كتبت: سماح عادل
في كتابها” تقنيات كتابة الرواية”، ترجمة “زينة جابر”، تقدم الكاتبة الأمريكية “نانسي كريس” حلولا عملية لكتابة الرواية للكتاب المبتدئين، و”نانسي كريس” روائية أمريكية شهيرة، ولدت في ١٩٤٨ في نيويورك، وهي كاتبة خيال علمي، بدأت الكتابة عام 1976، وحازت على شهرتها من خلال روايتها “متسولون في إسبانيا”، وقد فازت بجائزة “هوغو” لأفضل رواية قصيرة.
ماذا يريد القراء؟..
في بداية الكتاب تجيب”نانسي” عن تساؤل هام تقول” نحن الكتاب طماعون ونود لو يعجب جميع القراء بكتبنا، ولكننا ندرك بأنه ما من كتاب يستمتع به كل قارئ، ذلك أن الناس يقرؤون لأسباب مختلفة، بعض القراء يريدون إثارة سريعة وهذا ما يدفعهم لترك كتاب بطيء الأحداث يتناول واقعا يشبه حياتهم، فيما يحب آخرون التفكر ولا يستمتعون بكتب الفانتازيا والمغامرات المتواصلة، وثمة من يبحث من القراء عن أناس يشبهونهم أو عن شخصيات لم يلتقوا بها إطلاقا، بينما يحب آخرون الكتاب الذي يتحداهم ويربكهم، والكاتب ليس مضطرا إلى اكتساب جميع القراء، بل جمهوره الخاص الذي يملك الإدراك لتقدير ما يقدمه، وثمة طريقه لتحقيق ذلك بل واجتذاب آخرين لا يدركون بأنهم سيحبون قصتك لو أعطوها الفرصة، ويكمن المفتاح السحري في الشخصية، فالاستغراق التام في قصة ما هو فعلا “سحر”، إذ تختفي الغرفة المحيطة، ويتغير الوقت، وتنتشي بسحر الكلمات، وما يولد هذا السحر في الغالب هو الشغف بمصير إحدى الشخصيات”.
الشخصيات..
تعطى ” نانسي” أهمية كبرى للشخصية الروائية في كتابها تقول”تعتبر الشخصيات هي القاسم المشترك في القصص الخيالية، والشخصيات التي تفرض نفسها على القارئ هي المسئولة عن نجاح الكتب، لا يمكن الحصول على قصص خيالية لولا الشخصيات الواقعية والمثيرة للاهتمام، ولذا تسيطر الشخصية على كثير من الجوانب الأخرى في الرواية، فالحبكة تعتمد على الشخصية لأن رد فعل الناس يختلف في الظرف الواحد، بالتالي إن استثمرت الوقت والجهد والخيال في إنتاج شخصيات مؤثرة فستتمكن على الفور من السيطرة على الحبكة، والإطار، والأسلوب”.
الكتابة والشخصيات المتعددة..
تقول الكاتبة “أهم أداة لنجاح كتابك وأهم وسيلة لابتكار شخصيات فعالة هو أن تتعلم أن تكون ثلاث شخصيات في وقت واحد “الكاتب، والشخصية، والقارئ”، هذا الانقسام إلى ثلاث شخصيات لا يتم في الوقت نفسه، إنه تنقل متواصل في ذهنك، إذ تكتب نصف صفحة وأنت تضع نفسك مكان الشخصية، ثم تتوقف لتفكر ككاتب ما الذي يجب إضافته إلى هذا المشهد؟، ثم تقرأ المشهد بعين القارئ، الذي لا يعلم شيء سوى ما يقرأه من كلمات، فذاك الرقص الثلاثي ليس عبارة عن هويات متعددة، بل حالات ذهنية متعاقبة، هذه القدرة على عيش ثلاث حالات ذهنية تنمو مع الممارسة، فالكتاب المحترفون يقومون بذلك دون انتباه”.
تحديد شخصيات روايتك..
تقول “نانسي” عن كيفية تحديد الشخصيات”ممكن أن تكون الشخصيات كبيرة العدد، وقد تقتصر على شخصيتين فقط، لديك أربع مصادر لجلب الشخصيات للرواية التي تنتوي كتابتها:”أنت نفسك، أشخاص تعرفهم، أشخاص تسمع عنهم، خيالك الخالص”، في الوقع كل شخصية تبتكرها مستمدة منك أنت، فانفعالات شخصياتنا مستمدة من انفعالاتنا، لأن انفعالاتنا هي المألوفة بالنسبة لنا، وهي التي نرتكز عليها لنتخيل ما يشعر به الآخرون، ورغم ذلك فإن الأكثر فاعلية ألا تكتب نفسك، وإنما استعمال حالة من حياتك الواقعية وجعلها تحدث مع شخصية ليست أنت، مع إدخال عناصر من ذاتك، أي استغلال تجربتك الشخصية وطبعها على بطل آخر، تماما مثل الشخصيات المرتكزة على المؤلف فإن الشخصيات الخيالية المرتكزة على الآخرين تبدو أكثر نجاحا إن استعملت جزئيا، فاستعمال الأشخاص كما هم من شأنه أن يحد من الخيال والموضوعية، فالمزج بين الشخصيات يمنح الكاتب مرونة أكبر”.
السيرة الموجزة ..
عن وضع سيرة للشخصيات تقول “يدون بعض الكتاب ملاحظات مفصلة، قبل وخلال الكتابة، الجميع تقريبا يحتفظون ببعض الملاحظات، حتى وإن اقتصرت على مجرد خربشات، ودفتر الملاحظات هو عبارة عن لائحة بالمعلومات تذكرك بأسماء الشخصيات، وأعمارها، والأماكن التي تعيش فيها، والأيام التي حدثت فيها مختلف المشاهد، والاحتفاظ بهذه المعلومات المفصلة يوفر عليك كثيرا من التوتر، وثمة وسيلة أخرى مفيدة وهي “السيرة الموجزة”، يحتفظ الكاتب بسيرة موجزة لكل شخصية رئيسية قبل أن يبدأ الكتابة، لأنها تساعد على التركيز على الشخصية، ما أن تكون لائحة الشخصيات المحتملة لروايتك تنتقل إلى الخطوة التالية، وهي اختيار البطل، يجب الأخذ في الاعتبار إذا كنت ترغب بالكتابة عن شخصية تتغير مع أحداث الرواية “شخصية متغيرة”، أو تبقى على حالها “شخصية ثابتة”، أن الشخصيات المتغيرة تتطور عبر سلسلة منطقية من التغييرات الناتجة عن أحداث، حاول قبل البدء بالكتابة بتفحص شخصياتك المتغيرة والثابتة من وجهة نظر القارئ، أهي مثيرة للاهتمام؟، أهي متنوعة؟، أهي مرتبطة ببعضها البعض؟، يجب أن ترغب حقا في الكتابة عن شخصياتك الرئيسية، وإن عجزت عن ملء سيرة موجزة لكل شخصية رئيسية، فإنك لا تعرف ما يكفي عنها لتبدأ الكتابة”.
إدخال الشخصيات..
تستمر “نانسي” في نصح الروائي الشاب “يجب أن تتفحص المعلومات التي تعطيها في أثناء الظهور الأول للشخصية، المظهر الخيالي للشخص، وسلوكه، وأعماله الأولى، وبيئته، كما أن للأسماء تأثير على الانطباعات الأولى للأشخاص، يمكنك استعمال أسماء الشخصيات للتأثير في نظرة القارئ، من الغريب معرفة كم يفترض القارئ من معلومات، انطلاقا من الاسم، بما في ذلك الخلفية العائلية، والسن، والعلاقات الشخصية، وملامح الشخصية، لذا اكتشف قوة الأسماء والألقاب لتلمح إلى الخلفية العائلية، والعرق، والسن، والطبقة الاجتماعية، استعمل جميع نواحي الشخصية “المظهر الخارجي والممتلكات الشخصية” لوصفها وإثارة اهتمام القارئ، ولتكن فقراتك الوصفية موجزة، ولكن لا تجعلها بديهية جدا إلى حد الملل، ولا غريبة جدا إلى حد تشتيت انتباه القارئ عن الأحداث، وعليك أن تعرف أنه من الطرق الهامة التي تضفى الواقعية على الرواية جعل الشخصية تتصرف انطلاقا من انفعال حقيقي، أو تخفي انفعالا حقيقيا لذا يجب أن تكون مدركا لماضي الشخصية”.
الحياة الداخلية للشخصيات..
تقول الكاتبة عن تصوير دواخل الشخصية الروائية “تشتمل الراويات على قصة خلفية للشخصيات، يجب أن يكون لدى الكاتب إحساس قوي بماضي الشخصيات، لأنه من ذلك الماضي تنبع الدوافع الحالية، وكلما كان الدافع أكثر غرابة كلما ظهرت الحاجة إلى معرفة القصة الخلفية للشخصية لتصديقه، يمكن إدخال القصة الخلفية بواسطة التفاصيل الموجزة، أو الفقرات المقحمة في زمن الرواية، أو الإرجاع الفني “فلاش باك”، أو المقاطع التفسيرية من قبل الكاتب”.
وتشدد “نانسي” على “ولكن ينبغي ألا تبدأ الرواية أبدا بالإرجاع الفني، أو بمقطع تفسيري، ثبت أقدام القارئ أولا في حاضر الرواية قبل زيارة ماضيها، ابدأ بالأفعال والأحداث التي تقوم بها الشخصية في الوقت الحاضر، وحين تصور انفعالات الشخصية افعل ذلك عن طريق ردود أفعالها الجسدية، وحركتها في المشهد، وحوارها وأفكارها في مشهد متحرك، وحين تشعر الشخصية بعاطفة معينة لكنها ترغب بإظهار عاطفة أخرى اجعل بعض المؤشرات الانفعالية تعكس المشاعر الحقيقية وبعض من المزعومة، ولكن ينبغي دوما أن تنقل أفكار الشخصية وردود فعل الجسد عاطفة حقيقية”.
الشخصية ذات الدوافع المعقدة ..
عن أهمية الشخصيات الروائية المركبة تجزم “نانسي” “قد يرغب الناس بأشياء متناقضة أو تنتابهم أحاسيس متضاربة، وتتغير رغباتهم ومشاعرهم مع الزمن، ولا يوجد شخص متناغم في الحياة الواقعية، مع أن بعض الناس هم أكثر تعقيدا من غيرهم، والكاتب يرغب في ابتكار شخصية مركبة لأنها تبدو أكثر واقعية بالنسبة للقارئ، وهذا يعتمد أيضا على نوع الرواية التي تكتبها، ففي كتب المغامرات مثلا لا بأس أن يكون البطل بسيطا، غير أن معظم الشخصيات الخيالية تضم شخصية معقدة واحدة على الأقل”.
وتواصل” قد يرجع التعقيد في الشخصية الروائية إلى رغباتها المتضاربة، أو ميولها الأساسية المشوشة، أو تغيرات فرضتها عليها الرواية، اعلم أن من أخطر الطرق لعرض الشخصيات ورغباتها وقيمها المتضاربة هي إخبارنا بها بكل بساطة، فالرواية تعتمد على المشهد المسرحي الذي يدور أمام عينيك، يريد القراء أن يشعرون بأنهم يشاهدون القصة، تنكشف أمامهم خطوة خطوة، يمكنك استعمال التفسير لتوضيح سبب الأحاسيس المتناقضة التي تنتاب إحدى الشخصيات تجاه شخصية أخرى، وكما هو الحال مع أي مقطع تفسيري من المؤلف ثمة خطر أن يبدو الأسلوب مفككا وبطيئا، لذا لكي ينجح التفسير ينبغي أن يتم الإعداد لتدخل الكاتب بالمشاهد المسرحية المسبقة، وأن يكون مكتوبا بأسلوب جيد، ويعطينا نظرة جديدة، لا يمكن نقلها بالمشاهد المسرحية وحدها، مع ذلك يجب على التناقضات الداخلية للشخصية ألا تكون مبالغة إلى حد عدم اقتناع القارئ بالمشهد”.
وعن التغير الذي يصيب الشخصيات تقول “من الممكن أن تتغير المعتقدات الأساسية للشخصية وردود أفعالها خلال الرواية، أو تبقى على حالها، وكذلك الأمر بالنسبة للحافز الذي قد يتحول إلى هدف جديد، بعد تحقيق الهدف القديم أو التخلي عنه، وتقوم مهمة الكاتب على عرض الأهداف الخاصة بالشخصيات بوضوح، كي يعرف القارئ دوما ماذا تريده الشخصية، ابرز هذه الحوافز من خلال الحوار والأفكار والحركة أو التفسير، يجب أن تكون جميع التغيرات التي تمر بها الشخصية نتائج مفهومة لأحداث الرواية، والشخصية التي تتغير بشكل حقيقي تحتاج إلى مشهد تأكيدي، يأتي عادة في نهاية الرواية لإظهار التغير الدائم على نحو مسرحي، ويكمن سر السيطرة على العاطفة، والحافز، وتغيرات الشخصية في كتابة مشهد كاشف تلو آخر، حدد قبل الكتابة ما ينبغي على المشهد تحقيقه، لتتمكن من تضمين كل أهدافك، ولتشعر أنك تمسك أكثر بزمام المشهد”.
الحوار والأفكار..
تقول “نانسي” “لا يعتمد الحوار العاطفي، أي المشاعر التي تعبر عنها الشخصية والكلمات التي تستعملها، على المزاج الأساسي فحسب، بل يتأثر أيضا بالعائلة، والمنطقة، والتعليم، والجنس، والظروف الخاصة، كما أن الناس يتحدثون بشكل مختلف عن الحدث المسبب للانفعال بعد وقوعه، وأخذ هذه العناصر في الاعتبار من شأنه أن يضاعف من مصداقية الشخصية ويساهم في وصفها، ويختلف الحوار في الرواية عن الحوار في الحياة بكونه مصقولا بواسطة الضغط والتركيز، وللحصول على تأثير أكبر يجب التقليل من استعمال العبارات العامية، وأيضا تجنب المبالغة والألفاظ المعروفة اجتماعيا “كليشيهات”، والتفسير في الحوار، لأنها تفسد تجاوب القارئ، واختر بعناية الأشخاص الذين تتحدث إليه شخصيتك عن عواطفها، وزمان الحديث لأنهما يحددان شخصيتها”.
أما بالنسبة إلى الأفكار تقول” الأفكار، والتي تعني التحدث إلى الذات، من الممكن استعمال الأفكار العاطفية لإظهار جوانب في الشخصية لم تظهرها الحركة أو الحوار، مما يعمق فكرة القارئ عنها، ولاستغلال لحظة انفجار عواطف الشخصية ينبغي عليك تصوير الضغوط التي تتعرض لها، وقدرتها على ضبط نفسها في مشاهد سابقة”.
مشاهد الحب والموت والقتال..
عن أكثر المشاهد تأثيرا في القارئ تقول “أهم ملاحظة تتعلق بمشاهد الحب، والموت، والقتال، هو جعل الشخصية تؤديها بشكل ينسجم مع الطباع التي أعطيتها إياها، وللحصول على التأثير الأقصى استعمل الفعل الجسدي بشكل تام في جميع المشاهد الانفعالية، لا بأس من استعمال الجمل التقليدية في مشاهد الحب لأنها تمثل ما يقوله الناس فعلا، ولكن ينبغي أن تقترن بكلام فردي أكثر ينبع من خصوصية الشخصية، وتعتبر مشاهد الحب أكثر تشويقا إن كان لدى العاشقين بالإضافة إلى الحب عواطف وهموم أخرى، فباستثناء المشاهد الإباحية يمكن لمشاهد الحب أن تكون مشوقة إن كنا نهتم للشخصيات التي تمارسه، ولجعلنا نهتم لها ركز على العواطف والتفاعلات التي أدت إلى مشهد الحب، ولكن المبالغة تفسد الأمر”.
وتضيف “من أفضل طرق الوصف هو أن ترينا مدى استعداد الشخصية للعراك، وبأية حدة، ومدى عدالة موقفها، ومدى استخدامها لجسدها، ومع من، وللثقافة دور في تحديد قوة الشجارات الجسدية واللفظية على السواء، لذا اهتم بهذا الأمر عند تحديد مدى عنف الشخصية، أما أفضل طريقة لكتابة مشاهد موت ناجحة هي الإيجاز، وتعتبر خطابات فراش الموت أكثر إقناعا إن أتت قصيرة وغير متكلفة”.
الإحباط..
تركز الكاتبة على الإحباط كانفعال تقول”يعتبر الإحباط من أفضل الوسائل لوصف الشخصيات، بالإضافة إلى دفع الحبكة قدما، وينبغي أن يكون تجاوب الشخصية مع الإحباط إضافة إلى قدرتها على تعديل هذا التجاوب منسجما مع بقية جوانب شخصيتها، وغالبا ما يقترن الإحباط بعواطف أخرى ويساهم إظهار هذه العواطف جميعها، في المشهد، في إضفاء المزيد من الإقناع والعمق على الرواية، وعلى الرغم من أن الشخصية نفسها قد تتجاوب مع الإحباط على نحو مختلف باختلاف الحالات، إلا أن جميع هذه الاستجابات ينبغي أن تكون متناغمة ومقنعة، تعتبر الاستجابات الجسدية طريقة فعالة لنقل الإحباط، انتبه بالتالي إلى استجابتك أنت واستعير منها عند الحاجة، ومن شأن الحوار والأفكار أن يوضحا سبب الإحباط إن تلاءم ذلك مع الشخصية، ويجب أن يكون حوار وأفكار الشخصية المحبطة غير مترابطين بعض الشيء، ولكن الوسيلة الرئيسية للتعبير عن الإحباط ليست الحوار ولا الأفكار بل الأفعال التي تدفع الرواية قدما”.
وجهة النظر..
أهم ما يرسم ملامح الرواية هي وجهة النظر تقول “نانسي””إن وجهة النظر هي عين وذهن الشخصية التي نعيش الرواية من خلالها، وتتمثل الخيارات المعتادة في ضمير المتكلم، وضمير الغائب المحدود أو المتعدد، ووجهة النظر كلية الوجود، وثمة وجهات نظر يندر استعمالها هي ضمير المخاطب، والرسائل كوسيلة لنقل وجهة النظر، ومن شأن البطل وشخصيات وجهات النظر أن يكونا متشابهين أو لا، لأن أية قصة يمكن أن تروى من وجهة نظر أي من الشخصيات، إذا تخيل روايتك من وجهات نظر مختلفة قبل أن تعتمد إحداها، وقلل عدد شخصيات وجهات النظر قدر الإمكان، بحيث تتمكن في الوقت نفسه من سرد القصة التي تريدها”.
وتواصل “يمتاز ضمير المتكلم بالفورية، واللغة الفردية، والتسلسل الداخلي، ولكن من سلبياته قلة المرونة، والانغلاق، وصعوبة التزام الكاتب بالموضوعية، ويمتاز ضمير الغائب بمرونة أكبر، وتسلسل خارجي وموضوعية غير أنه أقل فورية وفردية، كما تصعب الكتابة بوجهة النظر كلية الوجود، التي تنتقل بين أذهان شخصيات عديدة حسب رغبتها، وتتضمن تعليقات مباشرة من الكاتب، لأنها غير منطقية، واعلم أنه يمكن الجمع بين ضمير المتكلم أو الغائب من ناحية ووجهة النظر المستمدة من الرسائل من ناحية أخرى، لكن لا يمكن الجمع بين ضمير المتكلم وضمير الغائب في الرواية الواحدة”.
السرد بضمير المتكلم..
تقول الكاتبة “يعتبر ضمير المتكلم وجهة نظر مصطنعة لأن أحدا لا يعيد رواية قصص طويلة منتهية، أو مكتوبة بجمل فصيحة مع الحوار الكامل، وكأن الراوي لا يعرف ماذا سيحدث لاحقا، ولكن يمكنك تجاهل تكلف ضمير المتكلم، أو تستخدم راويا مزدوج السن، شاب ومتقدم في العمر، لرواية الأحداث، أو تحد من المقاطع التفسيرية أو حتى تحذفها، كما ينبغي كتابة الوصف والتفسير بضمير المتكلم، كما ترى الشخصية المعلومات وليس الكاتب، وهذه القاعدة إيجابية لأنها تساعد على الوصف، اكتب الحوار بأكمله مع ضمير المتكلم، وتكمن قوة ضمير المتكلم في صوت الراوي بالتالي اجعل الراوي يبرز شخصيته، ليس فيما يقوله فحسب، بل في كيفية قوله أيضا، واستعمل العبارات التي تضع مسافة بين القارئ والراوي مع ضمير المتكلم، حين تكون المسافة هي ما تهدف إليه، كما أنه من شأن الراوي غير الموثوق به مع ضمير المتكلم أن يضاعف الدراما، حين يكتشف القراء الفجوة بين ما يقوله الراوي وما تشير إليه أحداث الرواية، ويعتبر ضمير المتكلم المتعدد نادرا، نظرا لصعوبة العمل به إلا أنه ينجح أن كان الراوون متفاوتون كثيرا بالآراء واللغة”.
وجهة نظر ضمير الغائب..
وتبين “نانسي”أنه “يمكن لوجهة نظر ضمير الغائب أن تكون محدودة، داخل عقل شخصية واحدة، أو متعددة، داخل عقل شخصيتين أو أكثر، ومن شأن كل منها أن تتخذ شكل ضمير الغائب القريب جدا، أو البعيد أو المتوسط، يشتمل ضمير الغائب القريب على الفورية التي نجدها عند ضمير المتكلم بالإضافة إلى تمثل قوي للشخصية، وينجح ضمير الغائب البعيد أن كنت لا تريد للقارئ تمثل الشخصية، أو إن كنت ترغب بكتابة ملاحظات تفسيرية معقدة أو مركبة عنها، وهو يتطلب براعة نثرية أكثر، ويعتبر ضمير الغائب المتوسط البعد هو الأكثر مرونة بين جميع وجهات النظر، وينبغي على تغييرات المسافة بين الشخصية والقارئ أن تتم بسلاسة”.
وتؤكد “من شأن ضمير الغائب المتعدد أن يغطي خطوطا عدة في الرواية، وأن يفصل عددا أكبر من الشخصيات من الداخل، كما يعطينا روايات متضاربة للحدث نفسه على نحو يثير الاهتمام، ويتعين عليك إدخال جميع شخصيات وجهة النظر من البداية، على بعد كاف منا نحن القراء، لنكتسب إحساسا بكل شخصية منها، وبعد أن يتم إدخال جميع وجهات النظر خصص وجهة نظر لكل مشهد أو فصل على حدة، واختر بعناية وجهة النظر التي ستستعملها في ذروة الرواية، ذلك أن خيارك سيؤثر في مغزى الرواية ككل، كما يمكن تنظيم روايات وجهات النظر المتعددة من خلال وجهات النظر المتكررة بانتظام معين، والأقسام الزمنية، والمشاهد المتوازية، واستعمال التمهيد، والخاتمة، والفاصل”.
ربط الخيوط ببعضها والمتعة..
وأخيرا تنصح “نانسي كريس” الكاتب المبتدئ ب “يستمتع بعض المؤلفين بالكتابة على عكس بعضهم الآخر، فالقلق على الأداء غالبا ما يقضي على المتعة، ويمنع كثير من الناس من مباشرة العمل، يمكنك تخفيف القلق عبر تقسيم عملية الكتابة إلى أربع خطوات: أن تكون الشخصية، والكاتب، والقارئ، وأن تكون أخيرا الناقد، ويمكن الحصول على مساعدة خارجية في الخطوتين الأخيرتين، من قبل قراء أولين، ودروس كتابة، ومجموعات كتاب، ويمكن جعل الكتابة أكثر إمتاعا من خلال التدريب، والكتابة ببطء وانتظام، والمكافآت الصغيرة التي تشعها لنفسك عند انجاز العمل، ولكن أكبر مساعدة تقدمها لنفسك ككاتب، هي النظر إلى روايتك على أنها قصة الشخصيات لا قصتك أنت”.