خاص: إعداد- سماح عادل
“عمار التيمومي” كاتب تونسي، من مواليد 5 مارس 1969 بالكبارة من معتمدية نصر الله القيروان، أستاذ أول للتعليم الثّانوي، حاصل على الأستاذية من كلّية الآداب بمنّوبة، والماجستير من كلّية الآداب بالقيروان. وهورئيس جمعية قدماء كلّية الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة، كتب المقال والدراسات والرّواية والنّقد وقصص الأطفال.
من إصداراته :
– عيون العشاق، سوريا 2016.
– “البرنزيّ” رواية، تونس 2016.
– عكيريته وشوكون (حكاية لليافعين).
– المخبلة في شعورها وعلي بن السّلطان (حكاية لليافعين).
الكتابة مكيدة..
في مقالة بعنوان (البرنزي عندما تكون الكتابة مخاطرة ومكيدة وفخاخ) يقول الناقد “مراد ساسي”: “ولأن الكتابة ليست ظلّ الصّوت فقط بل آثار خطواتها الأبديّة وهو ما أدركته يقينا من خلال رصد الكتابة عند الرّوائي عمّار التيمومي خاصّة في روايته التي بين أيدينا ولعلّني لا أبالغ بل لحقيقة أن البرنزي أكثر من رواية أو قصّ. فرواية “البرنزي“، هي تحقيق مضادّ فريد لما يعتمل في بيئة تتنازع الوجود والتّاريخ أي في معركة من أجل تأصيل كيان البرنزي إلى حد ما يعتبر الإرث الإنساني كله وليس الفتى الضرب القيرواني المنحدر من قبيلة أو عشيرة في “بني جلاص” هو كما أريده وأراده- ربما الروائي- أخيل في نسخة تونسية شرقية أو “دونكيشوت عربان جلاص” كما اسمّيه في تعريف يحمل الحلم والفانتازيا، ولكن بطابع آخر ضارب جذوره في سحيق الذات ولعل أخاديد الأرض من سمرته تتشكل مع ما يتدفّق فيه من دم بربري أصيل، ورغم أنه ينتمي للهامش والبسيط فهو الوالد والمولود لشخصية فريدة عجائبية مائية تكتنف الكل من اجل الاستظفار بإشراقة حياة، ليقول أنا هو الجبل الذي لا تهزه ريح ولا تهزمه الاتجاهات، أنا الواحد في الكلّ وأنا نبات الصبّار ورائحة الطّين في خزف البادية، أحمل بقلبي بساطة الإنسان وقوّة الإيمان وإصرار الأنبياء وربما كرامات الأولياء، وهي عظمة مجبولة في الكبار فقط، والبرنزي كبير بمعاناته وصبره وجلده كقطعة فولاذ صلب لا تتعب ولا تذوي، أو هو طود من صخرة برنزية لا تفل ولا تتعب من ريح ولا من حفريات الزمان هو ما أراد لا كما أرادوه”.
يواصل: “«البرنزي» هي رواية مشبعة بالدلالات والتلميحات والرّموز، وأيضاً بالمراجع والاقتباسات الأدبية. عناصر تثري قصتها التي تشبه إلى حدٍّ بعيد قصة النبي داود. فمثل زبور، نشأ الكاتب في قرية صغيرة، وتربّى في كنف عمه داخل مجتمع قبلي تتحكّم بسلوكه لغة بداوة منفّرة بطابعها الرّسمي وجانبها المفخَّخ بالمحرّمات والخطاب مع لغة نظام رسمي يُخضع كل شيء في خانة “الأيديولوجي الواحد”. “البرنزي ” الرواية للكاتب عمار التيمومي إشارة إلى أن كل تجربة لها أدواتها، فالمبدع لا يحتفظ بنسق جاهز يقود طاقته، هكذا الحال في الرواية أيا كان جنسها أو اتجاهها النصي . والتجربة والعوالم التي يخلقها الروائي أو السارد في نصه ومهارته في منحها سمة التجلي والمكر والمراوغة والمجاز الذي يدهش القارئ أو المتلقي فيأتي ما لا يؤتى ويضرب بك في كل اتجاه أو كل ريع ويمنحك الشعور بذاك النسق الجمالي لأنه في الأخير هو قانون التوحد والتناسخ بين روح النصّ المحكيّ والمدارات العجائبيّة، وبين القارئ المنتشي بشوق البحث عما يؤسس كيانه ويطفئ جوعه أو عله يأسر إيمانه كطلاّب الحق، ضرب من صوفية المعنى والإيغال في تواشيح الذات على حافة تجريد الواقع حد الانتشاء والوله وأحيانا كثيرة الوجع. تلك هي أعلى درجات التّسامي والتّصعيد في نسج نص فريد ومكتظّ بأسئلة بحواف مسننّة تداهمك على غرة دون سابق إنذار، والذي يجعل الروائي يذهب بك ما وراء السّرد وما وراء الرّواية، تماما كربان بألف شراع في كفّ ريح واحدة، وهو ما ميّز كتابة عمار التيمومي في منجزه الروائي هذا، فهو الربّان المبحر بك إلى الضّباب طورا وأطوار أخرى إلى العباب كقائد يمضي بالمعجم الجمالي والمتخيل المحكي في اتجاه التطور، معبّدا السّياق الروائي ومنه الثقافي لأفكار جديدة، مع أنه ربما في سياقه الاجتماعي قد يكون مرفوضا، يتعرض لهجوم من أقلام الآخرين الذين يريدون له أن يكون مقلّدا، سائرا معهم في أفق محدود، في فضاء ضحل وهو ما رفضه لأنه أدرك مبكرا بأن الكتابة فخ، المتعة فيها مصيدة، والمكيدة تقعد لك بكل صراط فهي التورط والتمرد”.
يقول عنه الكاتب “رفيق بالرزاقة”: “عرفت الأستاذ عمار التيمومي عن قرب بحكم اشتراكنا في عضوية مركز تونس للإعلام السياحي، وقرأت له العديد من المقالات عن كل الولايات التونسية وهو متميز ومتألق بأسلوبه في الكتابة في مختلف المجالات الأدبية إذ هو يجيد كتابة المقالة والرواية والقصيدة، وله مسؤوليات تليق به كمثقف وأستاذ نير الفكر في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة، وهو إنسان لبق في حديثه وحواراته، ويزداد إشعاع الأستاذ عمار التيمومي عربيا”.
بطل أم جبل..
في مقالة بعنوان (“البرنزي” بطل أم جبل؟ “ما يهزو ريح”) يقول “بن مكي وليد” : “يلج القراء النصوص الأدبية من عتباتها، وأنا ألج “البرنزي” للأديب عمار التيمومي من فهرستها، إنها أول الملامح الخارجية للطرافة، فلا نجد تقسيما لها حسب الفصول، بل لا نجد تقسيما حسب المنطق ولا حسب تطور نسق الأحداث، غير أن الفهرست تغري القارئ بمطالعة كل صفحات عنوان منها، وعندما تطالع تلك الصفحات يزداد الإغراء أكثر، فتحاول مطالعة ما بعدها، فجأة ترتبك وتعود مكرها إلى بدايتها عن طيب خاطر لتعلم الأحداث السابقة و اللاحقة. والإكراه هنا محمود، كالإكراه الذي يمارسه القانون على الجميع فكل الناس مكرهون على احترام القانون حتى يضمنوا حقوقهم وحرياتهم. وفي الرواية أنت مكره على قراءتها لتعلم وتشعر وتستنتج وتحلم وتعيش مع تفاصيل حيوات شخصيات فاذة ونادرة واستثنائية”.
ويواصل: “يبدو أن البطل وكأنه “جبل ما يهزو ريح”، بيد أن مشاعر الحب تهزّه وتجلبه وتزعزعه والأنثى تبعثر كيانه وتزرع فيه في نفس الوقت مشاعر الانتماء إلى الأرض باعتبار الأنثى خصوبة “افروديت”، المهم أن شخصيات النسوة في الرواية رغم الفجوات في كل واحدة منهن، إلا أنهنّ يجتمعن، لتكوِّن شخصية واحدة ذات أبعاد نفسية واجتماعية وعاطفيّة قادرة على مجابهة الحياة ومواجهتها وهو ما يرومه الراوي ومن ورائه المؤلف. وللرواية خصوصيات أخرى منها خصوصية الأساليب الإنشائية القائمة على الاستفهام بأنواعه و التعجّب بأصنافه، مما يجعلها رواية طرح الأسئلة، لكن أي أسئلة؟ إنها أسئلة الوجود التي تؤرّق الإنسان، منذ الأزل وتلك الأسئلة توجد في أغلب الروايات، بيد أن الطريف في “البرنزي” هو كشفها عبثية هذه الأسئلة ضمنيا، بواسطة سلوكيات الشخصيات ومواقفهم وأقوالهم، فهي تعيش لحياة بجميع تجلياتها والبحث عن الأجوبة عبثيّ، باعتبار أن ما يحياه الإنسان هو تحقيق لإنسانيته، وهي أجوبة عملية عنها، فاللعب واللهو والحب والشبق والشجاعة والمروءة واتخاذ القرارات الصعبة والمواقف الجريئة وتحمل المسؤوليات وتقبّل الحياة بخيرها وشرها، كلها تدخل في إطار تحقيق إنسانية الإنسان وفي إثبات الوجود ويرد في الرواية شيء كهذا وفحواه كالآتي”نعيش أصداء الحياة خير من أن نخسرها”.
وفاته..
توفى “عمار التيمومي” 27 مايو 2019 على أثر جلطة دماغية مباغتة.