11 أبريل، 2024 4:57 م
Search
Close this search box.

كمت 17:  الخيرات الطبيعية جذبت المصريين إلى بلاد النوبة والسودان

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الثاني في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.

علاقة مصر بالبحر الأحمر وبلاد بنت..

يؤكد الكتاب على أنه أقدم الوثائق عن ملاحة المصريين في البحر الأحمر يرجع تاريخها إلى الملك “سحورع”، أحد ملوك الأسرة الخامسة، ولم يركب المصريون الأحمر إلا نادرا، إذ كان معظم ملاحتهم في البحر الأبيض المتوسط، ولكن منذ أن خاطر البحارة في سياحتهم، نحو الجنوب باحثين عن بلاد الآلهة الخرافية التي وصلوا إليها، وأحضروا بعض محاصيل كانت مجهولة، والملاحة في البحر الأحمر بدأت تأخذ شكلا جديدا وأهمية.

وكل ما هو معروف أن أول رحلة دونت إلى بلاد “بنت” هي التي أرسلت في عهد الملك “سحورع”، وقد دون فيها أنه قد أحضر إلى مصر المر ومعدن الالكتروم، والأخشاب الأجنبية بكميات وفيرة، وكان المصريون يتخيلون بلاد “بنت” على أنها ذات أشكال غامضة سرية، وهذه البلاد كان يجلب منها البخور والراوئح العطرية والصموغ المقدسة التي كانت تفتقر إليها مصر، وبلاد بنت كانت تقع في المنطقة التي تشمل بلاد ارتريا والصومال من جهة، وشواطئ بلاد العرب السعيدة من جهة أخرى، وتدل الأحوال على أن المر والبخور كانا يجلبان من اليمن والأقاليم الإفريقية الواقعة على البحر الأحمر، أما الذهب والأبنوس فكانا على العكس يجلبان من إفريقية.

العلاقات التجارية مع البلاد المجاورة..

لم تكن تجارة مصر مع البلاد المجاورة لها أهمية تذكر، باستثناء بلاد النوبة، إذ كانت تجارتها مع فلسطين وبلاد سوريا تجري معظمها عن طريق البحر، وكان المصري في كل العهود يتحصن ضد أية غارة تأتي له من البلاد المجاورة، ولذلك كان يقيم الحصون والقلاع ولما أصبحت قوية بالحصون أخذت منطقة النفوذ تمتد تدريجيا، حتى ضمت شبه جزيرة سينا وسهول فلسطين الواقعة بين البحر الميت، وساحل يافا وعسقلان وغزا، وقد كانت المحاصيل المصرية ترد إلى هذه الجهات، ويؤخذ بدلا منها النبيذ وزيت الزيتون، وقد كان يجتمع في هذه التخوم رجال القوافل السورية الذين كانوا يوثقون الروابط التجارية مع بلاد الارنت بسهل سارون .

أما من جهة لوبيا وهضبة برقة فقد كانت فيها قبائل رعاة تثور أحيانا، مما كان يحمل الملك على حماية الدلتا الغربية وحدودها، وكان يجلب منها الزيت الذي يطلق عليه الزيت اللوبي، وكان يستعمل لتدليك الأجسام. وهجمات اللوبيون كانت تجعل الملك يقوم بحملات ضدهم، وقد كان سكان الواحات، وهم من الجنس اللوبي أيضا، خاضعين لسلطان ملك مصر وكانت صناعتهم رعي بعض الحيوانات وجنى ثمار نخيلهم، وكانوا يزرعون الكروم الذي كانت له شهرة خاصة، وكان الملك يؤدبهم إذا قاموا بأي عصيان.

أما سكان “ايونيتو”، وهم سكان الكهوف في صحراء العرب، فلم يكن لهم أيه سطوة لأنهم كانوا قوما جياعا، وأهم ميزة لهم أنهم كانوا قواد قوافل جيدين، عندما كانوا يفضلون هذه المهنة على القيام بغارات على بلاد النيل المجاورة. وفي المجمل كانت العلاقات التجارية تجري بدون عناء بين لوبيا، والواحات، وشبه جزيرة سيناء، وبدو صحراء العرب، على أنه في الواقع كانت الأقاليم الخارجة عن وادي النيل والقريبة منه تعتبر أنها جزء من الدولة المصرية، ولكنها في النفس الوقت كانت تتطلب يقظة دائمة، وغالبا ما كان يقوم بهذه المهمة رجال، من بين رجال هذه القبائل نفسها، مقابل أجر يدفعه الملك لهم.

العلاقات التجارية بين مصر وبلاد النوبة والسودان..

كان إقليم أسوان منذ أقدم العهود المصرية يعتبر الجهة التي تتجمع فيها تجارة سكان مصر وبلاد النوبة، ولا غرابة في ذلك فإنه كانت بين البلدين روابط جنسية وثقافية، إذ نجد أن نمو البلدين وثقافتهما العامة من الشلال الأول قد بقيت واحدة بشكل ظاهر، ولكن الوحدة الثقافية التي كانت بين البلدين انفصم عراها في العصر الذي بدأ فيه ملوك “نخن” “الكوم الأحمر” يتولون عرش مصر، ومنذ العهد الطيني أخذت بلاد النوبة السفلى تتباعد عن الصعيد، وتنحاز إلى السودان فغلب عليهم في ذلك عوامل الدم.

إن مقاطعة الفنتين، المتاخمة لحدود بلاد النوبة، رغم أنها كانت تابعة لمصر سياسيا فقد بقى سكانها من الجنس النوبي حتى هضبة السلسلة، وكان هذا الإقليم يطلق عليه اسم “أرض ستت” “تا ستت” أي نوبية أو مقاطعة النوبيين، وقد بقيت صبغة إقليم أسوان كما هي حتى الوقت الحالي، وذلك لأن موقعها الجغرافي جعل منها إقليم انتقال بين البلدين من الوجهة الجنسية ومن الوجهة التجارية، ويدل على ما كان بين مصر وبلاد النوبة من النشاط التجاري نفس كلمة “آب” ومعناها كلمة عاج، وكذلك “سونت” أي أسوان الحالية ومعناها التجارة.

كانت أهمية إقليم النوبة السفلي تنحصر في أنه الطريق الموصل إلى الصحراء التي  كانت تحتوي على مناجم الذهب الواقعة في الشرق، وكذلك نحو الأقاليم اليانعة الواقعة في أعالي النيل، وقد كان سكان قبائل هذه المقاطعة يعيشون على تربية الماشية، ومن تسهيل سبل المبادلة بين القطرين، وكان ملوك الدولة القديمة يرسلون الحملات المسلحة إلى هذه الجهات، لتأمين الطرق التي تؤدي إلى السودان، أو لإخضاع أهالي النوبة المغيرين على بلاد القطر، وكانت هذه الحملات تأتي بفوائد إذ كانت تستولي على ما لديهم من العاج والأبنوس.

لم تصل الفتوح المصرية إلى الشلال الثاني، أما الأقاليم السودانية التي كانت تقع في الشرق فإنها لم تكن معروفة، إلا عن طريق روايات النوبيين من الخدم والجنود، الذين قاموا برحلات متوغلين في داخل هذه البلاد مع عظماء الفنتين، وقد كان المصريون بسبب صعوبة الطريق يختارون لأجل التبادل ما خف حمله وغلا ثمنه، فكان المصري يحمل معه الخرز مختلف الألوان والمجوهرات والسكاكين خشنة الصنع والروائح ولفافات النسيج الأبيض أو الملونة، التي ما تزال تروق في أعين هذه الجهات الإفريقية حتى الآن، أما أهالي النوبة والسودانيون فكانوا يدفعون ثمن لهذه الأشياء التي لا تقدر بثمن في نظرهم، الذهب على هيئة تبر أو قطع أو ريش النعام أو جلود الأسود أو الفهود أو العاج والودع وقطع خشب الأبنوس أو البخور أو الصمغ العربي، وكذلك كان يهتم المصريون بأخذ القردة والنسانيس التي كان الملوك والأمراء يتسلون بها ويعرضونها موثوقة في قوائم كراسيهم  في أيام المقابلات الرسمية، أما القزم فكان من السلع النادرة “دنج” فكان دائما يطلب ولكن دون الحصول عليه قط.

وقد أصبح أمراء الفنتين  يملكون ثروات وذلك بالنهب أو بالتجارة، وصاروا يعدون من عظماء أشراف الصعيد، وهكذا نرى أنه منذ العصر الطيني حتى نهاية الدولة القديمة ثراء البلاد الاستوائية كان يجذب المصريين إلى بلاد النوبة والسودان، ويحملهم على القيام ببعثات بالقوافل محفوفة بالمخاطر. وكان الرسل الذين يرسلهم الملك وأمراء أسوان يتبعون سياسة حكيمة هدفها توسيع نفوذ الملك المصري في هذه الجهات، وقد كان هذا يتطلب من وقت لآخر إرسال حملات تأديبية لإخضاع الثوار كما كان الحال في سيناء وسوريا وفلسطين.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب