15 نوفمبر، 2024 6:59 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. فتحي إسماعيل: على الكاتب أن يخلق رؤية لمجتمع يحلم به

مع كتابات.. فتحي إسماعيل: على الكاتب أن يخلق رؤية لمجتمع يحلم به

خاص: حاورته- سماح عادل

“فتحي إسماعيل” كاتب مصري، مواليد 1975 سوهاج،  حاصل على ليسانس دراسات إسلامية وعربية جامعة الأزهر، يكتب القصة القصيرة منذ 1992، صدرت له مجموعة (مقاطع من لحن عنيد).

إلى الحوار:

(كتابات) كيف بدأ شغفك بالكتابة وكيف طورته؟

• بدأ شغفي للكتابة منذ المرحلة الابتدائية، حين كنت أعتبر حصة التعبير في اللغة العربية من أجمل الأوقات، وكنت أجد ذاتي في الكتابة وأحاول التعبير عن رؤيتي للطبيعة وللحياة وللناس والأشياء بشكل مختلف، ثم تطورت في المرحلة الإعدادية إلي محاولات شعرية وبعدها بدأت بكتابة الخواطر في مذكرات شبه يومية، إلى أن استقر الشكل المفضل لديّ في الكتابة وهو القصة. وتعتبر أول قصة مكتملة لي هي (سيرة صرصار) وكنت قد أنهيتها في الصف الثاني الثانوي.

كما أعتقد أن مرحلة الشغف بذاتها هي التي دفعتني للتطوير بالاطلاع على الأدب العربي بشكل شبه ممنهج، وقبل ذلك كنت أطالع من باب التسرية عن النفس والشغف الروايات، سواء أكانت العربية أو المترجمة، أو تلك التي تحمل طابع الإثارة كروايات “آرثر كونان دويل” مبتكر “شيرلوك هولمز”، وروايات “موريس لوبلان” مبتكر شخصية “أرسين لوبين”، وبالطبع روايات “أجاثا كريستي”، ومن الجدير بالذكر أن أول روية قرأتها في المرحلة الابتدائية كانت (الغريب) ل”ألبير كامو” و(بول وفرجيني) بترجمة “مصطفي لطفي المنفلوطي” التي عنونها ب”الفضيلة”.

(كتابات) في مجموعة (مقاطع من لحن عنيد) في قصة (عوسجة) تناولت القهر الذي تتعرض له المرأة التي تتعرض للاغتصاب.. حدثنا عن ذلك؟

• في الحقيقة هذه القصة من أكثر النصوص التي أرهقتني نفسيا وأخذت جهدا لا أدعي أني قصدته، فالبداية حلقة تليفزيونية لاحظت فيها تعنت المذيع وملاحقة الفتاة القاتلة، ورغم كون جريمتها بشعة لا أدري لماذا شعرت بذلك الشعور الخفي بتعاطف معها، وخصوصا نظرة عينيها التي لم تكن تحمل انكسار المتهم أو القاتل أو المذنب، بقدر ما كانت تصلني نظرة انتصار وسكينة، نظرة إنسان تجاوز مرحلة خطِرة، انفعلت بحديثها المتدفق عن خطورة أمثال الشاب القتيل على المجتمع، وأنها قتلت فردا بينما كان يغتال أسرا كاملة كل يوم، بدأت إتباع بشغف حكايتها في الجرائد ولم أجد جريدة واحدة تقف بجوارها، حتى التقيت بأحد شباب قريتها بالصدفة، وبمجرد أن أخبرني عن انتمائه لنفس القرية سارعت بسؤاله عن القصة الحقيقية وراء ما حدث، رد علي بجملة “لو سألت أي طفل صغير في القرية سيخبرك أن القتيل كان يستحق الموت أكثر من مرة”.

أنا هنا لا أدافع عن جريمة بشعة كالقتل، ولا أعطي للمظلوم الحق في القصاص بيده، ولكن لا أدري إن كان ما وددت طرحه في النص من تداعيات القهر الذي سببه فرد في مجتمع كامل، يخشى الفضيحة كالموت ويهرب من المجتمع بالصمت المقهور قد وصل للقارئ أم لا؟.. وقد ابتكرت في النص شخصية الصديقة، وهي وغير موجودة في الواقع، لأتساءل من خلالها أي الطرق ستسلكها لو تعرضت لنفس المحنة من القهر  حتى من أقرب الناس، وكيف يطيب أحيانا للمجتمع أن يعامل الضحية كمتهم، والمتهم الحقيقي حتى وإن طالته عقوبة لا تشفي ولا تداوي ما خلفه من جروح، في رأيي الشخصي القهر والقتل والاغتيال المعنوي عقوبتها مثل القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، واسمحي لي أفتح القوس ليضم القهر غير الاغتصاب، القهر العاطفي والاقتصادي وغيرها مما لا ينهي حياة ولكن يقتل الرغبة فيها.

(كتابات) في مجموعة (مقاطع من لحن عنيد) في قصة (تحقيق) المدرس خنق المحقق.. هل تميل في قصصك نحو الأحداث غير المتوقعة؟

• على وجهي ارتسمت ابتسامة جزِلة لسؤالك، لا أدري إن كان ذلك حال يخصني أم يخص الكثير من الكتاب، أنا يا أستاذة لا أضع النهايات لمعظم قصصي، أنا أنتظر الفكرة ومن ثمّ أشرع في الكتابة وأترك للأشخاص التصرف حسب ما رسمته لهم في ميلاد النص وكل يختار مصيره.

في نص “تحقيق”، وهو من النصوص القديمة نوعًا ما، كنت أراقب من نافذة مبنى حكومي حركة الشارع وهنا ولِد النصّ، وبدأت في تخيل الديكور وشكل البطلين وتركت الحوار بينهما يتداعى، وصدقيني فوجئت بردّ فعل القاتل.. وهذا يعيدنا لسؤال السابق عن القهر.. من القاتل فعليًا؟، هل الذي وقع عليه القهر فانسحق الإنسان فيه ولم يجد مهربًا من فعل اضطر إليه، أم أنه الذي قام بفعل القهر بلا أي مبرر، إلا لكون السلطة التي خولّها له المجتمع جعلته يتجاوز دور المحقق ليقوم بدور آخر لا يحق له.. المقتول من وجهة نظري في النص هو من قاد القاتل وهو الفاعل الحقيقي في النص.

(كتابات) هل تكتب القصة القصيرة فقط أم سعيت لكتابة الرواية؟

• في بداياتي وعلى أثر تأثري بقراءة “نجيب محفوظ” تحديدا وخاصة في (ثلاثيته) و(خان الخليلي) و(القاهرة 30) وجدتني منساقا للتقليد، فكتبت روايتين، ورغم اختلاف موضوعيهما إلا أنهما كانا من وجهة نظري مكتوبتان برد فعل المحاكاة لأسلوب ولغة “نجيب محفوظ”، فألقيتهما بعيدا ونسيتهما، وفي نفس المرحلة كتبت سيناريو كامل لفيلم مأخوذ عن إحدى الروايتين.

لا أقول أنني سعيت لكتابة الرواية ولكن لدي أفكار تصلح لكونها تستحق الكتابة كعمل روائي، ولكن القلق الذي يشملني يجعلني أتردد في خلق عالم لا أدري إن كنت سأنجح في تكملته أم لا؟، أعتبر نفسي إنسان يخشى المغامرة والتخطيط، وإن كنت بالفعل أكتب حاليا بين الحين والحين في روايتين لا أدري حتى إذا كانتا ستنتهيان أم لا.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات في النشر.. ولم؟

• أول نص متحقق لي كتبته في 1992، ولم أكن أفكر في النشر، وإن كانت نشرت لي بعض البورتاريهات والقصص في مجلة متخصصة في العام 2003، بواسطة شاعر صديق، وعن نفسي لم أسع للنشر حتى جاءت مسابقة “عماد قطري” للنشر، وألح علي بعض الأصدقاء للتقدم ووافقت، ولكن لا أستطيع أن أقول أنني واجهت مشكلة حقيقية بمعني أنني سعيت السعي اللازم الذي ألوم غيري عليه.. ربما العيب في أنا.

(كتابات) ما تقييمك للحال الثقافي في مصر؟

• هذا السؤال كبير بحق على هاوِ يعشق الكتابة والقلم، ولا أزعم أنني ملم بالحال الثقافي في مصر، ولكن بعض الخطوط العريضة التي تلمستها في الفترة الأخيرة وهي أن حال الثقافة يطرأ عليه ما طرأ على كل المجتمع من تهرؤ جلد وضبابية. معنى كلمة ثقافة وكذلك الرؤية المستقبلية للثقافة..

ولا أستطيع التحدث عن الشللية لأني لم أتعرض لها بشكل مباشر.. ومن خلال قراءاتي القديمة والحديثة أستطيع أن أقول أن الحال الثقافي في أزمة  تفاقمت وتعاظمت في الآونة الأخيرة . قديما كنت أتابع معظم الدوريات الأدبية العربية والمحلية، وكنت أقرأ لأسماء كثيرة غابت عن الساحة الثقافية لأسباب غير معلومة، ولم يكن أي منهم ذا حظوة أو مكانة أو معرفة إلا بمستواه الأدبي وفقط، واليوم أعتقد لولا “الفيس بوك” ومواقع التواصل لما ظهرت أسماء مبدعة كثيرة، وكذلك أسماء غير مبدعة تصدرت المشهد ولكل سببه. ابحثي عن الفساد الذي يرقص سامبا

(كتابات) هل التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي في رأيك تدعم الكاتب.. وكيف؟

• لمن لم يتحققوا ولديهم الإمكانيات والمقومات أعتقد أن ذلك حدث بشكل أو بآخر، ولكن هذه المواقع أيضًا ساهمت بشكل غير مباشر في حالة من الفوضى، وخاصة في النشر الورقي، حيث صدرت أعمال دون المستوى بكثير اعتمادا على تحقيق أصحابها شهرة على مواقع التواصل، ساهمت في تشجيع بعض دور النشر لنقل ما يكتبون ورقيا، ولكن التاريخ إن شاء الله سيكون كفيلا بتصفية الغث من الثمين، أعتقد ذلك.

(كتابات) هل يعاني الكاتب في البلدان العربية من محنة.. ولم؟

• البلدان العربية يعاني فيها الجميع محنة.. محنة فقدان الهوية والهدف، والكاتب فرد من مجتمع، ولعل المحنة الأعظم من وجهة نظري للكاتب هي هباء ما يكتب وعدم جدواه وتأثيره في حال المجتمع، فهل لدينا “جان جاك روسو” مثلاً وإن وجد ك “جمال حمدان” و”عبد الوهاب المسيري” فهل لما تركوه صدى أو تأثير في المجتمع أو السلطة؟ للأسف لا أعتقد ذلك.

(كتابات) في رأيك هل فقدت القصة القصيرة قراءها لصالح الرواية؟

• نعم والعيب مشترك بين الكاتب والقارئ، الذي انساق وراء المادية وأعني بها (شهرة الكتاب والكاتب أهم من جودة المكتوب)، ربما لم تفقد قراءها ولكنها لم تنجح في اكتساب قراء جدد وخلق جيل جديد.

(كتابات) هل للأدب هدف ما اجتماعي في رأيك أم هو تعبير ذاتي عن الكاتب؟

• الكتابة الذاتية جزء من الكاتب لا يستطيع التخلص منه، ولكن إن اكتفى به اضمحل كقلم وكإنسان.. الكاتب الذي لا يشترك بقلمه في عراك مع الفساد، والذي لا يستقريء المجتمع ويستطلع مشاكله، ومن ثم يترك أثرا في توثيق، أو محاولة مهما كانت بائسة ويائسة في خلق رؤية لمجتمع يحلم به، لا أعتقد أنه صاحب قلم ولا فكر من الأساس.

 

قصة المجهول..

لفتحي إسماعيل

“برشاقة قفز إلى داخل الغرفة وعلى وجهه ابتسامة ودود، ورغم أن باب البيت مغلق وأننا في منتصف الليل، ورغم أني لا أعرفه، إلا أني فرحت لمرآه وسررت بمجيئه، جلس بجانبي.. التقط علبة سجائري أخرج واحدة.. وضعها في فمي بيد واليد الثانية كان يضعها على كتفي، أشعلها لي وأنا غارق في نشوة امتنان لهذا المجهول الذي شق سكون الليل وفتح لوحدتي نافذة السلوى.

لم أسأله من هو ولا كيف ولماذا جاء، لم نتحدث عن أي شيء، قلّب في الكتب القديمة التي أضعها أمامي، هزّ رأسه بعلامة الرضا، أخرج مبضعاً وكيساً بلاستيكياً، لم أفزع كعادتي حين رؤيتي الأدوات الحادّة، أنهيت سيجارتي بينما يدور برأسه في الغرفة الضيقة، يتأمل الصور المعلّقة على الجدران، هز رأسه متأسفاً هذه المرّة، أشار لي أن أتمدد ففعلت دون أدني شعور بالتردد أو الخوف، غرس المبضع في صدري.. لم أشعر بألم، أخرج قلباً متفحماً بالكاد ينبض، وضعه في الكيس، انحنى بجذعه واضعاً ذراعه على صدره عرضياً كما لو كان ممثلًا على المسرح يحيي الجماهير، انصرف وتركني أنعم براحة وسلام لم أشعر بهما أبداً من قبل”.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة