16 نوفمبر، 2024 1:21 ص
Search
Close this search box.

كتاب اللفظ القبطي.. صلوات المسيحيين المصريين حافظت على اللغة القبطية

كتاب اللفظ القبطي.. صلوات المسيحيين المصريين حافظت على اللغة القبطية

خاص : قراءة- سماح عادل

اللغة القبطية مشتقة من اللغة المصرية القديمة في تطورها عبر الزمن، كان المصريون يستخدمونها في حياتهم اليومية إلى عهد قريب، حتى بعد دخول العرب وانتشار اللغة العربية وتحولها إلى اللغة الرسمية للدولة، لكن ولعدة عوامل انحسرت اللغة القبطية واختفت من الحياة اليومية، لتصبح لغة الصلاة لدى المسيحيين المصريين، والذين حافظوا على اللغة القبطية من الاندثار بتمسكهم بها في صلواتهم، و يخطئ كثير من الناس حين يطلقون علي المسيحيين المصريين اسم الأقباط، فالمصريون جميعهم أقباط، ينتمون إلى المصريين القدماء أجدادهم، على اختلاف دينهم سواء الإسلام أو المسيحية، لذا نجد دعوات من بعض الناس وخاصة الشباب إلى إعادة إحياء اللغة المصرية القديمة، وإلى تعلم اللغة القبطية.

 

وفي هذا الصدد وجدنا مرجع هام جدا يتناول اللغة القبطية والتحريف الذي حدث لها، هو كتاب (اللفظ القبطي البحيري القديم.. تاريخه وإثبات أصالته وأفضليته)، تأليف الدكتور “إميل ماهر” الطبعة الأولى صدرت في مارس 1978، وسوف نقوم بقراءته للتعرف على اللغة القبطية ومدى التغيير الذي حدث لها.

صحة اللفظ القديم..

يقول الكاتب في المقدمة أن هذا الكتابة بداية لسلسلة من الكتب لإثبات صحة وأصالة اللفظ البحيري القديم، الذي تسلمناه عن آباءنا وأجدادنا وهو اللفظ الذي نقوم حاليا بتعليمه والتحدث، به نظرا لأصالته وأفضليته على اللفظ الحديث، الذي اخترع بواسطة المعلم “عريان أفندي جرجس مفتاح” سنة 1858، وذلك بتطبيق القيم الصوتية اليونانية الحديثة على لفظ اللغة القبطية. وفي الحقيقة أن اللفظ الحديث هو ثمرة خطأ علمي جسيم أضر باللغة القبطية ضررا بالغا.

ويتساءل الكاتب كيف يطالبنا البعض أن ننطق لغتنا القبطية ذات التراث العريق بالأصوات اليونانية الحديثة، التي لم تكن في وقت ما أصواتا قبطية حقا؟، إننا اقترضنا الأبجدية اليونانية في القرون الأولى لكننا أخذناها بأصواتها القديمة حسب اللهجة اليونانية المستخدمة في البلاد المصرية آنذاك وبخاصة في الإسكندرية، لنكتب بها لغتنا القبطية حسبما ننطقها، فالأمانة العلمية لتراثنا القبطي إذن تقتضي ألا نفرط في لفظنا القبطي القديم وألا نرضى بغيره بديلا.

اللهجات القبطية القديمة..

كانت هناك خمس أو ست لهجات قبطية رئيسية يضاف إليها عدة لهجات أخرى فرعية، اشتقت كل منها من لغة التخاطب في جهة معينة من البلاد المصرية. فاللجهات القبطية الرئيسية هي الصعيدية والبحيرية والفيومية والاخميمية والاخميمية الفرعية ولهجة مصر الوسطى، وكانت اللهجة الصعيدية تعتبر اللهجة الأدبية لمصر، واستمرت لغة التخاطب في الوجه القبلي إلى نهاية القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، أما اللهجة البحيرية فقد بطل استخدامها كلغة تخاطب قبل ذلك الوقت بكثير، ولكنها استمرت لغة الصلوات الكنسية في الوجه البحري خصوصا وادي النطرون.  ثم اجتمعت عدة عوامل أدت إلى انتشار استخدام اللهجة البحيرية في الصلوات الكنسية تدريجيا لتشمل القطر المصري من الاسكندرية إلى أسوان، واستمر الوضع هكذا إلى أن ظهر اللفظ الحديث..

تاريخ ظهور اللفظ الحديث..

كان هناك مشروع اتحاد بين الكنيستين القبطية واليونانية في مصر في عهد البابا كيرلس الرابع البطريرك  1854- 1861، بحيث يرأس الكنيستين في مصر بطريك واحد، ولم يكتب لهذا المشروع النجاح حتى يومنا هذا، ويبدو أن موضوع توحيد اللفظ القبطي كان ضمن المظاهر المرغوب فيها لاتحاد الكنيستين، وكان معلم اللغة القبطية في المدرسة البطريركية التي أنشأها البابا كيرلس الرابع هو ع”ريان أفندي جرجس مفتاح” فتحمس “عريان أفندي “لفكرة تغيير اللفظ القبطي، وقام بإعداد وتنفيذ مشروع تقريب اللفظ القبطي ليكون مشابها للفظ اليوناني الحديث.. ولم يكن “عريان أفندي” يعرف أن ما يفعله إنما هو خطأ كبير وجريمة في حق التراث القبطي، لأنه بالنسبة لمعارف أهل زمانه، لم يكن في الغالب، يعرف أن هناك فارقا بين أصوات الحروف اليونانية في لفظها القديم عنها في لفظها الحديث، وأن الأقباط عندما استعاروا الحروف اليونانية في القرون الأولى إنما أخذوها لتمثل أصواتا قبطية، تشابه إلى حد كبير نظائرها في اليونانية بحسب لفظ ذلك الزمان وهو اللفظ اليوناني القديم.

في مقال للدكتور “جورجي صبحي” نشر فيها وثيقة في غاية الأهمية لنص عربي مكتوب بالحروف القبطية، وقد وجدت المخطوطة في دير” ابي مقار ببرية شيهات” معقل اللهجة البحرية، وهي ترجع إلى القرن العاشر الميلادي، أو بعد ذلك أي في الفترة ما بين القرن العاشر والقرن الثالث عشر، بحسب رأي آخرين، وأهمية هذه الوثيقة أنها كتبت في وقت كانت فيه اللغة القبطية لا تزال قوية وحية كلغة تخاطب، من يجيدونها أكثر ممن يجيدون العربية، ولذلك لجأوا إلى كتابة النص العربي باستخدام الحروف القبطية.

يقول “جورجي صبحي”: إن أهمية هذه الأوراق فائقة، فهي تعلمنا أولا كيف كانت اللغة العربية تلفظ في وقت كتابة المخطوطة، كما أنها تعلمنا أيضا أنه حتى الوقت الذي كتبت فيه المخطوطة كانت القبطية لا تزال لغة الحديث بالنسبة للرهبان والكنيسة القبطية، على الأقل في الأديرة، وأخيرا أهم نتيجة لدراسة هذه الأوراق هي المعلومات التي نكتسبها عن قيم مختلف حروف الأبجدية القبطية، ونظائرها في العربية، فهي توافق بمنتهى الدقة اللفظ الواقعي للغة القبطية في الكنيسة” يقصد اللفظ القديم الذي كان لا يزال حتى سنة 1926 منتشرا في كل أنحاء الكرازة المرقسية.

وفي مقال آخر يقول “جورجي صبحي”: “هنا تبقى فائدة الكتاب الذي يرينا كيف كانت القبطية تلفظ في مصر عامة في بداية القرن الثامن عشر، وعندما نقارنها بالمخطوطة الأقدم وبمخطوطة “مكاريوس” أو “دير أبو مقار” التي كانت عربية في لغتها وقبطية في حروفها، فإننا نكاد ألا نجد أي فارق على الإطلاق، لا في القيم الصوتية للحروف ولا في طريقة التي كانت تنطق بها، وإذا رجعنا إلى الوراء أكثر من جهة الزمن، فإننا نستطيع من الوثائق التي لدينا أن نبرهن على ثبات هذا اللفظ خلال الأجيال، بل حتى التعليقات المكتوبة فوق الكلمات الديموطيقية بحروف يونانية في مخطوطة لندن و لايدن السحرية، توضح أن اللفظ الذي في كتابنا يطابق تماما من الناحية العملية الديموطيقي الذي في المخطوطة المذكورة ،وهذا يعود بنا إلى القرن الثاني الميلادي”.

تسجيلات اللفظ القديم بالكتابة الصوتية اللاتينية..

اهتم العلماء الأجانب منذ زمن بعيد بتسجيل اللفظ القبطي المستخدم في صلوات الكنيسة القبطية، عن طريق الكتابة الصوتية باستخدام الحروف اللاتينية، وجميع التسجيلات التي قام بها العلماء في جميع العصور تشهد لتراث واحد ثابت عبر الزمن، هو اللفظ البحيري القديم الذي تسلمناه بالتقليد في كنيستنا القبطية، والذي نقوم بتدريسه لإحياء التحدث به وتعميمه، لأنه هو بعينه اللفظ الذي كان مستخدما عندما كانت اللغة القبطية لا تزال مستخدمة كلغة للتخاطب في الحياة اليومية.

أقدم تسجيل معروف للفظ القديم باستخدام الكتابة الصوتية بالحروف اللاتينية، تسجيل petraeus   1659، حيث قام بنشر المزمور الأول مكتوبا بالقبطية باللهجة البحيرية، مع كتابة صوتية لفظة بالحروف اللاتينية، وحيث أن تسجيل 1659 petraeus   تم في نفس القرن الذي كانت فيه اللغة القبطية على وشك الانتهاء من الاستخدام كلغة تخاطب في الحياة اليومية، لتبقى فقط في الاستخدام الكنسي، فهو تسجيل له أهمية كبرى لأنه يشهد أن اللفظ القديم الذي نستخدمه الآن، هو بعينه اللفظ الذي كان يستخدمه آباؤنا عندما كانوا لا يزالون يتكلمون اللغة القبطية.

قدم “البروفسير ورل” في سنة 1936 – 1937 إلى مصر موفدا من جامعة “ميشجان” أمريكا، وقام بالاشتراك مع دكتور “فيتشل” بتسجيل تراث اللفظ القديم، حسبما سمع في قرية الزينية بجوار الأقصر، وقد نشر هذه التسجيلات والبحوث في كتابة “نصوص قبطية”.

المخطوطات القبطية المكتوبة بحروف عربية..

هناك عدد لا بأس به من المخطوطات القبطية التي تسجل اللفظ القديم بحروف عربية، وكلها كانت أقدم من عهد “عريان أفندي” فهي تقدم تراثا واحدا بلا أدنى خلاف، وهو تراث اللفظ البحيري القديم. هذه المخطوطات بعضها موجود في المتحف القبطي والأديرة، والبعض الآخر ملك لبعض الكهنة وأفراد الشعب، توارثوه عن أجدادهم في الوجهين البحري والقبلي على السواء.

يضيف الكاتب بخصوص اللفظ القديم أن سبب انتشار اللفظ الحديث في الكنيسة هو التزام الكنيسة إلى عهد قريب بفكرة المعهد الاكليريكي الواحد، وأستاذ اللغة القبطية الواحد، الذي تسلم طريقة اللفظ الحديث عن “عريان أفندي” أو عن تلاميذه، دون أن يعرف مدى حداثة هذا اللفظ وعدم أصالته، وظل يعلمها لتلاميذه في الاكليريكية الواحدة الوحيدة، فيتخرجون ليخدمون في أنحاء الكرازة كهنة وخداما ومدرسين للدين، ومنهم من يترهب ومنهم من يختار لدرجة الأسقفية.

فأصبح الكهنة المثقفون بالتعليم الاكليريكي القادرون على الوعظ والتعليم هم الذين يصلون باللفظ الحديث، بينما بقى اللفظ القديم السليم مع الآباء الكهنة البسطاء، الذين لم ينالوا قسطا من التعليم اللاهوتي في الاكليركية، يتسلمه الخلف من السلف ويصلي به دون أن يقدر على الدفاع عن أصالته بالبحث وبالبرهان العلمي.

وبانقراض جيل الكهنة غير المتعلمين خلال الأربعين سنة الأخيرة من كتابة هذا الكتاب، انحسر استخدام اللفظ القديم وانحصر في عدد قليل من الكهنة والمرتلين، وظل الحال هكذا إلى أن جاء البابا شنودة الثالث وشجع مؤلف هذا الكتاب على دراسة اللغة القبطية وتدريسها، وأرسله في بعثة إلى “اكسفورد” لتحضير رسالة الدكتوراه في فلسفة اللغة القبطية، في موضوع” صوتيات اللهجة القبطية البحيرية وأثر اللغة القبطية على العربية في مصر”، وأكمل الدراسة وأثبت فيها أن اللفظ البحيري القديم من واقع تراثنا القبطي ومخطوطاتنا الموجودة في مصر وفي الخارج، كما شجع البابا شنودة الثالث على نشر تعليم اللغة القبطية باللفظ القديم في الكنائس والجمعيات، وأنشأ معهد اللغة القبطية قسم اللفظ القديم في عام 1976 .

ويؤكد الكاتب أن اللفظ الحديث قد لقى مقاومة عنيفة في البداية، فالبرغم من كونه قد ظهر منذ حوالي 120 سنة، وكرست جهود كثيرة لنشره عن طريق المدارس القبطية والكنائس والجمعيات، إلا أنه لم يبدأ في الانتشار فعلا إلا في الخمسين سنة الأخيرة قبل نشر هذا الكتاب.

أثر اللغة العربية..

ويضيف الكاتب بخصوص تساؤل عن تأثر اللغة القبطية باللغة العربية، أن من المعروف أن اللغات التي تعيش متجاورة فترة من الزمن تؤثر كل منها في الأخرى وتتأثر أيضا، مؤكدا أن اللهجة العربية العامية المصرية ذاتها متأثرة باللغة القبطية إلى حد كبير، لدرجة تجعلها لهجة متمايزة عن سائر اللهجات العربية، وهذه النقطة بالذات قام الكاتب بدراستها بالتفصيل في رسالته للدكتوراه المقدمة إلى جامعة “اكسفورد” بإشراف العالم المستشرق بروفسور “جونسون” أستاذ اللهجات العربية بجامعة لندن، وبإشراف أساتذة اللغة القبطية في جامعتي “اكسفورد” و”كامبريدج”.

ويؤكد أن الذين يحاولون التشكيك في أصالة اللفظ القديم بدعوى أن الأقباط نسوا اللغة القبطية، وبدأوا يقرأونها ويتعلمونها من كتب مكتوبة بالحروف العربية، إنما يتجاهلون الواقع ويتناسون أن تعليم اللغة القبطية كان يعتمد أساسا على التعليم الشفاهي بالتحفيظ، فالعرفاء وأغلبهم مكفوفين يتسلمون ألحان الكنيسة وصلواتها باللغة القبطية شفويا، ويعتمدون في تسليمها للآخرين على التسليم الشفاهي بالتحفيظ، والكهنة يحفظون القداس ويتلونه عن ظهر قلب، خصوصا في وقت كان فيه معظم الشعب وبعض الكهنة من الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، ويعتمدون على الذاكرة والحفظ.

ويؤكد الكاتب أخيرا على أن الكنيسة حفظت لنا تراث اللفظ القبطي القديم سليما، عن طريق التسليم الشفاهي عبر الأجيال، والاستخدام المستمر في الصلوات في الكنيسة بلا انقطاع، إذ كانوا حتى أواخر القرن الماضي لا يجيزون صلاة القداس بغير اللغة القبطية، وهكذا استلمنا تراث اللفظ القديم نقيا، حسبما كان وقتما كانت اللغة القبطية حية تستخدم كلغة تخاطب في الحياة اليومية.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة