13 مارس، 2024 10:22 م
Search
Close this search box.

الأب “هنري عيروط” (1907 – 1969) !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : بقلم – ماجد كامل :

يُعتبر الأب “هنري عيروط”؛ (1907 – 1969)، واحدًا من الرواد الأوائل الذين أهتموا بتنمية القرية المصرية؛ ومازال كتابه الرائد: (الفلاحون)، يُعتبر واحدًا من أهم الكتب التي كُتبت عن “القرية المصرية”؛ رغم مرور أكثر من 80 عامًا على صدوره؛ (صدرت الطبعة الأولى منه باللغة الفرنسية؛ عام 1938؛ وتمت ترجمته إلى اللغة العربية؛ عام 1942، كما سوف نرى في نهاية المقال).

أما عن “هنري عيروط” نفسه؛ فلقد ولد في 20 آيار/مايو 1907، من أسرة من أصل سوري نزحت إلى مدينة “القاهرة”؛ خلال عام 1818؛ وكان والده ويُدعى: “حبيب عيروط”، يعمل مهندسًا معماريًا؛ فأهتم بتعليمه وتثقفيه أفضل تعليم متاح في عصره؛ فألتحق  بمدرسة “العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين”؛ بـ”الفجالة”؛ ثم سافر إلى “فرنسا” لدراسة علم الاجتماع بجامعة “ليون” حتى حصل على درجة الدكتوراة؛ وكانت في موضوع: “أخلاق الفلاح وعاداته”؛ ولقد تُرجمت إلى اللغة العربية تحت اسم: (الفلاحون)، وكان ذلك عام 1938؛ ثم سُيم كاهنًا على الرهبنة اليسوعية في نفس السنة.

وفي عام 1941؛ عُين مديرًا لـ”الجمعية الكاثولوكية للمدارس المصرية”؛ ثم تولى رئاسة “دير الآباء اليسوعيين”؛ بـ”المنيا”، ومدرسة الدير خلال الفترة من: (1957 – 1959). ثم عاد إلى “القاهرة” ليتولى رئاسة “مدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين”؛ خلال الفترة من: (1962 – 1968). سافر بعدها إلى “الولايات المتحدة الأميركية” لإلقاء محاضرات في “معهد دراسات الشرق الأوسط والأدنى” بجامعة “كولومبيا”.

منحته الدولة وسام الجمهورية من الطبقة الأولى؛ في تموز/يوليو 1969. ولم يكتف في أهتمامه بـ”القرية المصرية” فقط؛ بل أهتم بوضع الفقراء في وسط وجنوب إفريقيا، فسافر إلى هذه البلاد للخدمة هناك لتطوير القرى الإفريقية؛ ونشر خبرته في هذا المجال في كتاب صُدر باللغة الفرنسية بعنوان: (Liaisons Africaines)، نشرته أسرته في كتاب صُدر بعد وفاته؛ عام 1975، ويتضمن ملخصًا وتقريرًا عن  زيارته لهذه البلاد.

ويُعتبر الأب “هنري عيروط”؛ واحدًا من الرواد الأوائل الذين دعوا إلى أهمية الحوار مع “الكنيسة القبطية الآرثوذكسية”؛ وفي هذا المجال لعب دورًا كبيرًا جدًا في الوساطة بين “كنيسة إسكندرية” و”كنيسة روما”؛ من أجل عودة جزء من رُفات “القديس مارمرقس الرسول” إلى أرض “مصر”؛ في 24 حزيران/يونيو 1968، إذ سافر إلى “روما” خصيصًا وتقابل مع قداسة البابا “بولس السادس” للتفاهم في هذا الأمر.

أهتم أيضًا بالحوار “المسيحي-الإسلامي”؛ وفي هذا المجال شارك مع الأب الراحل “جورج شحاتة قنواتي”؛ والشيخ الراحل “محمد يوسف موسى”؛ وفضيلة الشيخ الراحل “محمد بدران”، في تأسيس “جمعية أخوان الصفا”، وكان ذلك خلال عام 1944؛ والتي تحولت بعد ذلك إلى “جمعية الإخاء الديني”؛ ومقرها “كنيسة سيدة السلام”، بـ”جاردن سيتي”.

كان أيضًا عضوًا مؤسسًا بـ”الجمعية المصرية للدراسات الاجتماعية”؛ منذ عام 1937 وحتى وفاته؛ ومرشدًا لـ”الكشافة المسيحية” في “مصر”؛ في عام 1952؛ عُين عضوًا بلجنة التربية المسيحية بـ”وزارة التربية والتعليم”؛ وعضوًا بلجنة السياحة الدينية بـ”وزارة السياحة”. عُين عضوًا منتدبًا بـ”المجمع العلمي المصري”؛ في عام 1968.

ولقد توفي فجأة؛ في يوم 10 نيسان/إبريل 1969، بينما هو يستعد للدخول لإلقاء محاضراته في جامعة “كولومبيا”؛ شعر فجأة بارتفاع  مُفاجيء في ضغط الدم أصيب على إثره بجلطة في المخ؛ ونُقل سريعًا إلى منزله، ولكنه ما لبث أن توفي بمجرد دخوله المنزل. فتم نقل جثمانه سريعًا إلى مسقط رأسه بمدينة “القاهرة”؛ وأقيمت الصلاة على جثمانه بالكنيسة الملحقة بمدرسة العائلة المقدسة بـ”الفجالة”. وحضر الصلاة مندوبًا عن السيد الرئيس الراحل؛ “جمال عبدالناصر”؛ ووزير الصحة في ذلك الوقت؛ والأستاذ “عادل طاهر” وكيل وزارة السياحة؛ وكبار رجال السلك الدبلوماسي والجمعيات الأهلية والعاملون في مجال الخدمة العامة. ورأس الصلاة على الجثمان الطاهر؛ الكاردينال “أسطفانوس الأول”؛ بطريرك الأقباط الكاثوليك، في ذلك الوقت؛ وسفير (الفاتيكان) بالقاهرة؛ والمُطران “ألياس زغبي”؛ مُطران “بيروت”؛ في ذلك الوقت؛ والأب الراحل المونسينور “يوحنا طعمة”؛ مدير المدارس المارونية في ذلك الوقت؛ والقس “أديب شماس” راعي الكنيسة الأسقفية في ذلك الوقت.

وشارك في الصلاة على جثمانه أيضًا من آباء “الكنيسة القبطية الآرثوذكسية”؛ نيافة الحبر الجليل الأنبا “صموئيل”؛ أسقف الخدمات العامة والاجتماعية الراحل؛ (والذي أستشهد مع الرئيس الراحل؛ محمد أنور السادات، في حادث المنصة الشهير في 06 تشرين أول/أكتوبر 1981)؛ ونيافة الحبر الجليل المتنيح  الأنبا “دوماديوس”؛ مُطران الجيزة الراحل.

لقد آمن الأب “عيروط” أن التعليم هو خير وسيلة لإصلاح حال الفلاح المصري؛ وأن الميزانيات الحكومية غير راغبة في مواجهة هذه المشكلة مواجهة حقيقية؛ فقام من فوره باقتحام الميدان وأخذ في إنشاء المدارس المجانية في القرى المحرومة من التعليم؛ فأرتاد هذه القرى وعاش بين فلاحيها يُنشيء مدرسة تلو مدرسة حتى تجاوز عدد المدارس في حياته حوالي: مئة مدرسة؛ وقام بالإشراف على الإدارة بنفسه؛ لا يبغي من وراء ذلك أي ربح مادي؛ بل هدفه هو إعادة بناء “الفلاح المصري” على نحو جديد يُشعره أن بلاده لا تنساه؛ وأنهم بشر لهم الحق في التعليم والتثقيف مثل سائر البشر؛ فأنشأ بذلك جيلاً جديدًا محب للعلم؛ وبث فيهم روحًا جديدة حررتهم من الثالوث الشهير: “الفقر والجهل والمرض”. كما قام الأب “عيروط” بتأسيس “جمعية الصعيد للتربية والتنمية”؛ في عام 1941؛ والهدف الرئيس لهذه الجمعية هو التطوير الشامل للقرية المصرية، ووضع لذلك خطة تهدف إلى:

01 – توفير حق التعليم لطفل القرية.

02 – تحسين المستوى الصحي للفئات المستهدفة من أطفال القرية.

03 – تنمية البشر اقتصاديًا وثقافيًا وإنسانيًا؛ (فيما عُرف فيما بعد بـ”التنمية الشاملة”)، للقضاء على الجهل المتفشي في القرية.

أما عن كتابه الوحيد المُترجم باللغة العربية؛ وهو كتاب: (الفلاحون)، فلقد تُرجم إلى اللغة العربية لأول مرة؛ عام 1942؛ وقام بالترجمة الدكتور “محمد غلاب”.

وبعد قيام ثورة (تموز) يوليو؛ كلف المؤلف كل من الأستاذ “محيي الدين اللبان”؛ والأستاذ “وليم داوود مرقص”، بالقيام بعمل ترجمة أخرى جديدة له؛ بعد أن نقحه وأضاف إليه فصولاً جديدة.

وقدم للكتاب الكاتب المعروف؛ الأستاذ “محمد العزب موسى”؛ وكانت هذه هي الطبعة الثامنة من الكتاب وقد صُدرت عام 1968.

ثم قام “المجلس الأعلى للثقافة”؛ بإعادة طبعه ضمن إصدرات “المشروع القومي للترجمة”؛ الكتاب رقم (448)، وصُدرت في عام 2005.

وكان من بين ما قاله الأستاذ “محمد العزب موسى”، عن الأب “عيروط” في المقدمة: “والأب عيروط رجل دين؛ شغلته مشكلة الفلاحين ولم يجد فائدة في إلقاء عظة من فوق المنابر؛ بل رأى أن يفعل شيئًا من أجل طبقة تؤلف ثلاثة أرباع سكان هذه البلاد. وأحس الأب عيروط أن النجاح مقرون بالاستفادة من الدرس والفحص والعلم؛ فأمعن في دراسة تاريخ الفلاح وتعمق قضاياه الخاصة؛ فجمع لهذه الغاية الوثائق والمستندات”.

ولقد ذكر الأب “عيروط”؛ في مقدمة الكتاب عن الصعوبات التي واجهته فقال: “ونود أن نقول للقُراء؛ أننا اعتمدنا في هذا البحث على ما لاحظناه وحققناه بأنفسنا. وقد أستغرق منا البحث والاستقصاء سنين عديدة؛ كانت فيها المشاهدة والتحري عُدتنا؛ فنحن من مصر؛ ونعيش بين أهلها عيش المواطنين. وقد أمتدت مشاهداتنا وملاحظتنا طوال السنين في مختلف أنحاء الريف؛ حيث لم ننقطع عن المشافهة والمحادثة والبحث والاستقصاء ووجوب أنحاء البلاد ومخالطة الطبقات حبًا في الكشف والاستطلاع حتى جاء بحثنا نتيجة الملاحظة والتأمل الطويلين… لقد جاء هذا البحث وليد المشاهدة والتحقيق).

وفي هذا الكتاب أيضًا؛ كتب فصلاً عن حالة “الفلاح”؛ بعنوان: “بؤس الفلاح”، قال فيه: “يتمثل بؤس الفلاح في صورتين؛ الأولى بؤسه المادي وحرمانه من مقومات حياته الجسمية فهو فقير لا يكاد يجد القوت والملبس والمسكن. أما الصورة الأخرى لبؤسه؛ فهي معنوية تتمثل في حرمانه من التعليم؛ وجهله وذلته وهوانه على نفسه وعلى غيره؛ حتى أصبح دون المستوى الإنساني من هذه الناحية… أي ظلم أفدح؛ وأي وضع أنكى من وضع الفلاح ؟ لقد حُرم من نعمة التثقيف والترقية؛ والتربية والتعليم؛ ثم عوقب من ولاة أموره الذين تجب عليهم المسارعة إلى إنتشاله مما هو فيه… تلك المآسي من فقر وجوع وجهل ومرض؛ من أسبابها التفكك والتمزق وانقطاع الصلة بين البلاد؛ فبين الوجه البحري والقبلي قطيعة وتباعد؛ ومثل ذلك بين العاصمة وسائر البلاد … الأمر إذاً متعلق بإذكاء الشعور الإنساني في نفس هذا الجمهور الشهيد ورفع معنوية أفراده وجماعاته؛ وهذا واجب المثقفين من أبنائه… هذه الرسالة السامية؛ هي رسالة المعلمين  ورجال الدين هم قبل غيرهم وهم الذين تدعوهم طبيعة عملهم إلى الاندماج والاختلاط بطبقات الأهلين وكل من يُسهل هذه الرسالة ويُساعد على أدائها؛ يؤدي للوطن أنبل وأقدس واجب إنساني”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب