إعداد/ شادي علاء الدين
خلقت الضربة الأميركية لمطار الشعيرات السوري شبكة واسعة من ردود الأفعال. وبدا المناخ العربي والأوروبي عموما ميّالا إلى تأييدها في حين أدانتها كل من روسيا وإيران. ونظر إليها البعض بوصفها الإعلان الرسمي عن مرحلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الميالة إلى الحسم ورأى فيها فاتحة لسياق يهدف إلى اقتلاع النفوذ الإيراني من سوريا والمنطقة وإسقاط نظام الأسد بينما ساد التحفظ في أوساط أخرى حرصت على وضع الضربة في إطار ضيق محدود.
الوضع تعقد
لا يخرج لبنان عن دائرة التأثير المتوقع أن يسببه التصعيد الذي رافق الضربة الأميركية لمطار الشعيرات السوري وخصوصا أن التحليلات تميل إلى اعتبار أنها أعادت تمكين حلف إيران مع روسيا وأعاقت إلى حدّ ما نضوج أجواء التسويات التي كانت تميل إلى إعادة تأهيل الأسد في إطار خطة تعطي الأولوية لضرورات المواجهة.
وبرز تناقض لبناني واضح في التعامل مع موضوع الضربة. وفي حين ساد الهرج والمرج في وسط جماهير الأحزاب والتيارات السياسية على صفحات التواصل الاجتماعي فقد ساد الصمت والتجاهل في أوساط السياسيين وبقيت الملفات اللبنانية الداخلية العالقة مثل ملفات النفط والكهرباء وقانون الانتخاب ومشاكل الموازنة والسلسة مسيطرة على جلسة مساءلة الحكومة التي استمرت ليومين.
مصالح إسرائيلية
يعتبر عاصم قانصوه النائب عن حزب البعث في البرلمان اللبناني أن “موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من القضية الفلسطينية والقضايا العربية لم يكن واضحا إلا في ما يتعلق بالانحياز المباشر إلى إسرائيل التي نجحت في جرّه إلى تبني مواقف معادية ضد سوريا”.
ويشدد على أنه “لم يكن يعتقد أن الأمور ستتخذ مسارا مغاير لمنطق الضربات والاعتداءات”. ويشير إلى أن إسرائيل كانت تجتهد في سبيل دفع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى تبنّي الخيار العسكري ضد سوريا. وكان هذا المنطق يلتقي مع رغبات وأهداف عدة دول إقليمية في المنطقة. وما جرى مؤخرا يؤكد أن هذا السياق قد تبلور بشكل واضح”.
يدعو قانصوه إلى فهم معنى الضربة من خلال قراءة “ردة الفعل الإسرائيلية على ضرب مطار الشعيرات وتدمير عدد من الطائرات فيه، حيث أن الإسرائيليين يعتبرون الأمر انتصارا لهم”.
ويعتبر أن “مسارات الاعتداء على سوريا بدأت عبر الإرهاب وهي تتضح الآن في عدم جدية محاربة داعش”.
وبغية تحييد لبنان عن التأثيرات السلبية الحاصلة في سوريا “يمكن أن يتم اتخاذ إجراءات محاسبة عبر الأمم المتحدة لضمان ألاّ يتكرر هذا الأمر”. ويوجه قانصوه رسالة إلى من يسمّيهم الأعداء التاريخيين لسوريا الذين يقع تيار المستقبل على رأسهم معتبرا أن منطق الشماتة والابتهاج بالضربة الأميركية لسوريا “يلتقي مع طموحات وسلوكات داعش”. ويحذّر من أن هذا المنطق قبل كل شيء ينمّ عن جهل كبير لأنّ من يدعم التطرف يكون حاله “كمن يأكل لحمه بيده”.
تناقض لبناني واضح يبرز في التعامل مع موضوع الضربة الأميركية على سوريا ففي حين ساد الهرج والمرج في وسط جماهير الأحزاب والتيارات السياسية على صفحات التواصل الاجتماعي ساد الصمت والتجاهل في أوساط السياسيين
يؤكد عاصم عراجي النائب عن كتلة المستقبل النيابية من خلال خبرته كطبيب “أن السلاح المستخدم ضد المدنيين في خان شيخون هو سلاح كيماوي بشكل لا يقبل الشك، حيث أن كل العوارض التي ظهرت على الضحايا تثبت هذا الشيء”. من هنا “لم تجد الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب والتي ترفع لواء الخروج من عقيدة أوباما بدّا من القيام برد مباشر وعنيف”.
يخشى عراجي من أن تؤدي الضربة الأميركية على مطار الشعيرات السوري إلى “نشوء موجة نزوح سورية جديدة وخصوصا إلى منطقة البقاع”. ويعتبر أن احتمال لجوء إيران إلى تعقيد الأوضاع في لبنان يبقى قائما وأخطر تجلياته تكمن في “جرّ البلاد إلى فراغ نيابي بعد أن كانت قد تسببت بفراغ رئاسي استمر لعامين ونصف العام، وكذلك فإن الاستمرار في تعطيل مسار إقرار قانون جديد للانتخابات يصب في إطار تفعيل الدعوات لعقد مؤتمر تأسيسي”.
ويشدد عراجي على أن الدفع في هذا الاتجاه يعني “قيام أزمة كبيرة في البلد لأنه يعني نهاية العمل باتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية، وخلق مناخ تسعى فيه كل طائفة إلى زيادة حصتها من السلطة، كما يدفع في اتجاه عودة منطق محاولة فرض الأمور بالقوة”.
ويعني السعي إلى فرض مؤتمر تأسيسي والذي لا يزال واردا وفق عراجي “سقوط كل الخطوط الحمر وعناصر الضبط في البلد، حيث لن يكون هناك من خيار أمام الرافضين له سوى المواجهة بكل الوسائل”. ويلفت إلى أن مناخات التوتير التي ارتفعت بعد الضربة الأميركية لا يجب “أن تعطل مسارات التسويات اللبنانية وألاّ تغري حزب الله بخلق مناخات تدعم مشروع المؤتمر التأسيسي الذي قد لا يكون ملائما لمصالحه على عكس ما يعتقد”.
يدعو عراجي حزب الله إلى قراءة تاريخ البلد وعدم المراهنة على قدرته العسكرية أو على التحولات الميدانية لفرض سيطرته على القرار اللبناني لأنه حتى لو نجح في ذلك فإن “واقع هذه السيطرة سيكون مؤقتا وعابرا، لأن تاريخ البلد والتجارب المتكررة التي عبرت فيه تؤكد أنه بلد لا يستقر على حالة الخروج من التوازنات لوقت طويل”.
ويلفت إلى أن تزامن الضربة مع مناخ عقوبات مشددة على المؤسسات المالية والمصرفية اللبنانية المتعاملة مع حزب الله “يهدد بانفجار أزمة اقتصادية قد تكون أخطر ما يمكن أن يصيب البلد في ظل تراجع الوضع الاقتصادي، لأن هذا الموضوع يطال كل الأمن الاجتماعي للمواطنين ويخلق شبكة تداعيات سلبية تطال كل عناصر الاستقرار في البلد”.
الرد الإيراني
يعتبر حارث سليمان الباحث السياسي وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية أن التأثيرات المحتملة على لبنان “مرتبطة بردة الفعل الإيرانية على الموضوع لأنه يرجح أن مطار الشعيرات كان يضم عناصر إيرانية ما يؤشر إلى تصعيد المواجهة معها وليس مع الروس، لأن الروس لا يرغبون إطلاقا باستجرار مواجهة مع الأميركيين والعكس صحيح كذلك”. ويلفت سليمان إلى أن الرد الإيراني قد لا يتخذ من لبنان منطلقا له نظرا لعدم وجود مصالح أميركية فيه، وفي حال شاءت إيران الرد فإنها “ربما تستهدف الجنود الأميركيين في العراق حيث ينتشر حوالي 6000 جندي أميركي أو في سوريا، فلا سبب يدعوها للرد في لبنان”.
ويشدد على أن ما يطلق عليه تسمية الاستقرار والتسويات في لبنان ليس في حقيقة الأمر سوى “مظهر من مظاهر إغلاق الفضاء اللبناني العام على واقع سيطرة حزب الله التام، وتاليا فلا معنى لأيّ تصعيد إذ لا أحد يبدي رغبة فعلية في مواجهة الحزب، وهو من ناحية أخرى لا يريد التعكير على نفسه”.
ويرفض التحليلات التي تقول إن ردة فعل إيران قد تدفع بحزب الله إلى العودة إلى خيار المؤتمر التأسيسي ويعتبر أنها تنم عن رغبة في عدم الاعتراف بالواقع.
ويؤكد أن “حزب الله ليس في حاجة إلى المؤتمر التأسيسي فجميع المؤسسات الأمنية اللبنانية الفاعلة من وزارة الداخلية ووزارة العدل تسير وفق خطته، والأمر نفسه ينطبق على المحكمة العسكرية وعلى الأجهزة الأمنية من فرع المعلومات وغيرها”.
ويلفت سلمان إلى أن “المشكلة التي يعاني منها العقل اللبناني حاليا تكمن في ما يفرضه المنطق الطائفي من نظام تفكير ينظر إلى الأمور بعقل إحصائيين حيث تعتبر كل طائفة أنها في حال نجحت في زيادة عدد وزرائها ونوابها فإن ذلك يشكل انتصارا لها”.
ويضيف “قد تكون مفارقة لافتة أن الحزب لا يفكر بهذه الطريقة إطلاقا فهو لا يهمه زيادة عدد النواب والوزراء الشيعة، بل يجد نفسه معنيا باختراق الطوائف الأخرى عبر دعم ممثلين له في صفوفهم، فالحزب أنتج معادلة السيطرة الكاملة وهو يترك للآخرين القتال على عدد المقاعد النيابية والوزارية”.
ما يطلق عليه تسمية الاستقرار والتسويات في لبنان ليس في حقيقة الأمر سوى (مظهر من مظاهر إغلاق الفضاء اللبناني العام على واقع سيطرة حزب الله التام)
فصل المسارات
يرفض لقمان سليم المحلل السياسي ومدير جمعية أمم للأبحاث والتوثيق التحليلات التي تؤكد أن الضربة الأميركية تأتي في إطار عملية إعادة خلط للأوراق ويدعو إلى التروي في الحكم على نتائجها.
ويؤكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب “يريد من خلال الضربة توجيه رسالة من ثلاث نقاط يقول فيها أولا إنه ليس باراك أوباما بأيّ شكل من الأشكال، ويقول ثانيا إنه ليس بحاجة لمجلس الأمن للقيام بأيّ عمل عسكري وثالثا إن أميركا هي ولية أمر الحلال والحرام في هذا العالم إذا صح التعبير”.
ويلفت سليم إلى أن “الضربة جاءت في مكان لا يستدعي ردا، وبات الجميع يعلمون كيف كان الروس على علم دقيق بإحداثيات الضربة قبل وقوعها لكي يكونوا قادرين على إنجاز عمليات إخلاء جنودهم ما يعني أن هذه الضربة كانت محددة ومدروسة”.
ويشير إلى أن “ردود الأفعال كانت ستسلك مسار آخر مختلفا تماما لو كانت الضربة في اليمن أو في كوريا الشمالية مثلا”.
وربما تكون الرسالة الأبرز وفق مدير جمعية أمم موجهة إلى الجانب الروسي وهي تعلن بوضوح أن “القبول الأميركي بالوجود الروسي في سوريا لا يعني أن الروسي يستطيع أن يكون شريكا كامل الشراكة لأميركا”.
لا يوجد في الأفق اللبناني ما يشير إلى وجود نية بأن ينتقل تأثير المناخ التصعيدي الذي خلقته الضربة إلى لبنان وربما يكون الأميركيون وفق سليم على رأس الداعين إلى “ضبط إيقاع الساحة اللبنانية حاليا، ويتبعهم في ذلك الأوروبيون، ويبدو أن هناك مناخا دوليا أميركيا أوروبيا يريد أن يظهر لبنان في هيئة البلد الطبيعي الذي تعمل مؤسساته بانتظام وأن يصار إلى فصل المسار السوري عن المسار اللبناني”.
ويؤكد سليم أنه طالما “مرت الضربة دون رد واضح من محور الممانعة والمقاومة فإن “الأمور ستبقى عند حدود الضبط واستخلاص الدروس”.
ويشير ساخرا إلى بعد رمزي يتمثل في أن “الصواريخ الأميركية لكي تصل قرب حمص وتضرب مطار الشعيرات فإنها عبرت فوق لبنان دون أن يستطيع أحد ردها، كما لم تكن محتاجة إلى تأشيرة مرور، وربما يكون اللبنانيون مسرورين بأن تكون الصواريخ الأميركية عبرت من فوق رؤوسهم”.
وينبه إلى بعد يتعلق بالتلقي اللبناني لموضوع الضربة حيث “اشتعلت المعارك بين المؤيدين والرافضين على مواقع التوصل الاجتماعي في حين أن القيادات السياسية التزمت بالتحفظ والصمت، وهذا يؤشر إلى أزمة في وسط بعض القيادات السنية والمسيحية خصوصا”.
المصدر/ العرب للدراسات