15 نوفمبر، 2024 8:51 م
Search
Close this search box.

محمد ديب.. ظل منشغلا بالجزائر وقت الثورة وبعد الاستقلال 

محمد ديب.. ظل منشغلا بالجزائر وقت الثورة وبعد الاستقلال 

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد ديب” كاتب جزائري، يكتب باللغة الفرنسية في مجال الرواية والقصة القصيرة و المسرح و الشعر.

حياته:

ولد “محمد ديب” في مدينة “تلمسان” غرب الجزائر في 1920، تلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة الفرنسية، وبعد وفاة والده سنة 1931 بدأ في الكتابة الشعرية، ومن سنة 1938 إلى 1940 سافر إلى منطقة قرب الحدود الجزائرية المغربية ليتولى التدريس هناك ثم عمل محاسبا في مدينة وجدة، تم تجنيده سنة 1942 ضمن جيوش الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية واشتغل كمترجم بين اللغتين الفرنسية والإنجليزية بالجزائر العاصمة.

عاد “محمد ديب” من 1945 حتى 1947 إلى مسقط رأسه تلمسان، واشتغل هناك في صناعة السجاد، نشر في هذه الفترة أعماله الشعرية تحت اسم “ديبيات” ونشرت أعماله في مدينة جنييف، دعي إلى حضور حركة شبابية في مدينة البليدة وتعرف هناك على أدباء مثل “ألبير كامو” و”جون كارول” و “بريس باريان” و “مولود فرعون” وغيرهم من الأدباء. اهتم خلال هذه الفترة بالعمل الصحفي فالتحق بصحيفة (الجمهورية) بالجزائر وأخذ يكتب مقالات تندد بالاستعمار الفرنسي.

غادر “محمد ديب” الجزائر في الخمسينيات وبعد ذلك بلدانا ومدنا عدة فمن باريس إلى روما، ومن هلسنكي إلى عواصم أوروبا الشرقية، ثم المغرب عام 1960، ومع استقلال الجزائر عام 1962 عاد إلى مسقط رأسه تلمسان بالجزائر.

الكتابة..

تنوعت كتابات “محمد ديب” ما بين الرواية والشعر والتأملات أهم رواياته: (ثلاثية الجزائر: الدار الكبيرة 1952- الحريق1954- النول 1957) و (ثلاثية الشمال: سطوح اورسول1985- إغفاءة حواء 1989- ثلوج المرمر1990)

وفي سنة 1963 نال في الجزائر جائزة الدولة التقديرية للآداب. ونال جائزة الفرانكفونية عام 1994 من الأكاديمية الفرنسية تنويها بأعماله السردية والشعرية.

أصدر “محمد ديب” أول عمل أدبي عام 1952 وهو روايته الشهيرة “البيت الكبير”، وقد نشرتها “لوسوي” الفرنسية، ونفدت طبعتها الأولى بعد شهر واحد. ثم أصدر رواية “من يذكر البحر؟”، ثم رواية “الحريق” التي تنبأ فيها بالثورة الجزائرية والتي اندلعت بعد صدورها بثلاثة أشهر. وفي عام 1957 نشر رواية “النول”. ثم توالت كتاباته السردية ما بين 1970 و1977 فنشر ثلاث روايات هي “إله وسط الوحشية” عام 1970، و”سيد القنص” عام 1973، و”هابيل” عام 1977. ترك “محمد ديب” أكثر من 30 مؤلفا منها 18 رواية آخرها “إذا رغب الشيطان” و”الشجرة ذات القيل” عام 1998، وخمسة دواوين شعرية منها “آه لتكن الحياة” عام 1987، وأربع مجموعات قصصية منها “الليلة المتوحشة” عام 1997، وثلاث مسرحيات آخرها “ألف مرحى لمومس” عام 1980. إلى جانب ترجمته للكثير من الأعمال باللغة الفنلندية إلى الفرنسية.

الصوت الجماعي للشعب..

في حوار أجراه معه “عثمان تزغارت” في صيف عام 1994 بعد سنوات طويلة من العزلة يقول” محمد ديب” عن اختلاف مضامين أعماله: “اختلاف مضامين أعمالي في تلك المراحل المختلفة يوجد تفسيره في تطورات الأحداث التي عايشتها أو كنت طرفا فيها، وأذكر أنني قبل أن أكتب روايات “الثلاثية الأولى”، كانت لي كتابات أخرى لم أنشرها، سابقة لفترة حرب التحرير، وبقيت غير معروفة، وكانت كتابات ذات هواجس فنية وجمالية بالدرجة الأولى، تختلف في مضامينها كثيرا عن “الثلاثية” التي جاءت في خضم الحركة الوطنية الجزائرية، وكانت إسهاما مني في التعريف بقضية بلادي وثورتها، حيث قررت آنذاك أن من واجبي أن أصهر صوتي في الصوت الجماعي للشعب الجزائري، وأن أجعل من كتاباتي أسلحة بيد الثورة الوطنية.. أما بعد الاستقلال فقد اختلف الوضع كثيرا، الاستقلال بالنسبة لنا ككتّاب وطنيين متمرّدين على الاستعمار كان حدثا رائعا.. ذلك أننا وضعنا كل إبداعنا في خدمة قضيتنا الوطنية، وعندما حصلت البلاد على استقلالها، أصبح بإمكاننا أن نتحرّر بدورنا، وأن نصبح “كتابا مستقلِّين” يعبِّرون أساسا عن ذواتهم ومشاغلهم الحميمة، دون أن يكون مفروضا عليناـ كما في السابق ـ أن نكون محامين نُرافِع باستمرار باسم شعوبنا وأوطاننا.. صحيح أن كتاباتنا ظلّت مرتبطة ببيئتنا ومجتمعاتنا، لكن مشاغلنا أصبحت شخصية وحميمية أكثر، ولم تعد متعلقة فقط بالنضالات السياسية والاجتماعية، كما في فترة حركة التحرّر.. وهكذا بدأنا تدريجيا نكتشف ذواتنا ومشاغلنا الحميمة ونعبِّر عنها في كتاباتنا.. وأصبح الفرد هو مركز اهتمامنا، حتى في أعمالنا الجديدة ذات البعد الوطني”.

وعن سؤال لمَ أصبحت كتاباتك منذ “الثلاثية الثانية”، أكثر انتقادا لأوضاع بلادك وواقعها بعد الاستقلال؟ يجيب “محمد ديب” : “إن “الواقعية النقدية” التي يتحدّث عنها النقاد بالنسبة لـ “الثلاثية الثانية” مرجعها أنني انتقلت للعيش في بلدان أخرى غير بلادي، فبالإضافة إلى تغير أجواء رواياتي في الزمان والمكان، تغيّرت أيضا في هذه المرحلة نظرتي إلى أوضاع بلادي، وصارت أكثر تعمّقا.. البُعد دوما يجعلنا نرى الأشياء بشكل أعمق وأكثر موضوعية، لا أدري هل سبق لك أن شاهدتَ فنانا تشكيليا أثناء اشتغاله على لوحة جديدة؟ إنه في لحظة معيّنة يحتاج، قبل إتمام اللوحة، إلى الابتعاد عنها ببضع خطوات إلى الوراء، كي يراها بشكل أفضل وأكثر شمولية وموضوعية، ولكي يكوِّن عنها الانطباع النقدي اللازم.. وهذا ينطبق تماما على تلك المرحلة الثانية من كتاباتي، فبعد الاستقلال أصبح من حقي تسليط مثل هذه النظرة النقدية على بلادي، لكنه نقد يخلو تماما من الضغينة، وهو أشبه ما يكون بانتقاد الذات أو بالعتاب الذي نوجِّهه إلى شخص عزيز علينا كثيرا، نعتب عليه، هو بالذات، لأننا نحبه! فأنا حتى عندما أنتقد الحركات الأصولية الجزائرية، التي أختلف معها بشكل جذري، أتعامل معها دون ضغائن، وأعتبر عناصرها مثل أبنائي تماما، مثلهم مثل كافة الجزائريين، ويتملكني شعور كشعور الأب الذي لا يمكن له أن يحقد على أحد من أبنائه، مهما كانت درجة سخطه على تصرفات هذا الابن، ومهما كانت هذه التصرّفات تستدعي العقاب”.

البيئة الأوروبية..

وعن  المرحلة الثالثة التي ابتعد فيها تماما عن انشغالات بلاده، وصارت رواياته منذ “الثلاثية الثالثة” تدور أحداثها في البيئة الأوروبية التي انتقل للعيش فيها يواصل: “تجربة الهجرة إلى خارج البلاد، بالإضافة إلى تلك الرؤية النقدية التي أتاحتها لنا، أنا وأبناء جيلي من كتاب المغرب العربي، سمحت لنا أيضا بأن نكتشف ذواتنا بنفس القدر الذي اكتشفنا به ذوات الآخرين، وتحضرني في هذا الشأن مقولة الشاعر “آرثر رامبو” الشهيرة: “أنا شخص آخر”، وأعتقد أننا لا يمكن أن نكتشف الجوانب الخفية في ذواتنا إلا عبر الترحال والمنفى، فإذا بقينا وسط بيئتنا الأصلية، فإن ذواتنا ستبقى أسيرة لها، ومتى تحرّرنا من تأثير هذه البيئة، تكشَّفت لنا ذواتنا بنفس القدر الذي تتكشَّف به لغيرنا! وكثيرا ما نندهش من اكتشاف ذواتنا أكثر مما يندهش منها الآخرون، وأعمالي منذ “ثلاثية الشمال” تتمحور أساسا حول هذا الاكتشاف الجديد للذات، فلو أنني بقيت في بلادي لما أُتيح لي ذلك، ولبقيت معرفتي لذاتي ولشعبي وللشعوب الأخرى محدودة جدا..أعتقد أن النظرة التي أرى بها في رواياتي إلى الشعوب الشمالية (الأوروبية) مهمّة للغاية بالنسبة لثقافة بلادي، فمن قبل، حين كنّا تحت وطأة الاستعمار، كان الأدب “الكولونيالي” يسمح لكُتَّاب قادمين من أوروبا بأن يلقوا على مجتمعاتنا “الجنوبية” نظرتهم الشمالية الباردة والمتعالية، وما أفعله اليوم هو الأخذ بالثأر منهم، حيث أجعل من شعوبهم مادة أقدّمها في رواياتي وفق نظرتي الخاصة ككاتب قادم من الجنوب!”.

وعن التغيير الذي حدث له بعد المنفى الطويل يوضح ” محمد ديب “: “دعني أجيبك عن هذا السؤال انطلاقا من مفارقة طريفة، فأنا أصبحت جزائريا، على مستوى أوراق الهوية الرسمية، منذ أن صرتُ أعيش في فرنسا، أي بعد الاستقلال! بينما كنتُ من قبل، أثناء الفترة الاستعمارية، مرغما، ككل الجزائريين، على حمل الجنسية الفرنسية، كان الاستقلال حدثا رائعا سمح لي بأن أستعيد هويتي الأصلية التي حُرمت منها طويلا، وظللت دوما متمسِّكا بجواز سفري الجزائري، رغم استقراري في أوروبا منذ الستينات.. بعد الاستقلال، تولّدت لديّ رغبة جامحة في اكتشاف كل ما يتعلّق بهويّتي المستعادة، خاصة وأنني وجدت نفسي حين استعدتُها أعيش، مضطرا، في بيئة أجنبية وغير مسلمة. ولو بقيت أعيش في الجزائر بشكل يومي لاستعصى عليّ اكتشاف هويتي وتراثي الثقافي والديني بنفس هذا القدر من الإعجاب والعمق. فبعدي عن بلادي دفع بي إلى تعميق نظرتي وتحليلي للمتخيّل الثقافي العربي والإسلامي الذي أنتمي إليه.. وبذلك ازددت قربا وتعلّقا بالثقافة الإسلامية بفعل كوني أعيش بعيدا عن البلاد الإسلامية!”.

الأحداث الدموية..

وعن  مواقفه من الأحداث الدموية في الجزائر التي بلغت ذروتها في التسعينات يقول “محمد ديب”: “إنني لا يمكن أن أقف موقف اللامبالاة أو الحياد، حيال ما يحدث في بلادي، ولأني لست رجل سياسة، فإني لم أرد أن أعبِّر عن موقفي من الأحداث عن طريق التصريحات الصحافية الملتهبة أو بإصدار مناشير دعائية، بل أريد التفاعل معها بعمل أدبي إبداعي، ومع ذلك، يمكن تلخيص موقفي المبدئي بالقول أن الوضع الحالي في الجزائر يملي علينا نحن الكتاب واجب الإدلاء بالحقيقة، قبل أي شيء آخر.. هناك اليوم طرف نقيض، ليس في الجزائر لوحدها، بل في أغلب الدول الإسلامية: طرف في السلطة، وهو في الغالب فاسد وفاقد للمصداقية، وطرف آخر نقيض يدَّعي لنفسه “النّقاء”، ويعد الناس بتطهير نظام الحكم. وغالبا ما يلبس هذا الفريق الثاني لبوس التديّن. ومهما تضاربت آراؤنا ومواقفنا بخصوص هذه المسائل، فإن دورنا نحن الكتاب والمثقّفين يجب أن يكون محاولة فهم مسار التاريخ وتحليله والتفاعل معه، وليس محاولة تصوير هذا التاريخ بالشكل الذي نريده أو نتوهّمه أو نتمنّاه.. إن مسؤوليتنا كمثقفين كبيرة ومصيرية، وتكمن بالأساس في السعي للحفاظ قبل كل شيء على المصالح العليا للوطن، بغضّ الطرف عن ميولنا الشخصية لصالح هذا الطرف أو ذاك من الفرقاء السياسيين الحاليين. فغدا، حين تمر الأعوام، لن يذكر التاريخ لا رجال السياسة ولا الأحزاب والتيارات المتنازعة حاليا، بمن فيهم الإسلاميون.. لن يبقى في ذاكرة التاريخ سوى ما يبدعه المثقفون من فكر يبقى تركة للأجيال المقبلة، ولذا فعلينا أن نسأل أنفسنا باستمرار: ماذا سنترك في النهاية لتاريخ بلداننا وتراثها الفكري والثقافي، بدل أن تستغرق في معارك سياسية آنية وهامشية ولا جدوى منها”.

وفاته..

توفى الكاتب الجزائري “محمد ديب”  في 2003 ب”سان كلو” إحدى ضواحي باريس، عن عمر 83.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة