7 أبريل، 2024 9:21 م
Search
Close this search box.

صنع التاريخ على أعين الأجهزة الأمنية والسيادية.. (1)

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – محمد البسفي :

ظاهرة انتشرت في الاونة الأخيرة ومنذ سنوات.. توغلت بسرعة خطو الواثق منذ الأيام التي أنتفضت فيها الشعوب العربية بالتتابع خلال عام 2011. دفعت الظاهرة إلى الأمام وضخمتها عدة عوامل – حسب آراء أكثر المتابعين رصداً – بدءاً من حالة “التمرد على السائد والمٌلقن” التي فجرتها الإنتفاضات في الشعوب وخاصة الأجيال الشابة منها، وحتى قمع بعض، وربما كل، تلك الإنتفاضات بالآلة العسكرية بشكل وبمستوى أو بأخر، مروراً بإستبدادية نظم الحكم العربية التى تحتكر الحقيقة وتوجهها، وليس بعيداً عنها بالطبع ما تمخض عنه وأد تلك الإنتفاضات من خروج الإسلام السياسي من جانب وأشهار العولمة لجميع أسلحتها الإعلامية من جانب آخر.. لتدخل جميعها على خط “ظاهرة تزييف التاريخ” والتلاعب بوقائعه لتوجيه مدوناته نحو أهداف أخرى أبعد ما تكون عن إجلاء الحقائق.

ورغم قدم ممارسة فعل تزييف التاريخ وتشويهه وتشويش مسجلاته على مدار المسيرة البشرية ذاتها، ربما قدم عصور الأنبياء والرسالات السماوية، إلا والسطور القادمة تعني بتحليل “ظاهرة” التزييف الإعلامي المتخبط لأحداث ووقائع سياسة واجتماعية في التاريخ المعاصر.

مسلسل “الجماعة 2”..

لم يصل عدد حلقاته إلى نصف المقرر له – تقريباً – حتى آثار المسلسل الدرامي “الجماعة” في جزئه الثاني ردود فعل متباينة من جمهور متابعيه خلال شهر رمضان 2017، جميعها دارت بين الإستنكار والدهشة، خاصة من قبل فئات المثقفين والمعنين والمهتمين بالتأريخ، لما جاء به المسلسل من معلومات تاريخية مغلوطة ووقائع مبتورة السياق ومشوشة الأحداث.

وحيد حامد

فبرغم ما نجح في إثارته مسلسل “الجماعة” في جزئه الأول، الذي عرض خلال شهر آب/أغسطس عام 2010، من جدل ولغط كبير من قبل اعضاء وانصار جماعة الإخوان المسلمين وصل لحد إعلان نفر من اعضاء مكتب إرشادها برصد مبلغ مالي ضخم لإنتاج مسلسل درامي يحكي القصة الحقيقية، من وجهة نظرهم، لنشأة الجماعة على يد إمامها الأول “حسن البنا” رداً على تلك المسلسل التي “صنعت على أعين أجهزة الأمن المصرية”، على حد وصفهم للمسلسل الذي كتبه السيناريست المصري “وحيد حامد” راصداً مسيرة جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها، ولكنه قوبل من قبل المؤرخين والمهتمين برصد الوقائع التأريخية بالإستحسان والإعجاب، على عكس ما قابلوا به الجزء الثاني منه والذي أراد استكمال رصده لتاريخ الجماعة خلال حقبة “ما بعد البنا”، والتي تواكب بالتالي حقبة – ربما – من أكثر الحقب في تاريخ مصر المعاصر جدلاً وتجاذباً بين الأهواء السياسية، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وإنقلاب الجيش المصري على العهد الملكي وتحول الإنقلاب إلى ثورة تلبي بعضاً من الإحتياجات الإجتماعية والوطنية الشعبية.

وقد اعتمد “حامد” في كتابه هذا الجزء من مسلسله “الجماعة” – كما ينبأنا “تتر” الحلقات – في استقاء اغلب – ان لم يكن كل – معلومات تلك الحقبة التاريخية على مذكرات ومراجع إخوانية صرفة مثل كتاب “سراديب الشيطان” لأحمد رائف ومذكرات زينب الغزالي وكتابات سيد قطب واشهرها “لماذا أعدموني؟” وغيرها الكثير من المدونات والمسجلات الإخوانية غير المحققة علمياً – كغيرها من أغلب مذكرات ومدونات غير إخوانية تسجل لهذه الفترة – بل وتناقض بعضها بعضاً في رصد نفس الوقائع وذات الملابسات، فوقع سيناريو المسلسل في مغالطات تاريخية كبيرة وكثيرة مثل المبالغة الشديدة في دور الكاتب الراحل “سيد قطب” في أحداث ثورة تموز/يوليو 1952 وعلاقته الشخصية بالرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر” لدرجة التأكيد على انه مهندس الثورة الأول ومعربها إجتماعياً، والمبالغة في “رسم” قوة شخصية المرشد الثاني للجماعة المستشار “حسن الهضيبي” وحنكته السياسية على عكس الكثير من شهادات قيادات وعناصر إخوانية نفسها، وكذا تأكيد نص سيناريو المسلسل على العضوية التنظيمية “المنتظمة” لعبد الناصر داخل صفوف الجماعة، وغيرها الكثير من المغالطات وخلط المعلومات، أو كما وصف الكاتب والباحث المصري “د. عمار علي حسن”، عبر تصريح إعلامي له، مؤلف المسلسل بان “مستواه انخفض وسقط فى فخ الرواية الإخوانية”، مشيراً إلى “أن المسلسل أظهر الزعيم جمال عبد الناصر على أنه أقام تميزاً بين الدولة المدنية والدينية، وهذا الأمر خطأ وغير صحيح، لأن المصطلح غير دارج قبل عام 1952”. لافتاً “عمار” إلى أن “الإخوان مشهود لهم بالكذب المنظم، ففي الرواية الإخوانية يرصدون أن جمال عبد الناصر كان واحداً منهم ثم انقلب عليهم، وهذا غير صحيح فقد استغلهم عبد الناصر لخدمة مشروع سياسي ولم يكن لخدمة مشروعهم الإخواني، فمن يطالع موسوعة الإخوان التاريخية سيجد أنهم أعادوا صياغة التاريخ ليظهروا أنهم كانوا يعملون لخدمة الحركة الوطنية المصرية وهذا غير صحيح على الإطلاق”.

كذا هاجم “د. شريف يونس”، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بجامعة حلوان، “حامد”، عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” قائلاً: “بالصدفة شاهدت لقطات من مسلسل الجماعة 2، عن علاقة سيد قطب بالضباط الأحرار.. وفوجئت بيتصور أقل ما يقال عنه انه ساذج وسطحي ومضحك عن مجموعة من التلامذة الأغبياء جالسين أمام أستاذ عظيم يقول لهم ماذا يعملوا ويعلمهم ما لا يفعلوا.. لا الضباط كانوا جايين من عند بيت ماما وبابا مش فاهمين حاجة، ولا سيد قطب سياسي ذو أي وزن أو أي خبرة أو حتى إدراك عميق للسياسة.. اللقطات مسخرة الصراحة.. ودا مش غريب على وحيد حامد، لأن هو نفسه إدراكه للسياسة والأفكار معاً سطحي وشعبوي.. ويمكن هو ناجح للسبب دا تحديداً”.

 

جماعة الإخوان والحراك الثوري بالشارع المصري..

كما لا تخطئ عين أي مهتم بالتأريخ، المبالغة الشديدة التي أصر عليها المسلسل في تضخيم دور “جماعة الإخوان المسلمين” داخل الشارع السياسي المصري فيما بين نهاية الأربعينيات وبداية عقد الخمسينيات، مؤكداً على عدم وجود أي قوة سياسية أو وطنية بالمجتمع السياسي تضاهي قوة جماعة الإخوان المسلمين في هذه الفترة تنظيماً وأغلبية عددية، بعكس كل ما ساقته جميع الدراسات والتحليلات التأريخية، العربية منها والأجنبية، لتلك الحقبة، والتي قطعت جلها بان فترة ما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية قد شهدت زخم سياسي وحراك ثوري (خارج إطار الأحزاب السياسية المعتمدة آنذاك)، ما يرجح التحليل العلمي الشائع بأن الإنقلاب العسكري الذي حدث عام 1952 قد جاء معطلاً لذلك الحراك الثوري الشعبي مجبراً ضباط الجيش المنقلبين على عدم الإكتفاء بالتغيير السياسي وتلبية مطالب الشعب الاجتماعية.

في معرض دراسته العلمية لتحليل شخصية وحياة الشاعر المصري الراحل “نجيب سرور”، يلخص الباحث “حازم خيري”، أحداث إنتفاضة 1946 قائلاً: “كانت البداية في 21 شباط/فبراير 1946، عندما سارت مظاهرة، ضمت ما يزيد عن الأربعين ألفاً، وقيل مئة ألف، أخذت تطوف بأهم شوارع القاهرة، حتى بلغت ميدان الإسماعيلية (التحرير الآن). وهناك تصدت لها أربع سيارات بريطانية مصفحة، وأقتحمت الجموع لا تعبأ بشئ، وكان مستحيلاً إفساح الطريق لها، فسقط قتلى وجرحى، وغضبت الجموع، واستولت على السيارات البريطانية وأشعلت فيها النيران.

“وكان أن أطلق جنود الاحتلال الرصاص على المتظاهرين من معسكرهم، فخلع بعض العمال والطلبة ملابسهم وغمسوها في بنزين السيارات المصفحة التي حطموها وزحفوا على بطونهم وأشعلوها النار في الحواجز الخشبية التي كان يحتمي وراءها جنود الاحتلال. وحاول بعض المتظاهرين الاستيلاء على السلاح من مخزن الذخيرة، كما اقتحم البعض الآخر العمارات التي كانت تطلق منها رصاصات غادرة على المتظاهرين. ونزلت القوات البريطانية المسلحة في الشوارع، ولكن المظاهرات لم تنقطع طول اليوم. بل خرجت من حي باب الشعرية سيدات من لابسات الملاءة والبرقع هاتفات: “أولادنا فداء مصر”. وسقط ثلاثة وعشرون شهيداً و121 جريحاً، وفي كل مكان في أنحاء مصر، خرج العمال والطلبة جنباً إلى جنب، يعبرون عن رفضهم للقمع والإرهاب.

“وجاء مشروع صدقي – بيفن في 26 (تشرين أول) أكتوبر 1946 ليؤجج المشاعر الوطنية المعادية للصلة الوثيقة بين كبار الماليين المصريين والمستعمر البريطاني، إذ وافق إسماعيل صدقي رئيس الوزراء آنذاك على إنشاء لجنة مشتركة للدفاع، مؤلفة من السلطات العسكرية المختصة في الحكومتين المصرية والبريطانية، علاوة على تعهد الطرفين المصري والبريطاني بأن لا يبرما تحالفاً، أو يشتركا في أي حلف موجه ضد أحدهما، وذلك في مقابل تعهد بريطاني (صوري) بالجلاء عن مصر نهائياً في أول (أيلول) سبتمبر 1949. واتضح لاحقاً أن الهدف الحقيقي من وراء هذا التعهد البريطاني هو الترويج لفكرة الحلف المشترك وتحويل مصر إلى قاعدة عسكرية لصالح الاستعمار، وهو ما أدرك الشعب خطورته.

“لذا جاء الاحتجاج الشعبي على هذا المشروع عنيفاً حاداً متواصلاً، فقد قام العديد من المظاهرات الحاشدة، واشتدت حملة الصحف المعارضة، مما كان له أثره في نفس الوفد الرسمي الذي كونته حكومة إسماعيل صدقي لإجراء المفاوضات مع المستعمر البريطاني، فرفض المشروع سبعة من أعضائه، وكان أن حل صدقي هذا الوفد الحكومي الذي كونه هو بنفسه، واضطر صدقي في الوقت نفسه أن يلقي بتصريح عن الاتفاق بالنسبة إلى السودان، للتمويه على الشعب، ولكن هذا التصريح لم يكن يتفق وأهداف الاستعمار البريطاني، فاستنكره. وكان أن استقال صدقي، ودفُن مشروع صدقي – بيفن باستقالته. ولم يجد الاستعمار مفراً إزاء الضغط الشعبي المتفاقم إلا أن يجلو عن القاهرة والإسكندرية، واكتفى باحتلال منطقة القناة. وهكذا انتصر الشعب رغم إرهاب المستعمرين” (1).

ويرصد مؤرخ اجتماعي آخر، ما أطلق عليها حينها بـ”ثورة بهوت”، والتي بدأت قصتها في إيجاز بانه: “في صيف عام 1951 وفي مناخ حالة ثورية، حسب تعبير السفير الأميركي – آنذاك – جيفرسون كافري، كان ظاهراً للعيان أن في الريف المصري بوادر تمرد يعتد بها!

زينب الغزالي

“فقد تطاير الشرر لافتاً للنظر في بلدة كفور نجم بمحافظة الشرقية، حيث وجد تفتيش مساحته 7500 فدان مملوك للأمير محمد علي (ولي العهد آنذاك). واشتكى مدير التفتيش للبوليس أن الفلاحين دأبوا على تأخير سداد إيجار الأرض، وهنا قام البوليس بحملة إعتقالات واسعة. وقد أثبتت تحقيقات النيابة فيما بعد أنهم قاموا بحلق رؤوس الفلاحين وأرغموهم على أن يأكلوا شعرهم المحلوق، ثم ألبسوا عدداً منهم أزياء نساء، واستعملوا عصيهم “خوازيق” أجلسوا عليها من ظهرت عليهم أمارات التحريض على التمرد.

“وفي مزارع البدراوي باشا في بلدة بهوت، المجاورة لقرية إخطاب، اندلعت اضطرابات مماثلة، سببها أن وكلاء الباشا أخذوا من الفلاحين مصاغ زوجاتهم رهناً لسداد الإيجار، ثم أن دائرة الباشا طلبت سداد الإيجار بتوريد حبوب حددت الدائرة سعرها، واندلعت اضطرابات ظهرت على صفحات الأهرام أواخر (حزيران) يونيو 1951، تحت عنوان “معركة في عزبة البدراوي باشا.. تبادل النار بين الأهالي والبوليس.. إضرام النار بأجران القمح.. قتلى وجرحى في بهوت !”.

“وقام السيد عبد العزيز البدراوي (وهو شقيق زكية هانم قرينة فؤاد سراج الدين باشا) بعملية هجوم مضاد على الفلاحين، وعذره أنهم أحرقوا بعض سيارات الأسرة احتجاجاً على تصرفات وكلائها، وكان أن عبد العزيز البدراوي أمر بإطلاق النار على الفلاحين، وقاد حملة التأديب ضدهم بنفسه. ونقلت عنه مجلة المصور قوله: “ليس هناك في الدنيا مخلوق ألعن من الفلاح، إنه لا يقدر العطف، وإذا أظهرنا الرحمة عليه أصابه الطمع وتحين الفرصة كي ينهبنا، وتلك طبيعة العبيد. لقد بنيت للفلاحين مسجدين وأقمت مستشفى وقفت عليه ثلاثمئة فدان، ومع ذلك استطاع بعض الأشرار الذين اندسوا وسطهم أن يجروهم، فإذا بهم ينقادون خلفهم دون تبصر”.

“وكان المشهد المفاجئ الذي وقع رداً على حملة التأديب أن مئات الفلاحين زحفوا في الليل على قصر البدراوي باشا رافعين المشاعل، وهناك كسروا أبواب القصر وأحرقوا الستائر، وطبقاً لبلاغ من وكيل الدائرة إلى البوليس، فإن الفلاحين نهبوا الصالونات والفضيات والأثاث.

“وفي بداية خريف 1951 (أيلول/تشرين أول) سبتمبر وأكتوبر، كانت حوادث التمرد في الريف المصري ظاهرة يومية، وراح كبار الملاك وسايرتهم الحكومة يلقون اللوم على الشيوعيين، ونشرت بعض الصحف عشرات من البرقيات، يحتج أصحابها من رجال الأسر الكبيرة في الريف على نشاط الإرهابيين الشيوعيين، الذبن يحرضون على الفتنة والعصيان وعلى إتلاف الزراعات والمنشآت” (2).

وفي السياق ذاته، أعلنت المؤرخة “د. زبيدة عطا” استياءها الشديد من مسلسل الجماعة في جزئه الثاني لإعتماده على تزييف التاريخ وخلط الحوادث والملابسات التأريخية، وإن اشارت إلى أن “المسلسل غير ملتزم بالنص التاريخي، فهو يعبر عن وجه نظر المؤلف”. وهو تقريباً نفس الرآي السائد عن جميع الأعمال الدرامية التي تتعرض إلى لأحداث ووقائع تاريخية محددة، مما يخرجها من زمرة “التدقيق” والفحص العلمي لإعادة سرد الأحداث الماضوية رغم تأثيرها الإعلامي الطاغي وإنتشارها العربي المشهور بقلة حرصه على الإطلاع “النقدي” وتحصيل المعلومات بآليات علمية صحيحة !!

المصادر:

  • “دون كيخوته المصري.. دراسة علمية وثائقية لحياة وفكر نجيب سرور” – حازم خيري – المجلس الأعلى للثقافة 2009 – صـ74 : 75.
  • “تطور الحركة الوطنية المصرية 1882 – 1956” – شهدي عطية الشافعي – دار شهدي للطبع والنشر والتوزيع 1957 – صـ87 : 109.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب