5 مارس، 2024 6:42 ص
Search
Close this search box.

قراءة أولية في العلاقات التركية-الافريقية شراكة استراتيجية أم مناورة تكتيكية

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ حسن العاصي
كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في الدانمرك
في العام 1862 أرسل السلطان العثماني “عبد العزيز الثاني” مبعوثاً إلى افريقيا الجنوبية اسمه “أبو بكر أفندي” بهدف تعليم المسلمون هناك الدين والفقه والشريعة الاسلامية، ومن أجل فض الخلافات والاشكالات الدينية التي كانت حينذاك قد قسمت المجتمع الجنوب افريقي. وكان هذا المبعوث قد قام بتأليف كتاب في الارشاد الديني الاسلامي كتبه باللغة الهولندية خصيصاً لمسلمي جنوب افريقيا.

كان نفوذ الدولة العثمانية يمتد من البحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر، مروراً بالسودان حتى الصومال، ومنطقة الشمال الإفريقي والقرن الافريقي، وهكذا فقد هيمن الباب العالي على كل من مصر ولبيبا وتونس والجزائر وإريتريا والصومال والسودان خلال الفترة الممتدة من العام 1536 لغاية العام 1912 حيث وهنت أطراف دولة الخلافة واصيبت بالضعف، ثم خرجت الدولة العثمانية مهزومة من الحرب العالمية الأولى في العام 1918 لتدخل في مرحلة احتضار استمرت لغاية العام 1922 حيث ألغى مصطفى كمال أتاتورك باني تركيا الحديثة السلطنة ثم أعلن رسمياً عن زوال دولة الخلافة العثمانية في العام 1923.

بعد انتهاء الخلافة العثمانية وتأسيس الدولة التركية الحديثة في العام 1924 بزعامة “كمال أتاتورك” تراجعت علاقات تركيا بالقارة الافريقية نتيجة الانشغال بترتيب البيت الداخلي التركي، والاهتمام ببناء مؤسسات الدولة الجديدة.

بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الفترة التي سميت “الحرب الباردة” بين قطبين ومعسكرين متناقضين، سعت تركيا للتقارب مع دول الشمال الإفريقي، لكن قيامها بالتصويت في الأمم المتحدة ضد استقلال الجزائر في العام 1956 كان “كارثة كبرى” بالنسبة للثورة الجزائرية والشعب الجزائري، الذي قدم سيلاً من الدماء قرباناً لنيل الاستقلال من المستعمر الفرنسي. وشكل صدمة للأمتين العربية والإسلامية، هذا الموقف التركي كان عقبة حقيقية في طريق قيام علاقات طبيعية مع دول شمال افريقيا.

رؤية تركية جديدة للعالم

تبدلت السياسة الخارجية التركية بعد القراءة الجديدة التي أجرتها لموقعها الإقليمي والعالمي، ولعلاقاتها مع دول المنطقة والعالم، في ظل التطور الكبير الذي شهدته البلاد بعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى قمة السلطة. عكست السياسات الخارجية للدولة التركية بوجهها المختلف رؤية القيادة الجديدة على الصعيد الفكري والسياسي والاقتصادي، وتوجهها لتوظيف القفزات الاقتصادية التي حققتها في صياغة علاقات أكثر توازناً وبراغماتية مع دول العالم.

ضمن هذا السياق توجهت أنظار تركيا إلى القارة الافريقية التي دخلتها وأحدثت تغييراً جذرياً في سياستها الخارجية مع القارة. واقامت علاقات سياسة واقتصادية مع عدد من الدول فيها، بل وانجزت شراكات مع البعض الآخر.

تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي تأسس في العام 2001 بعد أن توحد المجددون من حزب الفضيلة المنحل وشكلوا الحزب الجديد الذي وصل إلى حكم البلاد بقيادة رجب طيب أردوغان في العام 2002 هي التي وضعت القارة الافريقية في سلم اهتمامات سياستها الخارجية. وهذا الاهتمام التركي بإفريقيا كان قد بدأ في العام 1998 بخلاف العهود السابقة للجمهورية التركية، إذ لم تكن إفريقيا محط أولويات في برامج الحكومات التركية السابقة.

مع وصول هذا الحزب الصاعد – العدالة والتنمية – إلى قمة الهرم السياسي في تركيا، اتخذ توجهات جديدة سياسية واقتصادية تهدف إلى تعزيز الدور التركي على الساحة الدولية. وبات حزب العدالة وقيادته الحزبية والسياسية على قناعة راسخة أن قوة أية دولة تقاس بناء على وزنها الإقليمي، وقدرتها على التأثير في السياسة الدولية، وليس فقط بناء على قوتها الداخلية وفي محيطها، بل بقدر الدور التي تحتله هذه الدولة أو تلك في العالم، على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية.

ورأت تركيا-بوجهها الجديد- أنه كي تحقق لنفسها هذا الدور فإنه عليها الوجود في الأماكن الأكثر أهمية للقوى الكبرى، وفي مقدمة هذه المناطق تظهر القارة الافريقية. وأنه على تركيا أن تبدأ ببناء الجسور الاستراتيجية بين سياستها ورؤيتها لمنطقة الشرق الأوسط وشرقي المتوسط، وبين سياستها وعلاقاتها في منطقة البلقان والقوقاز والأدرياتيك القريبة جغرافيا. ثم على تركيا أن تستكمل هذه الرؤية في التخطيط الاستراتيجي ببناء علاقات نوعية وتحديد سياسات مع دول القارة السمراء، وخاصة دول شمال افريقيا ودول وسط البحر المتوسط.

موقع إفريقيا في الاستراتيجية التركية

ترتكز الاستراتيجية التركية نحو القارة الافريقية على رؤية جديدة لمراكز تخطيط السياسات في تركيا، والتي ترى أن تركيا دولة إقليمية كبرى ولا يجب أن تكون بعيدة عن أماكن النفوذ والصراع بين القوى الكبرى في مناطق الشرق الأوسط والقارة الافريقية، وأن لا تستمر السياسة الخارجية التركية في التركيز على دول وسط آسيا ومناطق القوقاز.

لقد تشابكت هذه الرؤية التركية مع مقاربات اقتصادية وثقافية وإنسانية، بحيث تم اعتماد سياسة دبلوماسية ناعمة للدخول إلى عمق القارة السمراء، نتج عنها علاقات دبلوماسية ووجود فاعل في 47 دولة افريقية.

افتتحت تركيا أول قنصلية لها في افريقيا في العام 1956 في لاغوس، ومنذ ذاك التاريخ ولغاية نهاية الستينيات من القرن العشرين سعت تركيا إلى قيام علاقات سياسية واقتصادية بينها وبين دول القارة الافريقية، لكن هذه الجهود لم تثمر كثيراً. لكن مع بداية السبعينيات بدأت العلاقات بين الطرفين تتطور خاصة مع الدول الافريقية العربية التي تتشارك مع تركيا تعاليم الدين الإسلامي.

لا تنظر تركيا للقارة السمراء على أنها جغرافيا بعيدة منها، لأن تركيا أساساً دولة أوراسية تقع على جوار مع القارة السمراء. وقد أصبحت افريقيا المثال الحي على الانفتاح في السياسة الخارجية التركية، وهو انعكاس للرؤية الجيوسياسية لقادة تركيا. وما أسفرت عنه هذه الاستراتيجية الجديدة في نوعية العلاقات التركية-الافريقية، يعتبر كما أعتقد دليلاً على نجاح الرؤية والدبلوماسية التركية. وبظني فإن القيادة التركية تعتبر القرن الحادي والعشرين بالمعنى الاستراتيجي سياسياً واقتصادياً هو قرناً آسيوياً-افريقياً.

قامت تركيا بتعزيز مبادراتها في القطاع الإنساني وتقديم المساعدات والإغاثات والخبرات والتجهيزات في أماكن متعددة في العالم. وتنشيط منظمات المجتمع المدني التركية وتطوير دورها في مد جسور علاقات التعاون مع دول العالم، بحيث تشكل هذه المنظمات واحدة من أهم أدوات الدبلوماسية التركية التي تسعى إلى تعزيز دور تركيا في المنطقة والعالم كدولة مركزية إقليمية كبرى، تساهم بشكل فعّال في صناعة القرارات الإقليمية في مختلف المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

كيف نقرأ السياسة التركية تجاه افريقيا

أوجدت تركيا لنفسها مكاناً في افريقيا كمزاحم للقوى العظمى الدولية، ومنافس أيضاً للقوى الإقليمية إيران وإسرائيل اللتان لهما مصالح وتتصارعان في افريقيا، ولكل منهما مشروعه واستراتيجيته الخاصة في القارة السمراء.

في أواخر تسعينيات القرن الماضي توقفت القيادة السياسية التركية أمام عملية مراجعة لسياساتها الخارجية، ورسمت توجهاً يعتمد الانفتاح في علاقاتها مع العالم الخارجي، بعد سنوات من الانغلاق على معالجة مشاكلها الداخلية المتأتية من الانقلابات العسكرية المتوالية التي خلقت عدم استقرار سياسي في البلاد.

تركيا ترغب في أن تستعيد حجمها الطبيعي ووزنها السياسي وثقلها التاريخي كدولة اقليمية مهمة، وقوة اقتصادية تتطور باستمرار. بدأت تركيا في تنفيذ سياستها الجديدة التي تحقق لها أسواق تجارية لتصدير منتجاتها، ولتوسيع نفوذها في أماكن مختلفة من العالم.

من هنا توجهت أنظار تركيا إلى القارة السمراء لعقد شراكات مع شعوبها المتعطشة للعلم والمعرفة وللمساعدات والخبرات المتطورة التركية، وهي القارة التي اتسمت بحالة عدم الاستقرار منذ عقود طويلة.

في العام 1998 بدأت تركيا مرحلة مختلفة في علاقتها مع القارة الافريقية، حيث أعلنت تركيا “خطة الانفتاح على افريقيا” والتي تضمنت الرؤية والبرامج التركية التي تهدف إلى فتح صفحة جديدة في علاقات وتعاون الطرفين. وفي العام 2003 أعلنت تركيا عن استراتيجيتها لتطوير العلاقات الاقتصادية مع دول الاتحاد الافريقي. ثم اعتبرت تركيا أن العام 2005 هو “عام افريقيا”، وفي نفس العام قام الرئيس “رجب طيب أردوغان” بزيارة إلى افريقيا الجنوبية، وهو أول رئيس تركي يزور بلداً افريقياً، وقد شكلت هذه الزيارة نقطة التحول الفارقة في علاقات الجانبين.

شهد الخط البياني لهذه العلاقات تصاعداً يشير إلى نموها وتطورها. في العام 2008 استضافت تركيا “قمة التعاون التركي-الافريقي” كان من أهم نتائج هذه القمة إعلان الاتحاد الافريقي أن تركيا شريكاً استراتيجياً له، ومن جهة أخرى تم منح تركيا العضوية في بنك التنمية الافريقي وصندوق التنمية الافريقي، ومن نتائج القمة أيضاً أن تصاعد مؤشر المساعدات التنموية التي قدمتها تركيا للقارة الافريقية، من خلال المشاريع والاستثمارات التي قامت بها تركيا في عدد من الدول الافريقية، وكذلك من خلال التبادل التجاري بين الطرفين.

زيارة الرئيس التركي في شهر آب العام 2011 للصومال شكلت منعطفاً تاريخياً وجيوستراتيجياً من جانب تركيا نحو القارة الافريقية. وقد اثمرت تلك الزيارة ولادة علاقات جديدة بين تركيا والبلد الذي مزقته الحروب الأهلية والاضطرابات الاجتماعية والمجاعة والجفاف.

في شهر تشرين الثاني العام 2014 عقدت القمة الافريقية – التركية الثانية في مدينة مالابو عاصمة غينيا الاستوائية.

في كانون الأول العام 2015 عقدت في إسطنبول قمة “الشراكة والتفكير الإبداعي الافريقي” وهي الدورة الأولى من “دروع الأفكار التركية-الافريقية”. حضر القمة عدد كبير من الشخصيات السياسية ومن الباحثين والأكاديميين ورؤساء مراكز دراسات ووزراء سابقين وبرلمانيين من تركيا وافريقيا. بحث في المؤتمر أشكال التعاون بين الطرفين على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية.

وقامت مدينة إسطنبول بتنظيم ملتقى اقتصادي بين افريقيا وتركيا في شهر تشرين الثاني العام 2016، جمع رجال الأعمال وكبار الشخصيات الاقتصادية الافريقية والتركية. وقام مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي بإنشاء مجالس عمل مع 35 دولة افريقية لتطوير العلاقات التجارية بين الطرفين. وفي مدينة أنطاليا تم عقد اجتماع لوزراء زراعة دول الاتحاد الافريقي مع نظيرهم التركي في شهر نيسان العام 2017.

بمبادرة من جمعية “رجال الأعمال الأفروتركية” تم في أيلول العام 2016 عقدت في إسطنبول “القمة العالمية التركية-الافريقية” شارك فيها 48 دولة افريقية وأكثر من 5000 من رجال الأعمال الأتراك والأفارقة.

شارك الرئيس التركي في كانون الأول العام 2017 في قمة الاتحاد الافريقي-الأوروبي التي انعقدت في العاصمة الاسبانية مدريد، وبذلك أصبحت تركيا عنصراً مهماً في العلاقات الافريقية الأوروبية.

وبدعوة من الرئيس التركي أطلق الهلال الأحمر التركي حملة “فلتكن أنت الأمل” في العام 2017 من أجل جمع التبرعات لدول شرق افريقيا. وفي نفس العام أيضاً تم تنظيم مؤتمر “الصحة في افريقيا” حضره وزراء صحة الاتحاد الافريقي والعديد من المؤسسات الصحية التركية والافريقية، بهدف بحث المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي الافريقي والعمل على إيجاد حلول لها، وتقديم المساعدات والتجهيزات التركية.

في شهر أيلول العام 2017 بدأ العمل في مركز التدريب العسكري الذي أنشأته تركيا في مقديشو العاصمة الصومالية، وذلك بهدف تدريب الجنود الذين سوف يبنى منهم الجيش الوطني الصومالي.

قام الرئيس التركي بزيارات إلى القارة السمراء بلغت 32 زبارة إلى 24 دولة افريقية منذ كان رئيساً للوزراء، كان آخرها الزيارة التاريخية التي قام بها إلى جمهورية الجزائر الشقيقة في شهر شباط العام 2018، وشملت كلاً من موريتانيا والسنغال ومالي.

وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا”:

الأداة التنفيذية للسياسات الخارجية التركية الأقوى، وهي ذراع تركيا في القارة السمراء، والشريان الرئيسي الذي عبره تتدفق المعونات التركية لبعض الدول في القارة. فمن هي هذه الوكالة التي تحتل مكانة مهمة التخطيط الاستراتيجي التركي المتعلق بتوسيع نفوذ تركيا.

في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق العام 1991 قامت عدة دول كانت ضمن الاتحاد في وسط آسيا والقوقاز بإعلان استقلالها.

اعترفت تركيا مباشرة بهذه الدول التي ترتبط معها بروابط متعددة منها اللغة والتاريخ والثقافة والذاكرة، وهذه الدول هي كازاخستان، طاجيكستان، أوزبكستان، أذربيجان، قيرغيزستان.

تركيا التي تعتبر أن الشعب التركي وشعوب هذه الدول هم أمة واحدة تتوزع في دول متعددة، اعتبرت أن تطوير العلاقة مع هذه البلدان الناطقة بالتركية هو واحد من أهم الثوابت في السياسة التركية الخارجية.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف قامت تركيا بتأسيس “وكالة التعاون والتنسيق التركيا” في العام 1992 التي يشار لها اختصاراً “تيكا” التي سعت بداية إلى أن يعترف المجتمع الدولي بالدول الحديثة، ومن ثم قدمت مساعدات مالية وعينية لأجل أن تعين هذه الدول الشابة على بناء نفسها، ثم بدأت الوكالة في إقامة مشاريع تنموية طويلة الأجل في هذه الدول.

وهكذا مع الوقت أصبحت “تيكا” واحدة من أهم أدوات ترجمة السياسات الخارجية للدولة التركية ليس فقط مع الدول التي تتشارك معها تركيا اللغة والقيم والجغرافيا، بل امتد نشاط الوكالة ليشمل حوالي 140 بلداً حول العالم وفي القلب منهم دول الاتحاد الافريقي.

افتتحت وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” أول مكتب لها في القارة الافريقية في العام 2005 في إثيوبيا. يوجد 21 مكتباً تنسيقياً للوكالة التركية للتعاون في القارة السمراء. تدير هذه المكاتب مشاريع تنموية طويلة الأجل في عدد من الدول الافريقية لمساعدتها في الاستفادة من الخبرات التركية في قطاعات متعددة.

حققت “المؤسسة التركية للتعاون والتنمية” الكثير من المشاريع التنموية في 40 بلداً افريقياً من خلال مكاتبها التي كانت تتواجد بداية فقط في ثلاث دول هي إثيوبيا والسودان والسنغال، قبل أن تنتشر في العديد من المدن الافريقية.

فقد قدمت تركيا 3,3 مليار دولار مساعدات إغاثية في افريقيا خلال العامين 2013- 2014 مما جعلها ثالث أكبر مانح دولي للمساعدات للقارة السمراء.

ووصلت قيمة المساعدات التي قدمتها تركيا لحكومات دول الصحراء الافريقية إلى 782,7 مليون دولار في العام 2013.

ضاعفت الشركات التركية من حجم تعاملاتها مع القارة 8 أضعاف ليصل إلى 6,2 مليار دولار العام 2016.

بلغت الصادرات التركية إلى القارة الافريقية ما قيمته 159,7 مليار دولار في العام 2016 بزيادة قدرها 4 في المائة عن العام 2014 وهي تتزايد في كل عام.

تسعى كثير من دول القارة الافريقية إلى جذب الاستثمارات التركية، وبلغ عدد المشاريع الاستثمارية التركية في القارة 357 مشروعاً بقيمة تتجاوز 401 مليار

دولار.

يوجد الان 47 سفارة تركية في القارة السمراء، ويوجد 32 سفارة لدول الاتحاد الافريقي في تركيا.

ارتفعت الصادرات الافريقية إلى تركيا من 3,3 مليار دولار العام 2003 إلى 9,7 مليار دولار العام 2016.

كما وصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين إلى ما قيمته 25 مليار دولار العام 2016

من جهتها شركة الخطوط الجوية التركية تقوم حالياً برحلات إلى 51 مدينة في 33 بلداً افريقياً، وتقوم بجهود لزيادة عدد الخطوط لتشمل جميع دول القارة.

بجهود مشتركة بين وزارة التعليم التركية ووقف المعارف التركي، تم تنظيم مؤتمر التعليم التركي-الافريقي الأول في مدينة إسطنبول في شهر تشرين أول العام 2017.

وكانت زوجة الرئيس التركي قد رعت في العاصمة أنقرة افتتاح البيت الثقافي وسوق الأشغال اليدوية الافريقي في العام 2016.

على صعيد المنح الدراسية فقد قدمت تركيا منذ العام 1992 حتى العام 2017 ما مجموعه 8640 منحة لدراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى عدد كبير من المنح المهنية والدورات المعرفية لطلاب ومهتمين أفارقة في مختلف الاختصاصات

مستقبل العلاقات التركية-الإفريقية

العلاقات التركية-الافريقية منذ بداية الألفية الثالثة تشهد تصاعداً في خطها البياني سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً. وتطورت بشكل ملحوظ في الأعوام الماضية، في فترة برز فيها عاملان موضوعيان شجعا أنقرة أكثر على المضي في منح الملف الافريقي الأولوية التي يستحقها في السياسات التركية الخارجية، هما استمرا الاتحاد الأوروبي في وضع العراقيل تلو العراقيل في درب انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو الملف الذي أخذ من أنقرة وقتاً طويلاً. العامل الثاني هو دخول الكثير من دول الشرق الأوسط في حالة من الصراع والحروب الأهلية مزقتها. إضافة إلى ظهور خلاقات بيت تركيا وعدد من الدول الخليجية حول العديد من الملفات، كانت السبب وراء فتور العلاقات التركية الخليجية. فهل تستبدل تركيا أوروبا والشرق الأوسط، بالقارة السمراء؟ وهل تراهن إفريقيا مستقبلاً على الدولة التركية أن تكون سنداً حقيقياً لها كقوة عظمى بديلاً عن الغرب المستعمر الناهب لخيراتها؟

لا توفر القيادة التركية سبيلاً في توظيف إمكانياتها وعلاقاتها ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز وجودها في القارة الافريقية، واحدة من أهم هذه الأدوات هي “منظمة المؤتمر الإسلامي” التي تضم 57 دولة ذات غالبية مسلمة من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وغربها وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية ومنطقة البلقان. هذه المنظمة التي كان يرأسها التركي “أكمل الدين إحسان أوغلو” منذ العام 2005 ولغاية أواخر العام 2016 قبل أن يتسلم رئاسة المنظمة السعودي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين خلفه، لعبت هذه المنظمة دوراً حيوياً -بشخص رئيسها التركي- في جعل تركيا البلد الإسلامي الذي تتجه إليه الأنظار حين يتم وضع الملفات الهامة فوق طاولة حوار المنظمة. استفادت تركيا من هذه المنظمات الإقليمية في إظهار قوتها –المتأتية أصلاً من تعاظم قدرتها الاقتصادية- لبسط نفوذها عبر القوة الناعمة التي مكنتها من إقامة أفضل علاقات الشراكة الاستراتيجية مع عدد من دول القارة السمراء.

تركيا تضع في قمة أولويات سياستها الخارجية مد جسور كثيرة تربطها مع إفريقيا، وتفتح قنوات مختلفة للتعاون بعد أن ابتعدت إفريقيا وابتعد العرب والمسلمون عن تركيا، وهي ابتعدت عنهم منذ انهيار الخلافة العثمانية.

لا شك أن بعض دول إفريقيا تحتاج المعونات والمساعدات التركية، وكذلك تحتاج إلى الخبرات التركية في مختلف القطاعات التي أثبتت نجاحها. وتركيا تحتاج إلى الأسواق الإفريقية وإلى الأصوات الإفريقية في المحافل الدولية، وكذلك إلى عقد شراكات استثمارية ذات منافع متبادلة، والأهم محاولة الاستفادة من الثروات والمقدرات الإفريقية،

البداية التركية في العلاقات الحديثة مع افريقيا كانت في العام 1998 حين أعلنت تركيا خطة التوجه نحو القارة السمراء، هذه المرحلة استمرت لغاية العام 2005 حين اعتبرت تركيا أنه عام افريقيا، ثم المرحلة الثانية في العلاقات من العام 2005 استمرت لغاية العام 2011، تعززت خلالها علاقات أنقرة مع عواصم افريقية متعددة، وحصلت تركيا على عضو مراقب في الاتحاد الافريقي العام 2005، وحليف استراتيجي في العام 2008، كما انضمت إلى البنك الافريقي للتنمية. الرحلة الثالثة من 2011 لغاية الآن. تم خلال هذه المرحلة تنظيم “المؤتمر الصومالي الثاني” العام 2012 في مدينة إسطنبول بعنوان “تجديد المستقبل الصومالي”، وشاركت فيه 57 دولة و11 منظمة إقليمية ودولية بما فيها الأمم المتحدة، تمت خلاله مناقشة قضايا مهمة جداً مثل قضايا المياه والطاقة والنزعات الانفصالية وقضايا أمنية متعلقة بوجود الجماعات المسلحة.

ماذا بعد

تركيا الجديدة التي ذاقت الأمرين من علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي التي ما زالت تغلق الباب في وجهها عضويتها للانضمام للاتحاد، بالرغم من أن أنقرة أنجزت الكثير من الإصلاحات الداخلية، وتطور اقتصادها كثيرا في الربع قرن الأخير، وارتفع مستوى الدخل فيها، وأصبحت قوة إقليمية صاعدة. تركيا هذه تجد في القارة الافريقية بديلاً موضوعياً أكثر جدوى ومنفعية من اوروبا.

لا شك أن أنقرة التي بذلت جهوداً واضحة خلال الأعوام القليلة الماضية من أجل ترسيخ علاقاتها مع الدول الافريقية وتعزيزها، سوف تسعى خلال الفترة القادمة إلى نسج علاقات تعاون جديدة وشراكات مع دول أخرى في القارة السمراء، وسوف تستكمل فتح سفارات لها في بقية الدول الافريقية التي ما زالت لا يوجد فيها سفارات، وبالمقابل فتح سفارات لبقية الدول الافريقية في أنقرة.

تركيا تعزز وجودها في القارة الافريقية وتتمدد في الوقت الذي ينسحب العرب منها، حيث أن الأعوام الأخيرة شهدت غياب عربي واضح عن المشهد الافريقي مما أضعف تأثيرهم في القارة التي وجدت دولها في تركيا البديل الأفضل والمركز الجاذب لهم.

أخيراً، إن إفريقيا القارة التي أثارت وما زالت الكثير من النقاش في القرن الواحد والعشرين، هي ساحة الصراع على النفوذ بين القوى الكبرى الدولية والإقليمية، وهي القارة الثرية بإمكانياتها وثرواتها الخام الظاهرة والكامنة، المعادن والماء والنفط والذهب والالماس واليورانيوم والأرض الخصبة، وهي القارة المهمة في موقعها حيث تربط العالم فيما بينه، وهي القارة الغنية بتاريخها وبتعددها العرقي والاثني واللغوي والمذهبي والثقافي والمناخي، هي القارة التي تشخص عيون شعوبها نحو المستقبل بمجتمعات شابة.

إفريقيا هي القارة التي تضم دولاً استوطن فيها الفقر والجوع والأمية والفساد والأمراض والإرهاب والديون الخارجية والنزاعات المحلية والحروب الأهلية، ومزقتها التناقضات القبلية، وتطمع بسرقة خيراتها كافة القوى الكبرى.

إن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول القارة الافريقية من 9 مليار دولار في العام 2005 إلى ما قيمته 15,710 مليار دولار خلال العام 2010 ليصل إلى 25 مليار دولار في العام 2016. بينما تستهدف تركيا رفع قيمة هذا التبادل ليصل إلى 50 مليار دولار خلال العشر سنين القادمة. هذه الأرقام تشير إلى أن العلاقات التركية-الافريقية ومنذ بداية الألفية الثالثة تشهد تصاعداً في خطها البياني سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً. وتطورت بشكل ملحوظ في الأعوام الماضية، في فترة برز فيها عاملان موضوعيان شجعا أنقرة أكثر على المضي في منح الملف الافريقي الأولوية التي يستحقها في السياسات التركية الخارجية، هما استمرا الاتحاد الأوروبي في وضع العراقيل تلو العراقيل في درب انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو الملف الذي أخذ من أنقرة وقتاً طويلاً. العامل الثاني هو دخول الكثير من دول الشرق الأوسط في حالة من الصراع والحروب الأهلية مزقتها. إضافة إلى ظهور خلاقات بيت تركيا وعدد من الدول الخليجية حول العديد من الملفات، كانت السبب وراء فتور العلاقات التركية الخليجية. فهل تستبدل تركيا أوروبا والشرق الأوسط، بالقارة السمراء؟ وهل تراهن إفريقيا مستقبلاً على الدولة التركية أن تكون سنداً حقيقياً لها كقوة عظمى بديلاً عن الغرب المستعمر الناهب لخيراتها؟

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب