2 فبراير، 2025 10:49 ص

رواية نداء الكوكو.. عنصرية البريطانيين تجاه الملونين والفقراء

رواية نداء الكوكو.. عنصرية البريطانيين تجاه الملونين والفقراء

 

خاص: قراءة- سماح عادل

الروايات البوليسية لها سحر خاص، فهي تبقى ذهن القارئ يقظا طوال قراءة الرواية، تعطيه ملامح للشخصيات وصفات وسلوك ثم ما يلبس أن يكتشف القارئ أن تلك الإيحاءات لم تكن صحيحة، ويكتشف الشخصيات مجددا على مدار الرواية، يشعر القارئ أنه متلهف لمعرفة حل تلك الألغاز التي يلقي بها الكاتب في طريقه، يريد أن يفهم سير الأحداث الذي يتلاعب به.

وفي رواية “نداء الكوكو” للكاتبة للكاتبة البريطانيّة “ج.ك. رولينغ”، مؤلّفة سلسلة “هاري بوتر” الشهيرة، ورواية “منصب شاغر”. والتي
أصدرت الرواية باسم “روبرت غالبريث” وهو الاسم المستعار واسم رجل، وذلك لأن المراهقين يحبون القراءة للكتاب الرجال أكثر من الكاتبات. ظلت الرواية مغمورة تحت هذا الاسم إلى أن تم الإعلان عن حقيقة الاسم المستعار فقفزت مبيعات الرواية في أسابيع قليلة إلى ملايين النسخ.

هذه الرواية تتناول قصة تحقيق بوليسية في مقتل عارضة أزياء شهيرة، لكن أهم ما يميزها التعمق في رسم الشخصيات وتناول حياتهم المختلفة.

الشخصيات..

كورموران سترايك: البطل، رجل ضخم الجسد غير وسيم، يتميز بقوة عضلية ومهارات في الملاكمة، عمل بالجيش فترة ثم تقاعد نتيجة لفقدانه إحدى ساقيه في أفغانستان، يعاني من أزمة مالية رغم أنه ابن غير شرعي لمغني شهير، يستطيع حل لغز القضية الشائكة بنجاح.

جون بريستو: القاتل، والذي تظهره الرواية بمظهر شخصية الرجل المضطرب نفسيا لنكتشف في النهاية أنه قاتل.

الراوي..

الراوي عليم، يحكي عن الشخصيات ويركز بشكل أساسي على البطل، وشخصية “روبن” سكرتيرته ويتناول باقي الشخصيات من خلال البطل وكشفه لهم.

السرد..

السرد يعتمد على التشويق في بناء محكم، لكنه أيضا يعتمد على تقديم شخصيات مكتملة الملامح، فالكاتبة تتعمق في رسم الشخصيات حتى ليشعر القارئ أنها تتحرك أمامه وأنه يعرفها جيدا، شخصية البطل والسكرتيرة والقاتل والضحية وشخصيات أخرى، تهتم الكاتبة بإظهار جزء من صفاتهم وسلوكياتهم، إلى جانب وصف دقيق لملامحهم الخارجية ومظهرهم وطريقة ارتدائهم للملابس وحتى حركاتهم الجسدية، كما تهتم الكاتبة بعمل وصف دقيق للأماكن التي تجري فيها الأحداث من حيث الألوان والديكور، الرواية تقع في حوالي 500 صفحة من القطع المتوسط وتظهر دلالات أعمق من مجرد قصة قتل غامضة.

عنصرية البريطانيين تجاه الملونين والفقراء..

رغم أن الرواية بوليسية ترتكز بشكل أساسي على جريمة قتل غامضة وتحكي عن تحركات المحقق الخاص التفصيلية لكشف لغزها، إلا أنها لها دلالات هامة عن المجتمع البريطاني، فالرواية تدور في لندن في أحياء معظمها مخصصة للأغنياء، ثم أحياء للفقراء، وحانات ومقاهي حيث يدور المحقق الخاص “سترايك” لمقابلة العديد من الشخصيات التي لها علاقة ب”لولا” عارضة الأزياء الشهيرة، التي سقطت من نافذة شقتها الفاخرة واعتقد الكثيرون أنها انتحرت، بسبب أنها لها تاريخ مرضي طويل، فهي كانت تعاني من اضطرابات نفسية شديدة. وقد كلفه بالعمل أخوها بالتبني “جون بريستو” الذي يظهر من حركات جسده أنه مضطرب نفسيا لنكتشف في النهاية أنه هو من قتلها، وقتل قبلها أخوه “ريتشارد” حين كان طفلا، بسبب اهتمام والديه بالتبني ب”ريتشارد” ثم “لولا “وإهمالهم وتجاهلهم له مما سبب له مرضا نفسيا معقدا.

الرواية بشكل غير مباشر ترصد عالم الأغنياء والمشهورين وكيف أنه مجال لا رحمة فيه، فمن يصاب بالشهرة يتعرض للصحفيين الذين يتكالبون عليه ليعرفوا أدق التفاصيل عن حياته، حتى أنهم يصلون إلى مراقبة هاتفه المحمول ومراقبة مكالماته، ويتزاحمون حول منزله والأماكن التي يتردد عليها، لا يستطيع العيش بحرية إلى جانب تلقف أية أخبار تخصه وتضخيمها وتداول شائعات تشوه حياته، هذا ما حدث مع “لولا” ولم تحتمله رغم أن عملها كعارضة أزياء در عليها أموالا كثيرة، وجعلها ذات قيمة داخل أسرتها، بعد أن كانت مجرد فتاة ملونة في أسرة بيضاء غنية.

وأهم ما ترصده الرواية العنصرية القبيحة تجاه الملونين والتي تظهر في حديث بعض الشخصيات حين يتم الحديث عن “لولا” وكيف تبنتها أسرة بيضاء وكيف أن حياتها لم تكن سهلة أبدا، والعنصرية تجاه الفقراء التي يتفاخر بها الأغنياء والمشهورين، حتى أن “جون ركبي” المغني المشهور يحتقر ابنه غير الشرعي الذي أنجبه من إحدى المعجبات المهووسات به، ولا يعامله بإنسانية على الإطلاق، وحين يقترض منه مبلغ صغير من المال يجعل مساعده يلاحقه مطالبا بالقرض.

وتتجلى العنصرية تجاه الملونين والفقراء من تعامل بعض الشخصيات مع “روشيل”، الفتاة الفقيرة المضطربة نفسيا التي صادقتها “لولا” وكانت تهديها بعض الهدايا وتعتبرها صديقة مقربة، ونظرة بعض الشخصيات ل”سترايك” بسبب ملابسه الرثة وكونه محقق خاص فقير، وكانت معظم الشخصيات لا تقبل التعامل معه إلا بعد أن تعرف أنه ابن “جون روكبي” المغني الشهير. مما يعكس عنصرية الانجليز والمجتمع الانجليزي وعدائيته.

كما بينت الرواية مؤشرات على تفكك المجتمع الانجليزي، فهناك أبناء غير شرعيين وهناك أبناء تتخلى عنهم أمهاتهم بسبب الفقر، خاصة في صفوف الملونين الذين يتضح من الحكي أنهم يعيشون ظروفا سيئة مجتمعيا. وتكشف الرواية عن عنجهية الأغنياء وتكبرهم، كما تكشف عن الهوس المرضي بالشهرة وبالاستهلاك، فالسيدات الغنيات كل ما يهمهن شراء ملابس ذات ماركات شهيرة رغم قبح ذوقها وغرابتها، ومصمم الأزياء الشهير يصنع قطع نادرة للمشاهير، في حين أنه يصمم ملابس اقل جودة وبنسخ كثيرة للأقل غنا.

مجتمع رأسمالي يتسم بالفارق الشديد ما بين الأغنياء والفقراء، يطحن الفقراء حتى أنهم لا يجدون ما يسهل لهم عيش حياة كريمة، ويعطي الأغنياء ببذخ حتى أنهم يعانون من التخمة ويتجهون إلى المخدرات والأزياء الغريبة والممارسات المريضة، يتضح ذلك أكثر في وصف الأحياء والشقق التي يسكنها الأغنياء، فعارضة الأزياء تسكن في شقة مصنوعة من مواد فاخرة ومن رخام، حتى أن من يذهب إليها من متوسطي الحال والفقراء لا يصدقون كم الرفاهية التي تعيش فيه العارضة.

في حين أن أمها البيولوجية تضطر أن تعمل كبائعة جنس لتستطيع أن تعيش، حتى أنها تخلت عن ثلاثة أطفال ولا تعرف أين هم، و”روشيل” تضطر للعمل وللعيش في ملجأ للفقراء، رغم أنها ملونة مثل “لولا” لكن “لولا” أسعدها حظها بتنبي أسرة غنية لها، وكذلك جمالها الذي هيأ لها العمل في الأزياء.

و”سترايك” نفسه يعاني ماديا رغم أن له تاريخ من التفوق الدراسي ومن الخدمة بالجيش، وأثبت كفاءة في عمله بالجيش، لكنه يعاني أيضا من الفقر لأنه لم يكن ينتمي لعائلة بالمعنى المتعارف عليه في المجتمع البريطاني، فقد كانت أمه متهورة أنجبت من مغني مشهور، وظلت تصاحب أكثر من رجل وتتنقل ما بين الأماكن وهي تتعاطى المخدرات، ثم ماتت نتيجة جرعة مفرطة، ويظن أن صديقها قتلها عمدا مما حدد حيات “سترايك” هو وأخته بعد ذلك، وخلف داخلهما عقدا نفسية واجتماعية كثيرة. حتى أن الناس كانوا يعايرون “سترايك” بأمه وموتها.

كما ترصد الرواية كيف أن المال والمكانة الاجتماعية والصعود الطبقي هو هم الكثير من الشخصيات في الرواية، وربما هم الجميع في المجتمع البريطاني الذي يحترم الأغنياء ويبجلهم ويتعامل مع الفقراء بحقارة.

الرواية كشفت عن لغز مقتل “لولا” في حكي جذاب اهتم بشخصية “سترايك” وصراعاتها النفسية، وتصوير التطور في الأحداث من خلال اقتراب “روبن” السكرتيرة الجديدة منه والتعرف على شخصيته الحقيقية، كما اهتمت بتحليل شخصية “لولا” وفهم صراعاتها النفسية ومشاكلها وكذلك “جون”، كما أنها قدمت الشخصيات بطريقة إيحائية حتى يظن القارئ أنه عثر على القاتل ثم يفاجئ في النهاية بكشف مغاير.

الكاتبة..

تحدثت “رولينغ” لسنوات عن كتابة رواية بوليسية. وخلال مهرجان إدنبرة للكتاب الذي عقد في عام 2007، زعم إيان رانكين أن زوجته رأت “رولينغ” وهي “تكتب بعشوائية” قصة بوليسية في أحد المقاهي. لكنه تراجع بعد ذلك عما قاله زاعمًا أنها كانت مزحةً. لكن الإشاعة استمرت. ففي عام 2012، نشرت صحيفة “ذا غارديان” تقريرا عن شكها في أن كتاب “رولينغ” التالي سيكون رواية بوليسية. وفي لقاء صحفي مع “ستيفن فري”، زعمت “رولينغ” أنها تفضل أن تكتب كتابها القادم تحت اسم مستعار، لكنها اعترفت ل”جيريمي باكسان” في عام 2003 أنها إذا فعلت ذلك، ستعرف الصحافة “في ثوان معدودات”. كما صرحت في لقاء صحفي مع “ذا نيويوركر” عام 2012 أنها كانت تكتب روايتها القادمة للبالغين، وبالرغم من أنها لم تكتب إلا “عدة فصول”، القصة “حبكتها جيدة جدًا”.

وفي إبريل 2013، نشرت شركة “ليتل براون” نداء الوقواق (تُعرف أيضًا بكورموران سترايك) كبداية مزعومة للكاتب “روبرت جالبريث” الذي وصفه الناشر بأنه “كان محققًا في شرطة الجيش الملكي يرتدي الزي المدني ترك عمله في عام 2003 ليعمل في مجال الأمن المدني”.وبيع من الرواية، التي تدور قصتها البوليسية حول انتحار عارضة أزياء، 1500 نسخة غلافها من الورق المقوى. (بالرغم من الجدل الذي أثير حول عدد النسخ اعتبارا من 21 يوليو 2013، أظهرت التقارير الحديثة أن 1500 هو عدد نسخ الطبعة الأولى، لكن ما بيع منها في الحقيقة كان ما يقرب 500 نسخة). وأشاد بها كتاب أدب بوليسي ونقاد آخرون، ووصفت ذا ب”ابلشرز ويكلي” في إحدى تقاريرها الرواية بأنها “بداية ممتازة”. كما أعلن قسم أدب الجريمة في ذا “لايبراري جورنال” الرواية “بداية الشهر”.

وفي 9 يوليو 2013، غرّدت “إنديا نايت”، روائية وكاتبة عمود في”ذا صانداي تايمز”، أنها قد قرأت “نداء الوقواق” وأنها بداية جيدة لرواية أولى. وردًا على ذلك، غرّد شخص اسمه “جود كاليغاري” أن الكاتبة الحقيقية “رولينغ”، فردت “عذرًا؟”، لكنه لم يجب. بلغت “نايت ريتشارد بروكس”، محرر قسم الفن في “ذا صانداي تايمز” الذي بدأ تحقيقه الخاص. وبعد اكتشافه أن “رولينغ” و”جالبريث” لديهم نفس المحرر والوكيل الأدبي، أرسل الرواية للتحليل اللغوي الذي وجد تشابهات بين الاثنين ومن ثمّ تواصل مع وكيل “رولينغ” الذي أكد أن “جالبريث” هو اسم رولينغ المستعار. وخلال أيام من اكتشاف أن “رولينغ” هي الكاتبة الحقيقية، ارتفعت المبيعات 4000%، وطبعت ليتل براون 140.000 نسخةً إضافيةً لتلبية زيادة الطلبات. وبدءً من 18 يونيو 2013، بيعت نسخة موقعة من الطبعة الأولى ب4,453 دولار أمريكي (2,950 جنيه إسترليني)، بينما عُرِضت نسخة أخرى موقعة من الطبعة نفسها بثمن 6,188 دولار أمريكي (3,950 جنيه إسترليني).

وقالت رولينغ أنها قد استمتعت بالعمل تحت اسم مستعار، وفسرت على موقعها، الذي يحمل اسم “روبرت جالبريث”، أنها أخذت الاسم من أبطالها الشخصيين: روبرت كينيدي، وإيلا جالبريث، اسم خيالي كانت قد اخترعته لنفسها.

عن “ج. ك. رولينغ” كاتبة بريطانية تحولت إلى رمزٍ لما يمكن للمرأة أن تحققه. وعلى الرغم من احتلالها المركز الأول بين الكتاب بوصفها الأكثر ثراءً، إلا أنها لم تلبث في هذا الموقع كثيرا، فقد تبرعت بقسمٍ كبير من ثروتها لصالح الأعمال الخيرية.

لكنها بقيت أفضل كتّاب المملكة المتحدة على مستوى المبيعات لمؤلفاتها، ومن المعروف أنها عانت حالة فقرٍ نسبي بعد طلاقها من زوجها الأول وتحولها إلى أم عازبة لاجئة إلى السفارة البريطانية في البرتغال، لكنها أصبحت من أكثر كتاب العالم شهرة وثراء. بسبب سلسلة “هاري بوتر”

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة