خاص: قراءة- سماح عادل
انتقل الكتاب إلي الحكي عن حضارة اليابان، وكيف أنها حكمت من قبل طغاة، وأن الحكومة المركزية كانت ضعيفة بضعف منصب الإمبراطور، مما أتاح الفرصة للقواد العسكريين بأن يحكموا تحت مظلة الإمبراطورية الضعيفة. وذلك في الحلقة الثانية والثلاثين بعد المائة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
“الشواجنة”..
انتقل الكتاب للحكي عن الحكام الذين حكموا في اليابان وعرفوا ب”الشواجنة”: “كان من شأن هذه الظروف القائمة أن سنحت الفرصة لظهور فئة من الطغاة العسكريين الذين قبضوا بأيديهم على زمام الأمور كلها، في كثير من أجزاء الجزر اليابانية؛ ولم يعترفوا بالإمبراطور إلا على أنه ظاهرة مقدسة في اليابان يحتفظ بها بأقل ما يمكن من النفقات؛ وجعل الفلاحون الذين لم تعد تحميهم من عصابات اللصوص جيوش الإمبراطور ولا رجال شرطته، يدفعون الضرائب لهؤلاء “الشواجنة” أي القادة بدل دفعها للإمبراطور، لأن “الشواجنة” وحدهم هم الذين كانوا يستطيعون حمايتهم من اعتداء اللصوص.
وهكذا ساد النظام الإقطاعي في اليابان لنفس الأسباب التي كان قد ساد بسببها في أوربا، وأعني أن مصادر السلطان في الإقطاعيات ازدادت نفوذاً بمقدار ما فشلت الحكومة المركزية النائبة في حفظ الأمن والنظام.
وحدث في سنة 1192 أن جمع “يوريتومو”- وهو أحد رجال قبيلة ميناموتو- حوله جيشاً من الجند والعبيد، وأقام لنفسه سلطة مستقلة، اتخذت لنفسها اسماً هو اسم المكان الذي قامت فيه، وهو “باكوفوكاماكورد” وكلمة “باكوفو” معناها منصب عسكري، وإذن فهي تدل صراحة على نوع الحكومة الجديدة؛ ومات “يوريتومو” العظيم فجأة في عام 1198 أعقبه في الحكم أبناؤه الضعفاء، وذلك- كما يقول المثل الياباني- لأن “الرجل العظيم لا ذرية له”.
فأقامت أسرة منافسة وصاية لنفسها على العرش عام 1199 ويسمى العهد باسم “وصاية هوجو”، ولبثت تلك الأسرة مدى مائة وأربعة وثلاثين عاماً تحكم “الشواجنة” الذين كانوا بدورهم يحكمون الأباطرة.
غزو اليابان..
وعن غزو اليابان يواصل الكتاب: “فكانت هذه الحكومة الثلاثية فرصة سانحة لقبلاي خان يحاول فيها غزو اليابان؛ فقد وصفها له الكوريون الدُّهاة الذين كانوا يخشون بأسها، فقالوا إنها من الثراء بحيث تستحق المجهود؛ فأمر قبلاي بناة سفنه أن يشيدوا له أسطولاً بلغ من الضخامة حداً جعل شعراء الصين يصورون التلال باكية ترثى ما سُلِبَ من غاباتها؛ ويقول اليابانيون- حين يروون حوادث الماضي رواية الفخور ببطولته- إن النفس بلغت سبعين ألفاً، لكن المؤرخين الذين لا يتأججون بمثل هذه الحاسة الوطنية يكفيهم من العدد ثلاثة آلاف وخمسمائة سفينة ومائة ألف محارب.
وتبدّى هذا الأسطول الجبار على مبعدة من شواطئ اليابان في أواخر سنة 1291 فخرج سكان الجزر الأبطال ليلاقوه في أسطول لهم بنوه على عجل؛ وهو أسطول ضئيل بالقياس إلى الأسطول المهاجم؛ لكن حدث لهذه الأرمادا، ما حدث للأرمادا التي كانت أصغر منها، وإن تكن أشهر، وهو أن هبت “ريح عظيمة” لا تزال مذكورة لما أسدته للناس من جميل، هبت فحطمت سفائن “الخان” الجبار، إذ رطمتها على جوانب الصخور، وأغرقت من بحارته سبعين ألفاً، وأبقت على بقيتهم ليعيشوا حياة الرقيق في بلاد اليابان.
ودارت الدوائر على أسرة “هوجو” عام 1333، إذ أصابتهم السيطرة هم أيضاً بسمومها، وانتهى الأمر إلى انتقال الحكم الوراثي من أيدي الأبالسة والعباقرة إلى أيدي الجبناء والحمقـى”.
تاكا توكي..
ويضيف الكتاب: “كان آخـر هذه السلالة رجل يدعى “تاكا توكي” يحب الكلاب حباً شديداً، فيقبلها بدل الضرائب، حتى لقد جمع منها عدداً يتراوح بين أربعة وخمسة آلاف، وأعد لها حظائر زينها بالذهب والفضة وأطعمها بالسمك والطيور، وهيأ لها العربات المزخرفة تحملها للتنزه؛ فوجد الإمبراطور القائم على العرش إذ ذاك، وهو “جو دايجو” أن انحلال حماته فرصة سانحة يستعيد فيها سلطانه الإمبراطوري، وأيدته قبيلتا “ميناموتو” و “أشيكاجا” وقادتا له جيوش حتى ظفرتا له بالنصر على “أسرة الوصاية” بعد سلسلة من هزائم.
ومن ثم أوى “تاكا توكي” ومعه ثمانمائة وسبعون من عبيده وقادته، إلى معبد، وجرع كأساً أخيرة من “الساقي” ثم أنزل بنفسه “الهاراكيري” (أي أنه أنتحر)؛ ولقد أخرج أحد الحاضرين أمعاء المنتحر بيديه قائلاً: “إن هذه لتضفي على الخمر طعماً لذيذاً””.
“أشيكاجاتا كاوجي”..
ويتابع الكتاب عن حاكم آخر: “وانقلب “أشيكاجاتا كاوجي” على الإمبراطور بعد أن كان هو الذي أعانه على استعادة سلطته؛ وقاتل الجيوش التي جاءت لإخضاعه قتالاً موفقاً من حيث خطته العسكرية ومؤامرات الخيانة؛ وأزال “جودايجو” عن العرش ليضع مكانه إمبراطوراً صورياً هو “كوجون”، وأقام في كيوتو تلك الحكومة العسكرية المعروفة باسمه “أشيكاجا” والتي ظلت تحكم اليابان مدى مائتين وخمسين عاماً سادتها الفوضى والحرب الأهلية التي لم تنقطع.
ولا بد لنا أن نعترف هنا بأن جزءاً من تلك الفوضى كان يرجع إلى الجانب السامي من طغاة “أشيكاجا”- وهو حبهم للفن ورعايتهم له؛ فهاهو ذا “يوشيمتسو” قد مل الكفاح فأدار يديه نحو التصوير، حتى أصبح يعد من مصوري عصره الأفذاذ، وارتبط “يوشيمازا” بصلات الود مع كثير من المصورين، وأعان بالمال كثيراً من الفنون، وأصبح في عالم الفن ذواقة دقيقاً، حتى ليعد هواة الآثار الفنية اليوم القطع التي كان قد اختارها هو وأتباعه خير ما يستحق الاقتناء.
لكن مهام الحكم الإداري قد أهملت إذ ذاك، ولم يعد حفظ الأمن والسلام في مقدور القادة العسكريين (أي الشواجنة) الأغنياء، ولا في مقدور الأباطرة الذين حل بهم الإفلاس. ”
فوضي وقراصنة..
ويكمل الكتاب عن حدوث فوضي: “فكان من شأن هذه الفوضى نفسها وما أصاب الحياة من انحلال، ومطالبة الأمة بقادة يهيئون لها النظام، أن ظهر القراصنة الثلاثة المعروفون في التاريخ الياباني؛ وتقول الرواية إن هؤلاء الثلاثة- وهم “نوبوناجا” و”هيديوشي” و”أيياسو”- اعتزموا أن يتعاونوا معاً في شبابهم على إعادة الوحدة لوطنهم، وحلف كل منهم يميناً على أن يطيع طاعة الأتباع مَنْ يفوز من زميليه الآخرين بموافقة الإمبراطور على توليه حكومة اليابان(42)؛ وحاول “نوبوناجا” بادئ ذي بدء، لكنه مُني بالفشل، وحاول بعده “هيديوشي” لكنه مات حين أوشك على النجاح؛ وكان “أيياسو” يرقب فرصته، فجاءته آخر الأمر وحاول بعد زميليه، وأسس الحكومة العسكرية المعروفة باسم “توكوجاوا”. وبهذا افتتح عهداً من أطول عهود السلام، وعصراً هو من أخصب عصور الفن، في تاريخ الإنسانية كلها”.