خاص: حاورته- سماح عادل
“حركاتي لعمامرة” قاص وروائي جزائري، من مواليد مدينة بسكرة في 1965، بحي العالية الشمالية، بدأ الكتابة 1979 على صفحات (امقيدش) للأطفال، ثم انتقل لينشر على صفحات جريدة (النصر) خلال الثمانينات وخاصة بصفحة نادي الخميس، ثم انتشرت كتاباته على (أضواء، الشعب، المساء، الوحدة). نال 1985 الجائزة الثالثة للقصة القصيرة من تنظيم مجلة (الوحدة) تحت إشراف وزارة الثقافة. عات إلى الكتابة في 2009 عبر جريدة (فسيرة)، ثم في مجموعة من الجرائد الجزائرية ك(الموعد) على صفحة (حديث الوجدان) و(الجمهورية، كواليس، الاوراس نيوز، الحياة الأردنية، والجزائرية، ووقت الجزائر).
له أعمال تحت الطبع: (ثلاثية المربع السعيد، رواية- سلسلة تجار الإبداع وقصاصات أمل- حكايا الإنسان في حديث الوجدان).
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور ؟
- في حقيقة الأمر أنني بدأت أغازل الحرف من نعومة أظافري إذ كنت شغوفا بالقراءة منذ الصغر وقد كنت واسع الخيال، كما كان يقول لي أساتذتي، فقد كتبت موضوعا عن مدينة بسكرة عروس الزيبان على صفحات مجلة (امقيدش) للأطفال وذلك في جوان 1979 بمناسبة السنة الدولية للطفل، وقد نال ذلك الموضوع إعجاب الكثيرين وأغلبهم قام بمراسلتي على عنواني البريدي.
ثم تطورت ملكة الإبداع لأكتب على صفحات جرائد وطنية مثل: (النصر،المساء، الشعب، أضواء…) وقد نالت كتاباتي إعجاب الجميع.. قبل أن انقطع عن الكتابة لسنين نظرا لظروفي القاسية، ولكنني عدت إلى القلم ومداعبة الحروف عند سنة 2009.
وها أنا ذا الآن أكتب القصة القصيرة بنجاح كبير، لأعود إلى النشر على اليوميات الورقية مثل: (كواليس والموعد اليومي والاوراس نيوز والمساء و جريدة الجمهورية بالغرب الجزائري والحياة بالأردن ومجلتي الهيكل والدستور بالعراق الشقيق)..
(كتابات) لماذا اخترت أن تكتب القصة القصيرة؟
- بالفعل بدأت بكتابة القصص القصيرة وذلك لأنني أجد متنفسا في ذلك، ففي كل قصة اترك عصارة فكري وألمي وحبي وعشقي لعطر الحروف، ولن ادخر سرا إن قلت لك أنني أكتب قصصي تحت تأثير كبير لعواطفي وأحاسيسي، فأجد راحتي وأنا أتنفس قصة، فالقصة القصيرة هي متنفسي وراحة نسبية لي مما نلقاه كل يوم وساعة من مرارة الحياة وحلاوتها ومن أحلك الظروف إلى أحلاها.
(كتابات) في رأيك هل تراجعت القصة القصيرة أمام طغيان الرواية؟
- في الحقيقة أن ما يشاهد في الآونة الأخيرة طغيان كبير لفن الرواية التي صارت حمار الشعراء الذين توجهوا لكتابتها، ولكن كل ذلك لن يؤثر على مكانة القصة القصيرة التي تحتل مكانا عميق الأثر لدى جمهور واسع من قرائها. وخاصة بين أبناء الجيل الحديث الذي صار يعد عددا كبيرا من السرديين ذووا مستويات لا بأس بها.
(كتابات) هل حاولت أن تكتب الرواية؟
- الرواية هي أحد أهم مشاريعي الكبيرة، فقد كتبت رواية تحت عنوان (ثلاثية المربع السعيد) وهي رواية تؤرخ لمنطقة الزيبان من عهد الاستعمار الفرنسي إلى يومنا هذا، في قالب أدبي سردي يمتزج فيه أسلوب السرد المباشر بالحوار الذي يزيد النص قوة وبهاء وتسلسل للأحداث، ولكن للأسف بقيت هذه الرواية على أدراج مكتبتي مخطوطا في انتظار طبعها، إذ نعاني من شح كبير في تسهيلات الطبع العمومي، ويقابله غلاء فاحش للطبع التجاري الذي يدفع ثمنه المبدع الذي يضحي بماله وبإبداعه، وبفضل هذا الفضاء الأزرق الذي شكل منبرا هاما ومجانيا للكثير من الكتاب وعشاق الحرف استطعت التواصل مع كثير من الكتاب والقراء، أتمنى أن يجد مخطوط روايتي طريقه إلى النشر قريبا إن شاء الله..
(كتابات) تكتب قصص الأطفال لما.. وهل الكتابة للأطفال صعبة؟
- الأطفال مخلوقات حبيبة إلى قلبي وأنا الذي قضيت زهرة شبابي في ميدان التربية معلما ومربيا وأبا لكل الأطفال الذين اعتز بهم وأتأثر بهم، ونظرا لتأثري الكبير بهم فإنني أكتب لهم بين الحين والحين قصصا تناسب سنهم ومستواهم، فالكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابة، إذ يجب على الكاتب أن يتحلى بالأسلوب الجميل أثناء سرده وأن يختار الكلمات المناسبة لسنهم، وكذلك الأفكار القريبة من حياتهم اليومية ومع تطور الحياة صار الطفل يحب المواضيع الجديدة غير المستهلكة والأفكار الجريئة.
وكم من طفل اكتشفته ككاتب ذو جودة عالية رغم صغر سنهم مثل الكاتبة (لينة قرناش) 10 سنوات، والشاعرة (جمانة بن راحلة) 15 سنة، فأنا مازلت احتفظ بداخلي بذلك الطفل الذي يحلم بالعيش بسلام وفي وطن يسوده الحب بين الناس، فلا كراهية بينهم ولا خصام، الطفل على براءته يسعى إلى عالم جميل من براءة الطفولة الجميلة والتي يحن إليها جميع الكبار.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في الجزائر؟
- الثقافة بالجزائر وحالها، وبصفتي كاتب ومتابع للشأن الثقافي فإنني لا أستطيع أن أضع تقييما دقيقا بقدر ما سيكون كلامي انطباعا فقط لما نعيشه يوميا، إذ والحق يقال أن حجم الأنشطة الثقافية كبير ومتنوع وثري، ولكن يلاحظ عدم الإقبال على هذه الأنشطة في شتى الفنون، ولقد لعبت وسائل الاتصال الحديثة وخاصة الالكترونية دورا كبيرا في ثقافة اللاحضور، إضافة إلى ذلك غياب سياسة دعم الكتاب في كل الميادين حيث يعاني المبدع وحده في مجال الطبع والنشر والتوزيع. نتمنى أن يرتقي المشهد الثقافي بالجزائر، ونشهد نهضة علمية وثقافية على أرض المليون من الشهداء.
(كتابات) حدثنا عن الفعاليات الثقافية ببسكرة؟
- الفاعليات الثقافية ببسكرة مدينة الشعر والشعراء هي فعاليات أكاد أن اجزم أنها الأولى وطنيا، من حيث عددها وجودتها، إذ تشهد قاعات الثقافة عددا كبيرا من الأنشطة، مثل المقهى الأدبي الذي يعقد مرتين في الشهر وأنشطة بيت الشعر الجزائري، وأنا أحد أعضائه المكلف بالإعلام، وكذا عديد الأنشطة ولكن ما يلاحظ هو عزوف الجمهور، ولكن ورغم كل ذلك فإن عروس الزيبان لن تتخلى عن مبادئها في إقامة عدة مهرجانات، كملتقى الإتحاف الأدبي، وملتقى جمعية الخلدونية للأبحاث التاريخية، ونتمنى من كل قلوبنا عودة مهرجان محمد العيد آل خليفة الشعري الذي غاب منذ سنين، نتمنى للمشهد الثقافي أن يتطور ليصير في مستوى قيمة المدينة.
(كتابات) هل واجهتك مشاكل في النشر وكيف حال النشر في الجزائر؟
- بالفعل لقد وضعت يدك على الجرح فإنني أعاني من مشكل النشر كثيرا، حيث غياب مؤسسات دولة أو مؤسسات حرة تتبنى النشر والتوزيع، يبقى المبدع يدفع من جيبه لكن دون مقابل وواقع النشر في الجزائر غير مضبوط ولا يساعد الكاتب إطلاقا. فيبقى المبدع يطبع من جيبه ليصطدم بعرقلة التوزيع وهو أهم مرحلة في وصول العمل المطبوع إلى القارئ، نتمنى أن يفتح باب النشر على صعيد المؤسسات الحكومية ونأمل في تحسن ذلك في القريب العاجل.
(كتابات) وسائل التواصل الاجتماعي هل سهلت وصولك لمزيد من القراء ونشر نصوصك لهم ليطلعوا عليها؟
- فعلا هي وسائل التواصل الاجتماعي وحدها التي لعبت دورا عظيما في نشر إبداعاتي بالمجان ووصولي في أسرع وقت إلى الكثيرين من قرائي عبر هذه الشبكة الجميلة والرائعة ولكن عند حسن استغلالها فقط. والحمد لله فبفضل الله وهذا الفضاء الأزرق استطعت أن أتعرف على كبار الكتاب والشعراء والنقاد ورجال المسرح والسينما ….الخ
(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتب وماهو جديدك ؟
- في الحقيقة لست وحدي من يواجه صعوبات يومية ككاتب بل كثيرون مثلي، ولكن نواجه تلك الصعوبات والعراقيل بمزيد من الصبر والحكمة وكثير من التسامح، من اجل العبور إلى القارئ الذي ينتظرنا بفارغ الصبر وأن يجدنا في أحسن صورة.
قصتين لحركاتي لعمامرة..
البتول
“مريم البتول هي مريم هذا الزًمان كل، من عرفها من قريب أو بعيد يشهد لها بالخلق الجميل، تحب الآخرين حتى النخاع لا عيب يشوبها حرة بنت حرة تحب الخير والعمل الخيري،عانقت مرة قمرا في ليلة غائمة، كانت الغيمات قد غطته وغطتها، أخذتها الغيمة بعيدا…بعيدا، عاشت أحلامها وحدها مع قمر غاب وتوارى فلم يبق منه غير ضوء خافت، ولما استيقظت مريم من غفوتها كان الحلم قد انتهى.. حزينة هي لانقضاء الحلم في ثوان معدودات، وهي عادة الأحلام السعيدة، فهي عادة لا تدوم لتفتح للحزن بابا مشرعا، هو قلبها المسكين كبير كبر هذا العالم الذي صار غريبا في نظر مريم …
كلما مررت بها لأسألها كانت تشير إلى صبي كان ينام على ركبتها وكأنه المسيح، غير أن الصبي لا يتكلم بل يصدر صوتا حزينا كصوت الناي الحزين، كان صوته كعصفور حزين خنقته غربة السجن اللعين، كان ذلك الصوت المخنوق يتهادى من بعيد إلى مسمعي:
- أنا مسيح هذا الزمان لكن لغتي من زمن البتول وعيسى وموسى لن يفهمها غيرك ياعماه، أنا لم أختر هذه اللًغة ولدت بها لا أفهم غيرها، هي غريبة عنكم أعرف ذلك لكن أحسست أنك تفهمني وأحمد الله أنك كذلك..
هذه المرأة ليست أمي، هي نجمة كانت تعانق قمرا فوق السحاب، عانق القمر التخوم الباردة وودع النجمة الحزينة فعادت إليكم تحملني بين ذراعيها وهي تقبل وجنتي وكلها عفة وطهر، قد نذرت للرحمان صوما عن الكلام فلا تلوموها ولا تتهموها، هي قلب طاهر بريء من عفونة هذا الزمان الأرعن اللًعين هي بسمة المسيح وطهر العذراء البتول، وهي جمال يوسف وبلاغة المسيح في مهده، وفصاحة خير الخلق محمد.
ثم واصل الصبي كلامه بعد ان وضعته مريم في مهده:
- ياعماه هذا الزمن الذي تعيشونه غابت فيه الخوارق والمعجزات، وعمت فيه الجرائم والموبقات فصرتم تسمعون ما يشيب له الولدان ويعجز عن وصفه اللسان، وصارت شاشاتكم تنقل الجرائم كأنها تنقل المسرات، وتأقلمتم فصار كل قبيح مذموم عندكم عادي وغير ملوم … قبح وقتكم بل قبحتم، وأنا صبي عفت عالمكم، جئت مرافقا لنجمة هذا الزمان وسأغادر عالمكم إلى غير رجعة عندما اطمئن على البتول ويوم تنطق هي أكون من الغائبين.
نمت وما نامت مواجعي والبتول ساكتة لا تنبس ببنت شفة، مر اليوم واليومان وثالث ليغيب الغلام بمهده عن الأنظار، أما مريم فعادت لبسمتها كما كانت لا تذكر شيئا عن القمر ولا الغيمات ولا الغلام، ذكرتها بالغياب الذي طال لكنها ما تذكرت شيئا غير أنها قال :
- أذكر أنني نمت فرأيت حلما لم يدم غير بضع ثوان…
أيها العابرون على ركح الحياة، والذاكرون لله والذاكرات والحالمون بمستقبل زاهر والحالمات إذا ما رأيتم مريم يوما فأقرؤوها مني السًلام” ..
المحترمون يعودون هذا الأسبوع..
“كم كنت سعيدا وأنا أتعرف بها، وكانت سعادتها أكبر من سعادتي حسبما صارحتني به بعد طول كلام، هي جميلة طيبة لكنها لا تأمن على أسرارها أحدا، تغنيك عن القواميس في اللغة وعن الخرائط في الجغرافيا، وعن المراجع في التاريخ.. مذيعة أنيقة تشتهر ببرامجها الإذاعية المسموعة
حدثتني أنها سعيدة فئ حياتها، إلا أنها تعاني من نقص في حياتها، نقطة ضعفها الرجل، قالتها بصراحة: أحب الرجل الذي يفوح رجولة، رجلا رجولته تسبق اسمه لكنها هي لم تجد في زوجها كل طلباتها..
هذه الصراحة باحت لي بها ونحن في انتظار مجيء المخرج، لتبدأ حصتها عن الأخلاق الفاضلة وقد كنت ضيفها في هذه الحصة، استضافتني بحكم صداقتي لزوجها..
أما هو فرجل طيب في منتهى الطيبة، ورغم طيبته إلا أنه وقع في حبائلها فغدى عاشقا، فزوجا فأبا لثلاثة أبناء، هو يعشقها بل يكاد يعبدها لو طلبت منه أن يصنع لها تمثالا لفعل.. أقصى أمنياته أن يرضيها لكنه يشعر عدم رضاها، ولا يعلم السبب.
عندما يجلس في جماعة ليس له من الأمثلة سواها، عندما تهاتفه يبتعد قليلا عن المجموعة ويفتح الهاتف ويتكلم معها بكل احترام وكأنها أول مكالمة له معها، يحمر وجهه ويتلعثم لسانه، وكل أوامرها مطاعة رغم أنها تطلب أحيانا ما يعجز عنه، إلا أنه دائما ما يسعى لإسعادها بتلبية طلباتها، هو معها كطفل صغير، يكاد يقول لها: ماما!.
يعيش معها حياة هادئة، هي الآمرة الناهية، هاتفه دائم التفتيش من حضرتها لعل رقما جديدا دخل حياته دون علمها، لكنه بالمقابل وهو يعمل مديرا لمؤسسة تربوية، ليس ذلك الطفل الصغير، عندما يجلس على كرسي المسؤولية ينقلب ذلك الطفل الصغير إلى رجل محترم الجميع يصغي لأوامره، هو في مؤسسته أسد هصور، لا أحد يتكلم في حضوره إلا بعد إذنه، لا مناقشة لأوامره شديد على الجميع، لو صادف أن هاتفته زوجته وهو بالمؤسسة هنا ينزع ثوب الشخصية المحترمة ليعود إلى طفولته: حاضر، حاضر.. والموظفون يشاهدون ويستغربون، وبعد الانتهاء يرجع إلى الشخصية الشديدة ويعود إلى الأمر والنهي، فتجد زملاءه من أساتذة وإداريون يتعاطفون معه و في قرارة أنفسهم يقولون: مسكين إما جن أو سيصاب بجنون لكنهم لا يعلمون أن بداية أسبوع العمل هي بداية عودة للرجال المحترمين”..