خاص / بغداد – كتابات
كنا قد عرضنا في الجزء الأول من هذا البحث الثقافي – التاريخي للنشاط المسرحي في العشرين عاما الأخيرة من الحكم الملكي في العراق، وتحديدا السنوات 1938-1958، فيما سنعرض في الجزء الثاني لأبرز ملامح النشاط السينمائي في بغداد خلال الفترة ذاتها.
لقد عرف البغداديون السينما الناطقة في بداية الثلاثينيات(1) عندما عرضت “سينما الوطني“ في يوم عيد الفطر الموافق 19 شباط/فبراير 1931 الفيلم الغنائي “ملك الموسيقى“، فكان هذا حدثاً مهماً في تاريخ العروض السينما وتأثيراتها الثقافية والاجتماعية في العراق، اذ انبهر جمهور المشاهدين لهذا الحدث غير الاعتيادي، الذي ادى الى انحسار الافلام الصامتة تدريجياً وافولها بعد أن كانت هي السائدة، فأصبح لهذا النوع من السينما روادها المعجبون بها، مما حفّز على التوسع بانشاء دور جديدة للعرض السينمائي في مدينة بغداد.
ملامح تغيير إجتماعية
وكان قد ظهر إعلان مهم في الصحف علم 1927 يؤشر إلى تغير في الثقافة الإجتماعية السائدة،الذي تضمن إن “السينما الوطني خصص أماكن خاصة للنساء في صالة السينما ليشاهدنالافلام“. واعتبر بمثابة نافذة ترفيه نادرة قد انفتحت أمام الجمهور النسائي البغدادي، بعد ان كانمحرما عليهن الذهاب للسينما. كما ان الاختلاط لم يكن مباحا في دور السينما وصالات المسارح أوالأماكن العامة(2).
وكانت السنوات العشر بين 1920 – 1930 شهدت تطورا اجتماعيا لمصلحة المرأة، كان نظام الحكميقف خلفه بقوة، فهو شجّع تعليم المرأة وتجاوز الضغوط التي كان يمارسها التيار الديني المتشددآنذاك والذي كان يحرم المرأة حتى من حقها في التعليم.
وشهدت أوائل ثلاثينيات القرن الماضي حدثين فارقين، الأول عرض الأفلام الناطقة (تم ذلك أول مرةفي سينما سنترال)، والثاني عرض أفلام صورت في العراق ومنها ” الحفلة الربيعية للجيش العراقي” و“تدشين طيارة مدنية في بغداد“.
ودخل الفيلم المصري الغنائي إلى العراق، فعرضت “سينما الوطني“، فيلم “الوردة البيضاء” في6/12/1934 للمطرب محمد عبد الوهاب، بينما عرضت “سينما الزوراء” فيلم “أنشودة الفؤاد” منبطولة المطربة نادرة والملحن زكريا أحمد حيث تدور أحداث الفيلم في العراق. وقد وضعت لافتة في بابالسينما خط عليها “في هذا الفيلم تنشد المطربة نادرة اغنية: يقولون ليلى في العراق مريضة“ليتهافت الجمور المحب لهذا الفن الجديد من سكان بغداد على مشاهدة الفيلم، المأخوذ عن قصةالكاتب المصري د. زكي مبارك وهو واحد من كبار الكتاب والتربويين العرب والأجانب الذين أسهموافي وضع نظام تعليمي معاصر في العراق بعد استقلاله ودخوله عصبة الأمم المتحدة في3/10/1932.
ومن بين أفلام تلك الموجة، فضلا عن تلك التي تضم أعمال المطرب محمد عبد الوهاب، كانت الأفلامالتي تسحر الجهمور عبر صوت المطربة أم كلثوم: “وداد“، “نشيد الأمل“ و“دنانير” وهو فيلم تاريخيتدور إحداثه في بغداد أثناء عصر الخليفة العباسي هارون الرشيد، ومعظم أغنياته عن مدينة الجمهورالمتشوق ومنها “بغداد يادار السلام“، فسجّل عرضه فترة امتدت شهورا.
ومع توجه الدولة نحو تحفيز المجتمع عبر تنشيط القطاع الخاص، لوحظ إن ادارات دور العرض السينمائية كان معظمها تابعا للقطاع الخاص الذي اظهر نشاطاً ملموساً منذ بداية الثلاثينيات في انشائها، ومن اهم تلك الدور السينمائية كان(3):
سينما الرافدين : اسست عام 1932 تقع في شارع الرشيد
سينما الملك غازي: اسست عام 1934 من قبل نعيم شاؤول العزيز، وتقع في الباب الشرقي في رأس شارع الملك غازي، كان عدد مقاعدها (1050) في الصالة و 1580 في البلكون وفيها (25) لوجاً عدد مقاعد اللوج الواحد فيها (4) مقاعد.
سينما الحمراء: أسست عام 1935، وتقع في شارع الرشيد بالقرب من جامع مرجان، وصاحبهااسماعيل شريف عدد مقاعدها (1000) مقعد.
سينما الزوراء: أسست عام 1936 في شارع الرشيد محلة المربعة، واصحابها، الياس دنوس وسليم شوحيط.
سينما روكسي وسينما ركيس: تأسستا عام 1936 في شارع الرشيد بإدارة عبد الجبار سبع.
سينما الرشيد: تاسست عام 1937 في شارع الرشيد، عدد مقاعدها (1200) مقعد، مؤسسها انطوان مسيح وسودائي اخوان.
زيادة على ذلك كانت الافلام السينمائية تعرض في دور العرض الصيفية وقاعات بعض المدارس الثانوية في بغداد لاسيما المدرسة الجعفرية والتفيض.
اعيد تأسيس سينما الوطني في عام 1939 من قبل شركة السينما البغدادية براسمال قدره (35) الف دينار تقع في شارع الرشيد في محلة سيد سلطان علي.
وفي الاربعينيات تأسست في بغداد عدة دور للعرض السينمائي كان من اهمها:
سينما ديانا: انشأت عام 1943 وتولى ادارتها صائب الجصاني، وكان عدد مقاعدها (976) مقعداً، وفي سينما دار السلام: عام 1944 أسست من قبل عبد الرزاق الشيخلي في شارع الملك غازي محلة قهوة شكر، وكان عدد مقاعدها (1150) مقعداً.
وحاولت السفارة البريطانية استخدام السينما كوسائل دعائية لحلفائها اذ اهتمت بعرض الافلام السينمائية في دور العرض وفي الاماكن العامة.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية شهدت بغداد تأسيس دور عرض جديدة بفعل الاقبال المتزايد على السينما التي اصبحت من الوسائل التعليمية والتثقيفية المقبولة لدى قسم من الشرائح الاجتماعية المثقفة الى جانب اهدافها الترفيهية المعروفة. ومن ابرز هذه السينمات:
سينما الارضوملي (سينما بغداد) التي تم تأسيسها عام 1946 من قبل قدري الارضوملي وتُعد أول سينما في جانب الكرخ.
سينما الفردوس وسينما النصر: تم تأسيسهما في شارع الملك غازي محلة الهيتاويين عام 1947.
سينما النجوم التي افتتحتت عام 1949 وتقع في شارع الملك غازي محلة السنك، وتعود ملكيتها الى حبيب الملاك وبادارة سليم الاطرقجي. تخصصت في بدايتها بعرض الافلام العالمية ثم عرضت بعد ذلك الافلام العربية لاسيما المصرية منها وكانت تضَّيف الفنانين المصريين عند العرض الاول للفلم العربي في سينمات بغداد لاغراض دعائية.
كانت دور السينما في بغداد في تزايد مستمر فقد بلغ عددها حتى كانون الثاني عام 1950 حوالي (82) داراً للسينما منها 41 سينما صيفي مكشوفة. وكان معظم هذه السينمات يمتلكها اليهود او تدار من قبلهم.
سينما ريجنت: افتتحت عام 1949 في الصالحية بالقرب من تمثال الملك فيصل الاول.
سينما الخيام: وافتتحت في عام 1956 وكانت متطورة جداً من حيث مقاعدها ومزينة بالرسوم والصور وتقع في زقاق متفرع من شارع الرشيد.
فسحة اجتماعية وثقافية
لقد كانت السينما مثار اهتمام ابناء المجتمع البغدادي على اختلاف فئاتهم الاجتماعية، لذلك تهافتوا على مشاهدة الافلام السينمائية وارتياد دور العرض. وكان اكثر رواد هذه السينمات هم: التجار والملاكون والمعلمون وطلبة المدارس والمثقفون والاطفال والنساء على شكل عوائل في لوجات خاصة او يجلسون في المقاعد الامامية. وتكون اغلب تلك السينمات محتشمة بروادها منتظمة لا يسمح للمتفرجين بالتعليقات البذيئة او السمجة وفي حالة حدوث ما يخالف الآداب العامة يقوم المسؤولون باخراج من يسئ السلوك فيها فوراً. وتتوفر فيها النظافة والشروط الصحية وهي خاضعة لمراقبة الدولة، لذلك كانت السينما مكاناً للقّاء واللهو البريء المحبب لكل الأسر حيث تجد الاسر ملاذها في الانس الاسبوعي داخل الصالة، وكانت هذه الظاهرة شائعة في دور السينما في جميع المدن العراقية(3).
وكانت السينمات تقسم على ثلاث درجات اولى وثانية وثالثة حسب مواقع مقاعدها والواجها ( مقصوراتها ) وتوفر الخدمات الضرورية فيها وتعرض افلاماً متنوعة في اوقات معلومة لروادها في الساعة العاشرة والنصف صباحاً وفي الساعة الثانية والنصف ظهراً وفي الساعة الرابعة والنصف وفي السابعة والنصف مساءً وفي الساعة التاسعة والنصف ليلاً .
وكانت تستعمل وسائل دعائية لجذب المشاهدين عن طريق الصحافة او التجول في الشوارع بوساطة بعض المنادين الذين يستأجرون العربات للسير في شارع الرشيد من باب المعظم الى الباب الشرقي او يقفون امام دور العرض ويلفتون الانتباه الى الافلام السينمائية لغرض جذب المتفرجين.
وتختلف اسعار تذاكر دخول السينمات حسب درجاتها فمثلاً اجرة المقصورة المكونة من (4) كراسي كان( 550) فلساً واجرة كرسي في موقع ممتاز كان يبلغ (130) فلساً.
المصادر