خاص : كتبت – سماح عادل :
“معين توفيق سيد خليل بسيسو” هو شاعر فلسطيني.. ولد في (غزّة) بفلسطين عام 1927، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في غزة عام 1948، وهو شقيق الكاتب “عابدين بسيسو”.. بدأ النشر في مجلة (الحرية) اليافاوية ونشر فيها أول قصائده عام 1946، التحق سنة 1948 بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وتخرج عام 1952 من قسم الصحافة، وكان موضوع رسالته (الكلمة المنطوقة والمسموعة في برامج إذاعة الشرق الأدنى)، عمل مدرساً في عدد من مدن فلسطين – غزة، والبريج، (مخيم لللاجئين قرب خان يونس)، ومدرسة “بني سهيلة” في خان يونس حتى عام 1963، وفي عام 1965 رحل إلى بيروت، وذلك بعد تعرضه للسجن بسبب نشاطه السياسي، فقد سجن في المعتقلات المصرية فترتين، الأولى من 1955 إلى 1957، والثانية من 1959 إلى 1963.
حياته..
عمل في جريدة (الثورة) السورية 1967، إضافة إلى كتابته للبرامج المتنوعة للإذاعة السورية حتى عام 1968، وفي عام 1969 سافر إلى مصر ليعمل في جريدة (الأهرام)، إضافة إلى كتابته للمسرحيات. وفي عام 1972 عاد إلى بيروت ليلتحق في إطار المقاومة الفلسطينية، ثم أستقر في تونس.
كان “معين بسيسو” شيوعيًا فلسطينيًا، وصل إلى أن أصبح أمينًا عامًا لـ”الحزب الشيوعي الفلسطيني” في قطاع غزة، وفي عام 1988، عندما توحد الشيوعيون الفلسطينيون في حزبهم الموحد، أعلن “معين بسيسو” ذلك من على منبر المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد بالجزائر حينها، وظل “معين” عضو اللجنة المركزية للحزب حتى وفاته، كما شارك في تحرير جريدة (المعركة) التي كانت تصدر في بيروت زمن الحصار مع مجموعة كبيرة من الشعراء والكتاب العرب.
في حديث لـ “معين بسيسو” عن حياته، يقول في إحدى الحوارات الصحافية معه: “من غزة أحمل ذكرى غجرية؛ رضعت طفولتي من نهديها ترياق الرحيل. ومن يومها وأنا ابن النار، وعلى رأسي عصبة تحمل أسماء المحطات ومواعيد الرحيل، في القاهرة تخرجت من الجامعة الأميركية قسم الآداب، وفي القاهرة تم طبع أول ديوان لي واسمه (المعركة)، هذا الديوان صدر في اليوم التالي لحريق القاهرة عام 1952. وبعد ذلك بدأ البوليس الملكي بالتفتيش عن صاحب الديوان، فاختفيت في بيوت الأصدقاء الرسام “حسن التلمساني”، والمحامي الكاتب “لطفي الخولي” والكاتب “عبدالرحمن الخميسي”، وبعد قيام ثورة 23 تمّوز (يوليو) عدت إلى غزة وعملت فيها مدرساً، حيث بدأت ملاحقة البوليس المصري لي ثانية؛ فسافرت إلى العراق، وهناك أذكر أن أحد الطلاب طلب مني أن يقرأ رواية (الأم) لمكسيم جوركي، ولكن هذا الطالب الذي يطحن سعف النخيل الأخضر ويعجنه ويصنع منه أقراصاً يجففها تحت الشمس ويأكلها، مات، ولم يقرأ الرواية. وضع سعفة من النخيل وسط الكتاب ومات. بعد سنة وقد بدأ البوليس العراقي يلاحظ نشاطي، هربتني من مطار بغداد إحدى المضيفات، حيث عدت إلى غزة في أوائل سنة 1954، حيث عملت مدرساً وناظر مدرسة، وكنت قد اعتقلت في غزة إثر تظاهرات أشتعل بها القطاع ضد مشاريع إسكان وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء. كانت المرة الأولى التي أدخل فيها إلى الزنزانة وأجلد فيها بالكرباج.. حبال الكرباج المجدولة من أسلاك التليفون؛ أحسست أنها قد رسمت على ظهري إلى الأبد خارطة الوطن”.
كتابة الشعر..
تُعدُّ قصيدة (الفلاح الفلسطيني)، التي نشرتها مجلة (الحرية) اليافاوية سنة 1946، بداية شعر “معين بسيسو”، وفي 27 كانون ثان/يناير 1952، نشر ديوانه الأول (المعركة)، ومنذ نهايات النصف الأول من القرن العشرين أصبحت أبياته الشعرية هتافاً للمتظاهرين والغاضبين في الشوارع العربية، وقد ترجم أدبه إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والروسية، ولغات الجمهوريات السوفياتية، أذربيغان، أوزبكية، والإيطالية والإسبانية واليابانية والفيتنامية والفارسية.
حصل “معين بسيسو” على “جائزة اللوتس” العالمية، وكان نائب رئيس تحرير مجلة (اللوتس)، التي يصدرها اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، حصل على أعلى وسام فلسطيني، (درع الثورة)، وكان مسؤولاً للشؤون الثقافية في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، كان عضو المجلس الوطني الفلسطيني.
شاعر مناضل..
يقول عنه الأديب الفلسطيني، “رشاد أبو شاور”، في مقالة له: “صورة معين بسيسو وصلت إلينا كما يليق بالشاعر، فهو يتقدّم المظاهرات، بقميص مفكوك الأزرار عن الصدر، مشرع للإستشهاد، هاتفاً بشعره، رافضاً مع شعبه التوطين في سيناء، فلا بديل عن فلسطين. تلك كانت صورة الشاعر، الذي ينتسب إلي سلالة شعراء، حملوا دمهم على راحاتهم، ومضوا في مقدمّة الصفوف، بكامل عدّتهم: الموهبة الشعرية، الإلتزام، حمل المبادئ، الجاهزية للتضحيّة، بمصداقية القول المقترن بالفعل. إن دور شعرائنا التنويري، التثويري، قد دشّن منذ بداية الصراع والإشتباك مع الحركة الصهيونيّة، والإستعمار البريطاني، والمؤامرات المحليّة المتصاعدة على عروبة فلسطين، من غزة انتشر صوت معين بسيسو في بلاد العرب، فالتقطه الفلسطينيون، وأنشدوه، وعمموه، وتبنّوه. معين ابن الشعب، وصوت الضحايا”.
وعن الشعر لدى “معين بسيسو”، يضيف: “الشعر عند معين هو دعم لوجستي، كالذخيرة، كالتموين، به يصمد المحاربون، فالروح بحاجة للغذاء، والشعر غذاء الروح، به تتقوّى وتنتصر.. عام 82 كان يشارك في مؤتمر أدبي في (طشقند)، وعندما سمع ببدء العدوان على الثورة الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة اللبنانيّة، بادر بالعودة سريعاً إلى (بيروت) مخترقاً الحصار، ليكون مع الفلسطينيين واللبنانيين في المعركة، إذ لا يعقل أن تكون معركة، ويكون معين بعيداً يتفرّج. منذ لحظة وصوله إنخرط (معين) في المعركة شعراً، ونثراً، وبدأ يكتب زاويته (متاريس) حاضّاً على الإستبسال، نثره يعتمد الجمل القصيرة المتوترة، وإذ تقرأه تحسب أن الشاعر يكتب وهو يركض في الشوارع، والأزقّة، والحواري، وفي القطارات، وعلى سطح سفينة تضربها أمواج عاتية، فهو يكتب ويركض من جهة إلى جهة، للتواري عن عيون مطارديه، لا خوفاً ولكن ليكتب ويوّزع ما يكتبه كالمنشورات السريّة، حريصاً على تأدية دوره على أتّم وجه للمساهمة في إنقاذ السفينة، وبلوغها شاطئ الحريّة والأمان”.
تعنت النقد..
يقول عنه الكاتب، “أشرف الزغل”، في مقالة له: “بدا واضحاً أن شعر معين بسيسو لم يخضع في معظمه للقراءة النقدية المتعمقة، كما هو حال الكثير من الشعر الفلسطيني، وظل خاضعاً في معظمه في أحسن الأحوال لمسطرة بروكرست النقدية المعروفة، والتي أستلهمها معين نفسه في بعض كتاباته. الإنتقائية المتسرعة التي ميّزت هذا النقد ظلمت شاعر «الأشجار تموت واقفة»، ولم يكن موت الإيديولوجيا هو السبب الرئيس في ذلك، فكثر من الشعراء الذين إلتزموا بهذه الإيديولوجيا على مستوى العالم مازالت أشعارهم تقرأ وتترجم، وتستعاد في أكثر من مناسبة. لكنّ «مأساة جيفاره» الفلسطيني لم تكمن على ما يبدو في نوعية الفكر الذي أستلهمه للتحرر من واقعه البائس، بل في نوعية الحوار الدائر مع محيطه والقرارات التي تصدر تباعاً حول إمكانية إعادة قراءة هذا الواقع قراءة جديدة بمعزل عن حائط الإيديولوجيا الذي ظل ينهار على الملأ، ويتردّد صداه أمام الأعين الشامتة”.
ويواصل واصفاً شعر “معين بسيسو”: “إن قراءة متبصرة في أعماله الشعرية الكاملة؛ تكشف عن حساسية شعرية متماوجة في علوها لديه، ولن تكون ممكنة قراءتها اليوم من جديد، من بعد مرور ثلاثين عاماً على رحيله المفجع والمأسوي في لندن، إلا بعد أن تسقط عنه كل تلك الألقاب النقدية الناقصة التي لحقت بشعره، وحُمِّل معها كل تلك الألقاب المدوّية الصارخة التي لم يسعَ وراءها، بقدر سعيه إلى تشكيل معجمه الشعري القوي في جانب لغوي منه، كما هو حال شخصيته القوية، والرقيقة في بياناتها اللغوية البديعة التي حملها قسم كبير من شعره.. إن معين أمتلك بحكم إنتمائه الإيديولوجي ثقافة نقدية جامعة دفعته لأن يكون مثقفاً من طراز رفيع يدرك ويلمّ بالتحولات العاصفة من حوله. أنه كان محصناً بما فيه الكفاية بتجربة حياتية متمرسة في النضال وإتخاذ المواقف”.
منظومة الشعر الفلسطيني..
يعتبر الناقد “محمود حامد” أن: “بسيسو شكّل جزءاً حيّاً من منظومة شعرنا الفلسطيني، وشكّل الشعراء الفلسطينيون جميعهم منظومة عقدٍ شعريّ فريد القيمة والمغنى، رائع المعنى والمبنى، بحيث كان شعرنا إضافة رائعة للشعر العربيّ، على وجه الخصوص، ومنظومة الشعر الإنسانيّ على وجه العموم، وستظلّ قريحة الشّعراء تبدع شعرها ليظلّ وتر الغناء عامراً ببوحه الشجيّ على مرّ الأيّام”.
وعن نص “معين بسيسو”، يؤكد “محمود حامد”: “نصٌّه يكشف الرّؤية المعمّقة، فهو صاحب التجربة النضاليّة المثيرة، والتجربة الشعريّة المتمكنة من أدواتها، ومبناها، وتراكيبها، وعلى الرّغم من إقتراب لغة الشاعر من مفردات الحياة، والنسج الذي يقترب بتماسه مع مرارة الواقع الفلسطيني، ومعاناة شعبنا القاسية داخل وطننا المحتل وخارجه، فقد ظلّت اللغة الشعرية لديه عالية الوقع والنّسج والقيمة، فكثرٌ هم الذين استخدموا مفردات: الماء والندى، والصّوت والصّدى، وما شابه من مفردات مقاربة لها، ولكن تبقى عملية النّسج الشعري للّغة هي العامل الأهمّ في خلق شعريّ مثير ومتميّز تكشف قدرة الشاعر في عملية بناء أطر ذلك الخلق الغنائي الرّهيف والحادّ في آنٍ واحد، ولعلّ قصيدة (المعركة) بمغناها الوطنيّ الهادر والجماهيري تكشف عن علاقة الشاعر بجماهير شعبه.. علاقة إرتباط وثيقة وعميقة جداً تربط الوجدان الإبداعيّ بالوجدان الجماهيريّ لمقاربة الصّوتين ببعضهما ليصبحا صوتاً واحداً نديّ الإثارة.. تردّد صداه حتّى قارعات الطّريق المفضي بالأجيال للعودة، والتحرير، من خلال نغمٍ دراميّ موجع.. لا يغادر ذاكرة مغنيّه ومستمعيه أبداً”.
جنون العشق الوطني..
يواصل “محمود حامد”: “إن بسيسو واحد من شعراء الكوكبة الأولى المناضلة بالكلمة والطّلقة، وقبل رحيله رسّخ في ذاكرة الأجيال فكرة توارث جنون العشق الوطنيّ جيلاً بعد جيل لتظلّ فلسطين حاضرةً على إمتداد الدّهر في تلك الذاكرة الحيّة، وقصائده عماد من أعمدة الشعر العربيّ والإنسانيّ.. تتناقلها لغات الأرض قيمةً وطنيةً نضاليّةً تمثّل قيمة نهوض الشّعوب إلى إستقلالها وحريتها وخلاصها بما تملك من دمٍ حرّ أبيّ، وشعر إنسانيّ مقاوم، وكلمة تزاحم الطلقة في خندقها كتزاحم الجهات في إندفاعها للأعالي، والجياد في ساحاتها بإندفاعها للأمام المظفّر، والرّجال نحو الشهادة.. ولو إقتطفنا مقاطع من شعر معين بسيسو لوقفنا على أهمية الشاعر وشعره في بناء مجد ثقافتنا الوطنية، وخلود إنسانيتنا في قصائدنا، وزحفنا المقاوم بالرّصاصة، والكلمة المعبّرة والمؤثرة”.
ويقول الكاتب “أحمد دحبور” عنه: “إن بسيسو نذر صوته للجماهير الشعبية وقضايا التحرر، وأن المؤرخ المعاصر يستطيع أن يجمع فصول تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، من شعر بسيسو منذ قصائده المبكرة في مواجهة النكبة، ورفض توطين الشعب الفلسطيني خارج بلاده، وصولاً إلى مرحلة الثورة الفلسطينية بكل ما تضمنته من معاناة وألم وأمل فضلاً عن توجهه بالخطاب المباشر إلى الشعوب المكافحة من أجل الحرية والتحرر”.
دفاتر فلسطينية..
يعتبر كتاب “معين بسيسو” المعنون “دفاتر فلسطينية” من كتب السيرة الذاتية وقد طبع أكثر من مرة، يقول عنه الناقد د. عادل الأسطة: “على الرغم من أن أكثر صفحاته تأتي على تجربة معين في السجون، إلا أنه أيضاً يكتب عن حياته طالباً في مصر، ومعلماً في قطاع غزة وفي العراق، كما يكتب عن طفولته وأمه وأبيه وأهله ورفاقه في الحزب الشيوعي .. أرى أن دفاتر فلسطينية كتاب مهم، لا لأنه يكتب عن تجربة شيوعي فلسطيني وحسب، وإنما لأسلوبه أيضاً، ففيه تنوع في الأسلوب، ربما لم يتحقق كثيراً في نصوصنا النثرية. يسرد معين تارة بضمير الأنا، وطوراً بضمير نحن، وأحياناً بضمير: الأنا/ أنت، ونحن/ أنتم، ويجرد من نفسه شخصاً يخاطبه. وينوع في صيغ الأفعال. وهو – أي الكتاب – مهم، لأنه كتاب نثري أنجزه شاعر، وربما احتاجت كتب النثر التي يكتبها شعراء إلى دراسة، ذلك لأنها نثر لا يخلو من الشعر”.
وفاته..
توفي” معين بسيسو” إثر نوبة قلبية في أحد فنادق لندن يوم 23 يناير 1984، وقد دفن في مصر لأن سلطات الاحتلال الصهيوني لم تسمح لجثمانه بالدخول ليدفن هناك في تراب غزة.
يقول “محمود درويش” ناعيًا ” معين بسيسو”: “كان معين يطرد فكرة الموت كما يطرد ذبابةً، وكان يمازحنا ويهدّدنا جميعًا بالرّثاء، كان يكره الرّثاء ويمقت المشهد الفلسطينيّ اليوميّ في طابور الموت”.
https://www.youtube.com/watch?v=Y2SWFpKXi1g