خاص: حاورته- سماح عادل
“بلال المصري” كاتب لبناني، من مواليد 1974، صدر له:
– (عتم المرايا) شعر، بيروت 2004.
– (تصاعد الياسمين كالرصاص) شعر بيروت عام 2012.
– (الجدران تتعرى لظلي) رواية، صادرة عن مؤسسة أروقة الثقافية في القاهرة بالتعاون مع النادي الأدبي في نجران المملكة العربية السعودية 2014.
– (خفيفا كزيت يضيء) شعر، بيروت 2016.
– مسرحية (تواليت).
– مسرحية (صراخ الجثة) الفائزة بجائزة أفضل نص مسرحي بالمهرجان الدولي بمدينة سيدي قاسم.
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
- في سن الطفولة كان لدى الكثير من الأسئلة، مثلاً كنت أتساءل في نفسي لماذا السماء زرقاء؟، وإلى ماذا تدل تشكيلات الغمام التي تشبه أحياناً حفلاً عظيماً، وفي أحيان أخرى تشبه قطعان من الغزلان الخائفة؟، كان هذا الموج الهائل من الأسئلة قد أخذني وأغرقني للأبد في بحر الكتابة، حيث اكتشفت أن ما يبحث عنه العالم لا يكمن في الإجابات بل بالتماهي مع الأسئلة التي تقود إلى أسئلة أخرى، وهكذا أرى أن تجربتي في الكتابة قد تطورت على نحو ملهم، حيث غصت في عملية بحث دائم عن الحب بوصفه النهر بين ضفتي الأنا والآخر, وهناك عاطفة مثل عاصفة تقتلع كل ما في داخلي وفي كل مرة تأخذ مني شيئاً وهذا ما يجعل شغفي بالكتابة يتطور.
(كتابات) تكتب الشعر والمسرح والرواية علام يدل هذا التنوع؟
- دون شك يدل ذلك على عملية بحث شائكة ومعقدة، بحث عن الأنا في الآخر كما هو بحث عن الآخر في الأنا. وأيضا هو رغبة ملحة لإيصال رسالة للعالم بكل الوسائل، حيث أننا نجد الكتابة مهمة نضالية للدفاع عن قضايا الإنسان، هي عملية كشف واكتشاف.
ما يمكن التعبير عنه في الرواية لا يجوز ربما في الشعر، وما يستطيع طرحه المسرح قد تعجز عنه الرواية، مع ذلك نجد أن هنالك علاقة وثيقة وجدلية بين هذه الأشكال المختلفة من الكتابة، وهذا ما يجعلنا نطرق كل هذه الأنواع، ونحن لسنا حالة استثنائية فهنالك الكثير من الكُتاب في أوروبا, أمريكا والعالم العربي قد جمعوا بين الشعر والرواية وأيضا المسرح وهذا يدل على شغف الكاتب بالكتابة ورغبته في العطاء.
(كتابات) احكي لنا عن تجربتك في كتابة المسرحية؟
- في الواقع كتبت العديد من الأعمال المسرحية منها “صراخ الجثة” التي تعرض من وقت لآخر من خلال مسرح رحالة الإمارات، ضمن مهرجانات مختلفة في المنطقة العربية. وفازت هذه المسرحية في مهرجان سيدي قاسم الدولي في المغرب بجائزة أفضل نص مسرحي قبل عامين. وأيضا كتبت عملاً مسرحيا بعنوان ” تواليت” وكان ضمن القائمة القصيرة لجائزة هيئة المسرح العربي في الشارقة عام 2016. ومؤخرا كتبت عمل “رحلة إلى المريخ” وهو يحاكي القضية الفلسطينية برؤيا ومعالجة موضوعية ومختلفة.
أما بالنسبة لمسرحية “صراخ الجثة” ومسرحية”تواليت” فإنهما تتحدثان عن مجريات الربيع العربي بشكل عام من زوايا مختلفة, قد تبنيت من خلال هذه الأعمال موقف الحياد بحيث أنني أطرح الأسئلة من جوانب مختلفة ونتبنى مختلف وجهات النظر كي نقول أن الفوز الحق أن لا تغلب أحدا. وبالمناسبة جمعت هذه الأعمال الثلاث لتكون ضمن كتاب يجمع أعمالي المسرحية بعنوان ” تواريت كي لا أختفي”.
(كتابات) حدثنا عن روايتك “الجدران تتعرى لظلي”؟
- نشرت رواية “الجدران تتعرى لظلي” طبعتها الأولى في بيروت عن دار عشتروت للطباعة والنشر. ثم كانت الطبعة الثانية عن طريق مؤسسة أروقة في القاهرة بالتعاون مع نادي نجران الأدبي في المملكة العربية السعودية. وهي رواية فيها عالم غرائبي وكثير من الفنتازيا وبالغة شعرية تتحدث عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات، وعلاقتهم بالداخل ومن ناحية أخرى تعالج العلاقة المأزومة بين الأطراف الفلسطينية بين مؤيد للكفاح وآخر يريد التفاوض، وذلك دون الخوض بالتفاصيل التاريخية والإسهاب في السرد إنما عن طريق الرمزية.
ولكني بعد ذلك أنهيت كتابة رواية أخرى مختلفة تماماً في الشكل والمضمون واعتقد أنها ستكون أكثر تعبيراً عني ككاتب روائي، وسوف تبصر النور إنشاء الله نهاية العام أو مع بداية العام الجديد.
(كتابات) في ديوانك “خفيفاً كزيتٍ يضيء” ما سر الإيجاز والتكثيف؟
- هل الشعر غير الإيجاز والتكثيف؟ بالنسبة لي أجد الشعر في هذه الميزة الفارقة عن باقي أصناف الكتابة، فالشعر يوحى ولا يقول يسأل ولا يجيب.
بالنظر للكم الهائل من الكتابات على مختلف المنصات الثقافية، هل كل ذلك شعر؟ دعيني أقول من حق كل إنسان أن يكتب، وأنا لست ممن يدعون لوقف مثل هذه الكتابات، بل على العكس تماما هذا بالنسبة لي شيء مبهج أن يندفع هذا الكم الهائل من الناس لتعبير عن أنفسهم من خلال الكتابة، لكن يجب أن يكون هناك نقاد جادين يتعاملون مع هذه النصوص من أجل تقطير مشهد ثقافي مضيء، لكن مع الأسف هذا ليس موجودا اليوم، بل على العكس هناك كثير من المجاملات والكلمات السطحية التي لا قيمة لها.
(كتابات) في ديوانك “خفيفاً كزيتٍ يضيء” هل تحاول إعطاء الكلمات دلالات ومعاني جديدة وهل تسعى لعمل لغة خاصة؟
- نعم أحاول الانزياح باللغة عن سياقها الطبيعي للتعبير عن رؤيتي الخاصة، ليس للعالم وحسب إنما للتعبير عن لغة خاصة تلفت انتباه المتلقي، ولكني لا أدعي أنني قد نجحت في ذلك تماماً، فأنا دائماً في طور التجريب، ومؤخرا أنجزت مجموعتي الشعرية الجديدة والتي ستصدر قريباً عن دار الوطن اليوم في الجزائر، وربما ستجدين فيها تطوراَ ملموساً في بناء لغة شعرية ربما تكون خاصة. ومن ناحية أخرى أنا بشكل عام اهتم بإنتاج نص يحاكي فلسفة التسامح والمحبة كونهما جوهر الشعر الحقيقي بالنسبة لي.
(كتابات) في ديوانك “خفيفاً كزيتٍ يضيء” هناك نظرة مغايرة للحياة وتفاصيلها حدثنا عن ذلك؟
- كما ترين يا سيدتي السائد اليوم في الحياة شريعة الغاب، ونحن نعاني بشدة من التطور التكنولوجي الذي قتل في الإنسان إنسانيته، فما قالوا أنه عالم حر تبين مع التجربة أنه عالم دون قلب وعاطفة، عالم منافق يدعى قيم لا يعمل بها على الإطلاق، والأمثلة على ذلك كثيرة، ونحن الذين نكتب نريد لهذا العالم أن يعود لإنسانيته لانتمائه الطبيعي للطبيعة أمنا، التي ندحرها لصالح المدنية الحمقاء التي لو تمعنا بحقيقتها سنعرف إنها جرعات السم التي ستقضي علينا، وهذا ما ينذر فيه الاحتباس الحراري في العالم. ببساطة أنا أعيش حياة لا مادية وينعكس ذلك في كتاباتي وببساطة أكثر من أراد أن يكون شاعراً عليه قبل كتابة الشعر أن يحيى في الواقع قيمة الإنسانية وحقيقته الأصلية.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في لبنان والعالم العربي؟
- في لبنان هناك حراك ثقافي واسع بين مختلف المثقفين في بيروت والمناطق، ولكننا نفتقر في لبنان لحراك ثقافي منظم يجتذب مثقفين وشعراء عرب، ربما لبنان البلد العربي الوحيد الذي لا يوجد فيه مهرجان شعري دائم، وربما يعود ذلك لسنوات الحرب الماضية وللأزمة الاقتصادية التي يعاني منها اليوم ولكن تبق بيروت وجه للمثقفين العرب والتفاعل الدائم.
أما بالنسبة للدول العربية فهناك حراك واسع لاسيما في دول الخليج العربي وهذا أمر مبشر، ولكن يبقى هناك سؤال عن صدقية المشهد الثقافي اللبناني والعربي بشكل عام، وأقصد القول هل حقا من يتصدرون المشهد الثقافي هم من يمثل حقيقته؟، أو أن هناك طاقات كبيرة مدفونة ولا يفسح لها المجال لتعبير عن نفسها ويأتي سؤالنا هذا نتيجة تكرار الأسماء نفسها مع كل مناسبة هنا وهناك.
(كتابات) في رأيك هل يواجه الكاتب في المنطقة العربية صعوبات ما؟
- نعم يواجه الكتاب العرب الكثير من الصعوبات بل أن الكاتب في المنطقة العربية هو الأكثر اضطهاد، سواء من الحكومات أو المجتمع، بوصف الكاتب كائن مجدد منتفض على السائد ومنتتقدا له، فما رأيك مثلاً في الرقابة على الكتاب في بعض البلدان العربية، وماذا نقول عن الكتاب الذين يموتون دون أن يجدوا مالا للعلاج وماذا وماذا؟؟ حال الكتاب في المنطقة العربية مزري ومخيف مع الأسف.
نصوص لبلال المصري..
الوقت
الوقت الطفل
يلهو بجثث السنوات
أقبض على اللحظة بحنان
بينما نهر شيخ
يركع يأم جموع الشجر
فطفت حولك أتلو سورة الجسد
الأرض رغيف خبز
نحن الفقراء
وطفتِ حولي رقصاً يجعل الجسد رسول
أنا وزيتونة في عباءة واحدة نقيم طقوس الولع
فماذا يريد الخيل من الفارس؟
وكل عشب الأرض كلمة ”
جلس الوقت على الكرسي
الجبل ينظر من بعيد بحنان للمتسلقين
كان السقوط أغنية عاشق قلبه فأس
تعلق بحب شجرة
ضمها حتى صارت الشجرة ربابة
من مجموعة عتم المرايا
2004
مقطع من قصيدة ( تصاعد الياسمين كالرصاص)
كنت أتخيلُ النعاسْ
على هيئة فرسٍ
كهذا الرمش الذي يرتجف
كصورة عاريةٍ
بين أردافِ الماء
كما تغرز امرأة أظافرها
في ظهر الرغيفْ
والشمس القاعدة خلف نفسها
لا تعرف لماذا
تجيء
على هيئة سنورةِ
ماءت واستدارت
على نفسها
ركض البحر كطفلٍ
خائفاً حيناَ
وحيناً يركض خلفها
كمن يطارد فريسته
بأنيابٍ من زبدْ
على فرسٍ أسود
ابتعدت الشمس
واتسع الكون كغشاء
عذراء
كنت أتخيل النعاس
أنحني فوق العتمة
مثل ماسح الأحذية
أمسك بها بكلتا يدي
وأكنس النجوم بفرشاة أكثر من شجر
الحديقة
ويغني الصمت في صمته
الخبز يشبه الطعنات
هو الشقي.. الشقي..
فر من الجنة
لأن أباه آدم
نسي حذاءه في وديان الأرض
وكان في كل خطوة
يهز عصاه
كي لا يتعثر بموجه
ولما عضت الذئاب
أطراف الليل
صاح الليلُ
قفز العاشق خلف
سور الحديقة
ثم تصاعد الياسمين
كالرصاص.