8 أبريل، 2024 6:35 ص
Search
Close this search box.

قاسم حداد.. بدأ كتابة الشعر لتغيير الكون وتحولت إلى متعة خالصة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“قاسم حداد”  شاعر من البحرين، مواليد 1948، تلقى تعليمه بمدارس البحرين حتى السنة الثانية ثانوي. التحق بالعمل في المكتبة العامة منذ عام 1968 حتى عام 1975 ثم عمل في إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام من عام 1980. شارك في تأسيس (أسرة الأدباء والكتاب في البحرين) عام 1969. شغل عدداً من المراكز القيادية في إدارتها. تولى رئاسة تحرير مجلة “كلمات” التي صدرت عام 1987 عضو مؤسس في فرقة (مسرح أوال) العام 1970. يكتب مقالاً أسبوعياً منذ بداية الثمانينات بعنوان (وقت للكتابة) ينشر في عدد من الصحافة العربية. كتبت عن تجربته الشعرية عدد من الأطروحات في الجامعات العربية والأجنبية، والدراسات النقدية بالصحف والدوريات العربية والأجنبية. ترجمت أشعاره إلى عدد من اللغات الأجنبية. حصل على إجازة التفرغ للعمل الأدبي من طرف وزارة الإعلام نهاية عام 1997.

حالة حياتية..

في حوار مع “قاسم حداد” أجراه معه “حسن الفرطوسي”  يقول عن شعره: “الجاحظ يقول أن الموضوعات ملقاة على قارعة الطريق، لكن الأسلوب هو الرجل، فهذه حقيقة أزلية بأن الشكل هو الحاصل والمرئي، ويبقى التميّز في كيفية تناول هذا الشكل، كهواجس إنسانية وقضايا وجدانية بشكل مغاير وأسلوب يتفرّد به المبدع، وخلال تجربتي الشعرية كنت حريصاً على أن أغير من أسلوبي في كل كتاب جديد، لكي لا أكرر نفسي في الشكل والفكرة.. التعاطي الشعري لا يقتصر على عملية تدوين النص، بل هي حالة حياتية متواصلة وهي شكل وجودي يتعايش مع الذهن والمشاعر والوجدان، ولا أظنني أجيد غير الذوبان أو التوهان في التأملات الشعرية، أما لحظة الكتابة فهي تحاصرني باستمرار وأنا أنقاد لها بسهولة دون عناد أو مقاومة”.

وعن متعة العمل الإبداعي يقول “قاسم حداد”: ” أنا أؤمن بأن المتعة في العمل الإبداعي هي متعة الكشف، رغم معرفتي المسبقة بأن القارئ العربي قد اعتاد على نمط ذوقي معين وهو البحث عن «الحدوتة» أو الحكاية المنطقية التي يحملها النص. وأعتقد بأن النص إذا كان يحمل حكاية منطقية متطابقة مع واقع الحياة فهو يفقد جدواه وأبعاده الروحية ويتحول إلى انعكاس للواقع ليس إلا، يتحول إلى نص لا يسهم في صقل القيم الجمالية والمعرفية العميقة لدى القارئ.. وأنا شخصياً لا أتوقع بأن أحلّ مشاكل العالم من خلال النص الأدبي، لأني أصلاً لا أهدف إلى حل مشاكل حياتية كبرى، ولو كنت كذلك لذهبت إلى مجال آخر غير مجال الأدب، كالمجال الاقتصادي مثلاً أو المجال التكنولوجي أو غيره من المجالات.. الإبداع الحقيقي- بالنسبة لي طبعاً- هو خلق عوالم أخرى غير العوالم التي نعيش، لا ترسيخاً لها من خلال نصوص أشبه بالمرآة التي تعكس الواقع، لكن من المؤكد أن كلامي هذا لا يعني اقصاء لمن يهندسون إبداعهم ويخططون له، فالمساحة الفكرية والثقافية واسعة وتستوعب كل أساليب الإبداع”.

الشهوة الأسطورية..

وفي حوار آخر معه أجراه “نعيم عبد مهلهل” يحكي ” قاسم حداد” عن أعماله الأولى (البشارة، خروج رأس الحسين، قلب الحب…) في السبعينيات: “عليك أن تسال النص دائماً، لأن الشخص مشحون بالمزاعم التي ليست فوق مستوى الشك. الشعر يمنح الإنسان مشاعر تتراوح بين الأحلام والأوهام بصورة غاية في الخطورة. وأخشى أنه كلما كثرت المزاعم ندرت الأشعار. بالطبع لا أخفي أنني تواق للمغامرة لا أزال، دون أن يكون هذا التوق ناجحا على الدوام، لأن احتمالات الفشل تكون أكثر كلما تقدم الكائن في السن والتجربة. لكن من المؤكد أنني سوف أتذكر كلمات قالتها (ليلى) صاحبة (قيس) عندما سألوها في عمر متقدم، ماذا كانت جذوة الحب لا تزال، فأجابتهم: إن الشهوة موجودة ولكن الآلة تقصر عن ذلك.. علينا أن نسأل النصوص دائما عن تلك الشهوة الأسطورية”.

وعن كتابه “المستحيل الأزرق” يواصل: ” هو ذاته الولع بالصورة، في تقديري أن الذائقة البصرية في الثقافة العربية عضو مهمل حتى أوشك على الضمور والعجز. ولعل هذا ما يفسر لنا تخلف الفنون البصرية عندنا. أكثر من هذا، فإن انقطاع الشاعر والأديب العربي عن الفنون البصرية ( ثقافة ومعرفة وممارسة) هو ما أدى إلى ضعف نمو (الصورة) الفنية في الأدب العربي بشكل عام، إلا ما ندر، وخصوصا في الكتابة الشعرية، لأن المخيلة الفنية لدينا فقيرة وذات ثروة وسليقة محدودة النشاط والحريات. هذا بالضبط ما أشعر به طوال الوقت، وربما لهذا أشعر بميل دائم لأن أخوض التجارب المختلفة التي تمنحني نعمة المتعة البصرية، فهي نعمة لا يجوز أن نحرم أنفسنا منها..في كتاب (المستحيل ألأزرق) مع الصديق الفنان صالح العزاز، رحمه الله هي من بين التجارب المختلفة عن غيرها. وقد أضافت لي نوعا جديدا من المتعة التي لا تزال حاضرة في كياني”.

تغيير الكون..

وفي حوار ثالث مع “اسكندر حبش” يروي” قاسم حداد” عن بدايته: “هذا وراء بعيد. ليس على الذاكرة فحسب، ولكن خصوصاً إذا رأيت إليه من شرفة التجربة فنياً وثقافياً. لم يعد ممكناً الكلام عن قصيدة أولى. دائماً لم تكن بالنسبة لي قصيدة أولى. إنما يمكن تذكر أنني كنت فيما أستغرق في قراءة شعر ذلك الوقت (أوائل الستينات) أشعر بغموض مقدرتي على كتابة ما يشبه ذلك. ربما لم يكن غموضاً خالصاً بل هو شيء من الغرور الداخلي. علماً بأن شعر ذلك الوقت كان أكثر تتطلباً تقنياً وثقافيا مما يبدو عليه شعر هذا الوقت.. أعني أننا كنا نأخذ الأمر بجدية وصرامة كبيرتين. لذلك كتبت، قبل أن أبدأ نشر محاولاتي الأولى، عدداً كافياً من النصوص يمكن أن يملأ تسعين سلة مهملات. لا زال بعض تلك النصوص في عتمة الأوراق والدفاتر القديمة.. ذهبت للكتابة ربما لأنني كنت أريد أن أرى نفسي بوضوح أكثر في هذا الكون. الآن أفهم بعض ما كانت تشي به بعض تلك المحاولات المبكرة. أرى نفسي، بمعنى أن ثمة هاجس يتصل بتغيير الكون برمته عن طريق الكتابة، ربما يبدأ التغيير من الثوب المهلل الوحيد حتى نظام المجرة. وأظن أن مثل هذه الشهوة مفهومة ومشروعة لدي الشاعر. بقي علينا أن نتفاهم لاحقاً على قدرة وجدارة وجمال أدوات تحقيق هذه الرغبة لدى هذا الشاعر أو ذاك: الموهبة الشعرية والأسلوب والمعرفة أيضاً.. قرأت للرواد جميعهم أبرزهم بدر شاكر السياب الذي استحوذ على تجاربي الأولى. لكنني بعد أن قرأت أدونيس شعرت بأنها التجربة التي تعلمني الشعر حقاً. على الأرجح أن تعبير الأب الشعري سيكون مناسباً جدا لأدونيس. فجميع ما تأسس لديّ من نزوع إلى الحريات في الرؤيا والرؤية الفنيتين سيكون من تجربة أدونيس. لقد كان درس أدونيس الشعري أكثر تأثيرا وعمقاً: أخذت منه، ولا أزال، أن الشعر لابد أن يتوفر على عنصرين حرية المخيلة وجرأتها أولا، وجمال الأسلوب واللغة، ومن ثم عدم الثقة في ذلك في نفس اللحظة. وهذا ما جعلني أقول فيما بعد أنه في الفن: القناعة كنز لا ينفع..بالنسبة لي ثمة أبناء شعريين أتعلم منهم كل يوم. هذه هي الحقيقة التي تمنحني الطاقة الغامضة على الإحساس بالطيف الشفاف الذي يسمونه المستقبل. فلولا ما تجترحه لنا هذه التجارب الشعرية الشابة لما تمكنت مثلاُ من كتابة نصوصي الجديدة. إن جرأة الشباب هو ما يجعل النبيذ القديم فتياُ وقادرأً على دفق الانتشاء في الأرواح والقدرة على المشاركة في السهرة وتبادل الأنخاب بنفس الدرجة من اللذة والثقة بأن الشعر هو دائماً في المتناول”.

وعن سؤال هل اختلفت دوافعك للكتابة اليوم عما كانت عليه في ما مضى؟يجيب: “الشعر مثل الأفق، لا تستطيع أن تفعل شيئاً سوى أن تذهب إليه. والطريق إلى الشعر، مثل الطريق إلى الحب، هو دائماً أجمل من الشعر ومن الحب. كأن في هذا ما يشي بكلمة النفري عندما قال بأن في المغامرة شيء من النجاة. شعرياً أحب أن أرى في التجربة سفراً متواصلاً لا يكفّ عن التألق بقدر تأجج شهوة العشق في القلب. أخذتني القطارات واختبرتني المحطات ووضعني الشعر تحت الامتحانات الكثيفة، وكنت أعمل على صقل روحي في كل محطة، في كل نص وكتاب وتجربة. وتعلمت أن الاقانيم الثلاثة في الحياة سوف تتمثل في الحب والشعر والحرية، تلك الاقانيم التي تقاطع معها أو تولع بها سرياليون رائعون قبلنا، الأقانيم التي لا يمكن تفاديها كلما تعلق الأمر بالشعر. ولعل التجربة الكثيفة (في النص والشخص) سوف تجعل ذلك الأفق الذي أذهب إليه هو في المتناول عندما تقدر المخيلة على نشاطها الحيوي بالحرية ذاتها وبالجمال ذاته وبقدر جدير من الحب. بالطبع لم تعد شهوة تغيير الكون (المبالغ في تعضيدها سياسياً) هي ذاتها مصدر الشخص ومذهب النص شعرياً. لقد صار المرء أكثر (تواضعاً) كلما تقدم في الشعر والتجربة. الآن لا أخفيك بأنني لا أطلب سوى أن أتحصن ضد شهوة السلطات (المتعددة غير المتناهية من حولنا) في تغييري على هواها. لابد من الاحتفاظ بهذه المسافة الذهبية/ الجهنمية بينك وبين السلطات، فحتى عندما تبدو هذه السلطات غير مكترثة فان أحداً لا يكترث مثلها. إنها ترقبك عن كثب لكي تنالك. لذا فإن دوافع الكتابة لا تتصل بجذورها الأولى إلا فيما يتعلق بكون الشعر والإبداع عموماً هما في الجوهر فعل حب لا يجوز التفريط فيه ولا وضعه في مهب الوظائف والغايات.الحب سوف يأسر القوى الأخرى. إنني أتعلم هذا كل يوم”.

الشعر العربي..

وعن رأيه في الخارطة الشعرية العربية في الوقت الحالي يقول “قاسم حداد”: “أقرأ النص وقرينه. كأن (الماء زاد على الطحين) كما يقول المثل الشعبي. لكنني أقرأ ما يصلني وما أصل إليه. ثمة كثافة كمية في الكتابة يتخللها شعر يحتاج للتمعن والإمعان في الفرز.. أتمنى أن لا يكون هذا الاندفاع العارم لكتابة الشعر سبباً للقلق. على العكس، ربما يستدعي هذا أن نثق بأن ثمة ما يعتمل في عدد لا بأس به من التجارب الجديدة على امتداد الشعرية العربية. ما يهمني في هذا العنفوان الشعري هو ما يكون على الأرجح خارج السرادقات، في الهوامش الهادئة ولدي من يكتب نصوصه بدرجة من التردد والحذر. إن ظاهرة كثرة من يكتبون ليس دليلا على وجود الشعر، غير أن الشعر سيكون موجوداً بالشكل والطريقة التي تتطلبها طبيعة جديدة مختلفة عما عهدناه في زمننا. لذلك علينا أن نحسن الإصغاء للتجارب الجديدة، الشعرية منها خصوصاً، لكي نتعلم كيف نقرأ هذه التجارب. وربما هذا التسارع المذهل لولادة الأصوات واحتدامها من شأنه أن يربك طبيعتنا القديمة في التفاهم مع ما يكتبه الشباب. لكن علينا أن لا نثق أكثر من اللازم في أن منظوراتنا وذائقتا وآلية تعبيرنا ستكون دائماً صالحة وبمثابة أحكام قيمة على ما يحاول الشعراء الجدد اقتراحه علينا. لابد أن نكون حذرين عند هذه المسألة.. وأن لا نتوقع تجارب شعرية واضحة المعالم والاكتمال مهيبة الشخصية تقليدية الشروط مثل الذي عهدناه في رواد وكبار شعراء الحداثة المكرسين. أظن أن علينا التخلي عن مثل هذه الأوهام. ثم أن هذا لا يحدث في مراحل المنعطفات الكبرى لتحول الأفكار الأساسية لمفاهيم الشعرية جذرياً.. ثمة ما يتكون بشكل مغاير تماماً للسابق، فالأصوات الجديدة تذهب بعيداُ عن الشروط السابقة. الأمر الذي يجعل سؤالاً يرى إلى الشعر من شرفة (الخارطة الشعرية العربية) معرضاً للإخفاق إذا هو جاء بأدوات النظر القديمة، تلك النظرة التي تشبه نظرة السائح إلى معالم الخريطة والمظاهر البارزة فيها. هناك تجارب شعرية باهرة وجديرة بأن تقرأ جيداً. وأخشى أننا لم نعد نصادف من يقرأ جيداً لكي يتعرف (وإن بصعوبة وبعض الجهد) على الشعراء من خلال نصوصهم وليس من خلال كلامهم أو الكلام عنهم أو الكلام عليهم. ثمة آلية تعاطي سلبية مع التجارب الشعرية الجديدة باتت تشكل ما يشبه الحجاب الذي يحجب نصوصا جيدة تحت طائلة الزعم المطلق بنفي جديد الشعر. هذا بالضبط ما يقلقني”.

أعماله:

  1. قلب الحب 1970.
  2. الدم الثاني 1975.
  3. خروج رأس الحسين من المدن الخائنة 1972.
  4. البشارة 1970.
  5. النهروان 1988.
  6. انتماءات 1982.
  7. شظايا 1981.
  8. القيامة 1980.
  9. مجنون ليلى. (بالاشتراك مع الفنان العراقي ضياء العزاوي)، 1996.
  10. عزلة الملكات 1992.
  11. يمشي مخفورا بالوعول 1990.
  12. الجواشن 1989.
  13. علاج المسافة ‏2000.
  14. قبر قاسم 1997.
  15. المستحيل الأزرق. كتاب مشترك بينه وبين المصور الفوتوغرافي السعودي صالح العزاز.
  16. الغزالة يوم الأحد 2010.

 

قصيدة مرآة الاغتسال..

رأيت خيول النار السبعة تركض في طرق الليل،

تجر الشمس الغافلة العينين.

رأيت الأطفال المعروقين يطوفون الطرق الحلوة في مدن الليل،

يغنون لضوء الشمس المنساب المنسكب المتدفق عبر أزقة أرض الناس المقهورين.

رأيت الناس تطل على الضوء الباهر يطرق حزن الشمس نوافذهم والناس

يحنون الغرة بالحب

ويمسح كل جبهته بالعرق الشمسي الهاطل من أكتاف خيول النار.

ثار الوهج الفضي بقلبي

قال الريش الناعم

هذا فرح الناس بشمس تغمرهم بالحب وتكسوهم

فتقدم مرّغ شفتيك

اغسل بنبيذ الخيل يديك

تعال اقترب امتد

دنوت تقافز أطفال الناس ينادون

تعال تعال

ومد الناس قلوبا في الكف

تعال فهذا عرق الشمس لديك

اغسل زنديك بخمر النار يشب الغار على كتفيك

دنوت غمست يدي في ذهب الشمس المنسرح المنساب

على أوداج الخيل

حسوت نبيذ النار بكفي

قال كفى ففرحت لأن الناس

قال الريش الهائم سوف يجيء الوقت الآتي

سوف يجيء

تذكر أن خيول النار السبعة سوف تكون هناك

فكن للخيل هناك

دهشت لأني سوف أكون هناك

انظر فرأيت الشمس تسرح شعر الأطفال

وعمر الأطفال يطول يطول

يطول ويزهو

أخذت بيدي ويدي في شعر الأطفال تجول.

***

ولا أجدك

أتحرك في كل الاتجاهات

كسمكةٍ انتُشلت تواً من الماء

تأخذ شهقتها الأخيرة

وترتعش بجنون

أبحث عنك ولا أجدك

أضرب الهواء بأطرافي

كطفلٍ محمول من وسطه

وهو يصرخ

أبحث عنك ولا أجدك

كغزالة تنتفض تحت وطأة

حربة وحشية

أتحرك في كل الاتجاهات

أبحث عنك

تعالي

إني

– إذا تأخرتِ –

أتحوّلْ.

https://www.youtube.com/watch?v=j11RJMww8TQ

 

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب