“عدوّ غير مرئيِّ”: لـ”بومدين بلكبير” .. هواجس التعايش اليومي مع “الكوفيد” !

“عدوّ غير مرئيِّ”: لـ”بومدين بلكبير” .. هواجس التعايش اليومي مع “الكوفيد” !

خاص : بقلم – محمد بوزرواطة :

في ذِروة اليأسِ وتفشِّي وباء (كورونا)، أصابَ النَّاس الذُّعر، وتملّكَهم إحساسٌ فظيع بالفزع والخوف، فالموتُ الذي حَصَدَ أرواح  الملايين من البشر في كل أقطار المعمورة، أضْحَى الحقيقة المُرَّة التي ارتسَمت على كل  الشِفَاه، والعيون، وبَاتَ النّاس يتوجَّسون خِيفةً من بعضهم البعض، انتابَهُم شُعورٌ بالتذمُّر وعدم الجدوى من كل شيء، ولم يَجِدُوا أمامَ هَكَذَا وَضْعٍ، غيْرَ التَكيُّفَ الاضطراري والمُعايشة اليومية بحذرٍ في حضرة “ضيف ثقيل” أرغمَهم – عُنوةً – للإمتثال لِسلْطتِه وجبروته.

الكاتب والروائي الجزائري: “بومدين بلكبير”؛ امتَشَق قلمه  في صائفة 2021، وَشرَعَ في تدوين: “يومياته” تحت سُلطة “الحَجْرِ” المفروض، ابتداءً من السابع جويلية إلى غاية الرابع أيلول/سبتمبر عام 2021، على نحوٍ مُتتابِع دون انقطاع، فعَبْرَ سِتَّةٍ وخمسين فصلاً، وبلُغةٍ رشيقة وأسلوبٍ سَلسٍ، قدَّم لنا يومياته الحميميّة بمزيدٍ من البوحِ والتأمُّل والاستبطان الداخلي، عَبْرَ مِرآةٍ شَفافَةٍ ترُومُ المُكاشفة والتعْرية، إزاءَ الذات وأمامَ الآخرين.

يوميات كاتبٍ وأستاذ جامعي مُفعَمٌ بالحياة، والسينما والفن، شغوفٌ برصْدِ كُلّ التفاصيل “الصغيرة”، سواءً تعلّق ذلك بكشْفِ “الذات” دون خجلٍ أو مُواربةٍ أَو ارتبط بمُلاحقة وتتبُّعِ “الوجوه” من الأصدقاء والمُقرّبين منه، إنسان مُفرِطٌ في النظافة على نَحوٍ مُثير، يَتقزَّزُ من أدْنَى “رائحةٍ” مُنبعِثة من هذا الشخص أو ذاك ؟، مَهُووس بمشاهدة الأفلام وقراءة الكتب باستمرار، لِلْحَدِّ من رتابة اليومي والواقع  القاسي المُبتذل ؟

في يوميات “بومدين بلكبير” نجوبُ مدينة “عنابة” أو “بونة” التاريخية بشوارعها الكبيرة، ومنعطفاتها وأزقّتها المُلتوية (بلاص دَارم، شارع الثورة، زنقة “الطليان”، شارع تشي غيفارا، شارع جوزفين،…الخ)، ولِغابَةِ “سرايدي” وجبل “إيدوغ” حُضورهمَا البُهي، في تضاعيف الكتاب.

“عَدوٌّ غير مرئيِّ” رصدٌ حيٌّ، ومُلامسة دقيقة لنبْضِ المدينة، منذ الفجر الأول لإنبثاقِ الضوء من رحِم “الظُلمة” إلى دخول “الليل” واتساع رُقعة “الظلام” – يرصدُ لنا الكاتب – مشاهدَ حيّة من مناظر العُبوس والإرتباك في وجُوه الناس، عبر تعاطيهم لأخبار الموت والفيروس المُتحوّر، كم يُشير إلى استهانة “الجزائري” ولا مُبالاته بتلقِي العلاج و”الحُقن” أو خضوعه لتدابير الوقاية الصحيّة، كَحدٍّ أدنى وإجراءٍ احترازي لِتفَادي الإصابة بالعَدوَى.

في اليوميات نقترب أكثر من عائلة “بومدين بلكبير”؛ كما لو أنّهم بيننَا، يطوفونَ الغُرفَ والمَمرّات الضيّقة، نقتربُ من شخصية: “الأب” رمز الحُنوِّ والشفقة، خاصة بعد رحيل الأم: “فاطمة بارة”، عام 2006، ثم تتْرَى صُور الأخوات: (هدى، آسيا، والبنت الصغرى: آمال)، والشقيقان: “العربي” رجُل الإطفاء و”عبدالحق”،.. كلها وجوه طَافِحةً بالسخاء والحب، تظهر وتختفي، لِتمُدُّ ظِلالاً من الحُب والتآزر مع شقيقهم، الأعزب “وليد”؛ أو “بومدين بلكبير”، كما تترآى لنا صورة “العمّة” فضيلة (72)؛ وابنها الوحيد “منير”، وقد نَجت بمعجزة من موت مُحَقق، إثر إصابتها بالفيروس اللعين.

يَجيء “الموت” مُباغِتًا ليأخذَ أقربَ الوجوه المألوفة من محيط الكاتب، كرحيل: “العم سليمان”؛ وجه عريق في تاريخ  وذاكرة “عنابة” وصاحب أقدَمِ مكتبةٍ وسط المدينة، اشتهرَ ببيع الكُتب والمجلات العربية القديمة. أو مَوت: “صديقه” رئيس مصلحة الموظفين بالجامعة “ميلود بوخناف”؛ الذي جاءَ خبَرُ رحيله بـ (الكوفيد) مُفاجِئًا – للكاتب – وغير مُتوقّعٍ  بالمرَّة !

كما تطفو العديدُ من الوجوه الإبداعية لمدينة “عنابة”، كالرسام: “تمتام” فنانٌ جادٌ منقطِع لفنه ولوحاته، يُصغِي بانتباه بليغ، لأصوات الطبيعة وسِحر الألوان. ثمة لقاء حميمي يجمع الكاتب بالقاص: “محمد رابحي”، والشاعرة: “سلوى لميس”، والحديث عن المشاريع المُنجزَة والأحلام المؤجَّلة؛ التي لم يُجهِضْها الوباء، ولا أَثرَت عليها مضاعفات الجائحة.

كتاب (عدوٌّ غير مرئيّ)؛ للروائي: “بومدين بلكبير”، كتاب مهم، ينضافُ إلى جُملةٍ من الأعمال الإبداعية التي قارَبت ورصدَت بعمق تأثير الوباء وانعكاساته اليومية على حياة النّاس والبلد، وقد صدر مطلع هذا العام 2022؛ عن دار “الاختلاف” بالاشتراك مع منشورات “ضفاف” اللبنانية، وجاء في حدود: 190 ص، من القطع المتوسط.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة