15 نوفمبر، 2024 10:44 ص
Search
Close this search box.

مساءلة الماضي .. في رواية “فهرس” لسنان أنطون

مساءلة الماضي .. في رواية “فهرس” لسنان أنطون

قراءة – سماح عادل :

في رواية “فهرس” للروائي العراقي “سنان أنطون”، الصادرة في 2016، عن منشورات الجمل.. يُساءل الكاتب الماضي، يظل مهموماً به، وساكناً فيه.. يقول في نهاية الرواية أنه يحلم بتغيير الماضي.

بائع كتب..

تبدأ الرواية بـ”نمير” البطل، أستاذ جامعي عراقي يعيش في أميركا من أوائل التسعينيات، يعود إليها في رحلة عمل بعد غزو أميركا بوقت قليل، يهاجمه الحنين إلى وطنه، والحزن من احتلاله، يصدف أن يتقابل في شارع المتنبي، أثناء شراءه لبعض الكتب القديمة التي يتضح هوسه بها فيما بعد، ببائع كتب، “ودود” ليس ككل البائعين، يكتشف “نمير” أن “ودود” مثقف وقارئ نهم، وأن لديه مشروع عبارة عن “فهرس” يجمع فيه كل ما حدث لبلده منذ غزوه، ويقترح “نمير” على “ودود” ترجمه عمله إلى الإنكليزية، ثم يبدأ الكاتب في تضمين نصوص من هذا الـ”فهرس” أثناء الحكي عن حياته، ثم يعود نمير لأميركا محملاً بعبء الحرب.. يواصل كفاحه في أن يصبح مدرس جامعي، لكنه يظل مهموماً بوطنه، ويرمز ذلك في تعلقه بـ”ودود” وفهرسه، وشغفه هو أيضاً بالتوثيق فيبدأ في تجميع الأخبار والصور والحكايات عن الحرب.

الفهرس..

تصور هذه النصوص ليس فقط معاناة العراق بعد غزو أميركا لها، وإنما منذ زمن بعيد، في مقطوعات سردية عن أناس تم ترحيلهم إلى إيران بدعوة أنهم أتباع لها، وأناس عانوا في ظل الحصار على العراق، وحكايات إنسانية حزينة عن الحرب، والتدمير، وهدم البيوت، كما تكشف النصوص عن حياة “ودود”، حيث يرسل لـ”نمير” حكياً عن حياته.

هموم الوطن..

السرد يسير ببطء يعكس حالة الراوي – البطل نمير – البائسة، يتخلله مقطوعات لـ”ودود” نصوص من فهرسه ورسائل أرسلها لنمير، والحوار بالعامية العراقية والفصحى، والبطل مهزوم يعيش في البلد التي احتلت وطنه، يحاول أن يؤسس لحياة جديدة لكنه يعاني من نظرة دونية من اهل البلاد، قد لا تؤثر على حياته لكنها تزيد في حزنه، يظل يرصد مظاهر التمييز.. الجنود الأميركيون يتقاضون تعويضات، ويتم حصر قتلاهم، حتى عندما يريد بعض الشباب بالجامعة عمل احتجاجات عن الحرب يمجدون من قتلاهم الجنود، ولا يهتمون بعدد القتلى من المدنيين العراقيين، بدعوى أنه لا توجد إحصاءات ترصدهم.

يقابل أناس يتعاطفون مع العراقيين ويرفضون الحرب، وأناس لا يهتمون ويظل “فهرس ودود” هو ما يربطه بوطنه، حتى لا يشعر أنه تائه بلا انتماء، أما “ودود” فيظهر صوته في نصوصه، فهو فتي تخرج من الجامعة وكان متفوق، لكن ذهابه للحرب أثر عليه وأصبح مريضاً نفسياً بعد أن انهار من الداخل، وفسدت حياته، عولج بالمستشفى لوقت طويل ثم حاول أن يخرج من انهياره بالكتابة، فجاء مشروع فهرسه الذي سيبقيه حياً فترة من الزمن، يعيش في شارع المتنبي بعد أن يشعر عمه وزوجته أنه عبء عليهما، ويبيع الكتب ويكرس حياته للفهرس، تمر السنوات وتنقطع أخباره عن “نمير” لكنه يظل دوماً في باله، يفكر في كتابة رواية عنه.

حياة نمير..

الرواية تتناول أحداث حياة “نمير”، وقل فيها التشويق، كما أن “فهرس ودود” نفسه افتقد لعنصر الإثارة، فقد كنت أتوقع كقارئة أن يرصد تفاصيل غزو احتلال أميركا للعراق، أو أحداث أكثر حياة، لكنه اهتم أكثر بإظهار الوجع والحزن، كما خصص جزءاً من النص لجمادات وحيوانات تتحدث عن نفسها لأن “ودود” كان يشعر أن الأشياء والحيوانات تحدثه وتبث له مواجعها.. الكاتب قام بعمل ثلاث نهايات للرواية الأولى أن يتوسط لـ”ودود” لكي يأتي إلى أميركا للانضمام لدورة تدريبية، ويستقبله في بيته ويفرح بأنه سيراه مرة أخرى، وكأن الهجرة إلى أميركا خلاص من نوع ما.

والثانية أن يقرر “ودود” الانتحار بعد أن يحرق فهرسه الذي امضى وقت طويل في تجميعه.

ثم نهاية ثالثة يقول الراوي أنها هي الحقيقية.. وهي أن يموت “ودود” لكن دون اختياره، يموت ضحية تفجير انتحاري يقوم به أحد الشباب في شارع المتنبي، وكأن مصير الشباب في وطن “نمير” الذي كان يتمثل في “ودود” طوال الوقت أن يموت غدراً ودون إرادة منه.. ويحاول الراوي إقناع القارئ أن “ودود” شخصية حقيقية عندما يذكر أنه قرأ مقالة ترثي “ودود” ثم يعود في نهاية الرواية في الهامش ويؤكد أن شخصية ودود غير حقيقية.

يتضح أن “الراوي” البطل ساخط على الماضي، يظل ينبش فيه عله يجد راحة ما.. يطرح التساؤلات التي تشغله طوال الوقت، لماذا حدث كل ذلك ؟.. لماذا عاش هو وأهل بلده كل تلك السنين في شقاء ؟.. يخرجون من حرب لأخرى، ويعانون من فقدان الأرض والبيت والأهل، ويجبرون على مغادرة الوطن، لكنه لا يجد إجابة شافية، ويموت “ودود” ولا نعرف هل استطاع “نمير” أن يتخلص من الأرق والقلق النفسي أم لا، وكأن النهاية مفتوحة ومرتبطة بمصير الوطن.

“سنان أنطون”..

“سنان أنطون” كاتب عراقي ولد في بغداد، 1967، حصل على البكالوريوس في جامعة بغداد، قسم اللغة الإنكليزية عام 1990، هاجر إلى أميركا عام 1991، حصل على شهادة الماجستير في الدراسات العربية من جامعة “جورجتاون” عام 1995، والدكتوراة من جامعة “هارفارد” بامتياز عام 2006، عمل أستاذاً مساعداً في جامعة “نيويورك” عام 2005.

صدر له ديوان شعر “موشور مبلل بالحروب”، القاهرة 2004، ورواية “إعجام”، بيروت 2004، ورواية “وحدها شجرة الرمان”، بيروت، 2010، وديوان شعر “ليل واحد في كل المدن”، 2010، ورواية “يا مريم” عن مجزرة كنيسة النجاة، ترشحت لجائزة البوكر العربية ووصلت للقائمة القصيرة لعام 2012، ورواية “فهرس” 2016.

وأخرج فيلماً تسجيلياً بعنوان “حول العراق” عام 2004.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة