7 أبريل، 2024 6:46 م
Search
Close this search box.

رواية ليل مدريد.. تخبط جيل التشدد الديني والفساد 

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (ليل مدريد) للكاتب والناقد المصري “سيد البحراوي” تحكي عن بطلة ضد سلبية، تعيش تناقضات نفسية عميقة وهي ضحية لتفشي التيار الديني في السبعينات في مصر، فهي تنتمي بفكرها له وانتمائها هذا يوقعها في اضطرابات فكرية عديدة.

الشخصيات..

هناء: البطلة، معيدة في الجامعة حصلت على شهادة الماجستير وتجهز لرسالة الدكتوراه، تعاني خللا نفسيا يجعلها فاقدة للثقة بنفسها وعرضة للاستسلام لأي رجل تقابله، فاقدة للأمان وكما تصرح مريضة بعقدة أوديب نتيجة لغياب الأب، تسافر إلى إسبانيا للدراسة وتظل على تمزقها النفسي.

محمود: زوج “هناء”، تزوجته بضغط من أبيها لتكتشف أنه مثلي وأنه يحب شرب المخدرات، وأنه سيء لأنه استمر معها في علاقة الزواج معتمدا على رفض أهلها إتمام الطلاق، وحينما أصرت على ذلك ساومها على التنازل عن كل حقوقها.

علاء: طفل “هناء” الصغير أنجبته من زوجها “محمود” دون رغبة منها، تهمله كثيرا منشغلة بتمزقها النفسي وأزماتها، وبعلاقاتها المتعددة بالرجال مما يؤثر على الطفل بالسلب، ويبدأ في معاداتها وهو في سن صغيرة.

أمها: أم “هناء” كانت على علاقة سيئة بزوجها مما أثر على “هناء” نفسها، وقد لمحت أن مشكلة أبيها مع أمها مشكلة جنسية وأن المشاجرات كانت نتيجة لها، على الرغم من أن الظاهر الاختلاف في الأفكار والتفاوت في المستوى الاجتماعي للأم والأب، أمها ليست متبنية للفكر المتشدد وإنما تؤمن بالتحرر، وكانت تعادي “هناء” لأنها تشعر أنها قريبة من أبيها مما خلف علاقة تجاهل وعداوة بينهما أثرت عليها أيضا.

أبوها: رجل يؤمن بأفكار الجماعة الإسلامية كما تسميها “هناء”، اضطر إلى الهروب إلى السعودية بسبب ملاحقة الشرطة له بسبب انتماءه للجماعة، وترك أولاده سنوات طويلة معوضا غيابه بإرسال الأموال، وهو ينتمي لعائلة فقيرة على عكس زوجته التي تنتمي لعائلة غنية، يعود بعد أن يكبر الأولاد ويحاول احتواءهم ويفسد حياتهم.

صفاء: أخت “هناء” الصغيرة، كانت مقربة لأمها أكثر، وكانت متحررة الفكر ومتسقة مع نفسها أكثر على حد وصف “هناء” لها، أجبرها أبوها على الزواج من قريب له بسبب خوفه من تحررها ومن ابتعادها عن الدين، واكتشفت أنانية زوجها وبخله وسعت إلى الطلاق، لكنها كانت أكثر قوة من “هناء” في التعامل مع المشكلات.

خالد: خال “هناء”، أول اتصال لها بعالم الذكور، كانت تتقرب منه في محاولة لتعويض فقدانها لحنان أبوها، وكان يقترب منها بشكل حميمي وهي في التاسعة من عمرها، ثم سافر وتزوج وأهملها تماما.

حمدي عبد الرحمن: زميل ل”هناء” في الجامعة، أحبها وكان يكتب لها الشعر، ينتمي إلى ما يسمى بجيل التسعينات، تلك الجماعة من الكتاب والمثقفين الذين أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم وسعوا لعمل كتابة أدبية مختلفة، ينتمي لأسرة فقيرة وبالكاد يحصل على عمل بعد التخرج في مركز ثقافي إسباني، ويكتب قصص قصيرة، تتقرب منه “هناء” وتقول أنه مهزوم بسبب وعيه لعبثية العالم وأزماته.

هاني: أستاذ بالجامعة، يشرف على رسالة الماجستير ل”هناء” وتدخل معه في علاقة حميمية أيضا، متزوج من امرأة إسبانية قابلها وقت سفره إلى إسبانيا في بعثة للدراسة، لكنه رغم ذلك يدخل في علاقات مع فتيات أخريات.

سامي: المستشار الثقافي في المعهد العربي في إسبانيا، يسهل الأمور ل”هناء” عندما تسافر لاستكمال دراستها في إسبانيا، وتقترب منه هو أيضا لكنها لا تدخل معه في علاقة حميمية.

عبد الله بيتر: شاب ألماني تعرفت عليه “هناء” في إسبانيا عندما تواصلت مع  جماعة تدعي أنها إسلامية، وتمارس طقوسا دينية متساهلة بعض الشيء، تدخل معه في علاقة أيضا.

مليكة وفاطمة: فتاتان عربيتان تدرسان في إسبانيا، تساعدان “هناء” في رعاية طفلها وفي تسيير بعض الأمور، ويساندانها نفسيا لتكتشف أنهما ينتميان لجماعة ما، وتدخل معهم ضمن هذه الجماعة لكنها تبتعد عنها.

الراوي..

الراوي هو البطلة “هناء”، تحكي من خلال ضمير المتكلم عن نفسها وعن حياتها منذ أن كانت طفلة، وتحكي صراعاتها النفسية وتناقضاتها التي تعترف بها لنفسها وللقراء، وتحكي عن الشخصيات الأخرى من خلال علاقتها بهم، ولا تترك لهم حرية التعبير عن أنفسهم من خلال الحوار فالحوار نادر داخل الرواية.

السرد..

السرد محكم، متمحور حول الشخصية الرئيسية “هناء”، وإن ظهر صوت الكاتب في بعض أنحاء السرد مرات قليلة، حينما يتحدث عن مصر وأحوالها وأحوال الجامعات، أو حينما يتحدث عن الحلم العربي وانهزام العرب في الأندلس، تقع الرواية في حوالي 163 صفحة من القطع المتوسط، وتنتهي نهاية مفتوحة تكرس لفكرة عدم وجود حل أو خلاص لأزمات البطلة التي تعي تناقضاتها بشكل جزئي.

جيل انتشار التشدد والفساد..

تعتبر هناء نموذج أمثل لفتاة متخبطة، ولدت في فترة السبعينات وأصبحت شابة في فترة التسعينات ومرت بكل ما مرت به مصر من انحدار، فقد انتشر التيار الديني المتشدد في مصر منذ السبعينات، وتبنى العديد من المصريين هذا الفكر وفرضوه فرضا على ذويهم، وأصبح هناك صراعا داخل الأسر ما بين التحرر والوعي الذي يتسم به المصريون، والسعي نحو الانغلاق والتشدد والذي عاني منه أشد المعاناة الجيل الجديد، الذي تربى في أحضان هذا الصراع، فالأم متحررة والأب متدين وما بينهما يعاني الأطفال من التمزق النفسي، ترتبط “هناء” بأبيها فتتمسك بأفكاره وتشدده، وترتبط صفاء بأمها فتغدو متحررة، وإلى جانب ذلك الصراع الفكري تعاني مصر من انحدار وفساد وتخريب لكل المؤسسات الحكومية، وبطالة وفقر ومعاناة وانعدام للتنظيم والتخطيط، فيكبر جيل “هناء” و”حمدي” ليجدوا أنفسهم عرضة للضياع، يعانون من البطالة ومن التطرف الديني ومن أفكار جوفاء وثقافة ضحلة ووعي زائف، ف”هناء” تعترف داخل الرواية بتفاهتها وسطحيتها وأنها لا تمتلك الوعي الذي يمتلكه “حمدي” والذي ربما يحميها من المعاناة والحزن.

فنجد “هناء” نتيجة مثالية لكل تلك العوامل التي عانت منها مصر، فتاة مذبذبة فاقدة للثقة بنفسها شخصيتها ضعيفة، تنساق سريعا لأي رجل تقابله باحثة في أحضانه عن الحنان والأمان، ويفسر الكاتب ذلك الضعف على لسان “هاني” بأنها تعاني من عقدة أوديب والتي تتمثل في غياب الأب وحنانه منذ الطفولة، والذي جعلها فاقدة للحنان والأمان دوما، باحثة عنه في الخارج، لكن “هناء” بالغت في ذلك بحيث أنها تستجيب لأي رجل يقابلها، وتناقضها الفكري يبرر لها ما تفعله على أنه ليس حراما لأنها تكتفي بأحضان طويلة وقبلات ناعمة، وأنها لا تصل إلى حد الزنا، وكأن الجنس الكامل فقط هو الزنا وفق أفكارها الدينية التي تعتنقها، كما تدعي أنها ترتبط مع الله بعلاقة خاصة أشبه بالعلاقة الصوفية، وأنها لا تخونه أبدا بجعل أحد يصل إلى فرجها، لكن لا بأس من حدوث مداعبات جنسية أخرى وأن يلمس الرجل أجزاء جسدها أو يصل إلى ذروته من خلال احتكاكه بجسدها العاري وتظل تبرر ذلك حتى آخر الرواية.

تتقرب من خالها دون أن ترى طوال الرواية أن ذلك يخالف الدين الذي تتمسك به، وتظل تردد أنها تحبه وستظل تحبه وستبحث عن من يشبهه، وكأنها استبدلت خالها بالأب الذي غاب رغما، وتتزوج وفقا لرغبة أبيها دون اعتراض وحين تكتشف أن زوجها مثلي تفكر في الانفصال، لكنها تستجيب لضغط الأهل، وتظل تعيش معه دون موقف حاسم مفضلة أن تتقرب من رجال آخرين وهي متزوجة منه، وحين تقابل “هاني” تشعر أنه يشبه خالها في حنانه وتدخل معه في علاقة حميمية، مبررة لنفسها أن تلك العلاقة لا تخالف الدين، رغم أنه متزوج هو أيضا، وترفض باستماتة أن يصل إلى فرجها، ثم تنتقم منه حين تكتشف أنه أحب أخرى، وتتقرب إلى “حمدي” الذي تعرف أنه يحبها وتستمتع بأحضانه وقبلاته، وحين تسافر لاستكمال الدراسة تنجذب ل”سامي” الخمسيني لكنها لا تتلامس معه جسديا، وإن كانت لديها الرغبة في ذلك، وتدخل مع “عبد الله بيتر” في علاقة حميمة دون اتصال كامل، وتصرح أن هذه العلاقة تساندها نفسيا وتدعمها، لكن لا ترفض دعوة “هاني” حين يذهب إلى إسبانيا، وحين يضغط عليها لإتمام اتصال جنسي كامل تقبل أن يلجها من الخلف، وتغضب لأنه خدعها وولج فرجها، وتعتبر تلك خطيئة عظمى لأنها زنا وخيانة لله التي تردد أنها قريبة منه.

شخصية هناء شخصية ضد سلبية، تعي أن بها مشاكل نفسية وتناقضات لكن لا تسعى إلى فهمها بشكل أعمق ولا تسعى لحلها، ترفض تنقلها بين أحضان الرجال وتقول لنفسها أن ذلك يعني خللا ما، لكنها لا تتوقف عن فعل ذلك.

جيل ضائع..

يشير الكاتب من خلال رسالة “حمدي” إلى “هناء” إلى أن جيل التسعينات  جيل ضائع ينتهي إلى الموت، حيث أنه حصد كوارث وأزمات مصر، ولم يجد إلا الخراب والضياع، معتبرا أن اختفاء المشروع القومي هو أحد الأسباب الهامة لضياع هذا الجيل، ويتضح من سياق الرواية أن ذلك الحلم القومي بمرتبط بالعروبة وبالوحدة العربية، وأن ضياع ذلك الحلم هو سبب ضياع أجيال من الشباب، ومدعما لفكرته يجعل الكاتب “هناء” مهمومة بدراسة تاريخ العرب في الأندلس، وكيف أن هزيمتهم فيها كانت بداية الانحدار الرهيب للعرب، والذي انتهي إلى الضياع الكامل، فهي تبحث في لهفة عن أمجاد العرب في الأندلس، وتحزن عندما تزور الأندلس وتجد عنصرية، كما ترى أطلال أجدادها العرب هناك، وفي نفس الوقت يردد “هاني” و”هناء” من بعده أن الحفاظ على آثار العرب في إسبانيا تم على أيدي الغربيين المسيحيين الإسبان، وأن العرب أنفسهم ما كانوا ليحافظوا على تلك الآثار بسبب ما وصلوا إليه من تخلف.

وتنطوي تلك الأفكار على تناقضات رهيبة، أولها أن الحضارة في الأندلس لم تكن عربية وإنما كانت إسلامية، وأن تلك الحضارة انطوت تحت لواءها أعراق كثيرة لا ينتمون للعرب بصلة، وأن مفهوم الهوية العربية ظهر بعد ذلك بقرون طويلة، فالكاتب يخلط بين حلم العروبة الذي تشدقت به السلطات الحاكمة في الخمسينات في بعض الدول العربية، والذي مثل لدى البعض حلما قوميا آسرا، وهذا الحلم لا علاقة له بمن كان في الأندلس ومن حكموها، كما أن ضياع حلم العروبة وتفكك الوحدة العربية التي لم تتم في الأساس ليس هو المسئول عن ضياع أجيال بأكملها، وإنما انطواء عدة دول في منطقة الشرق الأوسط تحت أجنحة الاستعمار الرأسمالي، وإعلان تبعيتهم المطلقة له، وتنفيذ سياسيته التخريبية التي خربت تلك البلدان وقضت على أحلام الأجيال المتتابعة فيها.

يحسب للكاتب رصده لشخصية المرأة بدقة وبراعة، وتمثله لها في أدق المواقف الحميمية، ونقل تمزقها النفسي وعلاقتها بالذكر (الآخر) حيث وصفها ببراعة وتميز، فقليل من الكتاب من يستطيعون تمثل شخصية المرأة بدقة وكتابة مشاعرها وانفعلاتها.

الكاتب..

“سيد البحراوي” كاتب وناقد وأستاذ جامعي مصري، هو السيد محمد السيد البحراوي، من مواليد 9 يناير 1953 بمحافظة المنوفية، وهو أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة.

حصل “سيد البحراوي” على ليسانس الآداب من قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1975، بتقدير جيد جدًا، وعين معيدًا بنفس القسم في سبتمبر سنة 1975، وحصل على درجة الماجستير من نفس الكلية سنة 1979 ببحث عنوانه “التجديد في موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو”، عين مدرسًا مساعدًا بالكلية في نفس العام، كما حصل على درجة الدكتوراة من نفس الكلية سنة 1984 برسالة عن “البنية الإيقاعية في شعر السياب” نشرت سنة 1996 بالقاهرة، ثم عين مدرسًا بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1984.

قضى”سيد البحراوي” مهمة علمية لمدة عام في فرنسا (1984 ـ 1985) على نفقة الدولة المصرية، ثم ترقى إلى درجة أستاذ مساعد بتاريخ 1992،  ثم إلى درجة أستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1994، وتولى رئاسة مجلس القسم عامي 2003-  2004.

وعمل في التدريس بجامعة القاهرة كلية الآداب، وكلية الإعلام، وفرع الجامعة بالخرطوم، وبالدورة المكثفة التي عقدت للغويات بجامعة الإسكندرية في العام الجامعي 1984. كما درس (علم الجمال الصوتي) بقسم الصوتيات بكلية الآداب جامعة الإسكندرية في العام الجامعي (1994 ـ 1995)، كما درس لطلبة الدراسات العليا بكلية الآداب جامعة حلوان عام (1995 ـ 1996)، وفى جامعة ليون الثانية بفرنسا عام 1997.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب