24 فبراير، 2025 12:36 ص

مع كتابات.. سعاد الورفلي: الخيال الذي يسكنني قادر على أن يطعمني ذائقة لا حدود لها

مع كتابات.. سعاد الورفلي: الخيال الذي يسكنني قادر على أن يطعمني ذائقة لا حدود لها

 

خاص: حاورتها – سماح عادل

“سعاد الصيد محمد الورفلي” كاتبة وناقدة وقاصة ليبية، كتبت العديد من المقالات ولها كتابات نقدية. صدر لها مجموعتان قصصيتان، ورواية في طريقها للنشر.

إلى الحوار:

** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

– بدأ هذا الشغف منذ طفولتي، كنتُ أولي اهتماما كبيرا بعالم الكتابة على الرغم من صغر سني وقتها، كانت مادة التعبير في المدرسة تشدني كثيرا وأحببتها حيث بدأت تظهر مهاراتي التعبيرية وقتئذ في اللغة العربية وأخذي بمفاتيح الكتابة ومحاولات الإتقان الأولى. حينئذ سيطر على خيالي كثير من المواضيع المتنوعة، وحاولت في بداياتي كتابة رواية مخطوطة وأنا طفلة كان اسم روايتي (سمية) أتذكر جيدا كيف جعلتها حوارية طويلة في كشكولي الدراسي، وكنتُ استشف الأحداث مما حولي كــ(ردة فعل عفوية وليدة لحظتها آنذاك).

الذي جعلني أستمر في هذا المجال (دهشة أساتذتي وقتها من استغراقي في التعبير والكتابة، كنتُ أقرا ما أدونه في كراسة التعبير بصوت مسموع، حتى أن أحد الأساتذة انبهر مصفقا بما كتبت وأثنى عليّ) هذا جعلني ألا أتوقف، أدعو له بالرحمة الآن. إنني ممتنة لكل من بث في روحي الاستمرار.

طفولتي كانت ممتلئة بشيئين مهمين (شغف القراءة واقتناء الكتب، وشغف الكتابة التعبيرية بشكل مسيطر) إنني-كما أشعر- صاحبة خيال خصب. ولا أقصر هذه الميزة على نفسي؛ لكنني أنضجتها ورعيتها وظلت تلح علي حتى هذه اللحظة إلى أن كبرت، وصارت شجرتي التي أستظل بفيئها كلما ضاقت الحياة، وتجسدت المواقف في دوامات تلف بنا دون رحمة.

أحببت الكتابة بلا قيد ولا تردد. وكانت رائحة الأوراق تثير غريزة الكاتب في نفسي، تابعت كل ما له شأن بهذا العالم المليء بالحيوات، وأحببت- لدى حداثة سني وقتها- البرامج التي تهتم بالكتب والكتاب، وكوّنت لنفسي دنيا خاصة تحتفي بأوقات كتابتي، فما آراه اليوم على الصفحات التي تظهر روح الكاتب ومزاجه الفني من جعل الوقت اللذيذ مع فنجان قهوته ورزمة الأوراق حوله؛ عشته حقيقة منذ طفولتي. وأرى نفسي في هذه الأجواء كأنها تمثلني فعلا. لا أنسى تشجيع والدي- عليه الرحمة- ودعمي وحثي على القراءة الدائمة.

** تكتبين المقالات وجمعتها في كتب على أجزاء، متى بدأت كتابة المقال وماهي القضايا التي تناقشينها؟

– كتاب “شذا الخواطر” هو مجموع لمقالات كثيرة كان بعضها على مراحل من سنوات مختلفة، فقد تضمن هذا المخطوط مقالات عن الطفولة، والمعاناة التي يمر بها الأطفال في البلدان العربية، اشتملت مقالاتي على النوع الأدبي الصرف فهي تندرج تحت قائمة: الثقافية، والاجتماعية، والتربوية، والتعليمية،والفكرية، تناولت قضايا المرأة، الأسرة، المجتمعات، الشباب، المواطن البسيط، أيضا قسط كبير من قضايا التربية والتعليم، تطوير أداء المعلمين، تطوير أساليب الإشراف التربوي.

كتبت عن طرائق التدريس المتنوعة وتطوير أساليب الأداء للمعلم، وكيفية استخدام الاستراتيجيات النشطة الحديثة وتفعيلها في الساحة التعليمية المعاصرة بيئة التكنولوجيا والرقميات، كتبت عن اللغة العربية ومكانتها السامية ودورها الريادي في حضارة الأمم اللسانية البلاغية والثقافية.كتبت مقالات عن الأدب والمسرح وفنون القصة والخيال.

أما عن بداية كتابتي للمقالات، هي فترة غير محدودة لأن كل مراحلي التعليمية كنت أكتب العديد من المقالات المخطوطة، رغم عدم الصقل وقتها، إلى أن امتلكت أدوات الكاتب فصرت أكتب للنشر منذ سنة 2008 كتوثيق رسمي لما أكتبه نشرا بالصحف.

** تقومين بعمل نقد للنصوص الأدبية لما اخترت مجال النقد وفي رأيك هل يعاني النقد العربي من مشاكل ما؟

– أخترتُ مجال النقد؛ لأنه يحرك الذائقة والذوق والحس الأدبي في نفسي فالنقد ساحة كبيرة لتفكيك النصوص الأدبية واكتشاف عمق الخيال وقيمة العمل الأدبي لا تكتمل إلا بالتشريح النقدي الذي يبرز مواطن الجمال والقوة ونقاط الضعف في أي عمل أدبي، ويبرز الصورة الجميلة المعطاءة في أدبنا العربي مما يحرك الذائقة العربية ويدعوها للقراءة الذي تستحث الاكتشاف بالتذوق والغوص في باطن النص الأدبي .

أما ما ينقص النقد العربي هو تشكيل مدرسة نقدية عربية تقوم على أسس البلاغة والبيان العربي، لما في البلاغة من سر كبير لدراسة الخيال والمفردات والمجاز والصورة الفنية والشعرية والموضوعية في العمل الفني. فالمآخذ على النقد العربي أن الدراسات التي تعمل على النص الأدبي هي في بعضها قراءات تفتقد للموضوعية، كما أن أغلبها يذهب للإطراء على عمل الأديب قبل أن يحلل البنيات الفنية داخل النص ويفككها مبرزا ما تحتويه من مفاتن الجمال والإشارة إلى مساوئ النص تقوي وتعضد حركة الأديب الذي يستمر بتقديمه الجديد القيم في مجال الأدب والفن.

فدور الناقد هو تقييم وتقويم العمل الفني، أيضا إعطاء الأديب إشارات تمنحه القوة وتمكنه من القضاء على نقاط الضعف في كتابته أو أسلوبه. فلا يكون الناقد متحيزا، وفي نفس الوقت لا يكون مثار جدل لا طائل من ورائه من أجل إرضاء كينونته الذاتية وعدم حبه للنص لا يعني في نفس الوقت أن صاحب النص ينقصه الكثير؛ لأن مادة النقد الأدبي يجب أن تشتمل على الذوق والموضوعية المعيارية التي تحدد معايير قراءة النص قراءة متجردة دون النظر لمن قام بهذا النص. ثم تليه المرحلة التالية ليكتمل المشروع النقدي البنّاء.

** ما تقييمك لحال الثقافة في ليبيا خاصة في ظل الوضع الراهن؟

– على الرغم مما تمر به ليبيا من تحديات وصعوبات، نالت من كل شيء وضعضعت حركة المثقف بشكل عام؛ إلا أنني لست ممن يشعر بشعور الإخفاق في هذا الأمر، فالمثقف الليبي مازال بخير، ومازال يقدم للساحة العربية الكثير من الإنتاج والأعمال، إنما أراه كمن ينحت الجبل ليشكل منه قطعا فنية تأخذ بالألباب. فهناك فارق بين وضع من يكتب وينشر وينتشر في ظروف صعبة كالحروب والنزاعات وتداول السلطة بأشكال عدة في المرحلة الواحدة، وبين من ينعم بالأمان والاستقرار، وقد برزت على الساحة الليبية الكثير من الأعمال وشاركت ليبيا في معارض دولية سواء للكتاب وغيره.

وقدمت على المستوى الفني العديد من الأعمال التي تعالج معاناة المواطن في قوالب متنوعة، كما حرص المثقف والأديب الليبي أن يقدم خلاصة جهده في أرشفة الإنتاج الليبي سواء أكانت الأعمال لكتّاب أم لكاتبات، أيضا برزت العديد من الصحف التي ساهم فيها قدر كبير من الأقلام الشابة، حتى وإن توقف بعضها فهذا لا يدل على ضعف المستوى الثقافي، إنما الخمول ناتج عما تمر به البلاد من أوضاع عدم الاستقرار بين الفينة والأخرى. وأملي كبير أن الثقافة في ليبيا ستقدم أطيب ما لديها من نخب ورواد تحتفي بهم الساحة العربية.

** كتبت في مجال القصة القصيرة والنصوص المسرحية والروايات وفي أدب المقامات علام يدل هذا التنوع في خوض غمار الأجناس الأدبية؟

– الخيال الذي يسكنني قادر على أن يطعمني ذائقة تتسع حدودها لا تتوقف عند حد معين.

كتبت القصة القصيرة ووجدت نفسي فيها، ولم يقتصر الأمر عند ذلك بل وجدتُ أنني أستطيع تجسيد المسرح الفني في أعمالي من خلال الحوار والشخوص الذين أسقط عليهم الأدوار بكل سهولة ويسر وبكل مرونة، أما عن فن المقامة العربية فهذا عمل صعب؛ لأنه يرتكز بالدرجة الأولي على اللغة المتينة ذات السليقة العربية الأولى، وقد أسعفني في هذا المجال ما كنت عليه من قراءات دقيقة لفنون العرب الأوائل وأمهات الكتب كتب الأدب والشعر، أكبر داعم لتخصيب الذوق والخيال عند الأديب، قد لا يفلح أديب ما في تجسيد كل الأدوار بين قاص وكاتب مسرحي وحاكي مقامة، وروائي، لكن هناك من يستطيع فعل ذلك وأكثر إنما يعود هذا بما يحتوي كل أديب من إمكانيات تسمح له بالاستمرار، فالموهبة لا تتوقف عند صنعة واحدة.

هناك من زملاء المهنة من يعيب عليّ هذا الأمر أو لنقل يستكثرونه ويدعمون رأيهم الذي أحترمه بأن الكاتب يجب أن يبرع في مجال واحد ويتقنه، أما عن نفسي فإنني لا أحب التحجير على الأديب أو الكاتب مادام يملك إمكانيات اللغة والخيال وأساليب التعبير المتنوعة والثراء المعجمي الذي يمنحه السرد بطلاقة وببلاغة، فلربما يوحي لك الخيال بأن تكتب مسرحية، وربما يتشكل النص لديك في قالب قصصي ، ولعله يتمحور الأمر في حكاية مدعومة بالشعر والأمكنة والأزمنة والشخصيات.. فالأدب مكمل لبعضه البعض، والكاتب مرىة لثقافة عميقة تشكل هوية حقيقية للأديب أينما وجد.

نحن عندما قرأنا للأدباء الأوائل لم نقرأ أن الأديب في زمانه اشتهر بالشعر فحسب! بل تعدى الأمر أن يكون خطيبا مفوها(يملك أساليب الإلقاء العربية المتينة) فالشاعر كان يمارس الشعر والنثر على حد سواء (إن جاء للشعر أتقنه، وإن جاء للخطابة أعطاها حقها من الكلم البليغ والفصاحة والبيان وقوة اللغة والخيال ).

أضف لذلك كان العلماء يتسمون بعدة مواصفات فكان الطبيب الشاعر القاص، وكان الرحالة الذي يكتب أدب الرحلات، ويكتب عن أحوال الناس ويؤلف الكتب عن العادات والطبائع والأماكن،  ويقول الشعر وله ديوان شعر إلى جانب كتابه في أدب الرحلة.

فالأدب لا يتجزأ في جزئية أن تكون قاصا وحسب. أو تكون شاعر وحسب.

وفي نفس الوقت قد يكون الكاتب شاعرا لكنه لا يستطيع كتابة قصة، وهذا لا يعيبه، وقد يكون القاص شاعرا وكاتبا لنص مسرحي أو سردي. فالتعددية الأدبية تتوقف على ما يمتلكه الكاتب من أدوات ومهارات تدفعه  لتقديم كل ما لديه من مواهب مخبوءة تجيز له أن يعطي بلا حدود.

** هل تواجهين مشاكل في نشر أعمالك وما رأيك في حال النشر في المنطقة؟

– كانت لدي العديد من الأعمال المخطوطة، في فترة ما ونظرا لما مرت به بلادي من حروب ونزاعات، فقد تعثرت عندي حركة النشر والتواصل بسهولة مع دور النشر، خاصة بالآونة الأخيرة لم أستطع السفر أو متابعة أعمالي في دور نشر خارج بلادي؛ للأسباب التي كانت تعاني منها ليبيا في تلك الفترة. أيضا حين طباعة عمل ما خارج ليبيا في دولة عربية مثلا تواجهني إشكالية  شحن أعمالي إلى ليبيا، لأسباب عديدة، فقد طرحت لي عدة أعمال في معرض القاهرة للكتاب سواء أكان أعملا خاصا بي كمجموعتي القصصية التي صدرت سنة 2015 وعرضت في 2016، أو كانت مجموعة أعمال أخرى شاركت بها في كتب مشتركة مع كبار الكتاب والأدباء على مستوى الوطن العربي.

أما عن حركة النشر والتوزيع فمازالت متعثرة بعض الشيء لتصل إلى مستوى القوة وتقدم للقارئ العربي الكثير من الأعمال التي مازالت مخبوءة خلف جدران العتمة. بينما هناك حركة رائدة تحاول جاهدة خلال هذه الفترة أن تقدم للكاتب والقارئ من لديها من إمكانيات تؤهلها للوقوف صفا إلى جانب دور النشر المعتبرة، ويؤسفنا أن تكون قيمة الكتاب المادية بسعر مهول تجعل من القارئ ينأى عن اقتناء الكتاب وتجعل من الكاتب يبحث عمن ينشر درره وحروفه بطريقة تيسر له عنت التواصل، وتشعره بأهميته كونه كاتبا له كيانه وقلمه الذي هو كل ملكه في هذه الحياة .

ولا أنسى بعض دور النشر التي وقفت إلى جانبي لإيمانها بقيمة القلم، وحب نشر الفكر والأدب قبل كل شيء.

** في رأيك هل تختلف كتابات المرأة عن كتابات الرجل وكيف تكون هذه الاختلافات؟

– هناك من يرى أن لا فرق بين الأدب بالتجزئة كون هذا قلم ذكر وذاك أنثى! وهذا صحيح الأدب أدب، والقلم هو من يحدد نوع قوة الكتابة التي تقدم للقارئ العربي مائدة شهية يستمتع ويستفيد منها، إلا أنني أتوقف عند بعض المحطات- فالكتابة لدى النساء صارت تغزو السوق بشكل كبير حتى أنها تكاد تستحوذ على التصدر العالمي في كمية التقديم، ومع ذلك هناك تذبذب واضح في تقلص النتاج النسائي لأسباب بعينها سواء كانت بسبب  طريقة التواصل، وكثرة السفر والتنقل، أو كانت لظروف اجتماعية بحتة أو حتى شخصية؛ يحدث أن تتراجع الإصدارات النسائية على مستوى الساحة مع – وجود غزارة في الإنتاج-  وأقول إن المرأة إذا كتبت أجادت التعبير عن ذاتها ومشاعرها بصدق بالغ، لأن الكتابة الأدبية ترتكز بالدرجة الأولى على العواطف، فكلما كانت العاطفة جياشة ومتحفزة أمطرت سيلا لا يتوقف عن العطاء، فالمرأة شاعرة إذا قالت الشعر، وشاعرة إذا كتبت القصة، وشاعرة إذا وقعت لحنا جميلا في هذه الحياة قرأت بعض الروايات لكتاب وكاتبات، فكنت أقف عند بعض الفواصل لأكتشف أن هذه الرواية كتبتها امرأة للصوت الشعوري الذي يدق فيها حتى تكاد تنبثق من روحك

وعند الكتاب الرجال أجد لحنا آخر فيه صوت القوة، وفي بعض الأحيان يسلم الكاتب الدفة لبطل الرواية ليرتفع بكبريائه عن إذراف الدموع أكثر، الكاتبة المرأة مازالت تعاني حتى وهي تكتب لم تتخلص من عقدة الشعور بالنقص، قرأت هذا في مجموعة أعمال نسائية (بعض) توحدت كلها في شبح امرأة أخرى تنغص عليها حياتها بينما تنفك المعركة بين رجل وأنثى لتصبح أنثى أخرى-في (مخيال)-القاصة (مشجبا للأحزان والتعاسة وضمور موقعها الحقيقي في الحياة).

هذه الأعمال كانت لبعض الكاتبات اللواتي سيتأهلن مستقبلا للإنتاج الأدبي، ونحن في عصر يرتكز على قوة المفردة والصورة الفنية والأداء اللغوي البياني ودهشة الموضوع، فالمرأة في مجتمعاتنا العربية مازالت تكتب عن الصور المستهلكة وكمية الألم والكدمات الزرقاء والملونة، والوقت الضائع الذي تقضيه في لملمة شتات الروح وهي تبحث عن كينونتها في صورة ذلك البطل الذي مازالت تراوده عن نفسها حتى تشعر أنها في مكان استحسان ورضا، تعيش الخيال بكل تلميحاته وتحلم كثيرا أن تكون هي – حتى وهي تعبر عن مجتمع آخر.

بينما أتقنت كاتبات أخريات في فرض الشخصية الأنثوية التي تعبر عن الجميع عن الأنثى والذكر، عن هموم المجتمع، الوطن ، المستقبل، الحياة، وعن المواضيع التي تثير في خلفية الذهن استفزازا لدفعها لقراءة الكلمة وتصور الخيال واكتساب مغامرة القراءة النقدية البناءة، هناك من كتبت تجاوزا بقلمها فأثارت جدلا محتدما بينما المغزى الحقيقي من العمل، ولغز التفكير الذي دفع الكاتبة أن تجتاز الخطوط المتفق عليها كنوع من التمرد الذي يقبع في روح كل أنثى حتى تلك التي لا تكتب. فالصمت لا يخرج منه إلا ماردا يحطم خلفية الصور ويضعنا في المحك.

أنا أحتفي بقوة المفردة سواء كانت لقلم أنثى أو ذكر، وأميل للصورة الفنية والبيانية وبراعة الأسلوب والعطاء المتجدد الذي لا يقف عند.. وأرى أن النساء برعن كثيرا في مجال العطاء الأدبي ، وبرع الرجال أكثر في مجالات أخرى تصب في الاهتمام بالكتابة ووفرة الإنتاج في السوق على المستويين الدولي والمحلي، لأنه بطبيعة الحال مازالت المرأة في المجتمعات العربية تعاني من بعض القيود التي تحيل بينها وبين ما تريد تقديمه للقارئ العربي.

فالذي يمكن أن نقول عنه أنه يميز هذا عن ذاك هو الأسلوب ونوع العمل .

** ماذا يمثل الشعر بالنسبة لك؟

– واحة …!

على الرغم أني في مجال السرد والنثر أشبع نهمي بالكتابة، القصة بأنواعها، السرد الطويل (أقوم الآن بكتابة روايتين- أحداهما أنهيتها) مازلت أجهزها للنشر. كتبت- أيضا- ما يربو على مائتي مقالة في كل المجالات(الثقافية- الأدبية- الفكرية- الاجتماعية- الفنية- التربوية “التعليمية”) والقراءات المتنوعة.

كتبت الشذرات الصغيرة (ذات الإيجازات الشهية) التي تعني الحياة بتكثيف عميق..

الخواطر.. لون آخر.

أما الشعر فأنا قارئة محبة أشغف بالشعر، وأحب قراءة القصائد بكل أنواعها، كانت قراءاتي في البدايات للشعر العمودي(القصيدة العربية )  بإمكانياتها القوية اللامحدودة. ببحورها وأوزانها، وصورها الفنية والشعورية، وعشت مع الشاعر في خياله، الشاعر العربي كم هو رائع حين يقول الشعر بثقة، وحين يغني ليلاه، وحين يحب ليغوص بنا في قصيدة يبهرنا بها. أحببت الشعر وقراءة الشعر وتذوق الشعر، حتى أني صرت أحب تفكيك الكلمات لأحولها إلى فراشات تستقبل النور الذي لا تكتفي منه، حد الانتشاء والاحتراق لتصبح بذاك النور الحب الذي يحرق فؤادها دون أن تصرخ حبا وكرامة.. فالشعر حب.. والحب وجع ..

الشعر حياة…

لأنه يمثل ذواتنا ويشخص آهاتنا ويرسم النفثات المنطلقة منا في صور لم نكن نتوقعها ونحن نوقع لحنها بكل طلاقة.

كتبت بعض القصائد، ليس ليقال عني شاعرة، وإنما انبثقت مني (لحبي) ولشعوري القوي ولــ(خيالي) الذي لا يقف عند حد.

الأديب يتنوع في إنتاجه، وأنا مع التنوع الذي ينجح في فرض إنتاجه وليس من أجل الوفرة -كلا-كان الأدباء فيما سلف يتقنون كل جانب مارسوه فقد قدموا للمكتبة العربية (الأدب- والقصة والحكاية والموروث الفني الأدبي بكل صوره في الحكم والأمثال والمقامات والشعر- نعم الشعر هو طريق الحياة الأدبية بكل فنونها) وكان كل ذلك يصدر عن أديب متفرد في الألوان الأدبية.

الشعر ليس حكرا أي أن الذي يقول الشعر يقف عند حدوده لا يجتازه للقصة. ولكن تبقى المسالة مسألة إمكانيات وقدرة وذوق وملكة وموهبة. فهناك من يكتب الرواية ويبرع فيها لكنه لا يستطيع كتابة سطر واحد لقصيدة مهما كان لونها.

فالشعر عندي لحظات تعتريني لتأخذ من ذاك الخيال وتتحد مع الشعور فتنطلق الكلمات راقصة دون مواربة.

كلما وثقت في شعورك واشتهائك الشعري وذوقك الفني، استطعت أن تعزف على الوتر دون أن تقطعه.

** في مجموعة “ربيع بطعم البركوكش” هل تستمدين الأحداث والشخصيات من الواقع الليبي أم يلعب الخيال دورا كبيرا؟

– يلعب الخيال في تشكيل قصتي دورا كبيرا- ومع ذلك أستمد بعض المواقف من الواقع الليبي، فقد وظفت الكثير من الأحداث التي تمثل الموروث الليبي، وتفكير بعض الشخصيات المتخيلة مما كان عليه الواقع في ليبيا.

ولكن مجموعة “ربيع بطعم البركوكش” كانت عشرين قصة ملونة بفواصل متنوعة بين الحياة البسيطة للمجتمع الليبي، وبين خيال يشب عن الطوق ليرسم لوحة متميزة تختلط  الكلمات بالرمز، والمعنى الفلسفي والإشارات الخفية التي تدعو القارئ للغوص أكثر في بطن النص ويقرأه بأكثر من صورة .

فوظفت مثلا في العناوين مصطلحات شعبية ككلمة البركوكش (يستعملها بعض الناس في مجتمعنا كناية عما يسد الرمق- بينما هو طعام معروف في المغرب العربي، وهو أكلة لذيذة لدى البعض، وبعضهم يستخدمها كمفردة مجازية لسد الرمق، لأنه كل ما تود وضعه في هذه الأكلة اللذيذة ممكن، وتصنع بأكثر من طريقة مع الاحتفاظ بحبات البركوكش ذاتها لتسيطر على اسمية الصحن . فتوحدت المفردة(البركوكش) مع اختلاف الأطعمة والأمزجة المضافة .

بطل القصة أردف هذه العبارة حين تجلت مظاهر الثورة وسماعه للضجيج المحتدم خارج أسوار بيته- في موقف استنكاري- عندما أخبرته زوجته بقدوم الربيع – كعادة أي رجل ينفث سيجارته بعدما شبع نوما – (مافيش بركوكش يعبي بطونّا) أي – حاجة نأكلها- وهو موقف تهكمي – يحتمل عدة دلالات حسب القارئ .

** كتبتي للأطفال في رأيك هل الكتابة للأطفال لابد وأن تعتمد على ثقافة واستعداد وهل لابد وأن تحمل رسائل ما تعليمية وتربوية؟

– نعم- هذا سؤال مهم في مجاله وحتى يكون رسالة لكل من يكتب في أدب الطفل؛ لأن أدب الطفل فن صعب ويراه كثيرون من أسهل الفنون، وهذا تفكير يجانب الصواب لعدة أسباب..

فكما ذكرتِ أن الكتابة للطفل يجب أن تعتمد على الثقافة(ثقافة الكاتب واتساع مداركه) والاستعداد النفسي للكتابة للطفل تحتاج من الكاتب أن يقف عند أهم الأمور في نفس الطفل وكيفية تفكير الطفل واحتياجاته، ومعرفة الجوانب الفنية والنفسية والسيكولوجية والمواقف التي يعرف كيف يتعامل فيها الكاتب بحكمة وتربية وفنية مطلقة لتقديم أجمل ما لديه لطفل المستقبل.

قرأت كثيرا لأعمال بعض الكتّاب لفن الأطفال في بعضها إجادة رائعة، حتى تشعر أن الذي يكتب طفل كبير يعرف ماذا يريد الأطفال وقد جذبهم بكلماته قبل أن تجذبهم الصورة المحاكاة وهنا يكمن نجاح المبدع في مجال أدب الطفل، أن يُكوِّن الطفل القارئ المحب للقصة الذي يعمل عليها الكاتب ويجذب بهذا الطفل لكل الأعمال التي تطرح في السوق . وتؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على نفسية وسلوك وتفكير الطفل .

فالأطفال هم الطاقة الكبرى في حياتنا وعلينا أن نقدم أجود ما لدينا لإنتاج  مستقبل رائع يشكل روح وتفكير الطفل بعيدا عن الأنماط المستهلكة، فطفل اليوم يعيش التقنية بكل أشكالها ولا ننسى الحفاظ على القيم الأساسية لترسيخها في روح الطفل من أجل بناء ذاته وسلوكه وتقويته بصورة صحيحة بعيدا عن الضجيج الصاخب الذي صار إسفافا كما يحدث في عالم الكرتون اليوم . فبرامج الأطفال في عصرنا هذا صارت تخاطب العجز في نفس الطفل ، كأنها برامج تعجيزية تريد منه أن يظل صورة مشتقة من الآلة مع تعطيل تفكير الطفل وجعله يتوحد في زاوية معينة دون أن تأخذ بيده لتستخرج ما لديه من مواهب وإبداع مخبوء.. فكل طفل هو طاقة تحتوي على الكثير من الإمكانيات والمواهب؛ إلا أنها تبحث عمن يوظفها التوظيف الأمثل.

أما عن الرسائل التربوية والتعليمية؛ فهنا يتجسد دور أدب الطفل بصورته الحقيقية.. ولكن أن تكون الصورة المعروضة غير مباشرة التوجيهية، أفضل أن تكون الرسائل مركزة على تفكير الطفل الابتكاري وتوجيه خياله بصورة فنية، فالطفل يحتاج إلى أن نمهد له كل الطرائق والأساليب بصور تربوية تنموية تفعيلية تحفيزية ليستمر هو في الأخذ والارتشاف من كل تلك المناهل والصور بعفويته التي تأتي من خلال تفكيره واكتشافه.

فالكاتب في مجال أدب الطفل عليه أن يركز على المفاتيح الرئيسة في نفس الطفل :

الاكتشاف- البحث- المغامرة- الصورة- اللون- السلوك- الوجدان- التعبير- (الصور البصرية- الخيالية – التعبيرية) كذلك البساطة في القالب الفني الأدبي سواء أكان عملا قصصيا أم شعريا أم غنائيا أم كان في أشكال وألوان ومفردات، أم كان العمل تعليميا ذا محتوى أدبي.

فالعمل التعليمي للطفل يفضل أن ينتهج منهج الشكل القصصي أو النوع الأدبي حتى في المجالات العلمية.

أيضا مجال الخيال العلمي. هذا مهم جدا في هذا العصر لأنه يشكل تفكير الطفل العلمي المكتشف الذي يهيئ لرواد المستقبل في المجالات العلمية والتكنولوجية، ويستحث الخيال والتفكير والنضج التوعوي الإدراكي.

كل هذه الأعمال تتطلب قلما قويا له من البيان واللغة والقراءة الواسعة، وأساليب التربية القديمة والحديثة، أي مربيا يعرف كيف يعطي ومتى يتوقف ومع من يتعامل.

فأدب الطفل ليس مجالا عشوائيا للكتابة كما يعتقد البعض أو تقليديا، إنه يعتمد على الأداء الفني المحكم، والتجدد المستمر، وسهولة المفردات والفكرة مع الإتقان الكامل للعمل.

** عملت في مجال الإعلام وفي إعداد البرامج احكي لنا عن ذلك؟

– مجال الإعلام كان ساحة جميلة لعرض الأفكار وما أمتلكه من أدوات مكنتني من إتقان دوري كــ(إعلامية) بعد فضل الله عز وجل.

مارستُ دوري إعلامية نشطة في مجالات عديدة بدءا من التربية والتعليم، الثقافة، المجتمع، الأدب وعالم الكتاب . وبرامج حوارية متنوعة

وكنت أطمح لأن أعد وأقدم لبرامج تهتم بمجال الطفولة- ومجال القراءة والكتب والنقد وعالم الكتابة والأدب.

من البرامج التي أعددتها وقدمتها:

برنامج بين الثقافة والتعليم. كان مساحة لمواكبة التجدد والتطوير في مجال التعليم، أيضا دراسة أهم المشاكل والعراقيل التي تعيق عمل المعلم بأن يقدم ما لديه على وجهه الأكمل، مع ربط القاعدة التعليمية بأساس نجاح العملية التربوية ألا وهي (الثقافة) فبدون ثقافة لا يمكن أن نتقدم وننجز، فالثقافة هي الحضارة، ومن يريد أن يبني حضارة عليه أن يمسك بزمام الثقافة ويديرها على وجهها الأكمل، فما نفع المعلم إذا كان يتبع أساليب مستهلكة وهي يدور في دائرة واحدة منغلقة دون الاستفادة من التجارب الأخرى المحيطة به أو أن يكون على تواصل فعال لتحقيق نجاح منهجيته وأدائه بأساليب مثلى ؟! فهكذا كان مدار برنامج بين الثقافة والتعليم.

أما برنامج اجتماعيات فقد تناولت من خلاله الصور المتنوعة داخل المجتمع الليبي، المرأة الليبية دورها، مكانتها، حقوقها، حياتها، بين الأسرة والعمل ، أيضا الأطفال ومكانة الطفل في مجتمعنا : الاهتمام والارتقاء بالأطفال – كل الجوانب المتعلقة آنذاك بالطفل وبرامج الطفل ومكتبة الطفل وحياة الأطفال الترفيهية والتعليمية داخل مجتمعاتنا وأهم المؤثرات السلبية التي تؤثر على حياة الأطفال كالتسرب الدراسي، الإحساس بعدم الآمان أسريا، المشاكل الأسرية والاجتماعية المؤثرة على الطفل داخل المجتمع.

أيضا برنامج اجتماعيات تعرض لطبيعة العلاقة بين الزوجين وحدود المعاملة وأسباب كثرة الطلاق في مجتمعاتنا على الرغم من التكاليف الباهظة في تحقيق زواج مترابط ينتج بعد إذ ذاك عنه مشاكل لا حدود لها تؤدي للطلاق والافتراق.

ثقافة المرأة. كان من ضمن المواضيع المهمة في برنامج اجتماعيات الذي تضمن كل حيثيات المجتمع من مواضيع ومشاكل وشخصيات.

أما برنامج سيناريو وحوار، فقد اشتمل على فكرة مغايرة(عرض لموقف درامي أو قصة ..كنت أكتب الموقف الدرامي وكنت أتمنى أن يتم تجسيده كتمثيلية مسموعة- وقد عرضت المواقف بمؤثرات قرائية وموسيقى، يأتي بعد ذلك دور الحوار الذي أختار من خلاله شخصية متميزة_ دكتور في علم الاجتماع- أو الأدب- أو الدراما ونحلل من خلالها الموقف الذي يتم إسقاطه بشكل عام على الحياة في المجتمع.

وقد عملت من خلال البرنامج على دور الدراما التاريخية وتأثيرها اللغوي على المتابع المثقف أو المتعلم الذي يستقي المفردة اللغوية الفصيحة من المسلسلات التاريخية .

برنامج واحة الإبداع، يهتم بالأدب والأديب والكتابات المتنوعة ، وظفت من خلاله فكرة كتابة  الخاطرة والقصة لأقلام الشباب المستقبلية، كذلك الموهوبين في مجال كتابة الخواطر والشعر، وكنت أعمل على تدميج البرنامج بفكرة (ستار مبدعين) ليتحول فيما بعد لمضمار أدبي يستضيف الأقلام الرائدة حينها ويحتفي بها. أيضا كان يتخلل البرنامج حلقات تختص بالقراءات النقدية، قراءة الأعمال الأدبية المتنوعة .

اشتراكي في المجال الإعلامي كان ضيقا بعض شيء بسبب عدم تفرغي، فعملت متعاونة في فترات محدودة رغم حجم الطموحات واتساع المواضيع.

قدمت أعمالا مكتوبة لفواصل إذاعية، وفقرات أدبية تعرض من خلال ثلة من المبدعين بأصوات متميزة.

كما قدمت لدورة إعلامية لأساليب الإعلامي المتميز وكيف يكون إلقاء وقراءة وثقافة وتفكير الإعلامي المبدع .

أجريت معي حوارات متميزة وسهرات أدبية في مواسم شهر رمضان المبارك، وحوارات على هامش بعض البرامج الاحتفائية سواء على مستوى التعليم أو المستوى الثقافي العام .

** في مجال الرواية ما هي القضايا التي تناولتها رواياتك؟

– روايتي الأولى في طريقها للنشر. وإن كنتُ أحتفظ بخصوصيتها حتى النشر؛  لكنني أكرمكم بشيء حصري لمقامكم السامي (رواية دوبلير. الإنسان الذي بدأ من الصفر، واعتزل المجتمع.. وفي لحظة فقد  طفله ثم زوجته التي كانت شمسا في حياته.. وخسر كل ما يملك (بيت الصفيح.. ومساحة الأرض التي بنى عليها كوخه الصغير؛ ليجد نفسه في سجن بارد مظلم، تحقيق مستمر دون جدوى، وحريق غير مفسر يشب داخل الزنزانة.. ثم جثة تتنفس ببطء في صحراء مترامية الأطراف) يحكي البطل قصة حياته المليئة بالغموض إلى أن وجد نفسه رجلا يسىتعيد أنفاسه من جديد، ليصبح رجلا آخر مسؤولا عن كل المصائب التي مرت بها بلاده.

أعمال أخرى أعمل على تجهيزها :

بقايا امرأة (عن المرأة في كل أدوارها) مخطوطة

أنثى تشعر بوخز الأنوثة (رواية تفضح تفكير الأنثى الخفي بين الخجل والاندفاع(اعتراف شهي يستهوي النفوس، والمواقف التي تحقق فيها الأنثى شيئا من ذاتها مع الخذلان الذي يطرأ في كل مرحلة).

الانبثاق من النص (حالة) رواية عن مراتب وحالات الصوفي(مخطوطة).

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة