10 أبريل، 2024 5:53 م
Search
Close this search box.

الزعيم وأنا .. سيرة العاطفة والنقد

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: بقلم – عواد ناصر :

شاعر عراقي

كنت طفلاً صغيراً صباح يوم الاثنين السعيد ذاك. بتلقائية الطفل أحببت “عبد الكريم” فور انتصار الثورة وتوزيع صوره إلى جانب “عبد الناصر”. لم أحب “عبد الناصر”. أحسست وقتها بأنه يسرق الضوء من بطلي الذي لا أعرف لماذا هو بطلي.

شاهدته وجهاً لوجه مرتين: الأولى عندما حضر حفلاً في “قاعة الخلد” التي لم تذكر هذه الأيام، بيتنا في الشاكرية لصق سياجها الخارجي، لكنني سبقت الجميع، مع شلة صبيان، عندما ذهبت أبعد من قاعة الخلد. عند رصيف الشارع العام قريباً من القصر الجمهوري.

كان الظلام قد حل لكن الشارع مضاء ومبلط، حتى عرفنا أن سيارة الزعيم قد أقبلت فركضنا نحوها. ما أن بلغنا السيارة، أو بلغتنا، حتى خفف سائقها السرعة وأضاء المصباح الداخلي للسيارة، “شوفروليه ستيشن بيج” موديل ١٩٥٨.

لا أنسى تلك اللحظة التي رأيت فيها الزعيم لأول مرة، وجهاً لوجه، كان شخصية ملونة تحت الضوء الداخلي للسيارة: شارة الأركان الحمراء والرتبة العسكرية الذهبية. كان وجهه أشقر، أو يميل إلى الشقرة. أو هكذا رأيته تلك اللحظة. توقف لثوانٍ كي يحيينا ضاحكاً ليستمر السائق في طريقة نحو الاحتفال في تلك القاعة.

رأيته للمرة الثانية في احتفال مدارس بغداد الابتدائية، بعد عام أو أكثر قليلاً (لا أتذكر المناسبة) كنت ضمن الفرقة الغنائية لمدرسة “ابن الأثير الابتدائية للبنين”. هل كنت في الصف السادس الابتدائي ؟.. أقيم الاحتفال في قاعة الشعب. جوار وزارة الدفاع. قبل بدء الاحتفال قالوا لنا: عليكم بالذهاب إلى الصف الأول للحضور لتسلموا على الزعيم. خرجنا من الكواليس وذهبنا إلى هناك لنصافحه واحداً واحداً.

بقيت أحب الزعيم  يافعاً حتى بعد مقتله في التاسع من شباط (فبراير) ١٩٦٣. تطامنت، وقتها، مع مشاعري لأنني لم أشهد صور مقتله على شاشة التليفزيون.

لم أشاهد أو التقي أي زعيم أو رئيس بعده وهذا دليل على أن من جاءوا بعده ليسوا بمتناول اليد، لأنهم بعيدون عنا نحن فقراء الله، أطفال المحبة.

ما ان بدأت دودة الكتب والسياسة تدب تحت جلدي، شاباً، حتى  فسدت عاطفة الطفل التلقائية بسبب من الروح النقدي الذي بدأ يتشكل في شخصية القارئ الشاب.

تعزز ذلك الروح، فيما بعد، عند النظر إلى تاريخ الصراع السياسي الحديث في العراق. لا مجال لتناول هذا التاريخ الآن. لا أريد أن أفسد محبة طفل لزعيم قدم له ولعائلته، ولملايين الفقراء في العراق، الكثير من المنجزات الكبيرة، وليكن للروح النقدي لتجربة ١٤ تموز ١٩٥٨ مكان آخر غير هذا.

.. لكنني ما زلت أحبه. قيل وكتب الكثير عن الزعيم وثورته، وفي غياب التوثيق الحقيقي، والدراسات الموضوعية، باستثناء ما كتبه “حنا بطاطو”، اختلطت الحقائق بالأكاذيب.

أما بصدد اتهام “قاسم” بمقتل العائلة المالكة فخير ما قاله هو الشريف “علي بن الحسين”، وهو نجل الاميرة “بديعة” شقيقة الوصي على الحكم الملكي “عبد الاله”، خال الملك “فيصل الثاني” آخر ملوك العراق، إذ قال وبالحرف الواحد بخصوص حادثة مقتل العائلة المالكة في العراق خلال حوار اجرته معه صحيفة “الصباح” العراقية ونشر بتأريخ 15 تموز (يوليو) 2004 ما نصه:

“ولا اخفيكم سراً، بأن من قتل أو من أمر بقتل العائلة المالكة هو عبد السلام عارف وليس عبد الكريم قاسم فيما بعد دليل واضح على ما نقول، حيث اعدم كريم قاسم بأمر عبد السلام ولم يعدم عبد السلام طيلة فترة حكم قاسم”.

واستمر الشريف قائلاً: “يبدو لنا وهذا امر آخر لابد من قوله بهذه المناسبة وهو أن اهداف انقلاب 1958 لم تكن بأتجاه اعدام العائلة المالكة، أنما كانت إلى تغيير النظام فقط، ونعتقد أن مؤامرة حيكت والامر الذي حصل كان خارج تخطيط المنفذين”.

رافقت جميع الثورات عبر التاريخ فوضى وجرائم وأخطاء لا تغتفر، وقد سبقت ثورة تموز العراقية ثورتا فرنسا وروسيا البلشفية، وهما ثورتان غيرتا وجه التاريخ, لكنهما لم تكونا بلا مجازر ولا أخطاء، ولا تبرير هنا لما حدث في العراق، بل علينا ان نرى إلى الحدث على ضوء ظروفه التاريخية، وملابسات المرحلة، محلياً وإقليمياً ودولياً”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب