خاص: إعداد- سماح عادل
“سلامة كيلة” كاتب من فلسطين، ولد في مدينة “بيرزيت” في فلسطين 1955، حاز على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة بغداد (1979)، أصدر العديد من الكتب التي تتناول الماركسيّة بشكل أساسي، عمل في المقاومة الفلسطينية وانتمى لليسار العربي، كان مطلوبا للسلطات الإسرائيلية بتهمة العمل المقاوم، اعتقلته السلطات السورية بعهد حافظ الأسد من سنة 1992 إلى 2000، واعتقلته السلطات السورية بعهد بشار الأسد لمشاركته في الثورة صيف 2012 وتعرض للتعذيب في المخابرات الجوية، ثم تم ترحيله من سوريا إلى الأردن. أصدر ما يزيد عن 30 كتاباً.
العولمة والأنظمة..
في حوار معه أجرته “لاريسا بندر” يقول “سلامة كيلة” عن المخاوف من العولمة في البلدان العربية: “الأنظمة العربية اندمجت، منذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، بالعولمة حتى قبل تشكلها، وذلك من خلال إتباعها لشروط صندوق النقد الدولي. هذه الشروط هي المقدمة للعولمة لأن الأخيرة تضمنت في إطار السياسة الليبرالية الجديدة كل الشروط التي كان صندوق النقد الدولي يفرضها. فالعولمة ليست مشكلة للأنظمة العربية لأنها أصبحت أنظمة تابعة في إطار النمط الرأسمال العالمي. النقطة الأخرى هي أن الوطن العربي يشهد أقل نشاط مناهض للعولمة رغم تأثر المنطقة العربية أكثر من غيرها بمشكلات العولمة. الحركات الاجتماعية في أوروبا وفي مختلف بلدان العالم كانت أقوى في التعبير عن ذاتها في مواجهة العولمة. وهذا له علاقة بإشكاليات وضع الأنظمة الاستبدادية وتدمير الحركة السياسية وانهيارها وعجزها الذي جعل الحركة الاجتماعية ضعيفة. فالأنظمة لا ترفض العولمة، الشعوب ترفض العولمة لأن العولمة تؤدي إلى انهيار الوضع المعيشي للناس عبر انهيار اقتصادي شامل. وهذا ما يلاحظ الآن في مصر التي بدأت تتكيف، منذ سبعينات القرن الماضي، مع شروط صندوق النقد الدولي. الاقتصاد المصري يكاد يعاني من انهيار وربما يحدث انفجار حركة شعبية نتيجة الأزمات الاقتصادية العميقة بسبب التكيف مع الرأسمالية العالمية وسيطرة اقتصاد السوق والليبرالية الجديدة”.
وعن شكل العولمة يواصل: “الشكل الأمريكي الذي يقوم على الدور العنيف، على القوة وعلى الحروب، وبالتالي تغيير الأنظمة وفرض أنظمة بديلة تابعة وملحقة بالولايات المتحدة. هذه هي العولمة التي بدأت تتحقق منذ انهيار المنظومة الاشتراكية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. وهي تعني إعادة إخضاع بلدان الجنوب عموماً ومنها الوطن العربي، وخصوصاً البلدان التي حاولت أن تحقق التقدم في مرحلة الحرب الباردة، لآليات السيطرة الرأسمالية. من هذا المنطلق انعكاسات العولمة على البلدان المتخلفة هي انعكاسات سلبية بالضرورة سواء عبر الحروب والتدمير أو حتى عبر الآليات الاقتصادية، لأن السيطرة الرأسمالية ستعني انهيار قطاعات اقتصادية كاملة في البلدان المتخلفة سواء في مجال الزراعة أو في الصناعات المحدودة التي نشأت خلال الخمسين سنة الماضية. من هذا المنطلق أعتقد أن من الضروري أن يكون هناك موقف جدي في مواجهة العولمة بهذا المعنى، بمعنى أنها السياسات التي تتبعها الرأسمالية في أميركا والبلدان الأوروبية واليابان من أجل فرض هيمنتها من جديد بشكل كامل على البلدان المتخلفة”.
الأحزاب الدينية والشعوب..
وفي حوار آخر أجرته “شيرين الحايك” يقول “سلامة كيلة” عن صحوة الشعوب وانتهاء مرحلة الأحزاب السياسية الدينية: “الشعوب لم تغرق في هذا الموضوع. للأسف الشعوب تقاتل من أجل العيش، ووجدت في لحظة أنّ القوة السياسية الموجودة هي القوة السياسية الدينية: اليسار تهمّش، القوميّة تهمّشت، الليبراليون لم يستطيعوا من أن يصبحوا قوّة وبالتالي لم يكن من خيار سوى الإسلاميين. هذا الأمر هو الذي دفع الشعوب في تونس أو مصر لانتخاب الإسلاميين، وليس أي شيء آخر، لأن الشعوب أصلاً لا تميل إلى السياسة بالأساس، وحين تقاتل فهي تقاتل من أجل مصالحها وبالتالي تبحث عن قوة تحقق لها هذه المصالح. وفي لحظة ما، بدا وكأن الإسلاميين هم هذه القوة التي ستحقق المصالح، ولكن تبيّن فعلياً للناس بأنها ليست كذلك وبالتالي جرى تجاوزها. أعتقد أنّ نهوض الحراك الشعبي كان يقطع بالضرورة مع مجمل الدور الذي أصبح للإسلاميين في المرحلة الماضية، لأن هذا الدور قام على ركود وليس على حراك شعبي، كما قام، كما أشرت، على تضخيم دور الإسلاميين وإعطائهم رمزية هي أصلاً لليسار وليست لهم. الآن حينما يتحرّك الشعب يتحرك لتحقيق مطالب مباشرة، وفي هذه اللحظة تسقط كل قوة لا تستطيع تحقيق مطالب مباشرة للناس، لذا أصبح الحراك الشعبي بالضرورة يتجاوز كل ما تشكل في الماضي بما في ذلك الإسلاميين الذين سيصبحون في المرحلة القادمة هامشاً صغيراً لا أثر حقيقي له”.
ثورة سوريا..
وعن الثورة في سوريا يوضح “سلامة كيلة”: “مع الأسف، ضعف التجربة والخبرة لدى الشعب الذي خاض الثورة في سوريا، وخصوصاً الشباب الذي مالَ إلى العمل المسلح، سمح بقبول مجموعات خطرة كمجموعات القاعدة التي سمّيت جبهة النصرة والآن دولة العراق والشام، انطلاقاً من أنّ صراعنا الأساسي هو مع النظام. لم يجرِ النظر إلى أنّ هذه القوة بتكوينها الذاتي هي قوّة تخريب في أيّ مكان وُضعت فيه، لأنّ التكوين الذي قامت عليه ينطلق من أن أولوية الصراع تكمن في داخل الدين وليس في المستوى السياسي. بمعنى أنّ الصراع السياسي الذي يذهبون لخوضه هو صراع ضد الروافض والمارقين والملحدين وقيم المجتمع الذي يرون أنه تجاوز ما يعتقدون أنه الدين، وبالتالي معركتهم الأساسية هي أولاً ضد الطوائف والأديان الأخرى التي يعتبرونها كافرة، فبالنسبة لهم ليس على الأرض سوى إسلامهم. ومن جهة ثانية فإنّ هذا المجتمع السني هو أيضاً مارق، لأنه لا يطبّق الشريعة التي باعتقادهم يجب أن تطبّق. لذلك تصبح معركتهم على مستويين: الأوّل طائفي والثاني فرض سلطة قهرية على الناس تستطيع أن تطال أيّ إنسان في أيّ لحظة من اللحظات، لأنّ قيم الإنسان العادي هي خارج إطار الشريعة التي يعتقدونها. وهكذا يصبح لبس المرأة مشكلة، وتدخين الرجل مشكلة، وحركة أي إنسان يمكن أن تكون مشكلة، ويصبح عدم الالتزام بما يعتقدون هم أنه الدين مشكلة. هذا الأمر هو الذي يجعل الهيئة الشرعية هي الحاكم الأساسي الذي يحاكم كل حركات وسكنات الناس، ويجعل الصراع في داخل البيئة التي يتواجدون بها وليس صراع هذه البيئة مع النظام، وهذا ما حدث في الشمال في الفترة الماضية في الرقة وحلب وتل أبيض والعديد من المناطق”..
ويواصل”طبعاً هذه المشكلة ضخمت في الإعلام، وطبعاً كان هناك قصد من ذلك سواء من النظام أو من قبل الإعلام الخليجي أو العالمي لإظهار الثورة السورية كدولة إسلاميّة. وهذا مبدأ كان في أساس سياسة النظام للتعامل مع الثورة، ولكنه مع الأسف كان في أساس سياسة الإخوان المسلمين السوريين، وكذلك الدول الخليجية التي كانت تريد للثورة أن تبدو على أنها ثورة إسلاميّة، وأيضاً كان هدف الإعلام الغربي القول أن ليس هناك ثورات بل حراك ديني متخلف. لذا جرى تضخيم الإخوان المسلمين في الثورة في المرحلة الأولى، الآن انتهى هذا الدور وأصبح هناك تضخيم لدولة العراق والشام وجبهة النصرة، رغم أنّ وجود كل هذه المجموعات لا يساوي وجود مئات الآلاف من الشباب المسلّح، كثير منه متدين ولكن هذا التدين أفهم أنه تديّن شعبي قد يُستغل من قبل بعض المجموعات، وأمام الموت هناك الكثير من الشباب العلماني أصبح متديّناً أو أخذ شكل التدين الواضح، وهناك الكثير من أسماء الكتائب الإسلاميّة تحوي شباباً لا يعرف الكثير عن الدين أصلاً. ولهذا فإنّ الشكل العام الذي يأخذ عن هذه الكتائب لا يعكس الواقع الحقيقي، الواقع الحقيقي أنّ معظم المقاتلين هم شباب بسيط لم يمتلك وعياً سياسياً في السابق، يخوض صراعاً دموياً مع النظام وأخذ هذا الشكل، ولكن شكله لا يعكس شكل فئات لديها أيديولوجيا لفرض نظام إسلامي، فحتى بعض الكتائب التي تقول أنها تطمح لدولة إسلاميّة كثير ممن يقاتلون فيها لم يكونوا يعرفون الصلاة أصلاً. وبالتالي هذا غير ذاك، الآن جبهة النصرة ودولة العراق والشام أصبحت خطراً على الثورة، وتلعب دوراً مساعداً للسلطة في مواجهة الثورة، وهذا هو العنصر الآخر الذي يجب أن ندرسه عندما نتناول جبهة النصرة ودولة العراق والشام والقاعدة عموماً في سوريا، حيث للسلطة دور في تشكيلها وللسعودية دور في تشكيلها ولإيران دور في تشكيلها، لأنّ تنظيم القاعدة هو شكل من أشكال الميل الأصولي المتعصب القروسطي لفئات تريد أن تذهب إلى الجنة. يعني شباب بسيط يريد أن يذهب إلى الجنة بسرعة، وتحكّم مخابراتي يوظف هؤلاء الشباب في صراعات تخدم الدول والقوى التي تشاغب. الآن في سوريا إيران والنظام السوري يلعبان الدور الأكبر في تخريب المناطق التي انسحب منها النظام، في شكل من أشكال تهيئتها لعودة النظام إليها، فجبهة النصرة وتنظيم دولة العراق والشام يلعبان هذا الدور، تكفير الناس بالثورة وتكفير الناس بالدين أيضاً، ثم ليحدث ما حدث بالعراق في مواجهة الأميركان حينما سيطرت القاعدة، فقد دُفعت القوة التي كانت تقاتل الأميركان للتحالف مع الأميركان ضد القاعدة، والآن النظام يروّج لوجود مجالس صحوة كما حدث في العراق، يعني قوة كانت مع الثورة ستتحوّل للتحالف مع النظام ضد التنظيمات الأخرى. آمل أن ينتهي وضع جبهة النصرة، وأعتقد أنه يجب أن تُصفّى كما يجري الآن في منطقة درعا من خلال عدّة اشتباكات وقعت معها، مما يبدو أنه قرار في تصفيتها، لأنها عنصر تخريب وليست عنصر مساعد، هي عنصر يخدم النظام ولا يخدم الثورة”.
موت اليسار..
وعن موقف اليسار من الثورة السورية يقول “سلامة كيلة”: “مع الأسف هذا صحيح. ولكنه يدل على قصر نظر هؤلاء الشباب وخصوصاً من اليسار. الشباب العادي البسيط لم ألمس مشكلة معهُ في التعاطي مع الثورة السورية، المشكلة في قطاعات اليسار والقوميين الذين يعتبرون أولاً أن النظام السوري هو نظام معادٍ لأميركا، ويعتقدون بأنّ الصراع الأساسي في العالم هو «مع أميركا» أو «ضد أميركا»، وبالتالي يصبح تصنيف النظام السوري على أنه «ضد أميركا» ومن ثم فأيّ حراك ضده هو أميركي بالضرورة. يعني هذا التحليل الميكانيكي للمسائل يقوم به الذهن دون فهم الواقع ورؤية المشكلات على الأرض. هذا هو، للأسف، ما دفع قطاعاً كبيراً من اليسار العربي، والعالمي أيضاً، لكي يقف مع النظام ضد الثورة السورية. طبعاً هذا يؤشر على شكل سطحي جدّاً لفهم الأمور. وهو شكل قروسطي لتحليل الأمور بناء على الموقف الصوري الذي ينطلق من مبدأ القياس ومن منظور أن هناك عدواً رئيسياً هو الأساس وكل من يختلف معه هو ثوري وحقيقي ويجب أن ندافع عنه. لذلك وقف هؤلاء مع بن لادن لأنه ضد أميركا ودافعوا عن تنظيم القاعدة طويلاً بحجّة أنها ضد أميركا ودافعوا عن الإخوان المسلمين بحجّة أنهم يريدون تحرير فلسطين ويقفون ضد أميركا.. لنكتشف بأنّ كل تحليلهم عن الإخوان المسلمين والقاعدة هو تحليل سخيف وخاطئ. لكن هذا العقل ما زال يمارس الآلية نفسها بالنسبة للنظام السوري. أيضاً انطلق من أنّ الإمبريالية الأميركيّة هي العدو الرئيسي، وبالتالي النظام السوري ضدها وبالتالي ما يجري في سوريا مؤامرة. طبعاً لعب النظام على هذا الموضوع عن طريق الإعلام الذي مارسه بالتركيز في خطابه على الأسلمة ومجموعات إرهابيّة من تنظيم القاعدة منذ اللحظة الأولى، يعني استخدم نفس الخطاب الأمريكي الذي شيطن الإسلاميين من أجل أن يغزو العالم، النظام السوري كرر هذه العملية. وكررها أيضاً باختراع جبهة النصرة كما فعل الأميركيون في العراق، وبالتالي هو التلميذ النجيب للإمبريالية الأميركية في هذه المسائل. وأيضاً ساعد على ذلك المعارضة السورية التي يجب أن تتحمّل مسؤولية الدم كما النظام، وخصوصاً الإخوان المسلمون الذين كانوا حريصين منذ اللحظة الأولى أن الثورة السورية هي ثورة إسلاميّة وأنها مجرّد استمرار لما حدث في 1982 وبالتالي هم العنصر الأساسي فيها، رغم أن وجودهم على الأرض كان هامشياً جداً. وساعدهم في ذلك الإعلام الخليجي كالجزيرة والعربية والذي كان هدفه أيضاً تشويه الثورة السورية ووضعها في سياق يخرّبها ولا يساعدها على الانتصار. وكانت الأسلمة هي أفضل عنصر لتخريبها. على سبيل المثال، كانت السعودية تدعم النظام السوري لأشهر بعد الثورة، وربما لا زالت إلى الآن. بعض التحليلات تقول بأنّ السعودية تدفع اليوم مالياً لدعم النظام السوري مثلها كمثل الإمارات والكويت، أيضاً السعودية دعمت الأسلمة وأطلقت العرعور، والذي ظهرَ ليكرّس خطاب النظام السوري بأنّ الثورة إسلاميّة وليُخيف الأقليات وخصوصاً العلويين، لأنّ العرعور هو من الوهابيين الذين كانوا يُفتون بقتل الروافض بما في ذلك العلويين. بالتالي ساعدت السعودية النظام على أن ينجح خطابه لأنها كانت تريد أن تبقي الأقليات بعيدة عن الثورة كي تفشل الثورة. لأنّ إبعاد العلويين تحديداً عن الثورة هو نقطة ضعف أساسية تبقي النظام متماسكاً وقوياً كما لاحظنا. أيضاً الدول الأخرى كانت تدعم الأسلمة من أجل فرض نظام بديل، فقطر مثلاً كانت تعمل على دعم الإخوان المسلمين عن طريق المجلس الوطني كسلطة بديلة، بما يدعم مصالحها. كلّ ذلك كان يعطي مبرراً لهذا اليسار بأن يقول أنّ هذه الثورة إسلاميّة وتدعمها السعودية وقطر وبالتالي يدافع عن النظام السوري. وهو لا يرى نتيجة شكليته، بالنظر إلى أن ما تقوم به السعودية أو قطر شكل من أشكال تخريب الثورة، يعني دون أن يحلل خطاب قطر والسعودية ومغزاه، وحتى الدول الغربية، لكي يفهم ماذا يجري بشكل حقيقي. هذه هي المشكلة التي عانيناها مع قطاع اليسار. للأسف، القطاع الذي يمثّل معظم كتل اليسار القديم الذي أعتقد أنه مات أصلاً، لأنه ما زال يعيش بأوهام مرحلة الحرب الباردة، وأصبح هرِما إلى حد أنه لم يعد يستطيع التفكير”.
وفاته..
توفى بالأمس 2 أكتوبر 2018 “سلامة كيلة” عن عمر يناهز 63 عاما.