خاص: حاورته- سماح عادل
“حسين السكاف” كاتب وناقد فني عراقي مقيم في الدنمارك. عضو نقابة المهندسين العراقيين، عضو نقابة الصحفيين الدنماركيين، نشرت له أول قصة قصيرة عام 1976 بعنوان”دمية الطين” في جريدة الطريق البغدادية. وهو محرر الصفحة الثقافية في جريد (أخبار الدنمارك) الصادرة في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن باللغة العربية (2010-2012)، ومؤسس موقع (القيثارة السومرية) الإلكتروني الذي يختص بموسيقى وغناء وادي الرافدين في القرن العشرين.
صدر له.. رواية (كوبنهاجن – مثلث الموت)، ورواية (وجوه لتمثال زائف)، نشرت له مسرحيتان، الأولى بعنوان “شقيق الورد” عام 2007، والثانية بعنوان “هموم السيد محترم” عام 2008. وكتاب (الرواية العراقية… صورة الوجع العراقي) كتاب نقدي يتناول الروايات العراقية الصادرة في الفترة (2004- 2012) 2014، وكتاب “طاقة الحب – مسرحيتان” 2015.
إلى الحوار:
** من أين يبدأ الكاتب حين الشروع بكتابة نصٍ ما… وما الذي يحدد شكل النص؟
– يبدأ من الفكرة التي اختمرت في ذهن الكاتب ونضجت على شكل نص حان كتابته، كالولادة تماماً… فالشروع بالكتابة تماثل حالة المخاض إلى حدٍ كبير، بعد أن تكونت الفكرة وصارت تنمو وتتكامل في عقل ومخيلة الكاتب… الفكرة أيضاً، من يحدد شكل النص أو يصنفه، ليكون رواية أو قصة أو قصيدة أو مسرحية وغيرها… فلا نص جيد يمكن أن يترك تأثيره على القارئ دون أن تكون الفكرة نواته الأساس وركيزته…
** في رواية (كوبنهاجن – مثلث الموت) قدمت تحليلا اجتماعيا دقيقا لظاهرة العنف والاقتتال التي ظهرت بعد غزو أمريكا للعراق في 2003 وهو أن عقود الحروب التي خاضها النظام العراقي الفائت خلفت جيلا من الأيتام الذين لم يتعرفوا على تربية الأسرة السوية والذين عانوا الفقر والإذلال وانهيار الأسرة والمجتمع.. كما أن قتل الآلاف من الشباب في تلك الحروب والإعدامات ورؤية معظم أفراد الشعب لمشاهد الدماء والجثث المتفسخة والمتحللة جعل القتل أمرا عاديا بالنسبة لكثير من العراقيين.. حدثنا عن ذلك؟
– تحاول رواية “كوبنهاغن – مثلث الموت” قراءة التطورات الشخصية للمجتمع العراقي، تلك التطورات التي صاغتها تطورات قاسية وأحياناً كارثية أثرت بشكل مباشر على التركيبة والمزاج للمجتمع بل استحدثت مفاهيم جديدة صار المجتمع يؤمن بها ويمارسها، ومن أهمها ظاهرة الأيتام، وتعوّد الفرد العراقي على مجانية الموت ومنظر الدم…
ذلك الانحدار الخطر في تركيبة المجتمع العراقي انفلتَ بعد الاحتلال الأمريكي وغياب السلطة وصار ظاهرة سُميت بالإرهاب. انتشر الموت المجاني وخسرت الروح البشرية آخر قيمها وقدسيتها، حتى اختلطت مع أكوام النفايات جثة هامدة، دون رأس في أغلب الأحيان… من هنا تحاول الرواية أن تشير إلى أن ظاهرة الإرهاب تمتلك جذورها لسنوات طويلة مضت، وليست وليدة الاحتلال الذي منحها صوتاً وقحاً لتقف واضحة للعيان…
هذه الفكرة، كانت الأساس في بنية الرواية، التي وجد فيها بعض النقاد، صرخة إنسانية أطلقتها مدينة مسالمة “المحمودية” طالما اهتم أهلها بالثقافة والفن والأدب، وجدتْ حالها في ليلة وضحاها، “مثلث موت” يخشاها الناس ويتجنب المرور بها كأنها وادي وحوش… والمدينة هنا هي الرمز الذي يشير إلى العراق بمدنه وضواحيه وعلى اتساع جهاته الأربع… فالتفاصيل التي جاءت بها الرواية، هي بالحقيقة تفاصيل تاريخ العراق القريب، تاريخ الحروب والموت والسلطة الديكتاتورية…
** في رواية (كوبنهاجن – مثلث الموت) كان رجال البعث يتعاونون مع رجال الجماعات المتشددة دينيا.. كما مارس البعض منهم العهر الجنسي سواء مع الذكور أو الإناث.. هل اعتمدت على حقائق من أرض الواقع.. وهل استعنت بالأخبار أو بمصادر لكي تكتب كل تلك المعلومات التي تحتشد بها الرواية؟
– أغلب ما جاءت به الرواية مأخوذ من أرض الواقع، حيث اعتمدت على الوثائق والأفلام واللقاءات التي يمكننا الاطلاع عليها من خلال الشبكة الالكترونية مثل “برنامج الذاكرة” وغيره من البرامج والمنشورات… الحقيقة، صدمتني اعترافات الإرهابيين وهم يعترفون أمام الكاميرا بممارسة أخس وأقذر الأساليب في تعذيب ضحاياهم قبل قتلهم. إنها سادية سافرة لم تكن ظاهرة للعيان فترة الحكم الديكتاتوري، كان تتم بالخفاء، في السجون والمعتقلات وساحات الإعدام، والأكثر غرابة في تلك الاعترافات، كان الاعتراف بممارسة الشذوذ الجنسي، وبشكل سافر، حيث اعترف أغلبهم بممارسة الشذوذ، وذلك ما ينفي الصبغة الدينية التي حاول البعض إلصاقها بظاهرة الإرهاب…
** في رواية “وجوه لتمثال زائف” لما اخترت أن يكون البطل قاتلا مأجورا يتحدث بصوته عن جرائمه وعن شبكة من العلاقات الفاسدة سواء أيام النظام الفائت أو ما بعد الاحتلال؟
– لأنها أحد أكبر وأعظم المشكلات التي تعاني منها بلداننا، والموت المجاني الذي تعيشه مجتمعاتنا والذي صار ظاهرة مرعبة جعلت الإنسان المسالم مشروع قتيل في أي لحظة، جديرة بالكتابة عنها وكشف أسرارها…
في مجتمعاتنا هناك مجرمون يتخذون من قيم سامية غطاءً لهم ولجرائمهم، فهناك من يتخذ العلم كالأطباء، أو الدين، أو الغنى والجاه، أو حتى الثقافة أو الفن وغيرها، أغطية لجرائم فضيعة القسوة والوحشية… و”مرهون عيسى الصاحب” بطل رواية “وجوه لتمثال زائف” الذي عاش يتيماً رافضاً لكل أوجه الاهانة والامتهان، كان يتخذ من الثقافة غطاءً لجرائمه، مع أهمية الإشارة إلى أن أغلب جرائمه كانت تتم لصالح جهة سياسية متنفذة لا يمكنه ردها، وبالتالي فإن الثقافة لديه، عطش شخصي، وأما الجريمة فقد كانت سرّ بقائه قوياً متنفذاً… وهذه الثنائية، أو الازدواجية موجودة في مجتمعاتنا، لكنها لم تحظَ بالاهتمام أو الكشف عنها عن طريق الأدب والرواية تحديداً.
يومياً تقترف آلاف الجرائم تحت ستار أحد الأغطية السامية، يصعب الكشف عنها، وتلك مشكلة الإنسان المسالم المحب للحياة الذي لا يسمح لنفسه أن يفكر بقيمة سامية يمكن أن تكون سقفاً متيناً ترتكب تحته أبشع الجرائم، حتى يكون هو الضحية، فيتيقن من زيف تلك القيمة، ولكن بعد فوات الأوان…
** في رواية “وجوه لتمثال زائف” كان نظام الديكتاتور يقتل الناس بوحشية، وكان السجن بؤرة للفساد وللقتل وتطوير المجرمين وحتى لبيع أعضاء الناس وبعد الغزو ظل نفس الأفراد يتآمرون على الشعب ويقتلونه بوحشية ويتعمدون نشر الفوضى.. في رأيك هل تحالفت عدة أطراف (أفراد البعث والمستفيدين من نظام الديكتاتور- أنظمة بعض الدول المجاورة- التنظيمات الدينية المسلحة- قوى الرأسمالية بزعامة أمريكا) على تخريب منظم للعراق؟
– في الرواية إشارة واضحة “لتكاتف” قوى الشر على تخريب العراق، وربما فصول الرواية التي تكشف أسرار السجون فترة نظام الديكتاتور وطبيعة السجناء هناك، دليل على ذلك التكاتف، حيث صار الشرطي “السجّان” والمجرم والسجين “السياسي” وكاتب التقارير أعضاء في التشكيلة الحكومية بعد الاحتلال وتفريغ السجون…
تلك العصابة، التي خرج جزء منها، من زنازين السجون، وجزء آخر جاء من خارج الحدود، والتي صارت الحاكم الفعلي للعراق، كانوا يكنون بغضاً كبيراً للعراق، ولا ينظرون إليه بصورة وطن، بل منجم لأموال سهلة النهب، والتخريب… من هنا يمكننا أن نمنح الحق للقارئ إذا ما ذهب في تصوره، إلى أن الرواية قد كشفت حقيقة الكره وعدم الشعور بالانتماء إلى العراق، الذي تضمره أرواح أعضاء “العصابة” التي صارت تحكم العراق… النتيجة التي وصل إليها العراق خير دليل على كل ما تقدم، فالعراق اليوم، بلد منهوب، بلد تم بيعه، وتفريغهُ من كل خيراته ومدخراته، حتى وصل به الحال، إلى درجة عجزه عن دفع رواتب موظفيه… ثاني بلد نفطي في العالم، عاجز عن تسديد رواتب الموظفين!!!. أعتقد أن حالة العراق الكارثية اليوم ليست بحاجة إلى أدلة تشير إلى سبب الخراب، إلى تلك العصابة التي باعت البلد بأرضه وشعبه وسمائه.
** قلت في مقدمة كتابك “سرديات الوجع في الرواية العراقية”: “الروايات العراقية حاولت وتحاول إعادة بناء مشاهد الماضي بطريقة الإدراك والبحث ووضوح الصورة من خلال المحاكاة والوثائق والشهادات عن طريق الأدب الروائي ليكون بحق ذاكرة شعب، وهذا ما دفعنا لبذل الجهود من أجل إكمال بحثنا هذا، من خلال عوالم الرواية العراقية التي أثبتت أنها الأرشيف الحقيقي لتاريخ شعب ظل يرزح تحت ظلم السلطات المتعاقبة لسنوات طوال”. هل هذا يعني أنك كروائي وباقي الروائيين الذين تناولت أعمالهم في كتبك أردتم التوثيق لما حدث للعراق من أحداث مفجعة عن طريق الرواية؟
– ما زلتُ مقتنعاً، بأن الرواية “ذاكرة شعب”، كونها أصدق وثيقة من شأنها أرشفة تأريخ البلدان. فالتأريخ الذي تكتبه السلطات، تأريخ مزيف بكل تأكيد… الرواية “تأريخ” يكتبه المثقف المُدرك، الأعزل، أو لنقل “الضحية” تلك هي الحقيقة… في مرحلة اشتغالي على كتاب “سرديات الوجع في الرواية العراقية” والتي دامت قرابة الثلاث سنوات، قرأتُ ما يقارب مئتين وخمسين رواية عراقية، ترسخت خلالها فكرة أن “الرواية ذاكرة شعب” بشكل لا لبس فيه، فما حدث في العراق منذ بداية القرن العشرين، من أحداث وتقلبات وحروب وحتى نهضات عمرانية وعلمية، تجده مدوّن داخل الرواية بصورة أدبية مرموقة لا ينقصها التشويق والمتعة… أخترتُ خمسين رواية تكون مادة الكتاب نظراً لتنوعها وعمق فكرتها وجزالة لغتها… وكذلك الأمر مع كتاب “الرواية العراقية.. صورة الوجع العراقي” الصادر عام 2014، الذي صار مصدراً مهماً للعديد من الدراسات والبحوث لطلبة الدراسات العليا في العراق وبعض الدول العربية.
** في رأيك هل سعي الأدب العراقي أو جزء كبير منه لفهم وتحليل وتوثيق الأحداث الوحشية والحروب والصراعات التي مر بها العراق بهدف تعريفها للعالم الخارجي أم لتسجيلها لتكون شاهدة على تاريخ من القمع والقهر والوجع؟
– الأديب العراقي، أو الروائي العراقي تحديداً، يمتلك هماً روائياً استثنائياً، نظراً لحياته ومكابداته الاستثنائية، لذا تجد أن أغلب النتاج الروائي العراقي يحمل ذلك الهم بمختلف صوره وانتماءاته ومشاهده، كون المثقف العراقي يشكل صورة العقل المحايد الذي ينظر ويحلل بحيادية وبالتالي يصنع نصاً نقياً خالياً من الشوائب الفكرية والدسائس السياسية، أي أنه يصنع نصاً يشبهه بحياديته ونزاهته… ولكن هذا لا يعني خلو الرواية العراقية من الغش والتدليس مع الأسف، وإن كانت قليلة وبنسبة ضئيلة…
يبقى عالم الرواية مثار جدل، كما هو مادة بحث ثرية اعتماداً على الحقبة الزمنية التي يتناولها والفكرة الأساس للرواية التي تتطلب قارئ نبهاً “باحث” يمكنه اصطياد الفكرة التي يبحث عنها من بين سطور الرواية، لذا نجد أن الرواية العراقية قد أصبحت في متناول البحوث والدراسات العربية نظراً لأهمية أفكارها وهمها الأرشيفي، علاوة على جمالية الأسلوب السردي وشحنة المتعة التي تمنحها إلى القارئ.
** في مسرحية لك بعنوان “شقيق الورد” وهي مسرحية من فصل واحد مكونة من ستة مشاهد. تتناول ضحايا المقابر الجماعية التي اقترفها نظام الديكتاتور كثيمة أساس لها، حدثنا عنها.. وهل الكتابة للمسرح تختلف عن كتابة أنواع الأدب الأخرى بالنسبة لك؟
– الكتابة المسرحية، فن وعالم منفرد بذاته، يتطب خبرة مسرحية وفنية يتمتع بها كاتب النص، فالتفاصيل التي نقرأها في النص المسرحي، لا نجدها في الرواية أو القصة، أو القصيدة بكل تأكيد. لذا نجد أن كتّاب المسرح قليلون بالمقارنة مع النتاج الروائي والقصصي، ولكنه عمل يتطلب الحب والصبر بالدرجة الأولى، حبك للمسرح غالباً ما يكون الدافع للكتابة المسرحية..
للأسف لم تحظَ جرائم المقابر الجماعية التي ارتكبت من قبل نظام الديكتاتور، بالاهتمام الأدبي الذي تستحق، إن كان على صعيد المسرح أم الرواية، قد نجده بشكل خجول في القصة القصيرة، ولكن يبقى القصور واضحاً… وعلى حد علمي، ومن خلال البحث، وجدتُ أن عدد المسرحيات التي تناولت المقابر الجماعية، أقل من عدد أصابع اليد الواحدة. مع الأسف.
مسرحية “شقيق الورد” كتبتها بنفَس فني وأسلوب يقترب من الأسلوب الشعري، كي أمنح الفكرة خصوصية تمنح المشاهد متعة التصوّر وتلمس أهمية الحدث… بالاعتماد على شخصية الحبيبة وعظام الحبيب التي جَلبْتها الحبيبة من مقبرة رملية ضمت مئات المقابر التي غيَّبت مئات الأرواح الشابة الحالمة بحياة أفضل تستحقها.
** هل يمكن الحديث عن نهضة ثقافية في العراق بعد 2003 خاصة على مستوى الرواية ولماذا في رأيك؟
– الثقافة مشروع شخصي، ويخطئ من يتصورها مشروعاً مؤسساتياً، ولكونها مشروع شخصي، فالنهضة الثقافية أمر حتمي الحدوث، حدث وسيحدث بالمستقبل وبشكل مستمر لا يتوقف… إن فوز رواية واحد، أو شخصية ثقافية، أو حتى نص شعري أو مسرحي، بجائزة مرموقة، من شأنه رفع المستوى الثقافي لبلد الكاتب عالياً، لننظر ما حصل عليه العراق من سمعة ثقافية وأدبية مرموقة على إثر قصائد السياب والجواهري، ونازك الملائكة، وبلند الحيدري وغيرهم الكثير… ولنتذكر حصول الرواية والقصة العراقية على جائزة البوكر وكتارا، وملتقى القصة، وجائزة الطيب صالح ونجيب محفوظ… ولنتذكر أيضاً، أن كل تلك النتاجات، هي في الحقيقة، نتاجات شخصية لأدباء ومثقفون يشكلون مع أنفسهم مشاريع شخصية، وليست مؤسساتية.
** في رأيك هل استطاع النقد مواكبة الإنتاج الغزير والتطور الحادث في الأدب العراقي في الوقت الحالي؟
– العراق يمتلك حركة نقدية كبيرة ومهمة، خصوصاً إذا دخلنا الجامعات الأدبية وبحثنا في البحوث والأطاريح المقدمة للدراسات العليا، هناك سنجد المئات من عناوين الكتب النقدية التي تناولت النتاج الأدبي العراقي بشكله الرصين والجدير بالنقد… ولكن إشارتكِ الذكية حول “النتاج الغزير” يشكل مشكلة كبيرة أمام “سمعة” الناقد العراقي… فمن المؤكد أن النتاج الغزير، يضم بين طياته نتاجاً ضعيفاً غالباً ما يبتعد عنه النقاد، وتلك حالة صحية، فمن غير المعقول أن يستنزف الناقد وقته بعرض رواية أو مجموعة قصصية ضعيفة البناء أو الفكرة أو ركيكة اللغة، عند ذلك تظهر مشكلة الكاتب صاحب النتاج الركيك ليتهم النقد بالغياب والضعف وأحياناً بالغباء أو الشللية، دون أن يلتفت إلى نصه الضعيف ويعمل على تطويره… نعم سيدتي، الحركة النقدية بألف خير، والعراق يمتلك نقاد يشار لهم بالبنان، فما من لجنة عربية تختص بالرواية أو الشعر أو القصة إلا ووجدنا أكثر من ناقد عراقي بين أعضائها.
** هل يمكن القول أن أدب العراقيين الذين هاجروا لدول أخرى يختلف عن أدب العراقيين الذين ظلوا في الداخل.. أم أن الحديث بهذا الشكل يشي بالتقسيم؟
– لا أتفق إطلاقاً مع هذا التصنيف، فليس هناك، من وجهة نظري، أي اختلاف بين ما هو مكتوب تحت سماء المنفى أو سماء الوطن، إلاّ فسحة الحرية التي يتمتع بها الكاتب العراقي الذي يعيش المنفى… أما ما يوحدهما، فهناك الكثير، والكثير جداً، وعلى رأسها “العراق” فأغلب ما كُتبَ تحت سماء المنفى يعود إلى الوطن، يحمل همومه وأوجاعه، وأفراحه ومسراته، تماماً كما يكتبه العراقي تحت سماء وطنه… فحين حصلتُ على جائزة كتارا للرواية العربية، حصلتُ عليها باسم العراق، أنا الذي أعيش المنفى الدنماركي منذ ثلاثين عاماً. وحين حصل صديقي أحمد سعداوي على جائزة البوكر، حصلَ عليها باسم العراق أيضاً، هو الذي يعيش تحت سماء العراق حينها… أجد أن من يحاول فرض مفهوم “أدب الداخل – أدب الخارج” على المشهد الثقافي العراقي، فهو يرتكب “جريمة” بحق الثقافة العراقية، وعليه الانتباه الشديد لهذه “الجريمة”.
** هل اغترابك عن وطنك أثر على إنتاجك الأدبي وكيف كان هذا التأثير؟
– الكاتب يحتاج الهدوء والشعور بالأمان وفسحة حرية تجعله حراً وبعيداً عن أي رقابة من شأنها تقييد الفكرة التي يشتغل عليها، وهذا ما منحني إياه “المنفى”، صحيح أن الغربة والفراق لهما ثمنهما الباهظ، لكنهما يمكن أن يكونا مادة خصبة لنصوص عديدة قد يبدع بها الكاتب كونه يعيش الحالة بصورتها الواقعية، وهذا ما نجده في رواية “كوبهاغن – مثلث الموت” على سبيل المثال.
فسحة الحرية التي أتمتع بها، منحتني أفاق أوسع، وجعلت النص غير خائف، بل يتحرك بحرية لا حدود لها، تماماً الطيور…
** فزت بجائزة كتارا.. هل الجوائز العربية في الوقت الحالي تدعم الأدب وكيف تفعل ذلك؟
الجوائز الأدبية تعزز ثقة الكاتب بقدرته الإبداعية، وتمنحه شهادة بذلك… فحين حصلتُ على جائزة كتارا للرواية العربية، كانت بموافقة ومباركة ثلاثين ناقداً عربياً مهماً، وذلك اعتراف رسمي بقدرتي الروائية… أعتقد أن ذلك أهم ما يمكن للكاتب الحصول عليه، أما الأمور الأخرى إن كانت مادية أو إعلامية، فتأتي بعد ذلك، بالتأكيد.
وهناك نقطة مهمة، تمنح الكاتب آفاق أوسع، تتمثل باللقاءات على هامش المهرجانات، فمن المهم جداً أن يلتقي الكاتب ويتعرّف على قامات أدبية وثقافية مهمة، تتيحها له تلك المهرجانات والندوات الثقافية.