خاص: إعداد- سماح عادل
“فائق حسن” فنان تشكيلي من العراق، ولد في بغداد عام 1914، وتخرج من البوزار عام 1938، وأسس فرع الرسم في معهد الفنون الجميلة عام (1939- 1940) مع الفنان “جواد سليم”.
حياته..
بدأ “فائق حسن” حياته في محلة البقجة في بغداد، وكانت حياته الفنية تعبيرا عن الطبيعة التي عاشها بواقعية أكاديمية، كما عبر عنها في بعض اللوحات بطريقة المدرسة الحديثة، ويعتبر من أكثر الفنانين العراقيين واقعية لالتصاقه بالواقع والبيئة الشعبية العراقية، كما أنه نحات ورسام بارع، فهو يهتم باللون بالدرجة الأولى، ولم يهمل (الفورم- الشكل) لأنهما بالنسبة له عنصران مكملان لبعضهما البعض، ويتعامل معهما كوحدة ضرورية عضوية لعمل اللوحة. وهو يختلف عن زميله “جواد سليم” الذي فضل (الشكل) أكثر من تفضيله للون.
يقول “فائق حسن ” في حوار معه: “كنت وأنا صبي أحس بدافع قوي عارم يدفعني لتقليد ما أراه من رسوم ورسم ما أجده أمامي من مرئيات، وأذكر إن رغباتي العارمة تلك بلغت حدا جعلني لا أستطيع منها فكاكاً فقد سيطرت علي وأخذت بمجامع نفسي. الحقيقة أنني لا استطيع أن أحدد كيف بدأت, فهي فترة من حياتي يكتنفها ضباب كثيف، إلا إنني أذكر حتى الساعة أن الرسام الرائد الذي فتحت عيني فوجدته شاخصاً أمامي كان عبد القادر الرسام، لقد أعجبت به أيما أعجاب وحاولت أن اتصل بهِ, وفعلاً زرته في بيتهِ وشاهدت مرسمه ورأيت كيف تبدع الريشة الفنانة ذات النتاج الجميل”.
أصبح “فائق حسن” خلال النصف الثاني من القرن العشرين ظاهرة متميزة في الفن العراقي، فهو المؤسس الأول، بلا منازع، لفن الرسم في العراق، هذا ما وصفه به زميله الفنان “شاكر حسن آل سعيد” في أحد لقاءاته، فهو حقاً فنان كبير له الفضل في إرساء قاعدة فنية على أسس موضوعية أسهمت في تأسيس معهد الفنون الجميلة بالتعاون، مع زميليه فنان الشعب “جواد سليم” والفنان المسرحي القدير “حقي الشبلي”. كما أنه كان مصمماً لعمل الديكورات المسرحية، فكان له الدور الكبير مع الفنان “حقي الشبلي” بتأسيس المسرح العراقي.
عندما أرسل “فائق حسن” في بعثة دراسية إلى باريس لدراسة الفن، جمع أغلب أعماله وقام بعرضها على البروفسور “روجيه” فتقرر قبوله فوراً على أثرها وبلا تردد حسب ما ذكره. بعد تخرجه من (البوزار) في فرنسا عام 1938 اشترك في نفس العام في العديد من المعارض في بغداد وبيروت والكويت ومصر والجزائر والمغرب وأمريكا.
أسس جماعة الرواد عام 1950 وشارك في معارضها حتى عام 1967 حيث ساهم في تأسيس “جماعة الزاوية” وشارك في معرضها الأول. شارك في معرض “جمعية أصدقاء الفن” عام 1943 و1946. شارك في معرض “ابن سينا” الذي أقيم في بغداد عام 1952. أقام معارض شخصية في بغداد عام 1962 و1967 و1971 وشارك في جميع المعارض الوطنية خارج العراق . شارك مع تسعة فنانين في إقامة معرض للفن العراقي في بيروت عام 1965.
أبو الفن العراقي..
في مقالة تعريفية عنه يقول “تيفاني فلويد” ترجمة “فيفيان حمزة”: “غالباً ما يشار إلى فائق حسن بصفته أب الفن العراقي الحديث، فقد لعب خلال مسيرته الفنية عدة أدوار هامة في أوساط ساحة الفن العراقية الناشئة، بما في ذلك دوري المربي والمؤسس. خلال الفترة الحاسمة في عقدي الأربعينات والخمسينات، كرس فائق نفسه لابتكار شكل فني يعبر عن الشعور المتصاعد بالفخر الوطني لدى المواطنين العراقيين. اهتم كذلك بتطوير مهاراته التقنية ومهارات طلابه. في العقود اللاحقة، ظل فائق حسن يعتبر فناناً رائداً واستمر إرثه الفني يؤثر بشدة على الأجيال التالية.. تلقى فائق أول مكافأة لموهبته الفنية سنة 1933 إذ كان ثاني من حصل على منحة حكومية لدراسة الفن في أوروبا. سافر إلى فرنسا والتحق بالمدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس، حيث تلقى تعليماً في الفنون تقليدياً إلى حد ما. تابع دروس تاريخ الفن والعمل في المحترف بينما كان يتمم مشاريعه الفنية القائمة على نسخ الأعمال الفنية الهامة. تعرف حسن في تلك الفترة كذلك على شخصيات بارزة في أوساط الفن الحديث في أوروبا، وقد تأثر بشكل خاص ببعض الفنانين مثل ماتيس ودولاكروا مبدياً اهتماماً خاصاً بتعاملهما مع الألوان. مثل العديد من طلاب الفنون، أمضى فائق سنوات إقامته في باريس مستفيداً من جوانب دراسته الفنية وتجاربه الحياتية لتحويلها إلى ممارسة فنية قابلة للتطبيق، لذا شكلت تلك الفترة مرحلة من الاستكشاف وإغناء المعرفة حول ساحة الفن في العالم”.
ويواصل: “عاد فائق إلى بغداد بعد حصوله على البكالوريوس سنة 1938 ووافق، بعد فترة قصيرة من عودته، على استلام منصب في معهد الفنون الجميلة في بغداد كمدير لقسم الرسم والنحت. خلال فترة توليه هذا المنصب، التي دامت حتى 1962، أدخل فائق دروساً مبنية على التقنيات الغربية في الرسم وأضاف كذلك حصصاً لتدريس الفنون الإسلامية والعربية الشعبية، مثل صناعة الفخار والعمل بالمعادن. وذهب إلى أبعد من ذلك ببذله جهود لزيادة فعالية القسم فاهتم بتدريب مدرسي المستقبل وتوفير اللوازم الفنية الأساسية ونماذج جاهزة مصنوعة من الجبس. بالتزامن مع عمله كمدير، كان فائق أستاذاً متحمسا، أعطى دروساً في نظرية الألوان والمنظور والتشريح والتصميم بالإضافة إلى فصول في تاريخ الفن، وكان يشجع طلابه على البحث عن مصادر الاستلهام في محيطهم وشحذ مهاراتهم التقنية. اعتبر فائق حسن تطوّر الطلاب مسؤوليته الشخصية وأن من واجبه الإشراف على أول دفعة من الطلاب المتخرجين من المعهد. طوال العقد التالي، أصبح المعهد مركز النشاط الفني الرئيسي وتكرست سمعة فائق كشخصية رائدة في التربية الفنية العراقية بصورة حاسمة.. علاوة على عمله كمعلم، انضم فائق حسن إلى العديد من الجماعات الفنية التي كانت بمثابة محور للقاء بين الفنانين بهدف التفاعل فيما بينهم وإقامة المعارض الجماعية، منها جمعية أصدقاء الفن. في 1950، أنشأ حسن “جماعة الرواد” وأطلق عليها في البداية اسم “جماعة البدائيين” بالفرنسية (Société Primitive). بدأت الجماعة على شكل جمعية واسعة وغير نظامية وتألفت من الفنانين الذين كانوا يقومون برحلات إلى ضواحي بغداد لاستكشاف معالم الحياة خارج مركز المدينة المتنوع الجنسيات. لم ينشر الرواد بياناً خاصاً بالجماعة غير أنهم تميّزوا برغبة كانت تجمعهم ألا وهي التخلي عن الانغلاق في المراسم وممارسة الرسم المباشر بالاستلهام من البيئة المحيطة. عرض أعضاء الجماعة أعمالهم في منزل خاص إلى أن تم إنشاء المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد سنة 1962. في 1967، أسس فائق حسن جماعة أخرى عرفت باسم “الزاوية”، وكان تشكيلها رد فعل على حرب حزيران. كان أعضاؤها يتميّزون بقوة الخطاب المبني على الأهداف السياسية والوطنية التي يمكن للفن أن يعمل على تطويرها. لم تعش هذه الجماعة طويلاً في النهاية وأقامت معرضاً واحداً، مع أنها كانت تضم فنانين بارزين وذوي تأثير مثل إسماعيل فتاح ومحمد غني حكمت وكاظم حيدر”.
وعن أسلوبه يقول: “أما الجوهر الحقيقي في أعماله فكان قدرته على التقاط روح الحياة العراقية اليومية. وبالفعل كانت مادة مواضيعه مستمدة من المحيط العراقي، هيمنت رسوم القرويين والعمال والفرسان والمناظر الطبيعية على أعماله وكان يصوّرها برهافة انفعالية، أياً كان الأسلوب. أنجزت سلسلة لوحات فائق الشهيرة “فرسان عرب” بضربات فرشاة قوية مما يعطيها حيوية ملحوظة ويحمل الأشخاص فيها في كثير من الأحيان طابعاً رومانسيا. غير أن معظم أعمال فائق الأولى كانت تتصف بالتجريدية واستقامة الخطوط، كما أنه أبدى خلال مسيرته ميلاً للأسلوب الواقعي في رسومه التي تصور أفراداً من الأكراد والعرب البدو. تدل كافة هذه الأعمال على اتساع كفاءته الفنية وعلى تكريس فنه لنقل حس ذي طابع عراقي كان يتماشى مع المشاعر الوطنية التي كانت سائدة حينذاك”.
الاحتفاء باللون..
وفي مقالة أخرى بعنوان (فائق حسن من العشرة الملونين في العالم) يقول “عبد السلام عطا الله”: ” لقد كانت حياة فائق حسن زاخرة بأعمال فنية كبيرة جدا عالجت مفردات الحياة بمختلف إيقاعاتها وألوانها، وبواقعية فنية ميزت أسلوبه ومدرسته عن الآخرين, لقد جسد الفنان في لوحاته جوانب متعددة من بوادي العرب وصحاريها وخيولها العربية الأصيلة، وفائق حسن يعد من الفنانين الأوائل الذين جسدوا جمالية الحصان العربي الأصيل بحركاته الرشيقة والتي أعطته القدرة على التميز. الفروسية والحياة العربية كانت تشكل جانبا كبيرا في أعمال الفنان فضلا عن تناوله مواضيع في الحداثة والتجريد، فلقد أبدع في وضعه للون لما يمتلكه من جرأة وإحساس عالي يصل به إلى ذروة التعبير، من خلال الهارموني اللوني الممتزج بقراءة دقيقة لعمق الحياة العراقية البغدادية بصورة خاصة والحياة العربية ببداوتها من جانب آخر, فلو تأملنا أعمال هذا العملاق نجد فيها القدرة العالية في التكنيك اللوني من خلال ضربات الفرشاة التي كانت تفصح عن جمالية وإبداع نادر كان الفنان الراحل يهتم كثيرا بالجوانب التشريحية للوحة, وكما أسلفت أن الخيول العربية هي بمثابة البطل في لوحات الفنان فائق حسن مظهرا جمالية وتشريح العضلات لتلك الخيول بقدرة تكنيكية رائعة جـدا, وهذا طبعا ناتج عن الدراسة المعمقة، الأمر الذي أعطى لحركات الخيول إيقاعا ساحرا مثيرا”.
ويواصل: “أتيحت لي فرصا عديدة في أن أشاهد الفنان فائق حسن وهو في قاعته المسماة (قاعة فائق حسن) في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد مع طلابه, كان يجلس على كرسيه واضعا غليونه في فمه وهو يراقب الطلبة أثناء رسمهم للموديل, أحيانا يتجول بينهم ويلاحظ أعمالهم, وفي أحد المرات أخذ الفرشاة من أحد الطلبة ومزج أكثر من لون ووضعه على اللوحة بكثافة وعلق قائلا (لا تخف ضع اللون كما تحسه ولا تتردد الجرأة مطلوبة للرسام), بقينا مندهشين لما أدخله الفنان فائق حسن على اللوحة ولقد كانت ضربة فرشاته مثلما يقولون (ضربة معلم).. عاصرت العديد من طلابه الذين درسوا على يديه وتأثروا فيه وساروا على خطى مدرسته الأكاديمية في الفن التشكيلي. هناك من يقول أن الفنان فائق حسن لم يدخل تجربة التجريد والحديث, وأنا أقول أن هذا الرأي غير دقيق, هناك شاهد حي ليومنا هذا شاخص في مدينة بغداد الحبيبة وفي منطقة الباب الشرقي ألا وهي جدارية كبيرة رسمت ونفذت من قبل الفنان فائق حسن، وهي تمثل مسيرة الشعب العراقي في نيل الحرية وكانت قد رسمت بأسلوب الحداثة والرمزية، وكانت غاية في الجمال والروعة فضلا عن وجود أعمال حديثة الأسلوب للفنان الراحل لدى بعض محبيه وتلامذته الذين اعتزوا كثيرا بهذه الأعمال. يعد الفنان الراحل فائق حسن من كبار الفنانين في هذا العصر في عالم الرسم وما وجود إحدى لوحاته معلقة في متحف اللوفر في باريس إلى جانب لوحات عظام الرسامين من المشاهير أمثال مانيه وروبنز وانكرز ورامبرانت إلا دليل على قدرة هذا الفنان المبدع والذي يعده المختصون في فن التشكيل والرسم واحد من العشرة الملونين في العالم” .
ذاكرة لون..
وفي مقالة ثالثة بعنوان (فائق حسن.. ذاكرة لون) يقول “أمجد ياسين”: “ليس هدفي الوصول إلى نيل الشهرة، لكن لإثبات وجودي كفنان فقط، هذا ما كنت قد بدأته مع جواد سليم وسأستمر عليه بعد رحيله، بحثا عن الحقيقة لإيجاد فن عال أصيل يفخر به وطننا والأجيال القادمة” بهذا التواضع الجم الذي يكتنز الشهرة والإبداع كانت رؤية أحد أشهر فناني العراق المؤسسين للفن باعتباره أسلوب حياة، فهو لا يبحث عن الشهرة بقدر بحثه عن إنسانيته ووجوده التي يستمده من الفن. معداً الفن حالا أبدية لا بد وأن تستمر شرط أن يكون الفن رسالة حياة وليس وظيفة، فما كان قد بدأه مع زميله جواد سليم أصبح هدفا له للاستمرار عليه وتأكيده عبر رحلة عمره الغنية بالانجازات والمحطات المهمة على مستوى الفن العراقي والعربي ( 1914 – 1992). فمن حاول الابتعاد عن الشهرة لصالح فنه ورسالة الإنسانية، لم تدعه الشهرة حتى بعد مماته، وأبت إلا وأن تذكرنا به، ليبتسم الحظ للعراق بان أوقف قبل أيام بيع إحدى لوحاته المهربة التي عرضت في أحد مزادات إمارة دبي الفنية، التي كانت معروضة سابقاً في متحف الرواد للفن العراقي في بغداد”.
وفاته..
توفي “فائق حسن” في يوم 11 كانون الثاني 1992.