خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “مدن ولا سراويل” للكاتبة التونسية “كلثوم عيّاشيّة” التي حازت على الجائزة الخامسة في مسابقة “توفيق بكار” للرواية 2019، تحكي عن قسوة الواقع على فتاة جميلة، وقسوة الأم التي تخلف داخلها عقدة كبيرة تحدد مسار حياتها فيما بعد.
الشخصيات..
“منية الشقري”: أو “منية النفوس”، البطلة، فتاة جميلة، يشاء حظها أن تولد في أسرة متوسطة الحال، لأم قاسية تحرمها من حنان الأم الطبيعي، وتظل تعاملها بقسوة وجفاء طوال حياتها، مما يؤثر على شخصيتها وعلى حياتها.
“يزي المرّوكيّة”: الأم، هي أيضا لها مأساتها الحياتية، فقد ولدت لأب هجر زوجته لأنها أنجبت له بنات، وهرب مع سيدة أخرى لتنجب له “يزي” وتموت، فتتربي يتيمة مع زوجة أبيها والتي تعاملها بحنان، لكنها تتزوج من رجل لا تحبه بعد أن ظنت أن من تحبه هو الذي خطبها بسبب تشابه الأسماء بينهما، وتظل عالقة في زواج تعيس، وتنجب العديد من الأبناء، لكنها تقسو على ابنتها الأخيرة لأنها جاءت في ظروف سيئة.
خديجة: الجدة، زوجة أبو “يزي”، امرأة حانية وعطوفة، تحكي الحكايات، وهي الوحيدة التي كانت تعامل “منية” بحنان وحب.
“نجلاء المناعي”: طبيبة، رقيقة وجميلة، تحب كتابة الشعر لكنها تسرق نصوص الآخرين بمساعدة أحد الكتاب الذي يدير إحدى المؤسسات الثقافية.
الراوي..
الراوي هو “منية الشقري” التي تشارك القاريء في تفاصيل كتاباتها لأول رواية لها، تحكي فيها عن نساء وحيدات، وتحكي خارج تلك الرواية عن قصتها هي، عن مأساتها الحياتية. وعن باقي الشخصيات التي تعايشهم ويتفاعلون معها.
السرد..
الرواية تعتمد على التقطيع في السرد، تتنقل ما بين الحكي عن نساء وحيدات ثم الحكي عن “منية الشقري” وأمها وأخيها الذي يمثل عبئا عليها، وتحكي عن الشخصيات “يزي” و”خديجة”، الرواية تقع في حوالي 240 صفحة من القطع المتوسط.
القسوة المتوارثة تشوه حياة النساء..
الرواية تحكي عن حزن “منية الشقري” التي نشأت في أسرة بسيطة، وهي أصغر أشقائها، تتعرض لقسوة معاملة أمها لها، شتائم وعنف جسدي يقع عليها من أمها، ودعوات سيئة وتحذيرات مخيفة من “بوسروال” الرجل، ذلك الكائن الهلامي الذي ظلت “منية الشقري” طوال حياتها تتمنى لقاءه والعيش معه، لكنها أيضا تخاف منه وتخشاه بسبب تحذيرات أمها، ليس ذلك فقط فقد سعت أمها إلى تخريب حياتها حين رفضت من يتقدم للزواج منها، حتى أصبح الرجال يخشون خطبتها بسبب أمها القوية رغم جمالها الواضح، واهتمامها بمظهرها الخارجي.
تلجأ “منية الشقري” إلى العمل في العاصمة كوسيلة للخروج من بؤس حياتها، لكنها لا تسلم تماما، فقد عاملها أخيها “حميد” بقسوة تفوق قسوة أمها، فهو يشرب الخمر ولا يعمل ويتحايل لكسب الأموال، حتى أنه انضم لجماعة متشددة دينيا، ورغم ذلك لا يتورع عن التحرش بها وأمه رغم تحذيراتها المخيفة لابنتها من الرجال إلا أنها لا تحميها من أخيها المريض، بل وتعامله بحفاوة شديدة وتقربه منها، في حين أنها تقسو على ابنتها والتي تنفق عليها وتعطيها الأموال.
حكت البطلة عن ثلاث نساء وحيدات، يعشن في وحدة بعد أن قست عليهن الحياة أيضا، وأثناء الحكي عنهن حكت عن “دار شاذلية”، دار للبغاء، تجهز “شاذلية” فيه الفتيات ليعملن في مجال البغاء وتستغلهن، لكنها ليست كأي دار للبغاء، إنها تعلم الفتيات أشياء أخرى تساعدهن في مزيد من إغواء الرجال، يتعلمن الموسيقى والغناء، لكن من تتحدى “شاذلية” أو تدعي المرض تلقى مصيرا سيئا.
أكثر ما يلفت النظر في الرواية هو تأثير قسوة الأمهات على الفتيات، وكيف تتسبب تلك القسوة في هدم وتخريب حياتهن بأكملها. “منية الشقري” لم تتزوج رغم رغبتها في الزواج وإنجاب الأطفال، كما كانت تتعامل بخجل وفظاظة مع الرجال، أثرت عليها معاملة أمها لها حتى شوهت أنوثتها، وجعلتها متخبطة تجاه جسدها، تنظر له في المرآة وتكرهه، أو تحبه مع إحساس بالذنب.
ورغم جمالها الواضح إلا أن الرجال كانوا يخافون الاقتراب منها، وهي نفسها أصبحت حزينة سنينا طويلة، ليس فقط لفقدان حنان الأم وتحرشات أخيها واستغلاله لها وقهرها، ولكن لأن حياتها أصبحت خاوية ومليئة بالتعقيدات. ورغم ذلك حاولت من خلال الكتابة تعويض النقص، وإثبات كفاءتها ليست فقط لنفسها ولكن لأمها أيضا، والتي رغم قسوتها ظلت متعلقة بها حتى موتها.
الرواية مميزة، مليئة بشخصيات ثرية، ولغة عذبة، كما استعانت بالعامية التونسية للتعبير عن خصوصية شخصية “يزي” و”حميد”، مما أضفى على الرواية مزيدا من الواقعية.
الكاتبة..
“كلثوم عيّاشيّة” كاتبة تونسية، ولدت في العاصمة تونس، حيث درست ابتدائي وثانوي وجامعي متحصلة على الأستاذية في اللغة والآداب العربية، عملت مدرسة ثانوي. تكتب الشعر والقصة، ورواية “مدن ولا سراويل” هي أول أعمالها، إذ فازت بجائزة توفيق بكار للرواية وقد رعت الجائزة وزارة الشؤون الثقافية التونسية مع جمعية الق، وأطراف أخرى.