22 سبتمبر، 2024 2:25 ص
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (14).. كالدويل : أحكي قصص الناس الذين عرفتهم

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (14).. كالدويل : أحكي قصص الناس الذين عرفتهم

خاص : كتبت – سماح عادل :

“أرسكين كالدويل” كاتب روائي أميركي.. ولد عام 1903 في كاويتا بولاية فرغينيا، اهتم بالكتابة عن وقائع الحياة الريفية لجنوب الولايات المتحدة، وعن الفقراء والكادحين.. قضى طفولته متنقلاً بين عدة أعمال متواضعة، منها: جامعاً للقطن، ونادلاً، وسائقاً، وحارساً ليلياً في حانة، وطباخاً.. تخرج من الجامعة وعمل بالصحافة ثم تفرغ تماماً ليكون كاتباً وأصبح روائياً شهيراً، سنعرض في هذه الحلقة من الملف كتابه (كيف أصبحت روائياً), ترجمة “أحمد عمر شاهين”، وهو يحكي فيه عن رحلته في الكتابة.

تعريف الرواية ..

يبدأ “كالدويل” في كتابه قائلاً: “تعريفي للقصة القصيرة أو الرواية أنها حكاية خيالية لها معنى، وهي مشوقة لدرجة تشد إليها انتباه القارئ، وجيدة بما يكفي لترك انطباع لا ينمحي من عقله، هناك ما يسمون قصاصين بالسليقة لكن العدد الأكبر من الروائيين يسعون، أما بالتدريب الشاق أو بالإرشادات الذكية، للوصول إلى خلق قصة تتصف بالكمال ويمكنها أن تجذب انتباه الآخرين”.

بداية الكتابة..

يقول “كالدويل”: “كتابة القصة القصيرة والرواية ليس بالشيء الهين الذي يمكنني القيام به بسهولة ولطف، إن الكتابة ترهقني وتصيبني بالمرض، إن العمل الجسدي المرافق لعملية الكتابة هو وضع مخالف للطبيعة البشرية، فهو يعني الجلوس مقيداً معتل المزاج، طوال النهار أو الليل، وراء مكتب أو آلة كاتبة، كما يعني أيضاً محاولة خلق أناس كالأحياء، إنه يعني الكفاح لوضع كلمات على الورق تحمل روح الحياة وإحساسها المراوغ، ومحاولة لا نهائية للوصول إلى المعاني المحددة وظلالها، حينما أصبحت في الثانية والعشرين تحققت أني أود أن أكون كاتب أكثر من أي شيء آخر في العالم، وصممت أن أشق طريقي ككاتب، والهدف الأول الذي وضعته أمامي أن أصبح قصاصاً مقروءاً خلال السنوات العشر التالية، عرفت كيف أريد أن أكتب ؟.. وماذا أريد أن أكتب ؟.. أردت أن أكتب عن الناس الذين أعرفهم كما يعيشون في الواقع”.

التفرغ للكتابة..

يشير الكاتب الأميركي إلى مغامرة التفرغ للكتابة: “في منتصف 1926 تركت العمل بالصحافة، عملت في الجريدة لمدة عام، كتبت حوالي أربعين أو خمسين قصة قصيرة لم تنشر واحدة منها، كان تركي لعملي بهدف تكريس كل وقتي لكتابة القصص والراويات، وقررت أن تكون الخمس سنوات القادمة لتحقيق طموحي، مع التحفظ على أنه قد أحتاج خمس سنوات قادمة أخرى إذا كان ذلك ضرورياً، انتقلت لولاية أخرى، كنت أعمل من 10: 12 ساعة يومياً، أكتب قصة وراء قصة بتصميم قوي، بغض النظر عن الوقت والإرهاق، عشت لأسابيع في كوخ مكون من غرفة واحدة، في الغابات في كارولينا الجنوبية، أكتب من 16: 18 ساعة، كتبت عشرات من القصص القصيرة خلال اثني عشر شهراً، كنت أشعر أني أتحسن أو أن القصص أضحت جذابة أكثر للقراء، أصبحت متمكناً في تشكيل الأحداث الخيالية في نوع من القصص تعطي التأثير الذي أردت أن أحس به كقارئ، حاولت أن أكتب وفي ذهني أني سأكون القارئ الوحيد للقصة، معتقداً أن الكاتب نفسه لابد أن يسر من العمل قبل أن يفعل ذلك الآخرون”.

طريقة الكتابة..

يواصل عن تفاصيل كتابته في المرحلة الأولى: “كنت افتقد الثقة في مقدرتي على تحليل أعمالي القصصية كناقد وأن أحكامي لا يوثق بها، لذا سعيت إلى تكثيف المشاعر في القصة موازناً بين تأثيرها العاطفي وتوازنها الداخلي، وإذا أعجبتني القصة، بغض النظر عن مطابقتها لطريقة القص التقليدي، كنت اقتنع تماماً بالنتيجة، وأملت أن الوقت سيأتي حين يقبل الآخرون، بما فيهم الناشرون، وبالنسبة لي كان من المهم اعتقادي بأن مضمون القصة ذو أهمية قصوى لبقاء التأثير فيها، أكثر من الأسلوب الذي كتبت به، فالمضمون هو المادة الأساسية للخيال، للأشياء التي يتحدث عنها الكاتب في الحياة، آمال وأفكار الرجال والنساء في كل مكان، واقعية الشخصيات الخيالية التي لم تعش أبداً على الأرض والتي تعطي القارئ الوهم بأنها حقيقية، أنا لا أكتب عن أناس حقيقيين إذاً، ولكن عن أفعال ورغبات ناس متخيلين الذين إذا صوروا في قصة ناجحة أو رواية بدرجة مقنعة لبدو أكثر واقعية من الناس الواقعيين بالفعل”.

وعن شخصياته يقول: “وطبيعي أن كل الشخصيات الخيالية لدرجة ما مخلوقة من ذكريات وملاحظات عن أشخاص أحياء، خبرهم المؤلف وإلا لما شابهت الأحياء إلا بدرجة قليلة، وجاهدت في طريقة كتابتي أن آخذ مباشرة من الحياة تلك الصفات والنعوت في الرجال والنساء، التي تنتج عند سرد النموذج الفعلي للشخصية التي أريد خلقها، تحت الظروف التي أريدها، ودائماً تكون الشخصية الخيالية شخصية مركبة ونادراً ما تكون غير ذلك”.

النشر بعد معاناة..

عن معاناته في رفض نشر قصصه, يقول: “وكان هناك دائماً شيء ما يمنع نشر القصة، أما لأنها طويلة أكثر من اللازم، أو مختصرة، أو مكتوبة بطريقة مبتذلة أو منافية لذوق قراء تلك المجلة المعينة، أو واقعية أكثر من اللازم، في أول سنة 1929 وبعد أكثر من ست سنوات من بداية كتابتي للقصص، وأنا طالب في جامعة فيرغينا، تسلمت رسالة من مجلة وافقوا على نشر قصة لي، كان عنوان القصة (عاطفة منتصف صيف) وأحسست أن خيبة الأمل المتراكمة لعدة سنوات قد مسحت فجأة من الذاكرة، وبدأت أرسل إلى المجلات مجموعات من ست أو سبع قصص في المرة الواحدة، وخلال الستة أشهر التالية وافقت عدة مجلات على نشر عدد منها، ورغم أني حققت هدفاً غنياً إلا أن هذه المجلات لم تكن واسعة الانتشار تجارياً ولا يزال المشوار طويل”.

رغبة كتابة رواية.. 

عن أول رواية يحكي: “بدا واضحاً لي عدم اقتناعي بالتقدم الذي أحرزه، حيث كان سينشر لي مجموعة قصصية، وقبلها نشرت بعض القصص في المجلات الأدبية الأكاديمية، وبدأت أدرك بالتدريج أني لن اقتنع بعمل من أعمالي إلا إذا كتبت رواية طويلة، بل وأكثر من ذلك أن تدور هذه الرواية بالضرورة حول الفلاحين المستأجرين للأرض، والذين عرفتهم أثناء مراهقتي وعيشي في بيت والدي، أردت أن أحكي قصة الناس الذين عرفتهم وطريقة الحياة التي يعيشونها بالفعل، أحكيها بغض النظر عن موضات الكتابة، أو الحبكات التقليدية، وبدا لي أن الأكثر أصالة والمادة الأساسية للخيال هم الناس أنفسهم، وليست الحبكات المصطنعة أو المضادة التي تعالج ببراعة أقوال وأفعال الإنسان، ذهبت إلى تلك المزارع في ظل أزمة اقتصادية كانت قد بدأت، وفي المساء كنت أكتب ما أراه في النهار، لكن في كل ما كتبت لم أنجح في التعبير عن المعنى الكامل لما رأيته من الفقر واليأس والإحباط، مزقت كل ما كتبته أثناء مكوثي في مزارع الفلاحين، كنت قد قررت عنوان الرواية وأنا أركب الباص، ولم يكن هناك عنوان مناسب لها أكثر من (طريق التبغ) وهو اصطلاح استخدم أصلاً للطرق التي هيأتها براميل التبغ عبر سلسلة التلال في مزارع شرق جورجيا على نهر سافانا”.

ويضيف: “لم يكن في ذهني أدنى شك عن النتيجة التي ستؤول إليها الرواية، منذ بدأت حتى انتهيت من المسودة الأولى بعد ثلاثة أشهر، كانت عادتي اليومية أن انهض قبل الظهر وأتناول إفطار من الخبز والجبن، وأبدأ الكتابة، كانت الرواية حية في ذهني حتى أني لم أجد الوقت لقراءة ما كتبته في اليوم السابق، واعتدت أن أتوقف عن الكتابة ساعة قرب المساء لأتجول قليلاً في الشوارع، ثم أعود لاستئناف الكتابة حتى الثالثة أو الرابعة صباحاً، وحين أنهي فصلاً أراجعه حتى اقتنع به، ثم أبدأ الفصل الثاني، لم أشعر بالوحدة خلال تلك الفترة من أوائل سنة 1931 وربما لان العمل الذي أكتبه استغرقني تماماً، حتى أني كنت أتراجع عن مكالمة أو الذهاب لناشري”.

الاستياء من النقد..

يحكي “كالدويل” رد فعله عن أول نقد له: “أنهيت المسودة الأولى من (طريق التبغ) في 200 صفحة وصدرت مجموعتي القصصية الأولى، بدأت العمل بكتابة المسودة الثانية لرواية (طريق التبغ) بعد تجربة قراءتي لنقد مجموعتي القصصية اللاذع بفهم أكبر لما أريد أن أحققه، كنت حتى وقت قصير جزعاً من استقبال النقاد لكتابي، معتقداً بغباء أن نجاح الكاتب يتوقف بدرجة كبيرة على مقدرته في كسب ود هؤلاء “كتاب النقد”، ولم يعد لدي الآن هذا التصور وتعلمت درساً أن واجب الكاتب والتزامه يجب أن يكون أمام نفسه وأمام قارئه، وأن عليه تكريس جهده نحوهما، وعلى النقاد أن يبحثوا عن مكان آخر لممارسة هوايتهم في جلد الكتاب، فالقراء الوحيدون الذين لهم الحكم النهائي على كتبي”.

طريق التبغ..

يواصل الحكي عن روايته الأولى: “لم أكتب أية قصة قصيرة مخصصاً ثماني أشهر للعمل في الرواية، بعد إرسال المخطوطة إلى الناشر وفي أقل من أسبوعين وصلتني رسالة أنها قبلت، استمرت تجربة كتابتي لرواية (طريق التبغ) تحتل عقلي، فعزمت على أن أطوع نفسي لكتابة الرواية التالية عن الحياة في مكان غير الجنوب، لم تكن (طريق التبغ) قد نشرت بعد لكني كنت متشبعاً بها لدرجة أني كنت خائفاً من أن أية كتابة عن الجنوب ستكون أقل قوة، صدرت رواية طريق التبغ ووصلت مجمل مبيعاتها بضعة آلاف نسخة”.

رفض الرواية الثانية..

يواصل “كالدويل” السرد عن كفاحه في الكتابة: “ورفضت مخطوطة الرواية الثانية من الناشر وكان هذا أول رفض يواجهني منذ فترة طويلة، واقتناعي الزائد بما كتبت جعلني غير مستعد لذلك الرفض، في البداية سيطر علي الإحباط والتعاسة حتى أني فكرت جدياً في ترك الكتابة والبحث عن مجال آخر أعيش منه، ثم سعيت للبحث عن ناشر آخر لنشر روايتي الثانية، وحزنت على تركي ناشري الأول، وسألت نفسي هل أرغب في طبع الرواية ؟.. لقد قمت بكتابتها في محاولة لتصفية ذهني من تجربة كتابة (طريق التبغ) وقد أدت الغرض، ورفضت الرواية من الناشر الآخر لكني لم أحزن، واستأنفت كتابة الروايات”.

شغف الكتابة..

عن شغفه بالكتابة, يقول: “وكما أحببت طريقتي في كتابة كل  كتاب ناجح في مكان مختلف أحببت أن أجرب كل مرة طريقة مختلفة في الكتابة، كنت دائماً أكتب مسودتين أو أكثر من كل رواية أو قصة طويلة، بينما أعيد كتابة ومراجعة قصصي القصيرة مرات عدة، حين أسأل لماذا أكتب القصص, كنت أقول أني أحب الكتابة، وحين أسأل عن تفسير أو شرح لمعنى قصة أو رواية كنت أقول أنها تعني ما قالته للقارئ، ليس لدي حقائق فلسفية أعلنها ولا قضية أبشر بها لتغيير مجرى التاريخ، كل ما أردت عمله ببساطة أن أصف على قدر استطاعتي آمال وآلام الناس الذين أكتب عنهم، وإذا كان هناك دروس داخلها فكل قارئ حر في أن يفسرها كما يشاء حسب وعيه”.

النصائح بشأن الكتابة..

يعترف “كالدويل” بأنه لا يعرف كيف يسدي نصائح للكتاب الناشئين بشأن الكتابة، يقول: “حين يعلن شخص ما أن لديه الطموح ليصبح كاتباً ويأتي إلى مؤلف ليسدي إليه نصيحة، فهناك عدة أسئلة يتوقع المرء أن يسمعها، السؤالان اللذان ترددا دوماً كتابة أو شفاهة بالنسبة لي، كيف تكتب قصة ؟.. وكيف تستطيع أن تنشر قصة ؟.. بعد كل هذه السنين لا أعرف كيف أجيب على هذين السؤالين بدرجة تقنع القراء محبي الاستطلاع والكتاب الناشئين، من الواضح أن معظمهم يعتقد أني أخفى سراً لأن قليل منهم يقتنعون بإجابتي، والإجابة التي أرددها دوماً أنه من خلال تجربتي فإن أفضل طريقة لتعلم الكتابة هي الكتابة نفسها، وأن أفضل طريقة لنشر قصة هي إرسالها إلى المجلات، حتى تجد محرراً يكون مستعداً لنشرها، وربما يرجع السبب في أني غير قادر على إعطاء إرشادات واضحة، تمكن أي واحد أن يصبح كاتباً ناجحاً، أني اعتقد أن الكتابة الخلاقة تحركها حالة ذهنية معينة، وأن أولئك فقط الذين ولودوا بهذه الموهبة، ويسعون بجهد متواصل ليعبروا عن أنفسهم كتابة، يمكن أن يحققوا النجاح الذي يريدون، هذه الحالة الذهنية كما أسميتها هي “رغبة لا إرادية” تسعى إلى تحقيق ذاتها بأي ثمن، قوة هذه الحالة الذهنية هي التي تحث المرء وتدفعه للمدى الذي هو على استعداد للوصول إليه، لتحقيق هدفه الواعي أو غير الواعي في الحياة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة