خاص : ترجمة – محمد بناية :
كتب “إدوارد آلبي”، في إحدى مسرحياته: “الواقعية هي هذا الشيء الذي يلفت الإنتباه”. ثم أقتبس الكاتب ديالوج مسرحية (أوتوبيس باسم الجنون)؛ بينما كانت الجميلة، “بلانش دوبفاي”، تسعى لإعادة تشكيل علاقاتها وعالمها المرعب والمعقد للغاية، تساءلت: “كيف يجب أن تكون الواقعية ؟!”.. نحن نعلم أن الواقعية من منظور “بلانش” أكثر تصلبًا من إمكانية إحداث تغيير في المصير المأساوي.
لكن ما يريد “إدوارد آلبي” و”تنسي وليامز” التنبيه إليه هو أن الواقع ليس هو في العادة الشيء الذي حدث يحدث، وإنما هو الشيء الذي نريده ونتخيله، أحيانًا يكون في مخيلتنا أو هو التصور الذي يحمل هوية (الجوكر)، الشخصية الوحيدة التي وقفت ضد، “باتمان”، قبل أن تمنحه شركة الإخوة، “وارنر”، هوية مستقلة. بحسب “إحسان عابدي”؛ الكاتب الإيراني، في مقاله على موقع (راديو الغد) الأميركي الناطق بالفارسية.
شعبية “الجوكر” بين العرب..
لكن قبل الخوض في شرح فيلم (الجوكر)؛ دعونا نراجع بعض الوقائع، وفي مقدمتها الأموال والاستثمارات.
لقد حطم الفيلم الأرقام القياسية بمبلغ 934 مليون دولار مبيعات عالمية، حتى يوم 3 تشرين ثان/نوفمبر 2019، وتحول إلى أحد الأفلام الأعلى مبيعًا في تاريخ السينما، وهو فيلم لا يصلح للمشاهد أصغر من 17 عامًا. لكن قيد العمر لم يمنع الإخوة، “وارنر”، من تحقيق أرباح خيالية، بلغت 420 مليون دولار.
ومن غير العجيب أن يثير (الجوكر) موجة بين أوساط المستخدمين العرب على شبكات التواصل الاجتماعي، وبخاصة (تويتر)، حيث نشروا الكثير من الصور والفيديوهات لـ”الجوكر”، لا سيما تلك التي يرقص فيها بجنون على الدرج وقاموا بتقليد مكياجه.
ومن الطبيعي أن تكون هذه الميول أقوى بين المستخدمين الأجانب على شبكات التواصل الاجتماعي، وكلها تعكس حقيقة أن (الجوكر) لا يمكن أن يكون فيلمًا عاديًا، على نحو أثار ذهول القائمين على “مهرجان البندقية للأفلام” ومنحوا الفيلم جائزة “الأسد الذهبي” بدون منازع.
لكن لماذا أظهر (الجوكر) هذه القدرة ؟.. تلك القدرة التي لا تحقق المال فقط؛ وإنما نجح بالدلالات السياسية والاجتماعية في ترك إنطباع في الكثير من الأماكن الأخرى.
بالتأكيد الأداء الجيد للمثل، “خواكين فينيكس”، في دور، “آرتو فلك/الجوكر”، عامل رئيس في هذه القدرة. وكان “فينيكس” قد لعب، قبل سنوات، دور إمبراطور صاحب نزوات سادية يفتقر إلى الإتزان في فيلم (المحارب) بجدارة.
لكن هذه المرة على، “فينيكس” استعراض مسار تطور وتحول شخصية، “آرتور فلك”، إلى “الجوكر”، وتحول من كوميدي ومهرج إلى رمز للشر في مدينة “غوثام”.
دلالات سياسية..
وينطوي الفيلم على بعض الدلالات السياسية؛ مثل تلكم اللحظة التي يخبر فيها طبيب الأسنان، “آرتور”، بعدم قدرته الحصول على الرعاية الطبية والدواء مجانًا بعد تقليص ميزانية الخدمات العلاجية.
وقد ثارت خلال فترة رئاسة، “دونالد ترامب”، الولايات المتحدة الأميركية النقاشات بشأن التأمين الحكومي المجاني على الطبقات الفقيرة وعزم الحكومة الفيدرالية تقليص الميزانية.
وربما تحمل أحداث الفيلم إشارات على حركة (احتلوا وول أستريت)؛ ولما لا فإن مدينة “غوثام” هي رمز مدينة “نيويورك”، تلك المدينة التي يمتزج فيها الفساد وعدم الرحمة مع أساسات المدينة.
وبينما تنتظر المدينة البطل الخارق، يظهر “الجوكر” ويقتل ثلاثة من الموظفين في سوق الاستثمار، (رمز الثروة والقوة في مدينة غوثام)، ويضفي الشجاعة على وجود المهمشين اجتماعيًا، الذين يحتلون المدينة بعد طلاء وجوههم بالمساحيق.
والمعروف أن حركة (احتلوا وول أستريت)؛ هي إحدى حركات العدالة الاجتماعية المناهضة لثقافة الاستثمار، لكن “الجوكر” شخصية إنفصامية تميل للقتل.
وقد استمت حركة التمرد، التي أطلقها، بالعمى والعنف. وقد حمل المتمردون في أيديهم لافتات “أقتلوا الأثرياء”..
المصادفة الغربية أن عرض فيلم (الجوكر) تزامن مع الانتفاضات الشعبية في “الأكوادور” و”شيلي” و”فرنسا” و”لبنان” و”العراق”، التي اندلعت ضد إنعدام العدالة الاجتماعية وفساد الأنظمة الحاكمة.
لكن الاهتمام العالمي بـ (الجوكر) ليس مصادفة؛ لأن الفيلم ينطوي على مشاهد من الواقع.