إعداد/ جاسم محمد دايش
مقدمة
من الممكن أن نتسأل عن مضامين المجتمع المدني وأصلها ؟ وماهية مؤسساته ؟ وما هي موارد ومتطلبات نشأة هذه المؤسسات ؟ وكيف يمكن الاعتماد عليها واستعمالها لخدمة الفرد والمجتمع وبناء دولة المؤسسات ؟ .
أن من أهم مضامين المجتمع المدني لبناء الدولة هي : الديمقراطية التي تضمن وتحترم حقوق ومصالح مواطنيها وتجعل من السلطات العاملة فيها مؤسسات خادمة للمجتمع وليست مالكة له . ولفهم المضامين الرئيسية لنشأة مؤسسات المجتمع المدني التي تعتبر المقدمة
المهمة والرئيسية لإدراك معنى وماهية الدور الوظيفي والجمعي للفرد والجماعة في الدولة والمجتمع , ولا يمكن الحديث عن مجتمع مدني حقيقي في ظل غياب كامل أو شبه كامل لمستلزمات وجوده , وهذه المستلزمات تأخذ أبعاداً ومضامين متعددة منها سياسية , قانونية ,
اقتصادية , اجتماعية . ويمكن تتبع أصل مضامين المجتمع المدني على النحو التالي :-
أولاً :- المضامين السياسية والقانونية .
أن العلاقات الموجودة بين الأفراد والدولة , وبين الأفراد أنفسهم لا تنظم إلا بوجود القوانين لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي , ولكي تكون القوانين شرعية وتنال رضا الأفراد وقبولهم وارتياحهم بإطاعتها , يجب أن يكون مصدرها سلطة تشريعية منتخبة
وضمن القانون الأساسي للدولة (الدستور) المقبول من قبل المجتمع , حيث يضمن استقلالية السلطات عن بعضها البعض بالإضافة إلى توزيع السلطات بين اكبر عدد ممكن من الأفراد والمؤسسات الوطنية , وبالنتيجة يقلل من مركزية الحكم والتسلط في الإدارة , والذي
يهمنا هو مدى دور القوانين في نمو المجتمع المدني وفعاليته . لكي يكون هناك وسط ملائم وصالح لنمو المجتمع المدني .
لابد للدولة أن يكون لها قوانين تحمي حقوق الإنسان وحرياته في المجتمع , والنصوص القانونية سواء كانت مصدرها الدستور أو أي قانون أخر , بشرط أن لا تكون مجرد نصوص مدونة فقط أو بعبارة أخرى تكون بعيدة عن الممارسات التطبيقية , وكذلك تكون تلك
القوانين مصاغة بشكل تمنع الدولة عن تغييرها أو تعديلها بدون الرجوع للشعب أو إيجاد منافذ للتهرب من القيود القانونية , لان السلطة قد تدفع بالمشرع القيام بذلك أو الوقوف على النصوص إذا ما اقتضت الحاجة ليفسر الأمور حسب مصالح الطبقة الحاكمة أو لصالح
حزب أو طبقة معينة وخاصة في أمور تتعلق بتأسيس مؤسسات المجتمع المدني وحلها , هذا فان الحالة تختلف في الدول ذات النظام التسلطي حيث إما لا وجود بالأساس لتلك النصوص القانونية أو قد تفرغ من مضامينها , وهذا يعني عدم وجود للمجتمع المدني.
من مظاهر المجتمع المدني تفعيل دور سيادة القانون في المجتمع وتطبيق مبدأ المساواة بين الحكام والمحكومين , كذلك من اجل منع كل أشكال الاستبداد في السلطة والتي يجب ان تكون وسيلة لخدمة الشعب وليس لاضطهاده .
أما في المضامين السياسية فتتمثل من خلال الأنظمة الديمقراطية فيمكن ملاحظة ظهور مؤسسات المجتمع المدني فيها ولكن السلطة الحاكمة تفرض هيمنتها عليها بوسائل متعددة منذ بدء تأسيسها وبذلك تفقد هذه المؤسسات مدنيتها لأنها تعتبر أداة للتعبير عن برامج
السلطة وقد تلجأ الأخيرة إلى حل تلك المؤسسات التي تنحرف عن سياستها والجدير بالذكر هنا أن قوة واستقلالية المؤسسات القضائية مؤشر جديد للتعبير عن وضعية المجتمع المدني في كل دولة . فكلما كانت تلك المؤسسات قوية وبعيدة عن تدخل السلطات
والمؤسسات الأخرى كان المجتمع المدني أقوى والعكس صحيح أما في الأنظمة الديمقراطية والتي يسود فيها تطبق مبدأ السلطات على ساس التوازن وعدم التدخل فنلاحظ التوازن بين السلطة والمجتمع المدني واضح في كافة جوانب الحياة وتمتاز مؤسسات المجتمع المدني
بالبروز والاستقرار والتعبير عن قيم ومصالح قوى وفئات مختلفة للمجتمع ولها قابلية الاستجابة للتغيرات والمستجدات العصري والدولة قادرة على إدارة وجل الصراعات والمنافسات الموجودة في المجتمع بأساليب الحوار الحضاري والوسائل السليمة الديمقراطية .
كما أن تقليل السلطة المركزية يعني تخفيف في أعباء الإدارة و المركزية والحد من سلطاتها أي تطبيق مبدأ اللامركزية في الحكم وبالنتيجة يؤدي إلى خلق حالة التوازن بين سلطات الدولة المركزية ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك بين سلطات الدولة المركزية بعضها مع
بعض ومؤسسات المجتمع المدني فيما بينها أيضاً وبالتالي فأن الحد من السلطة المركزية يخفف على عاتقها الكثير من الأعباء الإدارية والمالية وفي الوقت ذاته تحد من هيمنة السلطات المركزية وتقلل من ميلهم الاستبدادي وهذا الأخير متى ما ازداد فسوف يقضي على
نشاط المجتمع المدني والديمقراطية معاً لذا يجب الحد من تلك السلطات عن طريق تشريع قواعد قانونية تكفل ذلك .