خاص: إعداد- سماح عادل
“روز اليوسف” ممثلة لبنانية من أصل تركي، ولدت في بيروت في أسرة مسلمة. أبوها “محيي الدين اليوسف” تركي الأصل، كان تاجرا اضطر للسفر من بيروت وترك ابنته التي توفيت أمها عقب ولادتها في رعاية أسرة مسيحية كانت تدللها باسم “روز”. وعندما انقطعت أخبار الأب تبنت العائلة الطفلة الصغيرة وأخفت عنها حقيقة عائلتها. غير أنها علمت بالحقيقة عندما أكملت عامها العاشر حيث رحبت الأسرة التي عاشت بينها بسفرها مع صديق للأسرة إلى أمريكا. وقتها أبدت “روز” الصغيرة اندهاشها من سهولة تفريط أسرتها فيها بهذا الشكل فقررت مربيتها أن تطلعها على حقيقة أصلها وأن تخبرها بأنها مسلمة وليست مسيحية وأن اسمها هو فاطمة وليس “روز”. فوافقت “روز” ظاهريا على السفر مع صديق العائلة.
وفى الإسكندرية، التي رست فيها السفينة التي كانا يركبانها، غافلته “روز” وهبطت في المدينة المصرية. اكتشفها الفنان “عزيز عيد”، وبدأت العمل ككومبارس حتى اختارها “عزيز عيد” لدور سيدة عجوز رفضته كل ممثلات الفرقة. وقد أدت دورها بعبقرية لاقت استحسانا كبيرا من الجمهور.
المسرح..
كان انتماؤها لفرقتي “عزيز عيد” و”فرقة عكاشة” تمهيدا جميلا لكل ما بنته “روز اليوسف” بعد ذلك. أدت أدورا كبيرة على المسرح كما أدت أيضا مقطوعات موسيقية مع “محمد عبد القدوس” لتتعرف على المخرج المسرحي “اسكندر فرح” والذي علمها التمثيل وضمها إلى أسرته.
ثم انتقلت “روز اليوسف” من الإسكندرية إلى القاهرة وعملت بفرقها المسرحية فالتحقت بفرقة “جورج أبيض” عندما كونها عام 1912 وتألقت “روز اليوسف” أثناء عملها مع “يوسف وهبي” بعد أن كون فرقة “رمسيس” عام 1923 وكانت بطلة الفرقة. وبلغت ذروة المجد عندما مثلت دور “مارجريت جوتيه” في رواية “غادة الكاميليا” ونالت لقب “برنار الشرق”.
الصحافة..
لكنها تركت فرقة “رمسيس” بعد خلاف مع “يوسف وهبي” فاعتزلت التمثيل واتجهت إلى الصحافة. فأصدرت في أكتوبر 1925 مجلة فنية اسمها “روز اليوسف” انتشرت ونجحت حتى تحول منهجها للسياسة وتعرضت لأزمات مادية متلاحقة بسبب المنافسة السياسية. وبعد عشرة أعوام من إنشاء المجلة وفشلها أصدرت صحيفة “روز اليوسف” التي كانت من القوة والانتشار بحيث هددت مكانة صحف كبيرة مثل “الأهرام” في ذلك الوقت حتى رفض باعة الصحف بيعها بسبب اتجاهاتها السياسية وهذا ما أدى إلى تراكم الديون عليها وتعرضت لأزمة مالية خانقة.
كما ساهمت “روز اليوسف” في حركة الأدب والثقافة بإصدار الكتاب الذهبي وسلسلة كتب فكرية وسياسية. عام 1956 أصدرت كتابا بمذكراتها هو “ذكريات” ومجلة “صباح الخير” التي كانت رمزا “للقلوب الشابة والعقول المتحررة” كما كان يقول شعارها وكانت بمثابة جامعة تخرج منها أكثر نجوم الصحافة في العصر الحديث.
تزوجت من ثلاثة رجال: الأول “محمد عبد القدوس” وأنجبت منه “إحسان عبد القدوس” الأديب المصري المعروف. ثم تزوجت من المسرحي “زكي طليمات”، ثم من المحامي “قاسم أمين” حفيد “قاسم أمين” صاحب كتاب “تحرير المرأة”. يقول الأستاذ “مصطفى أمين” في كتابه “مسائل شخصية” إن أغرب ما في قصة هذه المعجزة أنها وهي صاحبة أكبر مجلة سياسية في البلاد العربية لم تكن تعرف كيف تكتب وكان خطها أشبه بخط طفل صغير، ومع ذلك كانت قارئة ممتازة وذواقة رائعة للأدب والشعر. تقول “روز” في مجلتها كلنا سنموت، ولكن هناك فرق بين شخص يموت وينتهي وشخص مثلي يموت ولكن يظل حيا بسيرته وتاريخه.
مجلة روزا اليوسف..
في 26 أكتوبر عام 1925 صدر العدد الأول من مجلة روزا اليوسف، وتحكي السيدة “فاطمة اليوسف”، في افتتاحية العدد الأول قصة إصدار المجلة والظروف التي مرت بها: “كنت جالسة ساعة العصر مع الأصدقاء: محمود عزمي، وأحمد حسن، وإبراهيم خليل في محل “كساب ” الحلواني، نتحدث عن الفن، وتطرق الحديث إلى حاجتنا إلى صحافة فنية محترمة ونقد فني سليم يقف في وجه موجة المجلات التي تعيش على حساب الفن. لمعت في رأسي فكرة إصدار مجلة فنية، وأفضيت بالفكرة إلى أصدقائي، ولم يكن لأي منا علاقة بالصحافة سوى إبراهيم خليل، الذي كان يعمل في صحيفة البلاغ عند صهره عبد القادر حمزة. سألت إبراهيم كم يتكلف إصدار 3000 نسخة على ملزمتين بورق أنيق، وتراوحت أرقام التكلفة من 12 جنيها إلى 20 جنيها. وسألت الأصدقاء بماذا نسمى المجلة؟ وتوالت الاقتراحات وفجأة قلت لهم، لماذا لا نسميها روز اليوسف؟ كنت جادة في الاقتراح، فهذا هو الاسم الذي اشتهرت به وهو اسم عزيز عليّ، انفض المجلس وذهب كل منا إلى شئونه، أما أنا فقد قضيت ليلتي ساهرة، ومع الصباح الباكر كنت في مكتب إبراهيم خليل في البلاغ أملأ استمارة رسمية بطلب رخصة إصدار، ثم في وزارة الداخلية لأقدم الاستمارة بنفسي بين دهشة الموظفين. كان أول محرر اتصل به هو محمد التابعي، وكان يكتب النقد الفني لجريدة الأهرام، وكان في الإسكندرية فاتصلت به ودعوته للحضور للمشاركة في إصدار مجلة روز اليوسف، ولم يصدق التابعي، وظن أني أسخر منه أو أدبر له مقلبا. وكنت أسكن في شارع جلال في بيت يمتلكه الشاعر أحمد شوقي، وقررت اتخاذ الشقة التي ترتفع 95 درجة سلم مقرا مؤقتا للمجلة. وبدأنا نعد لإصدار المجلة وصدرت المجلة وبصدورها أصبح الحلم حقيقة، لكن كانت أكبر مشكلة واجهتها أنه في العشرينات لم يكن من حق المرأة أن تدخل ميدان الحياة العامة ولم يكن المجتمع يعترف بها إلا جارية تضع على وجهها الحجاب، وكان العمل الصحفي صعبا على الرجال فما بالك بالنساء.. كان لزاما على أن أمضي وأن أتحمل مسئولية عمل يحمل اسمي.. إلى أن نادي الباعة في الشوارع (روز اليوسف..روز اليوسف). وبصدور العدد الأول أصبحت المجلة حقيقة واقعة، وكائنا حيا أحرص عليه، وأقسم على أن يعيش وينمو وينجح في نفس الوقت”.
صدر العدد الأول من المجلة في 26 أكتوبر 1925، وشاركها في الكتابة وتحرير المجلة الصحفي “محمد التابعي”، والكاتب الكبير “عبد القادر المازني” الذي انتقدها على صفحات المجلة لأنها دخلت مجال الصحافة، قائلا: “لعلها نزوة وعسى أن تكون قد جاءت نفسها بإحساسات قوية غامضة. كما يحدث لنا جميعا فاندفعت تبغي الإفضاء بها والكشف عنها والترفيه عن نفسها عن طريق ذلك”.
في العدد نفسه من المجلة ردت “روز” بمقال قالت فيه: “كل عمل مجيد يكون في أوله نزوة ثم يستحيل إلى فكرة فإذا رسخت أصبحت يقينا فجنونا. كذلك كان حالي مع الفن الجميل، كنت لم أتجاوز الرابعة عشرة حينما خطر لي أن أمثل”.
ومن بين الكتاب الذين شاركوا في تحرير المجلة أيضا الكاتب “محمد لطفي جمعة”، كما كتب “أحمد رامي” شعرا، وشارك الكاتب “عباس محمود العقاد” بمقال. أما الكاريكاتير فكانت شخصية “أبو زعيزع”.
أنفقت روزا على العدد الأول كل ما تملكه من مال، وكان المتعهد لا يرد ثمن بيع المجلة إلا بعد أن يتسلم العدد التالي، وجاءت إليها فكرة توزيع اشتراكات على القراء، لكن كثير منهم لم يرحبوا بالفكرة لأنهم لم يتوقعوا استمرار صدور المجلة، إلى أن تدخل عدد من الفنانين لمعاونتها في تحصيل أموال التوزيع والاشتراكات بشراء النسخ، ومنهم “زكي رستم” قبل أن يشتغل بالفن و”أم كلثوم”، التي دفعت اشتراكا وأخذت بقية الاشتراكات لتقوم بتوزيعها بنفسها على أصدقائها، وتوالت الأعداد في الصدور.
تحولت المجلة سريعا إلى صوت حر، يتابعه الفنانون وأهل السياسة والثقافة، وتحملت مصاعب في عملها، لم يكن أهمها التوجه يوميا سيرا على الأقدام من الزيتون إلى سراي القبلة لتستقل الأتوبيس الذي تصل به إلى المجلة.
اقتربت “فاطمة اليوسف” مع حزب الوفد الذي ضم المجلة إليه، ولم تدم العلاقة الوطيدة بين “فاطمة اليوسف” والحزب، فسرعان ما تحولت إلى عداء بعد انتقادها رئيس الوزراء نسيم باشا، ففصلها حزب الوفد من الحزب وصادر مجلتها.
ولم تستسلم وأسست صحيفة “روز اليوسف” اليومية التي صدرت في 25 مارس عام 1935 والتي رفض باعة الصحف بيعها بعد أزمة مؤسستها مع حزب الوفد فتراكمت الديون عليها وتعرضت لأزمة مالية خانقة، وبعد صراعات كبيرة مع الموزعين ومسئولي الدولة وقتها بدأت في إصدار الجريدة التي صودرت كثيرا.
وفاتها..
توفت “روز اليوسف” إبريل 1958.