6 أبريل، 2024 9:16 م
Search
Close this search box.

ليالي البصرة القتيلة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

 

كتب: عبد الكريم العبيدي

طرب البصرة الشجي منقوع “بالكيف”، تصنعه “طبله ومقام ورگص وصفگه”، أصوات “الخشابة، ورقصات الهيوة واﻟﻨﻮﻣﺎن واﻟﺴﺎﻣﻲ”، عطر البصرة الفاخر، ومواويل بحّارتها القديمة. حفلات شعبية لإحياء أفراح الأعراس و”الحنَّه” و”الطهور” والتخرج ووو.

يصدح مقام “البهيرزاوي” بإشارة من “الكاسور” على إيقاع عزف “اللوازيم”. نقرٌ بطيء على الطبلات الفخارية المكسوة بجلد الأغنام. خمسة من “الخشّابه” يجلسون على يمين “القارئ”، ومثلهم على يساره، يليهم “الرواديد”، عشرون منشدا يؤدون الغناء الجماعي والتصفيق الإيقاعي المدوّي.

يرتدي قارئ المقام، كبقية أفراد “الشدّة” دشداشة بيضاء، ويعتمر”غتره” بيضاء من غير عقال. يطوي طرفها الأيمن على طرفها الأيسر، فتزيد من نحافة وجهه الأسمر، وتشعل الدهشة في عيون كل من يشاهد ذلك المخلوق النحيف بجسده الضامر وهو يطوّح ويميل برأسه الملتصق براحة كفه اليمنى، يمطُّ ويقصر ويمد بكلمة:”خيّي”، تحرير “البهيرزاوي” الشهير، لإشاعة “سلطنة” مميزة في مشاعر الحضور، قبل أن يبحر بأعذب النغمات في غناء شعر كهذا:

“أيام زهوة ربيع ارچابنه مالهنْ

مالنْ بعكس الوَفج بأهل الرِدهْ مالهنْ

والنوگْ حين اصدرنْ شافنْ ولي مالهن

سِكْرَنْ وغَنَّنْ بيابي البين عالجته

وسراج همي بيوم نواي عالجته

لو جرح واحد بچبدي چان عالجته

لاچن جروحي چثيرات ودوه مالهن”.

تطغى آيات الإعجاب على الحاضرين، وجميعهم من الشباب، تكتظ بهم صالة مفروشة بالسجّاد والبُسط، وتحتشد خلف شبابيكها مجموعة من الفتيات العازبات.يطلقن الزغاريد من حين لآخر.

ينهي “القارئ” قراءة المقام، فيتسارع إيقاع “اللوازيم”،بينما يشرع “الكاسور” البارع “بالخرط” على غشاء جلد السمك الذي يغطي فتحة طبلته المميزة.

يتسارع الإيقاع، ويبدأ عدد من الراقصين الشباب بالرقص، بينما تصدح حناجر “الرواديد” بأغنية شهيرة، يؤدوها بصوت جماعي هادر:

“هلي.. هلي

سود العگل بيض الدشاديش

هلي.. هلي……”.

يحل فاصل الاستراحة، فيطل أحد “المعازيب” من الباب، يمد يده في جيب دشداشته الجانبي ويخرج ثلاث علب سجائر من نوع “روثمان”. يفتح العلبة الأولى ويبدأ برمي السجائر على الجالسين فردا فردا. حتى الذي يدخِّن يلقف السكارة ويدسها بين أذنه وصدغه، وحين تفرغ العلبة من سجائرها، يفتح العلبة الثانية، ثم الثالثة، فتمتلئ الصالة بالدخان!

ينتهي فاصل الاستراحة فيصدح مقام “الحْكيمي” هذه المرة بإشارة من “الكاسور”، يغرد القارئ بصوته الشجي على إيقاع عزف “اللوازيم” البطيء، ويبدأ “فصلٌ” جديد من ليالي البصرة الساحرة.

لكنَّ ذلك السحر غالبا ما كانت تعصف به جملة تحذير “عسكرية ثمانينية” مخيفة من “أحدهم”: يا جماعة، ترى “تعقيبات” بالمنطقة، زنابير وجيش شعبي!

فجأة تفرغ الصالة من الحضور، يهرب الجميع، وأولهم أعضاء “الشدَّة” وفي مقدمتهم “الكاسور”!

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب