كتبت – سماح عادل ..
التراث يسكن شعره.. وربما يسكنه أيضاً ويتجلى في استخدامه له بشكل واعي.. بدءاً من تمسكه بالتقويم الهجري وحتى استخدامه لكلمات تراثية معروفة بشحناتها اللغوية الخاصة بعصر ما، واستشهاده بالتاريخ، وتعلق حوادثه في ثنايا نصوصه.. كما أن التجريب في شعره علامة مميزة مشهود له بها.. ويصف بعض النقاد شعره بـ”الأيروتيكي” خاصة في ديوان “باه” الذي خصصه بالكامل لوصف العلاقة الحميمية بين العاشقين.. يتلاعب الشاعر العراقي “عبد الرحمن الماجدي” بالكلمات، ويخلق قاموس من الكلمات الخاصة به، حتى أنه يحتفي بالحروف ونطقها.. له ولع كبير بالكلمات.
ولد “عبد الرحمن الماجدي” عام 1965 في بغداد، جذوره ترجع لمحافظة “ميسان” جنوب العراق، درس الأدب الروسي في جامعة بغداد وتخرج عام 1989، ثم عمل مترجم حر، وغادر العراق إلى سورية عام 1992، حيث عمل صحافياً في صحف معارضة للنظام العراقي، كما نشرت قصائده في عدة صحف عربية.
عام 1996 هاجر إلى هولندا كلاجئ سياسي، وقد حاز على جائزة مؤسسة “الهجرة الشعرية” في أمستردام عام 1997، وجائزة مؤسسة DUNYA الهولندية في مدينة روتردام عام 1998، واهتم بدراسة النشرالالكتروني في معهد “أدفشن” في مدينة “اوترخت” بهولندا عام 2005، وقد ترجم شعر الماجدي للغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والهولندية والإيطالية والفارسية.
وبالنسبة لعمله بالصحافة فقد شغل الماجدي منصب رئيس تحرير نشرة “الكرامة” الصادرة عن “المركز العراقي للنشاطات الإنسانية” في سوريا عام 1995 – 1996، وأيضاً كان مستشار تحرير مجلة “بغداد” التي صدرت عام 2011 في بغداد وأربيل، وكاتباً في القسم العربي لإذاعة هولندا العالمية عام 2006، ورئيساً لقسم الإعلام الالكتروني في “شبكة الإعلام العراقي” 2011، وقد إلتحق بالعمل كنائب مدير تحرير جريدة “إيلاف” الإلكترونية منذ عام 2003 حتى الوقت الحالي.
ديوان المعنى في الحاشية..
الديوان عبارة عن 50 صفحة من القطع المتوسط، مكون من قصائد قصيرة، يعطي فيها الماجدي دلالات جديدة للكلمات، نستشعر فيها الحزن والوجع من جراء الحروب والقمع السلطوي.. في قصيدة “عضال” يعلن سخطه على الحاكم وعملاءه السريين وجنوده.. وفي قصيدة “خدمة العلم” يسخر من العلم كرمز لبلد أكل أصدقاءه وكرس الكثيرين لخدمته وقطف زهرات عمرهم لأجل ولائه الزائف.. كما يستعين الشاعر بهوامش قصيرة ليعطي للمعنى تتمة متخيلة تزيد من سحر الكلمات، وفي قصيدة “سؤال يلجأ” للغة لتسعفه في تصوير بشاعة تفجير جسد جندي في حرب ليست له، تبتعد فيها رأسه عن جسده الذي يركض فزعاً، بحيادية تثير الوجع يتناول الفكرة مسائلاً اللغة عن التعبير المناسب، يمتليء الديوان بمعاني الهزيمة، والموت، وبلادة مرور الأيام، والآلام المتخفية، والسقوط، والخديعة، التخفي وراء الأقنعة، في كلمات مشحونة بالحياد اليائس.
ديوان باه..
82 صفحة من القطع المتوسط، يحتفي بحميمية التواصل بين العاشقين، يعطي معاني جديدة للتمازج بين المرأة والرجل، يصف المعشوقة بكلمات ساحرة، تُفصل سحر جسدها بوصف عذب لا تفسده جرأة الكلمات، وإنما تزيده إبهاراً، يكتب بلغة مميزة تمزج ما بين العشق والمعنى الحسي، وسحر الأنثى عند ذوبانها في لذة مع العاشق.
خدّي على صدركِ الرهيفِ يتنصتُ على لساني البهيجِ
يُهامسُ حَلِمَتيك الهاربتينِ من زنزانة القماش.
شَفتاكِ النَبيذيّتان أدمنَ عصيرَهما فمي العاطشُ،
أصابعكِ المشتهاة تستعبدُ شَعْريَ السارحَ بتمسيدةٍ غنجةٍ،
وتهبطُ، تائقةً، إلى عناقٍ حارٍ.
ديوان حروب أبجدية..
83 صفحة من القطع المتوسط، يتناول فيه الحروف الأبجدية، يرى أن لكل حرف روح، يحتفي بعملية نطق الحروف، ويكتب قصائد للحروف الأبجدية. صدر لـ”عبد الرحمن الماجدي” كتب”شعراء عراقيون في هولندا شعر، إصدار مشترك 2002- صرخة من أجل العراق، مقالات إصدار مشترك 2003- ممالك لغد حيران، شعر 2002- المعنى في الحاشية، شعر2005 – ليس كل الأحلام قصائد، شعر 2009- حروب أبجدية، شعر 2012- تضاريس الحب، شعر، ترجمة 2015- الشعر في حقول الألغام، أنطولوجيا شعرية عن ميليشيا الثقافة 2015- باه، شعر2015- أنطولوجيا الشعر الأستوني المعاصر (الآخر ليسَ نائياً) ، شعر2016″.
نص له عن بغداد..
كانتْ المدنُ تشبهُ النساءَ، وبغدادُ غانيةً لهثَ على صَدرِها طُغاةٌ نادرون.
سَاقاها منفرجتانِ،
فتيّسرَ ماؤها للناكحينَ؛
تناوبوها:
عبّاسيونَ يُرهبونَ ورثتَهم بسملِ عيونِهم اللاّمعةِ طمعاً بعرشِ السُّلالةِ،
سُكارى براحِ منهوبٍ،
فاطميّونَ يستنشقونَ في لِحاهم عِطرَ نبوةٍ مخضّبةٍ بدمٍ غزير،
بويهيّون يَنزلونَ من الجبالِ مُتنازعينَ المُلكَ في حِضنٍ يَتهتّك،
سَلاجقةٌ يتبارونَ بحرقِ قبورِ السّابقينَ تسليةً عن ضجرِ الظهيرة،
مَغولٌ يحرثونَ الأزقةَ بمخالبِهم الحديدِ فاسحينَ الطريقَ كي تنعقَ البومةُ في الخراب،
صفويّونَ يُمذهبونَ الحرثَ والنسْلَ مع الخصومِ بأرواحِ تابعينَ أبديّين،
عثمانيّونَ يتمرّنونَ بأجسادِ العامّةِ لتعلو تلولُ اللحمِ في الجوار،
انكليزٌ يُطلقونَ الحواشيَ الآدميةَ لتمهّدَ السّبيلَ،
حجازيّونَ مترددونَ في القدومِ كأنهم ينزلونَ القبرَ المدمّى مطوقينَ بهالةِ الندمِ،
جمهوريّون يحرفونَ القطارَ نحوَ الأراضي البُور،
قوميّون غاضبونَ من أروماتِ الجوار،
شيوعيّون ينوحونَ، حيناً، على ثورةٍ مذبوحةٍ في ركنٍ قصيٍّ من كرةِ الأرضِ، ويبتهجونَ بنصرٍ بعيد،
بعثيّون يكملونَ فتكتَهم الكبرى، مكشّرينَ عن أسنانٍ ذهبٍ سلبوها من عابري السبيلِ،
أميركيّونَ يشيّدُون أسوارَ الغفلةِ، ويتركونها تعلو بأيدي المقوِّضين،
معمّمونَ يتغامزونَ، متبادلينَ الألقابَ وألوانَ وتواريخَ الحُمولاتِ العائلية،
وحاسرونَ يمسحونَ العرقَ الصيفيَّ عن صلعاتِهم ووجهوهِم بمناديلِ الغبار.