9 أبريل، 2024 3:55 م
Search
Close this search box.

بعد نصف قرن من ظهورها .. سر الفصول المفقودة من ملحمة “مئة عام من العزلة”

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتبت – آية حسين علي :

من منّا لم يقرأ أو يسمع عن رائعة الكاتب الكولومبي “غابريل غارثيا ماركيث”، (مئة عام من العزلة)، فحتى وإن كنت لم تقرأها كاملة فمن المؤكد أن صادفتك أجزاء منها.

واكتسبت الرواية، التي استغرق كتابتها 18 شهراً، شهرة عالمية وترجمت إلى 30 لغة وبيع منها حوالي 30 مليون نسخة في بلدان مختلفة، وحازت 4 جوائز دولية.

وتروي الرواية أحداث مدينة “ماكوندو” الخيالية من خلال سيرة عائلة “بوينديا” على مدى ستة أجيال، وتمتد أحداث هذه القصة على مدة عشرة عقود من الزمن، ويبرز بها عنصر الخيال الذي يجسد الحياة البسيطة التي تنغصها صراعات بين المحافظين والأحرار وغيرها من الصعاب.

أشخاص حقيقيون..

استمد “ماركيث” بعض أشخاص الرواية من أشخاص حقيقيين عاش معهم، فمثلاً شخصية “أورسولا” في الرواية ما هي إلا تجسيداً لشخصية جدته التي تربى في كنفها منذ كان صغيراً.

مخاوف “ماركيث”..

قبل انتهاء الكتابة قام “ماركيث” بنشر عدة فصول منفصلة لاستطلاع رأي الجمهور، لكن هذه النسخ المنفردة كانت بها جوانب كثيرة من الاختلاف عن النسخة النهائية التي بين أيدينا الآن، لأن الكاتب كانت لديه عدة مخاوف، وأجرى الكثير من التعديلات على النسخة الأخيرة.

وتحولت “مئة عام من العزلة” إلى عمل أدبي كلاسيكي، رغم أن الكاتب كان لديه مخاوف كثيرة حول جودتها.

واعترف “ماركيث” بقلقه في خطاب أرسله لأحد أصدقاءه، كتب له: “عندما قرأت ما كتبته، كان لدي انطباع محبط لأنني دخلت في مغامرة من الممكن أن تكون منحة أو كارثة”.

7 فصول مفقودة..

ما لا يعرفه الكثيرون أن “ماركيث” نشر 7 فصول من رواية “مئة عام من العزلة” لتهدئة تلك الشكوك.

وكان ذلك قبل انتهاء الرواية وحتى قبل التوقيع مع دار النشر اللاتينية “سود أميركانا” التي تم التوقيع معها بالأحرف الأولى في أيلول/سبتمبر عام 1966.

وطبعت الرواية يوم 30 آيار/مايو عام 1967، وكملت امس الثلاثاء نصف قرن، وخلال أسبوع واحد، بِيع ثمانية آلاف نسخة منها.

وتم نشر هذه الفصول السبعة، التي تمثل أكثر من ثلث الرواية، التي يبلغ عدد فصولها 20 فصلاً، في صحف ومجلات من 20 دولة.

لكن هذه الفصول فُقدت، ولا توجد نسخ منها حتى في الأرشيف الشخصي للكاتب بمكتبة “هاري رانسوم” بولاية تكساس، التي تحتفظ بإنتاجه الفكري، وللوصول إلى أثرها يجب البحث في مكتبات في “فرنسا والولايات المتحدة وكولومبيا وإسبانيا”.

وسقطت هذه الفصول في بئر الضياع لأنه كان يعتقد أنها مماثلة لتلك التي نشرت في النسخة الأولى عام 1967، لكن المقارنة بين النسخ أظهر واقعاً مختلفاً.

ومنذ الصفحة الأولى هناك تغيرات في اللغة والبنية والخلفيات ووصف الشخصيات، ومن هنا تأتي القيمة الكبيرة لتلك النسخ المفقودة لأنه يُفهم من خلالها كيف كتبت الرواية.

وكان “ماركيث” قد أكد أنه أحرق المسودات والمخطوطات التحضيرية بمجرد استلام النسخة النهائية من الرواية.

42 تعديلاً..

نُشر الفصل الأول من الفصول المفقودة في الأول من آيار/مايو 1966، في صحيفة “إل إسبكتادور” في كولومبيا، قبل انتهاء العمل بثلاثة أشهر.

وأحدث الكاتب بعدها 42 تعديلاً على النسخة النهائية للرواية، وهذا التغيير ظهر منذ الصفحة الأولى، إذ أن الكاتب كان دائماً ما يبحث عن لغة أكثر دقة.

كما اشتملت التعديلات على تغييرات مهمة في البنية العامة للرواية.

ومن بين هذه التعديلات تحديد موقع مدينة “ماكوندو” المنعزلة عن الحضارة، ورغم أن الكاتب لم يوضح موقعها في الرواية النهائية، لكن في الفصل الأول الذي نشر في الصحيفة الكولومبية أوضح أن المدينة تقع في الغرب مع “نهر ماجدالينا” بكولومبيا.

وألغى “ماركيث” هذه التفاصيل حول الموقع الدقيق للمدينة لخلق انطباع لدى القارئ بأنها تشبه أي دولة في أميركا اللاتينية.

بكاء العقيد “أورليانو”..

من بين التغيرات المدهشة أيضاً، ميلاد العقيد “أورليانو بوينديا”.. ففي النسخة النهائية بكت شخصية العقيد داخل رحم امه وولد بعينان مفتوحتان، لكن في النسخة السابقة ذكر الكاتب أنه تم ضربه 3 ضربات كي يبكي بعدما خرج من بطن أمه.

51 اختلافاً..

في آب/أغسطس 1966، نشرت مجلة “موندو نويبو”، الفصل التالي في باريس، وتحولت الرواية إلى النموذج الرئيس لأدب “البوم” في أميركا اللاتينية.

وكانت النسخ التي بلغ عددها 6 آلاف تباع في 22 دولة بما فيها الولايات المتحدة وهولندا وإسبانيا والبرتغال ومعظم دول أميركا اللاتينية.

وفي هذا الفصل يوجد 51 اختلافاً عن النسخة النهائية، نذكر مثالاً على ذلك، أن “خوسيه أركاديو” الذي كانت والدته “أورسولا”، كان يُخشى من أن يُولد بعيب خلقي لكنه ولد طفلاً كامل الصحة.

لكن في النسخة الأخيرة، حاول الكاتب زيادة النزعة الدرامية وقال “لقد ولدت أورسولا طفلاً جميع أعضاء جسده إنسانية”.

مراجعة الرواية..

نُشر الفصل الثالث بعد ذلك بخمسة أشهر، واستغل الكاتب هذه الفترة في مراجعة الرواية، لأن الفصل الجديد كان الأكثر مغامرة.

وتم نشره في مجلة “أمارو” البروانية، التي كانت مخصصة للأدب “الطلائعي” العالمي، وكان قراءها من الكتاب والنقاد.

وقرأ “ماركيث” الفصل على أصدقاءه بصوت عالٍ في منزله بمكسيكو سيتي، وقال إنه وجه دعوة عامة “للناس الأكثر تشوقاً وخبرة وصراحة”.

وكتب لصاحبه “ميندوزا” خطاباً في صيف عام 1966، قال فيه إن “ردود الفعل كانت هائلة، خاصة أن الفصل الذي قرأته على الحضور كان الأكثر مغامرة”.

إنجاز عظيم..

تظهر هذه النسخ المفقودة مدى العمل الشاق الذي قام به “ماركيث” للوصول إلى النسخة النهائية، حتى أنها منذ طباعتها غيرت مسار الأدب.

وقال الكاتب التشيلي “بابلو نيرودا”، الحائز على “جائزة نوبل”، إن “مئة عام من العزلة” أعظم إنجاز في تاريخ اللغة الإسبانية منذ كتابة “ثيربانتس” لروايته “دون كيخوطي”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب