمية في شكل عروسة. كما خطفت بصرها العربة البلاستيكية، المرجيحة الهوائية، وشدتها الأصوات المتداخلة والمتشابكة، لتصنع بانوراما تظل في ذاكرتها كلما مرت في هذا المكان مستقبلا..
التنورة ، عروسة كبيرة تلف في دائرة على بست حديدي وللناس تلف بداخل الدائرة, حول الاسطوانة الكهربائية في الأقفاص الحديدية, طلبت أن تركب بأحد الأقفاص، وتدور مع ركاب الأقفاص الحديدية، فرفض نظرا لظروف الضغط التي يعانى منها. ربما يحدث له هبوط مفاجئ، فهي لا تعرف معنى الضغط،هى تعرف اللعب, جلست حزينة، بينما هو ينظر إليها يحاول إرضاءها.
عرض صورها التي التقطها لها, في القطار الذي ركبته, ابتسمت وحولت نظرها للعربات الكهربائية التي تصطدم مع بعضها. كل شيء حولها غريب، أخرجت الدبدوب, وضعته بجوار العروسة. طلبت منى أن اربط البلونات في أستك الدبدوب، أرتفع الدبدوب في الهواء وهى تنظر إليه .يزداد في الارتفاع مضاء, ويخرج صوتا, تلتهمه صوت مكبرات الصوت، وهى مابين الضحك والبكاء على دبدوبها الذي انطلق عاليا يتأرجح في الهواء.