26 ديسمبر، 2024 7:44 م

“زرايب العبيد” .. ترصد العبودية في ليبيا وطقوس استعباد المرأة

“زرايب العبيد” .. ترصد العبودية في ليبيا وطقوس استعباد المرأة

قراءة – سماح عادل :

في رواية “زرايب العبيد” للكاتبة اللبيية “نجوى بن شتوان”، إصدار دار الساقي، يبدأ السرد ب،”عتيقة بنت تعويضة”، التي تقابل رجلاً غريباً، يتبين أنه ابن عمتها، يحاول إرجاع الحق لها ولأمها، وإثبات نسبها لأبوها “محمد بن شتوان” السيد الحر، ثم تسرد “عتيقة” عن حياتها بعيون الطفلة.. حياة شاقة في “زرايب العبيد”، تلك المنطقة التي كان يعيش فيها عبيد جلبوا من دول إفريقيا، في أيام الحكم العثماني لليبيا، عاشت “عتيقة” مع عمتها “صبرية” التي تربيها، ومع “مفتاح” طفل تربيه عمتها أيضاً، وهو أخوها في الشقاء، وتستمر الأحداث بعيون طفلة تكتشف الحياة.

طقس تقفيل الرحم..

تحكي “عتيقة” بذهن الطفلة عن طقس تقفيل الرحم السحري، الذي كان سائداً في ليبيا قديماً، تدفع العائلات الغنية والكبيرة بناتها الصغار الى ساحرة عجوز، تقوم بطقس سحري يتضمن بعض التعاويذ السحرية وتناول عدد من التمرات، هدفه منع أي اتصال جنسي مع هذه الفتاة إلا من خلال الزواج، وصد أي ذكر يحاول الاقتراب من رحمها.. سعت العمة “صبرية” إلى تقفيل رحم “عتيقة” عندما شعرت بالخطر عليها، نهرتها الساحرة العجوز لأن “عتيقة” عبدة وتعيش في كنف عبدة، بكت “صبرية” مؤكدة أن “عتيقة” ليست عبدة وأشفقت عليها إحدى العبدات التي تعمل لدى الساحرة العجوز وتم طقس التقفيل، وهذا الطقس يكاد يكون مقتصراً على ليبيا وحدها، دون باقي الدول العربية.. صورته الكاتبة ببراعة من خلال عين الاكتشاف لدى الطفلة.

فقر فاحش..

يستمر السرد ونتعرف على الفقر الفاحش الذي يعيش فيه العبيد في “زرايب العبيد”، واضطرار “صبرية” و”مفتاح” و”عتيقة” إلى القيام بأعمال صعبة لكي يجدوا طعام يأكلوه، ونعرف أن “مفتاح” ابن لفتاة حرة حملت به دون زواج واضطرت إلى التخلي عنه، وأن “صبرية” ماتت في حملة لتنظيف الزرايب من مرض خطير، قامت السلطات فيها بحرق الزرايب دون رحمة، وراحت “صبرية” في الحريق لأنها كانت تريد إنقاذ وثيقة تثبت حرية ابنتها “عتيقة”، فـ”صبرية” هي “تعويضة” العبدة، التي عاشت باسم غير اسمها، وتكتمت على ابنتها حتى لا ترجع لأسر العبودية مرة أخرى، ويستمر السرد في كشف حياتها.

تعويضة العبدة..

السرد عن “تعويضة” بصوت راوي عليم، يحكي عن تاريخ أبعد.. يوم كانت “تعويضة” شابة تعمل عبدة في بيت أحد التجار، ووقعت في غرام ابن هذا التاجر الذي عشقها بدوره، رغم أنه متزوج ولديه أطفال، وكيف حاربت تلك العائلة عشق ابنها لعبدة، حتى قتل أول طفل لها منه بطريقة وحشية، فقد ترك للموت جوعاً وعطشاً، ثم رحلت “تعويضة” بإيعاز من شيخ العائلة، الذي استعان بصديق له يعمل فقيهاً إلى بيت بغاء، وأجبرت” تعويضة” على معاشرة ذلك الفقيه، وعلى العيش مع فتيات البغاء، حتى استطاعت أن تهرب، وترحل مع طفل صغير تركته أمه الحرة,, ذهبت “تعويضة” إلى “زرايب العبيد” حتى تتخفى عن عيون تلك العائلة التي تمتلكها، وعن يد الفقيه، واستطاعت أن تتواصل مع “محمد بن شتوان”، لكن هذه المرة في علاقة حرة لا تحكمها علاقة العبدة بسيدها، تذهب إليه وقت أن يدعوها، وأنجبت منه في تلك الأوقات ابنتها “عتيقة”، وكانت علاقة غرامهما متوترة حيث لم يغفر لها “محمد” معاشرتها للفقيه، رغم أنه كان رغماً عنها، وهي لم تغفر له جبنه أمام عائلته وعدم دفاعه عنها.. تموت “تعويضة” محترقة في الزرايب، ويموت “محمد” كمداً من قهره لأنه يعيش حياة لا يختارها، وتستطيع “عتيقة” الاستمرار بفضل إرسالية إيطالية، جاءت مع الاحتلال الإيطالي الذي حرر العبيد لينشئ علاقات طبقية أخرى في مجتمع يستعمره.

الأحرار هم الذكور..

استطاعت الكاتبة من خلال سرد متميز أن تصور حال العبيد في الفترة التي تسبق احتلال إيطاليا لليبيا، ورغم أنها فترة بعيدة في الزمن، أختفت معالمها تماماً، إلا أن الكاتبة تستطيع بعث الحياة فيها.. وتحكي عن حياة غنية بالتفاصيل، فقد صورت كيف كانت حياة العبيد قاسية، يتم جلبهم من دول إفريقية، وقد يموت بعضهم في طريق السفر، وتغتصب الفتيات الصغيرات، ومن ينجوا يباع في سوق العبيد ليعيش حياة لا يملك فيها شيئاً، ولا حتى جسده ولا أطفاله، بينما الأحرار يحافظون على امتيازاتهم، الذكور في أعلي السلم الطبقي، ثم المرأة الحرة التي تستعبد أيضاً لكن بطريقة أخرى، تحرم من ميراثها، وتبقى في ظل عائلتها أوعائلة زوجها، يتزوج زوجها عليها ويعاشر ملك يمينه، وهي بدورها تضطهد العبدات، وتتفنن في إيجاد الطرق للتخلص من الأجنة في بطون العبدات، حتى لا تشارك تلك الأطفال أطفالها في حق النسب للذكر وبالتالي تتهدد حياتها الاجتماعية.. استطاعت الكاتبة أن ترصد حياة العبيد في سرد جذاب وترسم الشخصيات الروائية بامتياز.

والجدير بالذكر أن “نجوى بن شتوان” أستاذة جامعية وقاصة وروائية، تكتب المقال لبعض الصحف والمجلات، وقد فازت مسرحيتها “المعطف” بالجائزة الثالثة لمهرجان الشارقة للإبداع العربي في دورته السادسة 2002، وفازت روايتها “وبر الأحصنة” بجائزة مهرجان البجراوية الأول للخرطوم عاصمة للثقافة العربية 2005، كما وصلت روايتها “زرايب العبيد” إلى القائمة القصيرة للبوكر، في العام 2017.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة