خاص: قراءة- سماح عادل
يحكي الكتاب عن الاستعمار الغربي الذي اجتاح الصين وبدأ بوصول البرتغاليون إلي الصين ثم دخلت بريطانيا فيما يعرف بحرب الأفيون الأولي. وذلك في الحلقة المائة والرابع والعشرين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
الخطر الأبيض..
يحكي الكتاب عن خطر الأوربيين علي الحضارة الصينية: “اتخذت هذه القوى شكل الانقلاب الصناعي. فقد نشطت أوربا وتجدد شبابها على أثر كشف القوى الآلية واستخدامها في صنع الآلات ومضاعفة الإنتاج. وما لبثت أوربا أن وجدت نفسها قادرة على إنتاج سلع أرخص من التي تنتجها أية أمة أو قارة ظلت تعتمد على الصناعات والحرف اليدوية. وعجزت أوربا عن تصريف منتجات آلاتها بين سكانها، لأنها كانت تؤدي لعمالها أجوراً أقل بعض الشيء من القيمة الكاملة لجهودهم، واضطرت من أجل ذلك إلى البحث عن أسواق خارجية لتصرف فيها ما زاد من منتجاتها على حاجتها، فكان لا بد لها أن تستعمر ودفعها الاستعمار إلى الحروب.
وأصبح القرن التاسع عشر بحكم الظروف القائمة فيه وبدافع الاختراعات الكثيرة التي تعاقبت في خلاله لا ينقطع فيه النظام بين ما كان في آسية من حضارة قديمة ناضجة منهوكة، وما قام في أوربا الصناعية من حضارة فتية، قوية منهومة”.
البرتغاليون..
ويواصل الكتاب: “وكان الانقلاب التجاري الذي حدث في أيام كولمب هو الذي أفسح الطريق ومهد السبيل للانقلاب الصناعي. فقد كشف الرحالة عن أراضي قديمة، وفتحوا ثغورا جديدة، ونقلوا إلى الثقافات القديمة منتجات الغرب وأفكاره. وكان البرتغاليون المغامرون في أوائل القرن السادس عشر قد استولوا على جزائر ملقا، وكانوا من قبل قد ثبتوا أقدامهم في بلاد الهند، ثم طافوا حول شبه جزيرة الملايو، ووصلوا بسفائنهم الجميلة ومدافعهم الرهيبة إلى كانتون .
وكان أولئك القادمون خلقاً متوحشين لا يخضعون لقانون، ويعدون كل الشعوب الشرقية فريسة مشروعة مباحة لهم، ولم يكونوا يفترقون إلا قليلاً عن القراصنة.. إن كان بين هؤلاء وبينهم فرق على الإطلاق، وعاملهم الصينيون معاملة القرصان فألقوا بممثليهم في السجون، ورفضوا ما عرضوه عليهم من تجارة حرة، وكثيرا ما طهر الصينيون الغضاب الحانقون الأحياء التي استقر فيها البرتغاليون بذبح ساكنيها.
ولكن البرتغاليين أعانوا الصينيين على قتال غيرهم من القرصان، فكان جزاؤهم على هذه المعونة أن منحتهم بيكين حق الإقامة في مكاو وحكمها كأنها ملك لهم، فشادوا في تلك المدينة مصانع كبيرة لصنع الأفيون، وأجازت لهم أن يستخدموا في هذه المصانع الرجال والنساء والأطفال. ودرت عليهم هذه الصناعة أرباحاً عظيمة يكفي لمعرفة مقدارها أن نقول أن مصنعاً واحداً كان يعود على الحكومة البرتغالية التي أنشئت في هذا الإقليم بربح مقداره 000ر560ر1 دولار في كل عام”.
الأفيون..
وعن الأفيون يضيف الكتاب: “ثم جاء الأسبان وفتحوا جزائر الفلبين في عام 1571م واستقروا في جزيرة فرموزا الصينية وأعقبهم الهولنديون، وفي عام 1637م أقبلت خمس سفن إنجليزية وصعدت في النهر إلى كانتون وأسكتت بمدافعها القوية المدافع التي قاومتها وأنزلت في المدينة بضائعها. وعلم البرتغاليون الصينيين شراء الدخان وشربه، ثم بدأ في مستهل القرن الثامن عشر استيراد الأفيون من الهند إلى الصين. وحرمت الحكومة الصينية على الشعب تعاطي الأفيون، ولكن عادة تعاطيه انتشرت انتشار النار في الهشيم حتى بلغ ما استورد منه إلى الصين في عام 1795م أربعة آلاف صندوق . وحرمت الحكومة استيراده في تلك السنة وكررت هذا التحريم في عام 1800م ولجأت إلى المستوردين وإلى الأهلين على السواء تبين لهم ما لهذا المخدر القوي من أثر في إضعاف حيوية الأمة. ولكن تجارة الأفيون لم تنقطع رغم هذا التحريم، ولم تكن رغبة الصينيين في شرائه أقل من رغبة الأوربيين في بيعه، ولم يجد الموظفون حرجاً في تناول الرشاوي التي كانت تقدم إليهم ليتغاضوا عن أوامر التحريم بل كانوا يتقبلونها شاكرين”.
حرب الأفيون الأولي..
وعن حدوث حرب بسبب الأفيون يتابع الكتاب: “وأصدرت حكومة بيكين في عام 1838م أمراً بالتشديد في تنفيذ قرار تحريم استيراد الأفيون، وجاء موظف قوي يدعى لن تزه- شو فأمر من في كانتون من المستوردين الأجانب أن يسلموا ما في مخازنهم منه. فلما أبوا حاصر الأحياء الأجنبية وأرغمهم على أن يسلموه عشرين ألف صندوق من هذا المخدر، ثم أقام في كانتون شبه حفلة أفيونية أتلف فيها هذه الكمية كلها.
وعلى أثر هذا انسحب البريطانيون إلى هنج كنج وبدأت “حرب الأفيون” الأولى. وقال الإنجليز إن الحرب لم تكن حرب أفيون، بل كان سببها أنهم غضبوا لما أظهرته الحكومة الصينية من قحة وغطرسة في استقبالها ممثليهم أو برفضها استقبالهم، وما وضعته أمامهم من عقبات في صورة ضرائب باهظة ومحاكم فاسدة مرتشية أقامتها القوانين والعادات الصينية تعطل بها تجارة منظمة مشروعة. وأطلقوا المدافع على المدن الصينية التي كان في وسعهم أن يصلوا إليها من الشاطئ وأرغموا الصين على طلب الصلح باستيلائهم على مصب القناة الكبيرة عند شنكيانج. ولم تذكر معاهدة نانكنج شيئاً عن الأفيون، وتخلت الصين بمقتضاها عن هنج كنج إلى البريطانيين، وأرغمت الصين على تخفيض الضرائب إلى 5%، وفتحت للتجارة الأجنبية خمسة “ثغور معاهدات” (كانتون، وأموي، وفوتشو، وتنجبو، وشنغهاي)، وفرضت على الصين غرامة حربية لتغطية نفقات الحرب وما أتلفته من أفيون، واشترطت أن يحاكم الرعايا البريطانيون في الصين، إذا اتهموا بمخالفة قوانين البلاد، أمام محاكم بريطانية. وطلبت عدة دول أخرى منها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا أن تطبق هذه “الامتيازات الأجنبية” على تجارها ورعاياها المقيمين في الصين وأجيبت إلى طلبها”.
انحلال النظام القديم..
وعن بداية انهيار النظام القديم يكمل الكتاب: “وكانت هذه الحرب بداية انحلال النظام القديم. ذلك أن الحكومة خذلت أشد الخذلان في نزاعها مع الأوربيين، فقد سخرت منهم أولاً، ثم تحدتهم بعدئذ، ثم خضعت لهم آخر الأمر، ولم تفد الألفاظ الظريفة المعسولة في إخفاء الحقائق عن الوطنيين المتعلمين أو الأجانب المتربصين.
وسرعان ما ضعف سلطان الحكومة في كل مكان تسربت إليه أخبار هزيمتها، وما لبثت القوى التي كانت من قبل صامتة خاضعة والتي كانت تظل صامتة خاضعة لولا هذه الهزيمة ما لبثت هذه القوى أن ثارت علناً على حكومة بيكين. من ذلك أن وطنياً متحمساً يدعى هونج سيو- شوان، بعد أن تعلم طرقاً من البروتستنتية وتراءت له بعض الخيالات الوهمية اعتقد في عام 1843م أن الله قد اختاره ليطهر الصين من عبادة الأوثان ويحولها إلى المسيحية.
وبعد أن بدأ هونج عمله بهذه الدعوة المتواضعة تزعم آخر الأمر حركة ترمي إلى القضاء على أسرة المنشو الحاكمة وإيجاد أسرة جديدة هي أسرة التاي بنج أي السلم العظيم، وحارب أتباعه حرب الأبطال البواسل يحدوهم التعصب الديني من جهة والرغبة في إصلاح الصين على غرار الدول الأوربية من جهة أخرى، وحطموا الأصنام، وقتلوا المخالفين من الصينيين، وأتلفوا كثيراً من دور الكتب والمجامع العلمية القديمة ومصانع الخزف القائمة في جنج ده- جَن، واستولوا على نانكنج وظلت في أيديهم اثنتي عشرة سنة (1853-1865م)، وزحفوا على بيكين وزعيمهم من خلفهم في مأمن من الأعداء منغمس في ترفه وملذاته؛ ولكنهم هزموا وتشتتوا لعجز قادتهم، وارتدوا إلى أحضان إخوانهم مئات الملايين الصينيين”.