خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “مائة حاسة سرية” للكاتبة الصينية الأمريكية “آمي تان” من ترجمة الروائي الأردني “عاصف الخالدي”، تحكي عن الاغتراب والحنين إلى الوطن الأول الذي يحمله المغترب داخله بكل تفاصيله.
الشخصيات..
أوليفيا: البطلة، تتبعها الرواية منذ طفولتها، وهي فتاة نصف صينية نصف أمريكية، تعيش معها أختها الشابة التي أتت من الصين بناء على وصية والدها الذي توفى وهي في سن صغيرة، ورغم خجلها من أختها الصينية ومن اختلاف طباعها، إلا أنها تتصالح مع اختلافها في النهاية بعد أن تختفي.
كوان: فتاة صينية كانت تعيش في قرية فقيرة في الصين، بعد وفاة أمها وهجرة أبيها إلى أمريكا، ثم أرسلوها إلى أمريكا لتعيش حياة مختلفة تماما عن التي عاشتها طوال 18 عاما، ونتيجة لذلك الاختلاف تودع مستشفى الأمراض النفسية، بسبب أنها ترى الأشباح ثم تخفي ذلك لتعيش حياة طبيعية في أمريكا، وتعمل وتتزوج لكنها تظل على حنينها لبلدها.
الرواية فيها شخصيات أخرى.تناولتها الكاتبة باهتمام أقل.
الراوي..
الراوي هو البطلة “أوليفيا” التي تحكي بضمير المتكلم عن نفسها وعن أختها “كوان”، وعن زوجها “سيمون” وعلاقتها به والتي أوشكت على الفشل، وحكت عن رحلتها إلى الصين.
السرد..
الرواية محكمة البناء، تعود في الماضي ثم تنتقل إلى الوقت الحاضر، والأحداث فيه هادئة، تركز الكاتبة على التعمق في شخصية “كوان” التي كانت محور الرواية وعلى حياتها. تقع الرواية في حوالي 490 صفحة من القطع المتوسط.
بؤس الصين والحنين لوطن مهجور
الرواية تحكي عن “كوان” الفتاة الصينية التي ذهبت إلى أمريكا وهي مراهقة، وكيف حدثت لها صدمة التعامل مع مجتمع مختلف تماما عن مجتمعها البسيط والفقير الذي عاشت فيه، حيث تنقلت إلى أمريكا في الستينات. وكيف كان الناس يعاملونها بسخرية واستهزاء نتيجة عدم معرفتها بلغتهم الانجليزية، ونتيجة سلوكها الحميمي تجاه الناس، واختلاف ثقافتها تماما عن الثقافة الأمريكية.
حتى أن أختها “أوليفيا”، التي كانت في عمر السادسة في ذلك الوقت، كانت تخجل منها ومن معايرة الناس لها، كما أن “كوان” لم تعان فقط من اختلاف الثقافة والمجتمع، ولكن هي أيضا كانت مختلفة حيث كان ترى الأشباح، فيما أسمته ناس “عالم ين”، وكانت تستطيع أن تعرف الحيوات التي عاشتها قبل حياتها تلك، من منطلق معتقداتها بتناسخ الأرواح، وكانت “أوليفيا” لا تعبأ بكل ما تحكيه لها وتعده أمورا مزعجة وغير مهمة، ودوما كانت تقابل حميمية “كوان” واقترابها بفتور وانزعاج.
وقد استطاعت “كوان” أن تعمل وتتزوج وتندمج على قدر ما تستطيع مع المجتمع الأمريكي، مقتربة من أختها “أوليفيا” ومستخدمة الانجليزية بطريقتها الخاصة، حتى وصلت إلى سن الخمسين. إلى أن لاحت فرصة للذهاب إلى الصين حيث تعمل أختها “أوليفيا” مصورة محترفة وزوجها “سيمون” محررا للمقالات وسعيا إلى عمل رحلة إلى الصين، وأصرت “كوان” على الذهاب معهما لتكتشف “أوليفيا” البطلة والراوية الاختلاف الكبير بين الصين وبين أمريكا.
فالمكان الذي تعيش فيه “كوان” في الصين فقير جدا، والناس لا يجدون أية خدمات لا كهرباء ولا تليفون، والفقر شديد لكن الحياة بسيطة يعيشها الناس في سلام. ويتطلع بعضهم إلى السفر إلى أمريكا والتمتع بالرفاهية. تحدث الحوادث على الطرق بشكل دوري، ويتقبل الناس فقرهم وحياتهم البسيطة.
تعجبت “أوليفيا” من اختلاف الصين حضاريا عن أمريكا، لكنها وجدت السلام النفسي هناك، بعد أن اقتربت من “كوان” وصدقت كل ما كانت تقوله عن “عالم ين” والأشباح، وتواصل الأرواح، رغم تنقلها بين الحيوات.
الرواية ترصد الصين ليس فقط في وقت كتابة الرواية، وإنما في القرن التاسع عشر، وقت أن وقعت الحرب الأهلية واندفع الأمريكان والانجليز إلى استعمار الصين واستغلال كنوزها ومواردها، مدعين أنهم يبشرون بالدين المسيحي، ونقلت مدى الوحشية والانتهازية التي تعامل بها المستعمرون، والعنصرية والاحتقار الذي تعاملوا به مع أهل البلد، وقيام مجازر في ذلك الوقت في الصين راح فيها آلاف من الضحايا، حتى أن ألوان الأنهار قد تحولت إلى اللون الأحمر، ولا أحد يذكر تلك المذابح الكثيرة التي حدثت في تاريخ الصين.
كما انتقدت النظام الشيوعي الذي كان يوجه الصينيين ويقمعهم ويجبرهم على تغيير أفكارهم وسلوكياتهم، ورغم أنه نظام شيوعي إلا إنه لم يوفر الرفاهية للصينيين، وظل الفقر قابعا في الصين سنوات طوال بعد الحكم الشيوعي.
كما انتقدت الرواية أمريكا، ذلك الحلم الوردي الذي يحلمه الفقراء في بلدان العالم المنهوب، وكيف يحلمون بالهجرة إليها والغنى والرفاهية، لتؤكد أن الأمريكان وباقي الجنسيات الذين يعيشون في أمريكا ليسوا مرتاحين ولا يعيشون في رفاهية كما يتوهمون، فالضرائب تثقل كاهل الأمريكيين والأعمال تكفيهم بالكاد ليعيشوا حياة عادية.
وأهم ما يميز الرواية أنها وبشكل غير مباشر صورت مدى الاغتراب الذي يعيشه الناس من الجنسيات المختلفة في أمريكا، ذلك البلد العنصري، وخاصة من بلدان أسيا، وكيف يعاملهم الأمريكان باستخفاف وسخرية ويظل وطنهم الأول ساكنا داخلهم كجنة مهجورة.
ورغم ذلك لم تكن الرواية سلبية، بل قدمت أفكارا إيجابية حول حرية الروح في التنقل بين العصور والحيوات، وتعويض المعاناة والحصول على فرص ثانية لمقابلة الحبيب، أو للعيش بشكل أفضل، أو للإيفاء بالوعود، أو استئناف علاقات الصداقة القوية.
الكاتبة..
“آمي تان” كاتِبة، وروائية، ومقالاتية، وكاتبة سيناريو، وكاتبة للأطفال أمريكية، ولدت في أوكلاند في كاليفورنيا عام 1952، من أبوين صينيين مهاجرين، وقد تميزت أعمالها بالغوص في التفاصيل اليومية للمهاجرين ومعاناتهم، وروايتها “الأحاسيس السرية المئة”، نالت عنها جائزة “الكومنوولث” الذهبية. وحصلت الرواية أيضاً على جائزة “أفضل الكتب مبيعًا” مع النيويورك تايمز، فور صدورها بالإنجليزية عام 1995.