12 فبراير، 2025 9:23 م

كامل شياع.. الثقافة لديه رؤية إنسانية عقلانية منفتحة على العالم

كامل شياع.. الثقافة لديه رؤية إنسانية عقلانية منفتحة على العالم

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“كامل شياع”  كاتب عراقي، ولد في بغداد يوم 5 شباط 1954, غادر العراق في 1979. استقر في مدينة “لوفان” البلجيكية في 1983، بعد إقامة قصيرة في الجزائر حيث عمل مدرساً للغة الإنكليزية، وإيطاليا التي نشر فيها قاموساً، إنكليزي- إيطالي- عربي، للمسافرين ورجال الأعمال. حصل على شهاد الماجستير في الفلسفة من جامعة “لوفان” الكاثوليكية عن أطروحته “اليوتوبيا كموقف نقدي” والتي حازت على درجة الامتياز.

عمل صحافياً خلال إقامته في مدينة “لوفان”، وكتب في مواضيع مختلفة لصحيفة “الحياة” اللندنية، ومجلة “الوسط” اللندنية، ومجلة “مواقف” الفصلية، ومجلة “الثقافة الجديدة” الشهرية الصادرة في بغداد، وراديو “في. آر. تي” الدولي – القسم العربي- بروكسل، وقسم التلفزيون الدولي لوكالة اسوشيتد برس (أي. بي. تي. إن) – بروكسل. عين مستشارا في وزارة الثقافة منذ عام 2003 وعمل مع ثلاثة وزراء تسلموا منصب وزير الثقافة.

تشظي المجتمع..

في حوار معه أجراه “مازن لطيف” يقول “كامل شياع” عن إعادة كتابة التاريخ وإعادة تقييم جديدة بعد التغيير الكبير الذي حدث في 2003: “من الصعب التفكير بكتابة التاريخ أو إعادة كتابته بالمعنى الحرفي للكلمة في هذه المرحلة المعقدة المليئة بالمفاجآت والمشحونة بالأفعال وبردود الأفعال لمختلف الأطراف السياسية التي تمتلك أحيانا صوراً وهمية عن دورها وحجمها ومشروعها. تاريخنا الآن في طور الصنع، وعلينا أن نعيش المرحلة قبل أن نفكر بكتابة تاريخها. الوضع السياسي الانتقالي والقلق والحراك الاجتماعي الشديد الموجود في البلد يعكس في عمقه تشظي المجتمع وحالة البلبلة العامة التي من مؤشراتها انعدام اللغة المشتركة بين أفراد المجتمع والجماعات والقوى، وبينها وبين الدولة الناشئة.

كل يبحث عن ضالته وفرصته ومصالحه المباشرة، أما شروط الحوار والتفاهم فأضعف بكثير من شروط الاختلاف والخصام. أمل أن تفضي هذه المرحلة الاستثنائية ولكن الضرورية إلى نقطة من الوضوح وانجلاء حقيقة البرامج السياسية، وزرع الثقة بين اللاعبين السياسيين وإيمان بالمشرع الديمقراطي والسبل المؤدية إلى تحقيقه. والديمقراطية ليست شعاراً يرفع، وإنما مبادئ والتزامات.

ينبغي أن لا ننسى أننا خرجنا من تجربة استبدادية من العيار الثقيل. فالحاكم لا يأمن المحكوم ويحتقره، والمحكوم لا يأمن الحاكم ولا يثق به، والنظام الديكتاتوري السابق كان قائماً على قرارات اعتباطية وخوف وقتل وتجنيد الناس جماعات وأفراد في مهام عبثية. طيلة مدة السنوات الـ35 حكم الحزب الواحد الماضية، مارست السلطة دورين: تضليل الوعي وتشويهه، وتسلط عار ونظام أوامري وسلسلة مغامرات مدمرة سيق لها الناس من دون سبب، وغالباً من دون ممانعة ومن دون مقاومة تذكر.

اليوم نحتاج إلى إعادة ثقة الناس بالحكومة، والمناخ المضطرب والسلبي القائم قد يكون مساعداً لتحقيقها بين الأطراف السياسية، وبينها وبين الشعب على أرضية الدستور ومجلس النواب والحكومة. الحاجة أم الاختراع، كما يقال، وليس هناك طريق سهل للانتقال إلى نظام جديد لا سابق لنا به، هو النظام الديمقراطي البرلماني. من إيجاد الثقة بين الدولة والمجتمع، وبين اللاعبين السياسيين يمكن أن تنفتح مجالات أوسع للحوار. المهمة التي يواجهها العراق اليوم لا تنحصر في سماع أصوات حرة من هنا وهناك، المهمة الأساسية هي كيف نصنع من هذا التنوع والتضاد والتعارض الواسع والقاتل، إجماعاً صادقاً حول مشروع بناء الوطن، الذي هو مشروع عمل وليس مشروع كلام وبلاغة سياسية.

لا يكفي أن نتكلم عن الديمقراطية والحقوق ينبغي أن ننتقل إلى التسليم بمبادئ وثوابت تنطبق على الجميع من دون استثناء، أي العدالة وسيادة القانون. إذا لم نتمكن من تجاوز تكرار أفكار الماضي بأشكال جديدة، ولدينا اليوم أكثر من حالة لقوى الماضي التي تتنكر بزي الحاضر وتمارس انتهازية وتظاهراً زائفاً، إذا لم نمتلك إرادة نقد الماضي وتعريته، لا يمكننا أن نبدأ من حيث ينبغي أن نبدأ. لا يمكن بناء المستقبل بأفكار معاد تصنيعها من منتجات الماضي. وللأسف النسبة الأكبر من قوانا السياسية ما زالت مشدودة للماضي، وغير قادرة على إدراك أن المستقبل، بالنسبة لنا أو لسوانا من الشعوب، أهم من الماضي.

أقول هذا وأضيف أنه ينبغي أن لا نخشى كثيراً على الماضي لأنه معنا وفينا دائماً، وهو عصب وجودنا الذي لا يمكن قطعه. ولكن علينا أن ننظر إلى المستقبل، أي إلى ما لم يحدث بعد. فقيمة الحياة في المستقبل، القوى الأصيلة حقاً هي التي تحترم المستقبل، وتعمل من أجله وتضحي في سبيله. عكس ذلك نجده عند القوى المتطرفة والمتعصبة التي لا تريد التنازل عن صورة ما وهمية عن الماضي. في حين أن الحيود عن الماضي ليس إسقاطا له بل وسيلة لاسترجاعه على مستوى مختلف. يجب أن نذهب إلى الأمام ولا خشية على الماضي إذا خدم المستقبل”.

الحراك الديني..

ويقول عن صورة المثقف العراقي العلماني عن الحراك الديني، وعن استسلام المثقف للوضع الذي هو فيه، ومدى قدرته على خلق مجتمع مدني: “الثقافة العراقية في تجربتها خلال العقود الستة الماضية تميزت بكونها ثقافة ذات منحى دنيوي علماني غالب. إنها ثقافة مدينية تأثرت بالأيديولوجيات السياسية الحديثة التي سادت في العراق وانحازت لآفاقها وعبرت عنها، مثلما خالفتها وتمردت عليها. وإجمالاً فإن تأثرها بالاتجاهات السياسية لم يأتِ دائماً من خلال مناصرتها للإيديولوجيات السياسية أو معارضتها لها، فهذه مسألة شكلية أو عابرة. جوهر الأمر أن النظرات الأيديولوجية الحديثة اجتذبت إليها الثقافة والفنون لوجود فكرة أو مخيال تاريخي يجمع بينها.

الثقافة بطبيعتها تعمل في حقل أو مجال يختلف عن مجالي السياسة والدين. إن الكتابة والتفكير والبحث كلها مجالات مستقلة عن المصالح السياسية الآنية وعن المعرفة التقليدية المتمثلة بالمعرفة الدينية المختصة بدراسة أصول الدين والكلام والفقه والشريعة ومناهج التفسير. هذه كلها مجالات تتعلق بالثقافة الدينية، أما الثقافة التي نقصدها فهي الثقافة الحديثة، ثقافة التجربة الإنسانية والأسئلة الوضعية والصراعات الوجودية. وهذه الثقافة علمانية بطبيعتها، ليس بمعنى معارضتها أو تناقضها مع الدين ولكن بمعنى إن حقلها يختلف عن حقل الفكر والممارسة الدينية.

واعتقد أن من الخطأ إسقاط البعد الديني على البعد الثقافي. الثقافة تبحث في الموضوع الديني وتفكر فيه وتستلهمه على مستوى الرؤية والموضوع من خلال أعمال فنية وأدبية، لكنها غير ملتزمة بالضرورة بالإطار الديني للنظر لأن حقلها التجربة الإنسانية النابضة بالحس والخبرة الحية، والمشحونة بأسئلة الخيال والإبداع، والمتشكلة باللغة أو الصورة أو اللون أو الجسد، أي بأساليب تعبيرية.

نواجه اليوم في العراق نوعاً من الالتباس في التمييز بين هذا وذاك، كما نواجه صراعاً بين الثقافة الشعبية والثقافة العالية، ونواجه أيضاً بوادر تكرار النزوع إلى الهيمنة السياسية على الحياة الثقافية وكأننا لم نخرج من مرحلة من أكثر مراحل تاريخ العراق تجسيداً لتعسف الفكرة السياسية العقائدية حين تفرض على الثقافة فرضاً من فوق. إن بلدنا اليوم بعد تلك التجربة المريرة يحتاج إلى فضاء للحرية يجد تحققه الملموس في احترام مجالات التفكير والمعرفة والإبداع. والخطورة تأتي من التسييس القسري للحقل الثقافي وتوظيفه لصالح هذه الأيديولوجية أو تلك، الأمر الذي سيفقده خصيصته الأساسية التي هي الإبداع والمخالفة والاجتهاد، أو من عودة المثقف ممتثلا للدولة الأبوية.

فالأمل معقود على المثقف العراقي في المساهمة بصنع نظام إنتاج ثقافي متعدد المصادر ومتنوع الاتجاهات، وفي لعب دوره كمروج لرؤية إنسانية عقلانية منفتحة على العالم، تسهم في ترسيخ قيم المساواة وحرية الإنسان وكرامته وخلق استجابة عامة للفن والجمال. المجتمع الذي يخلو من الإبداع الثقافي هو مجتمع عاجز عن إدراك هويته، وقاصر عن وعي تجربته في التاريخ. في العراق بعصريه القديم والحديث، لدينا رموز وأعلام في الأدب والفكر، ولنا رصيد من الإبداع الثقافي الذي يدعم هويتنا الجماعية.

ينبغي أن لاننسى إن الثقافة بوصفها مجموع النتاجات الفكرية والعلمية والفنية هي التي تصنع شخصية الشعب. المواطن العراقي مثلاً، يجد جزء أساسياً من ذاكرته التاريخية المعاصرة مجسدة في نصب كنصب الحرية للفنان جواد سليم، وأقصد المواطن الوسطي الذي يمتلك حدا معقولا من المعرفة بواقع مجتمعه وتاريخه. ما تفعله الثقافة في الواقع هو إيجاد فرص للتماهي بين الفرد ومجتمعه، ومن ثم صناعة ذاكرة مشتركة وهوية تجمع الشعب ضمن زمان ومكان فعليين أو رمزيين، وضمن فضاء تخيلي للواقع والتاريخ”.

 أزمة اليسار العراقي..

ويقول عن الأزمة التي يمر بها  اليسار العراقي بعد أن كان الواجهة الحقيقية للثقافة العراقية: “أود إن أميز أولا بين فكرة اليسار وبين الأحزاب التي تدعي تمثيل اليسار. فكرة اليسار مثيرة للجدل لأن هناك من يقول إن اليسار واليمين قد سقطا كمفاهيم بفعل كون المجتمع المعاصر صار يسير باتجاهات لا تنسجم مع توصيف كهذا. اعتقد إن فكرة اليسار ما تزال قائمة لأنها ترتبط بموضوعة العدالة الاجتماعية، وتدفع باتجاه التغيير، وتناصر ميول زعزعة مسلمات المؤسسة والتقليد للخروج من حالة الجمود والامتثال. إنها فكرة تفتح مجال للتفكير للاستجابة للتغيير في عالم متغير. لذلك ما تزال فكرة اليسار تمتلك مشروعيتها.

أما بالنسبة لأحزاب اليسار فلها تصورات ومشاريع متنوعة ومتباينة. الاتحاد السوفيتي الذي كان في يوم من الأيام قبلة اليسار، أعتبره بعض اليساريين نموذجاً للدولة البيروقراطية. هناك أحزاب شيوعية وعمالية نابتة في مجتمعاتها وتعمل من أجل التغيير والعدالة، وهناك بينها ما يمر بحالة سبات فكري وسياسي، وهناك قوى وأحزاب يسارية أثبتت وجودها عبر صناديق الاقتراع، وهناك أخرى مغامرة تردد مقولات ووعود طوباوية، وتخالف منطق الواقع بدرجات متفاوتة.

في عراق اليوم يشخّص اليسار من مشروعه الاجتماعي، التزامه بمبدأ المساواة، تعويله على دور الدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية والخدمات العامة وخلق فرص عمل، الوقوف إزاء سياسة السوق المتطرفة، نقد الأفكار البالية والتقاليد المتحجرة، وتبني موقف إيجابي من النقلات التي يمر بها المجتمع الإنساني. في زمن العولمة التي صارت تفرض على اليسار إعادة النظر ببعض مفاهيمه عن الواقع الاجتماعي، يقف اليسار مع الحركات غير التقليدية المعارضة للعولمة الامبريالية ويناضل من أجل توزيع عادل للثروة على مستوى العالم، حرية حركة الأيدي العاملة، وحماية البيئة. تلك هي مفردات أساسية في المشروع التاريخي لليسار. على مستوى الثقافة، يواجه اليسار تحديات هيمنة ثقافة الإمتاع الرخيصة والاستهلاك والتحكم الضار لمنطق السوق في مصير الثقافة الجادة.

في العراق اليوم ميول يسارية من شتى الأنواع وحول مختلف القضايا. هناك بين اليساريين من يتمسك بنموذج ما للمجتمع الاشتراكي، وهناك من يصنف على اليسار لأنه يتمسك بالحقوق الأساسية المواطن وحرية التعبير وسيادة القانون، أو بالنظرة العلمانية الرافضة للتطرف الديني وباستقلالية الدولة عن المجتمع. هكذا لدينا مجموعة من القضايا والمواقف التي تقترب بدرجة أو بأخرى من فكرة اليسار وتسهم في صياغتها الملموسة كمشروع تاريخي. اليسار فكرة متحركة رغم ما فيها من ثوابت، ولا يوجد طرف يحتكرها لوحده. في العملية المعقدة التي نمر بها يحدث فرز بين اتجاهات محافظة فكرياً وثقافياً وأخرى تنزع إلى التجديد والتغيير. وبالتأكيد فإن المثقفين ينتمون إلى القوى الأكثر إدراكاً لقيمة المعرفة في التحرر الإنساني، لأهمية حرية التفكير والتعبير، للحاجة إلى رفض الطائفية والإرهاب”.

عمق الأفكار النقدية..

وفي مقالة بعنوان (أوراق كامل شياع.. عمق التوجهات والأفكار النقدية) كتب “جمال العتّابي”: “بمثل هذا الأثر الأدبي الواسع المعالم يقدم لنا كامل شياع ملامح جديدة من قراءات في الشأن الثقافي والرواية والفن والشعر، في كتاب صدر له مؤخراً 2021 دار المدى، من إعداد شقيقه فيصل عبد الله، وإذا كان فيصل قد أفلح في اختيار عنوان الكتاب (أوراق كامل شياع)، فإنه قد أفلح في التعريف بكاتب لم نعرف عن كتاباته قبل عقدين أو أكثر من عام 2003، أي منذ أن غادر كامل العراق، يوم صار الوطن مجمرة، والموت حارس البوابات الشرقية.

أوراق كامل بمجموعها تمثل المقالات التي كتبها ونشرها منذ بداية تسعينيات القرن الماضي في الصحف والمجلات التي تصدر في لبنان وسوريا، أو في بلدان أوروبية، يرصد فيها الفنون المجاورة للأدب، و من المؤكد أن كامل شياع هو أحد الكتاب الذين يثيرون لدى القارئ فاعلية الجدل، حين يتناول الموضوعات الساخنة والحميمة التي تطالعنا في أجناس مختلفة ومتعددة في ميادين الإبداع، ليس بوسعنا في هذه المقالة أو الخلاصة أن ننقل سحر هذا العمل وألقه، إنه تفاعل يقظ ومدهش، قادر على التجاوز، وكامل قادر على التجاوز وأن يعطي معاني جديدة للأشياء، فالكتابة عنده متعة ومعاناة، والفكرة شاغل مستمر في عقله، تستحق المزيد من التفكير والتأمل”.

ويؤكد: “أقول بثبات ويقين إن كامل نمط من المثقفين لا خيار لهم إلا الاشتغال بالكلمة والمعرفة والحوار، تجربته الفريدة تلخص لنا عالماً من الانتماء إلى هذا العالم ومحيطه، تجربة تعيد صياغة معنى الثقافة لتسمو بها اليوميات، يجد في فهمه للثقافة اكتشافا للمعاني الإنسانية، عبر ما أنتجته عقليته النيرة، هو من القلة القلائل الذين يجيدون التحدث بست لغات ويكتب فيها، ومن صفوة المثقفين الذين تخصصوا في الكتابة عن الموسيقى والسينما والتشكيل والاجتماع والسياسة، فضلا عن الكتابة في المسائل الأدبية الأخرى، مع تفوقه في تخصصه الدقيق في الفلسفة، إذ قدم أطروحته للماجستير بعنوان (اليوتوبيا معياراً نقدياً). وهو أبرز المشتغلين في هذا المجال، وله اجتهاداته التي فتحت آفاقاً رحبة في هذا الميدان.

في أوراقه يعمّق كامل توجهاته النقدية، ويعطي مفهومي الأدب والنقد بعداً فلسفياً عميقاً، يجد فيهما ضرورة فكرية وحاجة إنسانية، النقد كما يعتقد حالة مختلفة عندنا، لم يتأصل حامله الذي هو العلم، أو بالأحرى الروح العلمية كمرادف للتجرد، وشياع يكتب بتجرد ونبل وتواضع، مؤمن بامتياز بالحداثة في اللغة والترجمة والخطاب، مؤمن بالعقل والتنوير والحرية، والتوق إلى الحقيقة، والتحضر بأشمل معانيه وأرقّاها، هذا النزوع يضطرم في عقله وقلبه ووجدانه، صادراً عن تنبه وتيقّظ، كضرورة ثقافية وإنسانية، لقد إكتسب كامل مناعة خاصة ميزته عن الآخرين في نظرته للثقافة بشكل عام وللثقافة العراقية على وجه الخصوص”.

العنف والاغتيال..

في مقالة بعنوان (عبث العنف يغتال شياع) كتبت “إيمان حسين”: “سقط الكاتب والباحث والمثقف العراقي الكبير كامل شياع قبل أيام على أيدي قوة ظلامية لا تعرف للإبداع والعطاء معنى، حاله كحال آلاف العراقيين الذين يسقطون بعبث العنف الذي يغلف الحياة في العراق. عاد شياع إلى أرض الوطن بعد سنوات مريرة من الغربة القاتلة كان يحلم خلالها بالعودة إلى بناء هذا الوطن بطراز خاص، وبعودته هذه أعطى أملا كبيرا للمثقفين العراقيين المغتربين كلهم في أرجاء المعمورة كافة، بأن موعد العودة بات قريبا جدا، ولكن هيهات في زمن أُستبيح فيه الدم والفكر العراقيين معا.

كان شياع يرفض استخدام حماية خاصة له، فكان يسير في شوارع معشوقته بغداد من دون تلك الحماية التي تلتف حول المسئولين في البلاد، وكان يقول باستمرار إنه ليس بحاجة لها لأن ليس له أعداء. إنه كامل شياع النزيه بكل معنى الكلمة إنسانيا وثقافيا، وإذا كان هناك من ينظر إليه بحقد فسينظر إليه لما يمثله من رمز، وحسب علمي ليس له عداوة شخصية إلا ربما تلك التي تستهدفه كمركز وموقع ونهج بالعمل لا أكثر من ذلك”.

وتواصل: “قرر أن يتحدى الظروف والتحولات كلها التي يمر بها العراق، ولم يكن الوحيد من المثقفين العراقيين الذين كانوا في الخارج وعادوا إلى بغداد، واستمر يعمل فيها رغم ظروف العنف. كان يعمل في بناية وزارة الثقافة في شارع حيفا في عام 2006، وهو من الشوارع التي شهدت عنفا رهيبا، واستمر يعمل هناك.

وفي آخر مكالمة أجريتها معه قبل شهر تقريبا قال لي فيها «البقاء في العراق أمر محسوم بالنسبة لي، فلابد أن نسير مع التاريخ الذي يتحرك في العراق، ويجب أن نبقى معه إلى النهاية حتى يتعافى ويقف على قدميه من جديد». بهذه الكلمات أنهى مكالمته، لكنه لم يفكر أبدا أن الرصاصة كانت أقرب إليه”.

وفاته..

اغتيل “كامل شياع” في 23 أغسطس 2008 فوق أرض طريق محمد القاسم (الخط السريع) بالقرب من شارع فلسطين، وهو من الشوارع المأهولة والذي يربط أهم شوارع العاصمة، ولا يخلو من مرور السيارات، غير أن القتلة استعملوا السلاح الجديد الذي دخل العراق حديثا، المدعم بكاتم الصوت.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة