خاص: قراءة- سماح عادل
في كتاب (حركة الحشاشين.. تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي) للكاتب “محمد عثمان الخشت” رصد لهذه الحركة التي اتسمت بالعنف والصلابة في مواجهة التفتت الذي اتصفت به الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، لكنها كأية حركة دينية مغلقة اعتمدت على العنف والإقصاء والتزمت.
كشف الحقيقة..
يقول الكاتب في المقدمة أن هذا الكتاب محاولة موضوعية محايدة تهدف إلى غاية علمية بحتة ومنزهة عن أية نزعة مذهبية أو أيدلوجية، وهي محاولة لكشف الحقيقة عن وضع حركة الحشاشين في التاريخ.
ثم يتطرق الكتاب إلى رصد تاريخ تلك الحركة، مبينا أنه عندما ظهرت حركة الحشاشين في القرن الخامس الهجري، القرن الحادي عشر الميلادي، لم يكن الحليفة العباسي يقبض إلا على خيال من سلطته السابقة وكانت الدولة الإسلامية ممزقة.
ترجع الأصول الأولى لحركة الحشاشين إلى التيار الشيعي في الإسلام، ذلك التيار الذي انقسم إلى فرقتين كبيرتين عند موت الإمام جعفر الصادق، الإمام السادس سنة 148 هجرية، وقد نجحت الحركة الإسماعيلية في تشييد دولتها في المغرب الإسلامي، ولكن مع النجاح السياسي الكبير أخفقت في نشر فلسفتها وتعميم عقائدها، لدرجة أن كل أثر فكري لها زال بزوال نفوذها السياسي، على عكس ما حدث في إيران حيث انصرف الدعاة إلى العمل الفكري ونشر الفلسفة التي تؤسس لأيدلوجيتهم السياسية الدينية.
نشأة الحركة..
الحسن بن صباح هو من أسس حركة الحشاشين، وكان يمارس الدعوة لها بشكل سري، ثم انتقل هو وأتباعه إلى قلعة “ألموت”، وهي تقع على صخرة مرتفعة من صخور سلسلة جبال البرز بين شواطيء بحر قزوين ومرتفعات فارس. وأخذ الحسن يواصل جهوده لنشر الدعوة في المناطق المجاورة، وللسيطرة على أكبر عدد ممكن من القلاع والحصون، مستخدما مختلف الوسائل من الإقناع العقائدي والتحاور الفكري، حتى استخدام القوة والصدام المسلحين، وقد استطاع السيطرة على اقليم “رود بار” واكتساب ولاء سكانه إلى الدعوة الإسماعيلية الجديدة، لكن الحاكم السلجوقي بدأ في إرسال حملات ضد قلاع الحشاشين، ردا على الانتشار السريع والانتصارات المتوالية لحركة الحشاشين في أطراف إيران الجبلية والصحراوية.
وكان السبب الذي أعطى الفرصة لحركة الحشاشين لتوسع نشاطها هو انشغال الحاكم منذ توليه السلطنة بالانقسام بينه وبين أخوه، وكان الحاكم قد سمح للحركة بممارسة نشاطها إذ كانت تقوم باغتيال كبار الشخصيات المنتمية للجبهة المعارضة له بزعامة أخيه، وقد أدي هذا النفوذ المتزايد لحركة الحشاشين إلى شعور الحاكم “بركيارق” بالخطر على سلطته، وعقد مع حاكم خرسان وحكام الولايات الإيرانية الأخرى اتفاقا على ضرورة القضاء على حركة الحشاشين في جميع أرجاء إيران، وأمر “بركيارق” بقتل جميع أعضاء الحركة وقاد حملة القتل بنفسه، ورغم الانتكاسة التي تعرض لها الحشاشون في إيران إلا أن معقلهم الأساسي في الشمال قلعة “ألموت” لم يتسطع أحد أن يمسها بسوء في هذه الفترة.
وقد ظن السلاجقة أنهم تمكنوا من ردع حركة الحشاشين لكن في الحقيقة لم يكن ذلك ردعا نهائيا، وإنما مجرد احتواء لنفوذ الحركة ونشاطها، حيث عاود الأعضاء تقوية أنفسهم مرة أخرى، وممارسة نشاطهم على نطاق واسع.
استطاع الحسن الصباح وعلى مدى خمسة وثلاثين عاما أن يتحصن في قلعة “ألموت”، وأن يدير منها ببراعة دفة دولة صغيرة منشقة على الحكم السني، وهي دولة من نوع خاص يتمتع فيها زعيمها قبل كل شيء بصفة القائد الروحي، الذي يستند في سلطانه إلى قوة خفية جبارة، قوامها جيش من الدعاة المحنكين والفدائيين المتعصبين الذين يتشحون بأثواب من الزهد والورع.
وقد عاش الحسن في عزلة تامة ويذكر بعض المؤرخين أنه كان يدون أفكاره في مصنفات عديدة تدعم العقيدة الإسماعيلية، أو تفند آراء الفرق المخالفة، وكان مصير هذه المؤلفات الدمار عندما اقتحم التتار القلعة فيما بعد وكان “للشهرستاني” عالم الأديان الشهير، والذي كان معاصرا للحسن الصباح منذ صعوده إلى “ألموت” حتى وفاته، كان له الفضل في حفظ خلاصة تعاليمه المسماة ب” الفصول الأربعة”، كما حفظ مؤرخو السنة شذرات من سيرته الذاتية، بالإضافة إلى ما ظل محتفظا به كمقتطفات في الكتب الإسماعيلية التي اقتبست بعضا من آرائه، ولاشك أن “الفصول الأربعة” التي ترجمها “الشهرستاني” عن الفارسية تدل على قدرة الحسن الجدلية وتعمقه المتميز في أصول مذهبه.
الحركة في سوريا..
عندما تبلورت حركة الحشاشين في إيران وحققت نجاحا كبيرا كانت عينا حسن الصباح متجهة إلى مصر، حيث الخلافة الفاطمية ولكن كان انتشارها هناك صعبا، ورأى الحسن أن المكان التالي هو سوريا، بسبب طبيعة تلك المنطقة الجغرافية من جبال ووديان وهضاب وعرة، كما أن سكان تلك المناطق ينتمون إلى فرق شيعية مختلفة كالدروز والعلويين والنصريين، فضلا عن وجود إسماعيليين خلص، وقد تمكن فدائيو الحركة من القيام بعدة عمليات نجحوا خلالها في اغتيال عدد من الشخصيات البارزة، وأصبحت الحركة في سوريا قوية رغم توالي الهزائم والانتكاسات عليها.
ومع الوقت شعر قائد حركة الحشاشين في سوريا والذي كان يدعى سنان بقوته، وأخذ يعمل بالتدريج على الاستقلال عن قيادة الحركة في “ألموت”، وتمكن من الانفصال التام وأصبح يمارس نشاطه في الشام بشكل مستقل عن الحركة في إيران، وفي الوقت الذي ثبت فيه أركان الحركة في الشام بزعامة سنان ظهر صلاح الدين، البطل السني الذي أسقط الخلافة الفاطمية في مصر وشرع في طرد الصليبيين من الأراضي الإسلامية، وفي البداية اعتبر الحشاشون صلاح الدين عدوا رئيسا لهم، فدبروا لاغتياله مرتين وفشلتا المحاولتين، وعزم صلاح الدين على سحقهم وإبادتهم فهاجم قلعة “مصياف” معقلهم الرئيسي وحاصرهم حصارا شديدا، وجرت مفاوضات بينه وبين سنان ونجحت المفاوضات، وانتهت بتحالف قوي بين صلاح الدين وسنان، وبعد هذا الاتفاق التزم الحشاشون بما تعهدوا به لصلاح الدين وتعاونوا معا تعاونا كبيرا في الحروب الصليبية.
عقيدة الحشاشين..
تقوم عقيدتهم في الإلوهية على تنزيه الله عن التشبيه بكل ما هو صادر أو ناشئ عنه، فهو لا يعرف ولا يوصف ولا يسمى فلا يمكن أن ينسب إليه اسم ولا صفة ولا نعت ولا وجود.
وعن كيف بدأ الخلق يزعم مفكرو الحركة أن الإله أبدع عالم الإبداع دفعة واحدة، على شكل أشباح نوارنية وصور محضة متساوية في الكمال الأول الذي هو الوجود والحياة والقوة والقدرة، ثم حدث أن واحدا من تلك الأشباح نظر إلى ذاته والى أبناء جنسه فعلم أن له مبدعا مغايرا له ولهم، فأثبت له الإلوهية والوحدانية، وعندئذ اتصل به من مبدعه التأييد الإلهي والعلم الجاري والنور الساري، الذي هو كلمة الله ويسمى الأمر أو روح القدس، وذلك العلم الذي جاءه من المتعالي هو كماله الثاني وبهذا العلم صار عقلا أزليا كاملا محيطا بكل شيء، عالما لما كان وما يكون فاتخذه المتعالي حجابا وصار الاسم الأعظم الذي به وحده يتوسل إلى المتعالي.
ثم انتبه شبحان آخران من تلك الأشباح النورانية إلى نفس ما انتبه إليه هذا العقل الأول، ولكن احد الشبحين سبق الآخر فنظر بذاته إلى ذاته كما نظر العقل الأول وصار عقلا أزليا كاملا، لا فرق بينه وبين الأول إلا برتبه السبق، فنظام الوجود العلوي يتكون بخلاف المبدع من عشرة عقول تتدرج في ترتيب هرمي محكم. و تشير أصول الحركة العقائدية إلى استحالة معرفة حكمة الخلق، فالسؤال عن لماذا خلق الله العالم؟ سؤال غير منطقي، لأن الإنسان عاجز عن إدراك كيفية كون العالم.
ما بعد الموت..
يتحدد مصير الإنسان روحا وجسدا بعد الموت في عقائد الحركة على أساس انتمائه العقائدي، فيصنفون الناس إلى قسمين، قسم يؤمنون بالمذهب وقسما يكفرون به. المؤمنون بالمذهب ينقسمون إلى نوعين لكل منهما مصير يتناسب مع درجته في الإيمان ونصيبه من المعرفة والعمل. أما النوع الأول من المؤمنين فهم أهل المعارف الحقيقية والعلوم الإلهية والأعمال الصالحة والمولاة لجميع الأئمة، وهؤلاء عندما تنفصل أرواحهم عن أجسادهم فإنها تأخذ طريقها إلى جنة المأوى حسب مرتبتها، فكل روح من تلك الأرواح رتبتها وموضعها حسب درجة إيمانها ومعرفتها.
والنوع الثاني من المؤمنين هم أهل الولاء المتعلقون بشيء من العلوم الدينية والحكم الإلهية، وأرواحهم تكون في الهيكل النوراني ولكن في درجة أدنى من الدرجات التي يوجد فيها أهل النوع الأول. أما الكافرين بهم فتظل أرواحهم في عالم الطبيعة الأرضية، تتناسخها أجسام الكائنات المختلفة كلما بليت صورة بالفساد كونت أخرى بالكون، فلا تزال تتعرض فيها للألم والسقام فلا تفارق جسدا إلا ويتلقاها آخر.
الإمام..
تكشف مصادر الحركة المذهبية عن أنها تؤمن بأن طبيعة الإمام ليست بشرية خالصة، بل هي طبيعة متمايزة وسامية، حيث يجمع الإمام في شخصه بين ناسوت طبيعي وناسوت خاص ولاهوت، أما الناسوت الطبيعي للإمام هو جسده البشري العادي، أما الناسوت الخاص فهو جسد لطيف لا تدركه الأبصار وليس كبقية أجساد الناس الأخرى، فهو تكون من مغناطيس كوني يمارس عمله على أجساد المؤمنين الأثيرية عند موتها، أما لاهوت الإمام هو الهيكل النوراني المكون من كل صور المستجيبين النورانيين، فالإمام بالنسبة إلى حركة الحشاشين هو ممثل الله على الأرض، ووجه الله والإنسان الكامل ورجل الله، وعلى ذلك فإن الإمامة متقدمة عن النبوة التي هي معينها وشخصية الإمام متقدمة على شخصية النبي.
وفي الخاتمة يؤكد الكاتب على أنه سيظل الإرهاب، سواء كان الإرهاب الذي مارسته الدولة العباسية والسلجوقية في مواجهة الحشاشين، أو ما مارسه الحشاشون في مواجهة العباسين والسلجوقيين عملا لا أخلاقيا وتفكيرا لا منطقيا، حيث لا يشك أحد في أن العنف يولد العنف، والظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كانت سائدة آنذاك في الدولة الإسلامية كان لها دورا كبيرا في نشوء هذه الظاهرة، والمجتمع الإسلامي في ذلك الوقت بما يحوي من تناقضات وصراعات كان ينجب حفار قبره، ومن هنا فإن أية رؤية تحليلية تنظر إلى الإرهاب السياسي والعقائدي على أنه عنصر غريب عن المنتظم الحضاري الذي كان سائدا حينئذ، إنما هي رؤية مبتورة لأنها تجرد هذه الظاهرة من إطارها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.