8 أبريل، 2024 12:58 ص
Search
Close this search box.

“أروى صالح” .. اتخذت من موتها وسيلة لمواجهة “المبتسرين” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – سماح عادل :

“أروى صالح” كاتبة ومترجمة مصرية.. انتمت للحركة الطلابية في سبعينيات القرن الماضي، تلك التي تأثرت بحركة الطلاب في فرنسا في الستينيات، كما يرجعها بعض المحللين الآن، وكانت هذه الحركة مصدر إزعاج كبير للرئيس “السادات”، حيث أنها كانت تضغط عليه للتعجيل بالحرب لاسترداد الأرض.. تخرجت “أروى” في كلية آداب جامعة القاهرة، وقدمت كتابات في عدد من الصحف والمجلات الشهيرة.. وانتحرت يوم 7 حزيران/يونيو 1997، فقد ألقت بنفسها من الطابق العاشر.

ترجمت “أروى صالح” كتاب للكاتب الإنكليزي “توني كليف”، هو (نقد الحركة النسوانية).. ذلك الكتاب الذي لا زال يستخدم كمصدر هام لنقد الحركة النسوية الغربية، بعد تحليل جذورها وأسباب نموها وانتشارها في “أميركا، وبريطانيا، وفرنسا”، والدول الأوربية الأخرى, وصدر هذا الكتاب عن سلسلة “كتاب الأهالي”.. كما كتبت بضع دراسات نقدية عن الروائي “صنع الله إبراهيم”، وقامت بكتابة ترجمات شعرية للشاعر الألماني “ريلكه”، وبعض ترجمات أخرى نشرتها في مجلة “القاهرة”، وأصدرت “أروى” كتاب (المبتسرون), انتقدت فيه جيل السبعينيات من اليسار المصري والذي عرف بـ”جيل الحركة الطلابية”.. وقد تلقت نقداً لاذعاً وهجوماً شرساً بسبب انتقادها لجيل السبعينيات ذلك الجيل الذي انتمت له.. وبعد وفاتها صدر كتاب (سرطان الروح) عن دار النهر في 1998، وضم أعمالها غير المنشورة، فقد جمع أصدقائها بعض مما كتبته في ذلك الكتاب.

المبتسرون..

قدمت “أروى” في هذا الكتاب تحليلاً عميقاً لجيل السبعينيات، مما أثار ضجة أول ظهوره, ذلك لأن مسودة الكتاب كانت تحمل أسماء كاملة، لكن أصدقاء “أروى” المقربين نصحوها بأن تحذف الأسماء والوقائع وتحذف جزء من الكتاب، واستمعت لنصيحتهم لأنها لم تكن تهدف إلى فضح الرفاق ولكن إلى تحليل أسباب سقوط المثقف اليساري في ذلك الوقت.. مقدمة تحليلاً ناضجاً للظروف التاريخية الاجتماعية الاقتصادية السياسية التي مسخت جيل السبعينيات ومن قبله جيل الستينيات.. والتي في رأيي حكمت مسار باقي أجيال المثقفين اليساريين فكان وصف “المبتسرون” أدق وصف لهم.

وصفت “أروى” في كتابها مثقف الستينيات بأنه “مثقف عدمي ذلك الذي حددت له سلطة عبد الناصر دوره، بعد اعتقاله فترة من الزمن، حيث اكتسحه انتصار عبد الناصر الذي صنع من مفارقة وجود الإتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، والذي وطد أقدام برجوازيات العالم الثالث، فالمثقف الستيني لم يكره نظام عبد الناصر كليةً بل انتمى جزء منه إلى هذا النظام واغترب عن الجميع وكانت له عدة وجوه”.

المثقف السبعيني..

أما المثقف السبعيني, كما أوضحت “أروى”, في كتابها: “فقد توهم أنه بدأ مع الشعب رحلة الاستقلال عن نظام عبد الناصر لكن الجماهير لم تفقد الثقة بالنظام كما فقدها هو, نتيجة اتصاله بمن سبقوه من المثقفين، فقد كان الشعب متوحداً مع النظام حول قضية الوطن ولم يكن يعي بفكرة الطبقات نتيجة الوعي الزائف الذي كرسته سلطة عبد الناصر”.

كياناً هلامياً..

وصفت “أروى” في كتاب (المبتسرون) الحركة الطلابية بأنها: “كانت كياناً هلامياً بقدر ما كانت تواجه واقعاً غير واضح المعالم، كانت هذه الحركة تخرج من طبقة هلامية لا استقلال لها تلائم هذا الوضع هي البرجوازية الصغيرة “الطلابية”، التي كانت تنتمي بوجدانها وبكثير من مميزاتها إلى نظام عبد الناصر وعلى رأسها مجانية التعليم، كما أن الطلبة كانوا أمام طبقة تأخذ مجتمعاً بأسره وتهوي بكل الثقل الذي اكتسبته في تاريخ طويل من الانفراد بالسلطة، كان لابد أن يهوي المجتمع بأسره لأنه لم تكن له أقدام مستقلة تحمي توازنه”.

وتضيف “أروى”: أن “الحركة الطلابية تبخرت ووجد زعماؤها أنفسهم في العراء ليذوقوا نفس المهانة التي طالما تجرعها جيل الستينيات حيث أصبحوا هم أيضاً زعماء بلا جمهور، وعرفوا معنى الترهل واليأس، وحتى الخيانة للفكر الماركسي إلى أعفن ما خرج من معطف البرجوازية في زمن انحطاطها”.

بقايا زمن..

عن مصائر جيل الحركة الطلابية تقول: “أما السبعينيون فقد صاروا بقايا من زمن لم تصقلهم فيه تجربة، زمن لم يكادوا يتعرفون عليه وأصبحوا الجمهور المناسب لقادة الستينيات يلاعبونهم لعبة الطليعة على الطريقة الستالينية فقد صنع التقاء هؤلاء الشبان، عديمي الخبرة الذين ظنوا أنفسهم قادة الشعب، بالقادة الماركسيين من زمن عبد الناصر مهزلة تركت في ضحاياها شعوراً بالخزي والمرارة،  قضي على كثيرين حتى لم يعودوا يصلحون لشيء، وانقسم جيل الحركة الطلابية إلى فرقاً أقصى اليسار ويمين اليسار وما بينهما، تتبادل الكراهية والاتهامات ليس بينهما عداوة حقيقية لأنها انقسامات لا تعبر عن واقع خارجها، فهي وليدة عالم مغلق ليساريين محاصرين في ظروف هزيمة، وقد ورث الجيل الجديد تلك القدرة المقيتة على النقاش بلا نهاية دون فعل لفرط انتفاخ الذات الناتج عن العجز”.

وتواصل في وصف هذا الجيل: “مجاميع من الشبان تعيش حياة الملاحقين وتضحي بصنع مستقبل شخصي ومواهب لتغرق في حياة موازية بديلة عن المجتمع، الاغتراب هو كلمة السر فيها، يقرأون كتباً ثورية أحدث ما وصلهم منها يرجع للقرن الماضي لذلك حين خرجوا للحياة كان الحطام بالجملة، وكان صعباً على كثيرين أن يبلغوا صلحاً مع النفس فلجأ البعض إلى أيسر الطرق لاستعادة توازنه (الارتداد)، ومن لم يتخلص من إدمان الأهمية خلق علاقات جديدة من نوع مختلف مع مؤسسات العمل المدني الدولية التي نهب من ورائها الكثير”.

المرأة واليساري..

عن علاقة اليساري بالمرأة تقول “أروى صالح” في كتابها: “جلبت الحركة الطلابية كثير من الفتيات إلى النشاط السياسي الجماهيري، وهي ظاهرة لم تعرفها الأجيال السابقة من اليساريين، ولأول مرة في تاريخ اليسار تظهر إمكانية لتخطي الفصام الذي حكم علاقة اليساريين من الأجيال السابقة بالمرأة، والذي اتخذ أسوأ أشكاله عند جيل الستينيات خاصة، فقد اعتنق هؤلاء مبادئ جديدة حول المرأة ولكنهم كانوا يتحركون في وسط تقليدي تماماً، حيث اكتفى نظام عبد الناصر بدعاية رزينة حول دخول المرأة مجال العمل في إطار حلم الصعود الطبقي، إنه وسط يحكم هوية المرأة ويحددها حسب وظيفتها الجنسية في علاقتها بالرجل، فهي إما آنسة أو سيدة أو مطلقة أو أرملة عدا ذلك فهي عاهرة”.

وتكمل: “استقبل هؤلاء اليساريون تجاربهم مع المرأة بنفسية الوسط التقليدي الذي صنعهم، لا بمبادئهم، فكانت تجاربهم خرقاً لمحظورات قديمة لا اختيار حر لأخلاقيات جديدة، ومن ثم انتهت تجاربهم المفصولة عن مبادئهم، بل التي تعقدت بها، إما إلى زواج تقليدي أو إلى تجارب في الانحلال تتجاوز مرضيتها ولا أخلاقيتها كل حد أو إلى الجمع بينهما”.

وتستمر “أروى” في جرأتها تتناول تناقض اليساري تجاه المرأة، ومن خلال معايشتها لهؤلاء المثقفين تقول: “أن المثقف في سلوكه مع المرأة يكون برجوازياً كبيراً أي داعر، ويفكر ويشعر بها كبرجوازي صغير أي محافظ مفرط في المحافظة، يضيف إلى ذلك أداة اكتسبها من سياحته بين الطبقات وهي الاحتيال ويجمع إليها أخلاق البروليتاريا الرثة، إن علاقة المثقف المصري بالمرأة لعبة خارج القانون البرجوازي (البيع والشراء) فيصلها الوحيد هو النجاح، لعبة نصب في الواقع”.

وتقول عن المرأة في تقاطعها مع ذلك اليساري: “أن الفتاة التي تواعد مثقفاً لا تمني نفسها بنزهة فاخرة، إنما تتوجه إلى مقهى كئيب يسقيها فيها شاياً مغلياً مراً ويبيعها أحلاماً تقدمية لا تكلفه سوى أرخص بضاعته.. الكلام.. كلام لم يعد يعرف هو نفسه أين استقر موقعه الأخير من روحه، وتتطلع هذه الفتاة البرجوازية الصغيرة إلى عدالة, حيث تحاصرها كل صنوف القهر وأحيانا المهانة.. أو تكون فتاة برجوازية تجرب التمرد، ويتكلم المثقف عن أشياء كثيرة أهمها الحب الحر الذي لا يحتاج أموالاً لممارسته ولا مسؤوليات، لذلك يندفع فيه المثقف بثبات يعوزه أحياناً في مواقف لا تقل أهمية.. ولكن المسؤولية الشخصية كما يتضح في آخر القصة، القصيرة غالباً، يتحملها طرف واحد هو المرأة، فتدينها بيقين جلسات المثقفين الخاصة لتحولها في أحكامهم إلى (عاهرة)، أما مسؤوليته هو تتمخض في النهاية عن إنجاز آخر لفحولته، فيتيه برجولته، إنه رومانسي حين يحلم بالمرأة كما أنها تتجلى أحياناً في أعماله الأدبية آلهة صغيرة تمسح الجراح وتعوض عن الهزائم والخيبات وتحتضن وتعطي الأمان المفقود، فضلاً عن أنها جميلة رغم ذلك، هي في واقعهم أما عاهرة أو امرأة خرقاء”.

وتقول أروى في قصيدة (سرطان الروح) المنثورة:

“والمحبون يموتون

لا شهداء للعشق

بل باسفكسيا الخنق

فحتى فعل الحب أضحى فعل قتل

مص دماء

حتى الأبرياء يقتلون

حتى الطيبون

ففي زمن ينكر الشعور

يملأ الإنسان الفراغ الناجم بالسطوة والقهر

وحينئذ بحجم الرأس المقطوع

تقاس قوة الجلاد

لذلك انسد الأفق

بتلال الجماجم

والفتاة الأكثر عمقاً

تشبثت برجل أكثر ضحالة

لأنه يعرف كيف يطفو

وهو إذ عرف موطن خوفها

أخفى ضعفه

كي لا تلتهمه هي

وبفريق التواطؤ

سد كل المنافذ حيويتها، قوتها

أما هي فإذا غدرت بماضيها

سمحت له أن ينتقم لضعفه

من قوتها ونيابة عن الجميع

ومن بعد النهاية السعيدة

راح يتملكها ويملها

حتى النهاية

لن يبقى لك شيء لتسليمه بعد

أيتها الصغيرة التي كانت يوماً

رائعة”.

وسط مرايا..

يقول عنها الشاعر “مهاب نصر”, زوجها السابق: ” كانت تتحدث عن دوستويفسكي باعتباره الأب، وكانت تتساءل بحساسية حقيقية ربما تصل إلى حد الإدانة: كيف استطاع أن يحتمل كل هذا القبح ؟.. كيف استطاع أن يكتبه ؟.. كانت تتساءل أيضاً لماذا لم تستطع أن تكتب رواية رغم رصيدها الوافر من الحكايات، ولم أفهم إلا بعد ذلك أن هذا كان طبيعياً جداً، فقد كانت هي نفسها شخصية روائية، أرادت ذلك دون وعي، وأصبحت تعيش بين دفتي كتاب صنعته بنفسها. كانت ثورة تدور في يأس وسط المرايا، ومثل كل الحالمين أرادت أن تلغي الوسيط المعذب، تحطم الديكور وتعيد بناءه دون أن تلتفت إلى مصدره الجوهري، إلى جنون إلغاء الوسيط وجنون الاعتراف به كصورة للذات، هكذا ألقت بنفسها في إحدى هذه المرايا لتنهي عذاب الوساطة”.

تقول الكاتبة “د. نوال السعداوي” إنه قبل انتحار “أروى”: “جاءني صوتها عبر التليفون: موتي سلاحي الأخير ضد المبتسرين وناقصي التكوين”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب