5 مارس، 2024 5:50 ص
Search
Close this search box.

رواية الابنة الغامضة.. فخ الأمومة والصراع مع تحقيق الذات

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الابنة الغامضة” للكاتبة الإيطالية “إيلينا فيرّانتي” ترجمة “شيرين حيدر” تحكي عن فخ الأمومة، عن وجهة نظر امرأة أربعينية عن الأمومة وكيف عاشتها، وكيف مثلت بالنسبة لها في مجتمع يقدس الأسرة والأمومة وكل تلك المعاني، وتتمتع الرواية بجرأة حيث أن الكاتبة رصدت مشاعر المرأة الأربعينية والتي قد تتنافى مع قيم المجتمع الإيطالي، والتي تصور الأمومة على أنها فخ أكثر من كونها منحة سماوية مقدسة كما تصورها بعض المجتمعات.

الشخصيات..

ليدا: البطلة، امرأة أربعينية، أكاديمية تعمل أستاذة في إحدى الجامعات، تقضي إجازتها في أحد المصايف في”نابولي” بعد أن تركتها ابنتيها لتعيش مع والدهما في كندا.

الفتاة: هناك فتاة عشرينية تصادف وجودها على الشاطئ مع عائلتها، ولها ابنة صغيرة لفتت نظر البطلة وجعلتها تسترجع كل أحاسيسها ومشاعرها تجاه ابنتيها وتجاه إحساسها بالأمومة.

سيدة حامل: في عائلة الفتاة أخت زوجها سيدة كبيرة حامل، هي أيضا تثير داخل البطلة مشاعر وانفعالات، لكنها لا تهتم بها مثل اهتمامها بالفتاة العشرينية، خاصة وأن السيدة الحامل محافظة وتقليدية وتمثل مصدر إزعاج للفتاة العشرينية، كما أنها تتعامل مع حملها باهتمام كبير لأنها تأخرت في الإنجاب كثيرا.

الحارس: هناك حارس عشريني ينجذب إلى الفتاة العشرينية وهي أيضا تتجاوب معه وتقابله في أثناء غياب زوجها .

الراوي..

الراوي هو البطلة “ليدا” التي تحكي بضمير المتكلم، مما يعطي للرواية حميمية، خاصة وأن الحكي يدور في معظمه عن البطلة ونفسيتها ومشاعرها وحياتها.

السرد..

يعتمد السرد على رصد نفسية البطلة ومشاعرها تجاه الأمومة وتجاه ابنتيها، وكيف كانتا تمثلان بالنسبة لها، ولا تعتمد الرواية على أحداث، وتقع في حوالي 160 صفحة من القطع المتوسط .

فخ الأمومة والصراع مع تحقيق الذات..

تحكي الرواية عن امرأة أربعينية عانت من الصراع بين أمومتها وبين رغبتها في تحقيق ذاتها وتكوين مستقبلها المهني، تبدأ الرواية بسيدة أربعينية تقضي إجازتها في أحد المصايف، وتقول أنها شعرت بالخفة بعد أن رحلت ابنتاها وذهبتا لتعيشان مع والدهما في كندا، بعد أن قضت 25 عاما من الأمومة والرعاية لهما، ورغم أنها أصبحت وحيدة تماما، إلا من بعض اتصالات هاتفية مع ابنتيها، إلا أنها لا تشعر بتلك الوحدة، بل تستمتع بها وبأنها أخيرا أصبحت قادرة على الذهاب في إجازة بمفردها.

وأثناء ذهابها بشكل يومي إلى الشاطئ تجد أسرة كبيرة، منها فتاة عشرينية تلاعب ابنتها الطفلة ذات الثلاثة أعوام، وتلفت نظر البطلة حتى أنها تظل تراقبها في صمت، لأنها تندمج مع طفلتها وتلعبان في انسجام كامل افتقدته البطلة مع طفلتيها حينما كانتا صغيرتان. وهي تراقبها تستعيد كل ذكرياتها عن الأمومة، وعن ابنتيها اللتان ربتهما بمفردها بعد انفصال الزوج وتحقيقه لذاته وذهابه إلى كندا.

لا تظهر من البداية أية مشاعر سلبية، لكن مع استمرارا الحكي يشعر القارئ مقدار العبء الذي كانت تحمله البطلة، فقد كانت ترعى طفلتيها وتهتم بهما، وترصد البطلة على مدار الرواية مشاعر سلبية كثيرة أحست بها، حين تصر الفتاتان على الاهتمام بنفسيهما فقط ومطالبهما، وحين لا يهتمان بأمهما، حتى أنها حين تهاتفهما لا تستطيع أن تعبر عن نفسها وعن مشاعرها، فقط تتلقى شكاوي ومطالبات تخصهما وحدهما.

ويتبين أنها في شبابها تركت طفلتاها ثلاث سنوات كاملة، لأنها شعرت أنها لن تستطيع أن تتحمل عبء الأمومة، وذهبت لتحقق نجاحا مهنيا وتنخرط في علاقة عاطفية، ثم وبعد السنوات الثلاث عادت، وذلك لأنها لم تتصور حياتها بدون الطفلتين، كما تسخر البطلة في الرواية من كون الأمومة غريزة.

تأخذ البطلة دمية الطفلة على الشاطئ وتلعب بها، وترفض إعادتها للطفلة رغم أنها كانت متعلقة بها كثيرا حتى أنها مرضت بسبب ذلك، وحين صادفت الفتاة العشرينية وقريبتها الحامل صرحت لهما أنها تركت ابنتيها، مما جعل المرأة الحامل تتجنبها بعد ذلك، لكن الفتاة العشرينية تقربت لها، ربما لشعورها أنها تشبهها في شيء.

لنكتشف أن الفتاة العشرينية تعاني هي أيضا صراعا نفسيا ما بين العيش مع زوج فظ بعض الشيء وعائلته التي تشبهه وتربي طفلتها، وبين أن تستلم للحارس العشريني ولعلاقة عاطفية معه، وحين تقرر أن تتجاوب مع الحارس وتفكر أن تقابله في بيت البطلة خفية، وترى دمية ابنتها في منزل البطلة تستشيط غضبا وتأخذ الدمية وترحل، وكأنها انتصرت لأمومتها في النهاية كما انتصرت البطلة منذ سنوات كثيرة.

الرواية رغم أنها ترصد إحساس امرأة بأن الأمومة عبء وأنها حمل ثقيل يستنفذها جسديا وعقليا، حتى أنها تهب حياتها كاملة لطفلتيها، ولا تعود تتذكر طوال 25 عاما أنها شعرت بخفة، إلا أنها أيضا تنقل أحاسيسها تجاه طفلتيها، وأنهما مهتمتان بالنسبة لها، حتى أنها تراجعت بعد تركهما وعاشت معهما بإرادتها الحرة. الرواية ترصد الصراع داخل المرأة ما بين غريزتها في أن تكون أم ورغبتها في أن تحقق نجاحا مهنيا وصعودا طبقيا في مجتمعها، بدلا من أن تحمل وحدها عبء تربية الأطفال في حين أن زوجها حر في أن يحقق نجاحه وله كل الفرص المتاحة، قد تكون الرواية صادمة خاصة للذين يتمسكون بقيم المجتمع نحو معاني متعارف عليها، مثل الأمومة وتضحية الأم لأجل أولادها، وكل تلك القيم المجتمعية لكنها أيضا صادقة ومحملة بمشاعر إنسانية مشروعة وواقعية.

وتأتي أهمية الرواية من أن كاتبتها تنتمي إلى المجتمع الإيطالي الذي مازال يقدس الأسرة كوحدة مجتمعية هامة، ويعطي القدسية للأمومة وللعائلة وبذلك تعادي الكاتبة بشكل ما قيم المجتمع تلك، وتخرج عليها بجرأة أو تعبر عن دواخلها دون أن تعبأ برد فعل المجتمع، والقراء الذين سينصدمون من أم ترى الأمومة عبء وفخ.

الكاتبة..

“إيلينا فيرانتي” هو الاسم المستعار لروائية إيطالية، ولدت سنة 1943 بنابولي. أعمال فيرانتي المنشورة بالايطالية ترجمت لعدة لغات ولاقت نجاحا لافتا. أدرجت “مجلة تايم” “إيلينا فيرانتي”  ضمن لائحة أكثر الشخصيات تأثيرا لعام 2016.

تتمسك “إيلينا فيرانتي” بسرية هويتها وتعتبرها عاملا أساسيا في عملها، كما تشدد أن بقاء هويتها سرية ضروري في عملها ككاتبة. رغم نجاحها المذهل عالميا، مازالت “فيرانتي” تخفي هويتها الحقيقية منذ نشرها لأول أعمالها سنة 1992. وهذا ما أدى لنظريات وتأويلات عديدة حول هويتها الحقيقية.

في عام 2011، نشرت “فيرانتي” الجزء الأول من رباعيتها الشهيرة “صديقتي المذهلة”، التي تتناول حكاية “إيلينا” وهي الراوية والكاتبة، و”ليلا” الصديقة المذهلة، وتفاصيل صداقتهما القوية وحياتهما المتقلبة في مدينة “نابولي”، منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، وصولا إلى وقتنا الحاضر.

حققت الرواية بأجزائها الـ4 نجاحًا ساحقًا، في إيطاليا أولا، ثم في باقي أنحاء العالم ثانيا، بعد ترجمتها إلى عدد كبير من اللغات، وجرى تصنيف الرباعية ضمن روائع الأدب الإيطالي الحديث، وتمت ترجمة الأجزاء الثلاثة الأولى إلى العربية (صديقتي المذهلة، حكاية الاسم الجديد، الراحلون والباقون) عن دار الآداب اللبنانية، وبترجمة “معاوية عبد المجيد”.

باعت روايات “فيرانتي ملايين النسخ حول العالم، كما تمت ترجمة أعمالها في أكثر من 40 بلدا، وبعد استحواذ دار الآداب على حقوق ترجمة ونشر أعمالها، اكتسبت “فيرانتي” المزيد من القراء العرب الذين وقعوا في غرام أعمالها، ومع ذلك لم تكشف عن هويتها حتى الآن، مفضلة الاستمرار في الكتابة باسمها المستعار.

كتبت في مقابلة أجريت معها عبر البريد الإلكتروني “إنني أرغب في التحرر من جميع أشكال الضغط الاجتماعي أو الالتزام. وأن لا أشعر بذلك النوع من الالتزام حينما أصبح شخصية عامة وهذا ما سيمنحني الحرية الكاملة في التركيز حصرا على عملية الكتابة واستراتيجياتها”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب