خاص : حاورته – سماح عادل :
الكاتب المصري الشاب “حماد عليوة” صدرت له رواية (من أجل البلوند) سنة 2014، وله رواية (الحي الانجليزي) – تحت الطبع – وهي تدور عن حي المعادي.. تتناول رواية من (أجل البلوند) محاولات هروب الشباب من بلدهم والجري وراء حلم الهجرة، ولأجل ذلك يستخدمون كل وسائل التحايل، من التفكير في تغيير الديانة، إلى التفكير في الزواج من أجنبية، وأيضاً الزواج من عجوز غربية تتيح له حياة كريمة وهجرة سهلة.. تحاورت معه (كتابات) لمناقشة روايته…
(كتابات): كيف بدأت رغبة الكتابة لديك ؟
- بالتحديد في عام 1998.. كنت وقتها في عمر 19 عام، كنت محظوظ أن أول عمل قرأته كانت مجموعة الأستاذ “يوسف السباعي” (بين أبو الريش وجنينة ناميش) واكتشفت في هذه المجموعة كيف تستطيع أن توفي الأشياء حقها، فوجدت أن الكتابة هي عمل إنساني بحت من خلالها تستطيع أن تقول كل شيء، أن تبكي على الأشياء التي ضاعت أو نهبت أو سرقت.. وأن تفرح.. وتحتج وتصرخ.. وتعلمت بعدما عرفت بموطن يوسف السباعي وهو حي السيدة زينب الذي أحببته من خلال مجموعته أن لكل كاتب عالمه الخاص، فمثلاً “نجيب محفوظ” كان عالمه الخاص هو الحارة، و”يوسف إدريس” كان عالمه الريف، وهكذا، وشعرت حينذاك برغبة في الكتابة وأنجزت مجموعة صغيرة، وقد كانت الأستاذة هالة نعمان عاشور وهى ابنة الأديب المسرحي “نعمان عاشور” تدعمني في هذه الفترة وذلك من خلال منحي مؤلفات كثيرة من مكتبتها العامرة.
(كتابات): في رواية (من أجل البلوند) تتناول الطرق التي يحاول من خلالها الشاب الهروب من بلده.. لما اخترت هذا الموضوع في أول رواية لك ؟
- أنا نشأت في حي المعادي والحي يضج بالأوروبيين.. وكنت أرى هذه النماذج من الشباب الذي يلهث وراءهم، وأتعجب من تلك التنازلات التي يقدمونها.. وكنت أتساءل بيني وبين نفسي شاب مثقف ومتعلم ووسيم لماذا يقبل الزواج من عجوز شمطاء سليطة اللسان ؟، لكن عندما جلست واستمعت لأصدقاء أقدموا على هذا الزواج أو المشروع وجدت مبررات كثيرة، أولها أن البلاد ليست بها قوانين.. ولا نظام.. والفرار منها هو فرار من الموت.. أو تمضية الحياة في نظام روتيني ممل.. تعيش كإنسان ميت.. كان هؤلاء الشباب يشكون من أن العلاقات هي التي تسيطر على نظام الدولة، فضلاً عن بطش الشرطة، إذا كل الأمور لا تطمئن للعيش في هذا البلد.. وسألني واحد من الذين تحدثت معهم قائلاً: “عايز تعرف أن الحياة في مصر هو موت لا محالة ؟”، قلت له “أكيد عايز أعرف”، قال لي: “الشباب اللي بيقترض من أصدقاءه أو بيرهن شيء ويغامر في البحر عشان يهاجر هل تعتقد أنه مش عارف أن نسبة النجاة لا تتعدى خمسة في المئة، هو عارف أنه ممكن يموت بل احتمال موته أكيد، لكن فيه فرصة ضئيلة للنجاة علشان كده قبل المغامرة دي، لو كانت الفرص متوفرة في مصر ما كانش قبل المغامرة”.
(كتابات): هل حلم الهجرة إلى الخارج أصبح طريق الخلاص للشباب في الوقت الحالي ؟
- لمن فقد الأمل منهم.
(كتابات): تناولت في (من أجل البلوند) فكرة تغيير الديانة كتحايل للهجرة وهذا أمر شائك في مجتمعنا ؟
- شخصية البطل الرئيس في (من أجل البلوند) هي شخصية مركبة.. نماذج عدة رصدتها في نموذج واحد أو جمعتها في نموذج واحد، وهذا معروف في الأدب.. هو لم يتعامل مع المسلمين هو يتعامل مع أوروبيين، والأوروبيون يعتقدون في حرية الاعتقاد، وحدث الأمر تلقائي معه، فلو كان الأمر حدث مع مصريين مسحيين أو يهود أو مسلمين لكانوا أقاموا عليه الحد، خاصة وأن الشخصية الرئيسة ملمة بتقاليد الغرب، فبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر بدأت أميركا تصدر لنا موظفين ومدرسين لم نكن نألفهم من قبل، كانوا من قبل أشخاص مثقفين ومحترمين أما بعد الأحداث صدرت لنا الشواذ والمتخلفين والبلطجية، وكانوا يتعاملون بحرص مع المصريين فيتحدثون بالعربية الركيكة ويلقون تحية الإسلام وكلمات منتقاة بعناية عن الإسلام والرحمة ظناً منهم أنهم بذلك في مأمن من الإرهاب، والشخصية مدركة تماماً لهذا النوع.
(كتابات): كيف كان رد الفعل على روايتك ؟
- للأسف الرواية لم تصل للقراء.. فكانت متوفرة في المعارض فقط، استقبلت عشرات الرسائل من القراء يبحثون عن منافذ التوزيع وعندما أبلغهم يذهبون ولا يجدون الكتاب.. ولكن هاتفني شخص قرأ الرواية, وهذه النقطة هي التي جعلتني استمر في هذا المجال الشاق جداً حيث قال لي:
لقد قرأت روايتك وأنا سعيد جداً بها.. لأنها غيرتني كثيراً.. فمنذ يومين كنت في إحدى شركات المحمول الخاصة، واقفاً في الطابور وجاءت فتاة شقراء غربية ووقفت في أول الصف دون مبالاة بالنظام.. وهنا واقسم لك أنني استدعيت شخصية “عماد” واعترضت بقوة حتى جاء المدير وقال لي هي حجزت من قبل.. وأصرف في الاعتذار وأخذتني النشوة أكثر فذهبت أشرح لهم كيف يكون النظام.. وهذه المكالمة بالنسبة لي بمثابة جائزة نوبل في الآداب، فالكاتب يهمه رأي القارئ في المقام الأول.
(كتابات): واجهت صعوبات في النشر ؟
- إنني ازعم بأني أكثر واحد في مصر عانى مع دور النشر ومازلت.. في أعوام 2003، 2004، 2005.. لم تكن هناك دور نشر كثيرة مثل الآن، كنت أذهب بالمخطوطة وأطرق دور النشر الكبيرة، وكنت أتلقى منهم معاملة سيئة، ذهبت إلى دار”مدبولي” وقال لي لا ننشر أدب أذهب إلى شارع قصر النيل دار “ميريت”.. وذهبت هناك ولكن فيما بعد علمت أنني لابد أن أتحمل التكلفة، وكانت وقتها 1500 جنيه وهذا كان مبلغاً كبيراً بالنسبة لي في هذا الوقت، وتعرفت على الأستاذ “جمال الغيطاني” رحمة الله عليه، وجلست معه في مكتبه استمتع بحديثه أكثر من عشر مرات، وتحمس لرواية (الحي الإنجليزي), وكان ذلك في عام 2007 تقريباً، ولكن حدث شيء لا أعلم ما هو بالضبط أوقف عملية النشر، خاصة وأنه أجلسني مع مدير النشر “عزت القمحاوي” وبدأنا في إعداد الفصول الخاصة بالرواية.
ومع احترامي للآخرين الذين يرفضون هذا الواقع, فإن طفرة الأدب التي يتمتع بها السوق في الوقت الحالي لها الفضل في رواية (عمارة يعقوبيان)، فنجاح هذه الرواية هو الذي حمس ظهور دور نشر جديدة، وإقدام دور نشر أخرى على نشر الأدب، بعدما كانوا يقولون لي إنت مين.. حتى لو أنت “نجيب محفوظ” لن ننشر لك.. الأدب ليس له جمهور في مصر.
(كتابات): ما رأيك في إصدارات الكتاب الشباب ؟
- أنا شاب.. عمري أربعة وثلاثون عاماً.. ولا استطيع أن أقيم أحداً، من له الحق في هذا هم مجموع القراء.
(كتابات): ما رأيك في حالة الثقافة في مصر والعالم العربي ؟
- حال الثقافة في مصر والعالم العربي سيء للغاية.. أما بالنسبة لظهور قراء جدد وكتابات كثيرة، وافتتاح مكتبات في كل مكان فهذه ظاهرة صحية.
(كتابات): هل الأجيال السابقة لها حظ عن جيل الانترنت ؟
- لا.. بل العكس نحن جيل محظوظ، تابعت وقرأت عن هذه المرحلة، أكثر رواية باعت في هذه الفترة السابقة رواية (النظارة السوداء)، على الرغم من أن وسيلة القراءة كانت تعد من الوسائل الترفيهية والمسلية، حيث الناس لم يكن يشغلهم أية وسائل تسلية أخرى.. ومع ذلك رواج الأدب اقتصر على فئة محدودة، أما الآن قد تحقق رواية ما مبيعات خيالية.. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، الفضل في هذا يرجع للانترنت والدعاية..
(كتابات): ما هي الروافد التي أثرت فيك وأهم الكتاب ؟
- “نجيب محفوظ” وتحمسه لبيئته، “يوسف إدريس”.. و”الطيب صالح”.. و”توفيق الحكيم”.. فضلاً عن “يوسف السباعي” الذي جذبني وحمسني للكتابة.. هؤلاء عندما تقرأ لهم تشعر بأنهم يعرفون كل شيء، إنهم يتحدثون ويحتجون ويتجرؤون بالنيابة عنك.. هؤلاء يعرفون قيمة الأدب وحقيقة دوره.. لذا أعمالهم مازالت باقية.