7 أبريل، 2024 3:03 م
Search
Close this search box.

علي محمود طه.. كتب الشعر الرومانسي واكتسب شهرته من الجندول

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“علي محمود طه” شاعر مصري، من شعراء مدرسة أبوللو.

حياته..

ولد “علي محمود طه” في 1901 بمدينة المنصورة لأسرة من الطبقة الوسطى وقضى فيها صباه. حصل على الشهادة الابتدائية وتخرج في مدرسة الفنون التطبيقية سنة 1924 حاملاً شهادة تؤهله لمزاولة مهنة هندسة المباني. واشتغل مهندسا في الحكومة لسنوات طويلة. عين آخر الأمر وكيلا لدار الكتب ليتفرغ للشعر والإبداع.

صاحب مجموعة من الشعراء منهم (إبراهيم ناجي، ومحمد عبد المعطي الهمشري، وصالح جودت، وحسن الزيات الذي كان يحرر مجلة الرسالة ونشر في مجلته بعض شعره). انتقل إلى القاهرة في أوائل الثلاثينات ونشر بعضاً من شعره في مجلة “أبو للو” ثم أصدر ديوانه “الملاح التائه” عام 1934 وعمره اثنان وثلاثون عاماً، فكان فاتحة شهرته الواسعة.

نشر بعد هذا الديوان قصائده في صحف عديدة، وفي عام 1938 عبر البحر إلى أوروبا وهذه السياحة أثرت فيه تأثيراً بالغاً، وحاز الشهرة الشعبية الواسعة حين غنى “عبد الوهاب” أغنية “الجندول” ومضى الناس ينشدون في الطرقات “أنا من ضيّع في الأوهام عمره”.

شغل “علي محمود طه” مكانة مرموقة بين شعراء الأربعينيات في مصر، منذ صدر ديوانه الأول “الملاح التائه”، وتتابعت دواوينه بعد ذلك فصدر له: (ليالي الملاح التائه 1940- أرواح وأشباح 1942- شرق وغرب 1942- زهر وخمر 1943- أغنية الرياح الأربع 1943- الشوق العائد 1945) وأما كتابه النثري (أرواح شاردة)، فقد صدر في سنة 1941، وهو من النثر الخفيف الإيقاعي. والمسرحية التي كتبها (أغنية الرياح الأربع)، صدرت في سنة 1944، وهي مسرحية غنائية.

أبوللو..

انتمى “علي محمود طه” لمدرسة “أبولو” التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي.ويعد أبرز أعلام الاتجاه الرومانسي العاطفي في الشعر العربي المعاصر، وقد صدرت عنه عدة دراسات منها كتاب “أنور المعداوي” (علي محمود طه: الشاعر والإنسان) وكتاب ل”السيد تقي الدين” (علي محمود طه، حياته وشعره) وكتاب “محمد رضوان” (الملاح التائه علي محمود طه)، وقد طبع ديوانه كاملا في بيروت.

ويقول عنه “أحمد حسن الزيات”: “كان شابًّا منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المخيلة، لا يبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك”.

وقال “صلاح عبد الصبور” في كتابه (على مشارف الخمسين): “قلت لأنور المعداوي: أريد أن أجلس إلى علي محمود طه. فقال لي أنور: إنه لا يأتي إلى هذا المقهى ولكنه يجلس في محل “جروبي” بميدان سليمان باشا. وذهبت إلى جروبي عدة مرات، واختلست النظر حتى رأيته.. هيئته ليست هيئة شاعر ولكنها هيئة عين من الأعيان. وخفت رهبة المكان فخرجت دون أن ألقاه، ولم يسعف الزمان”.

ويرى ود. “محمد عناني” أن “المفتاح لشعر هذا الشاعر علي محمود طه هو فكرة الفردية الرومانسية والحرية التي لا تتأتى بطبيعة الحال إلا بتوافر الموارد المادية التي تحرر الفرد من الحاجة ولا تشعره بضغوطها، بحيث لم يستطع أن يرى سوى الجمال وأن يخصص قراءاته في الآداب الأوروبية للمشكلات الشعرية التي شغلت الرومانسية عن الإنسان والوجود والفن، وما يرتبط بذلك كله من إعمال للخيال الذي هو سلاح الرومانسية الماضي، كان علي محمود طه أول من ثار على وحدة القافية ووحدة البحر، مؤكداً على الوحدة النفسية للقصيدة، فقد كان يسعى – كما يقول الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه ثورة الأدب – أن تكون القصيدة بمثابة “فكرة أو صورة أو عاطفة يفيض بها القلب في صيغة متسقة من اللفظ تخاطب النفس وتصل إلى أعماقها من غير حاجة إلى كلفة ومشقة، كان على محمود طه في شعره ينشد للإنسان ويسعى للسلم والحرية،رافعاً من قيمة الجمال كقيمة إنسانية عليا..”.

وقال عنه “طه حسين”: “هو شاعر مجيد حقاً، ولكنه مازال مبتدئاً، في حاجة إلى العناية باللغة وأصولها، وتعرّف أسرارها ودقائقها، وأنا واثق بأن شاعرنا إن عنى بلغته ونحوه وقافيته، وتوخى ما ألف من خفة التصوير ورشاقته ودقته  فسيكون له شأن في تاريخ الشعر العربي الحديث”.

لحن وغنى له “محمد عبد الوهاب” عددا من قصائده مثل (الجندول، وكليوباتره، فلسطين).

تأثر “على محمود طه” بشعراء الرمزية أمثال (بودلير، ألفريد دي فيني، شيللي، وجون مانسفيلد). وقد ترك أثرا كبيرا على الشعراء الذين جاءوا بعده فقد كتب في جميع الأغراض التي شكلت ميداناً لغيره من الشعراء، كالغزل والرثاء والمدح والفلسفة والحكمة والتأمل. وتنوعت قوافيه وفنونه، لكن أكثر ما يشد القارئ هي تلك اللغة والصور الحسية التي يرسمها الشاعر في قصائده ناهيك عن تلك النزعة الرومانسية التي بدت غامرة في ديوانه (الملاح التائه) والذي كان صدى لرغبات له واهتماماتهم.

إن “علي محمود طه” ليس شاعراً رومانسيّاً خالصاً، كما هي الحالة عند أبي القاسم الشابي، ففي شعره تصوير حسّيّ للذائذ الحياة وحاناتها وما فيها من رقص وخمر وغناء، وألفاظه ذات رنين صاخب، وإيقاعاته كلاسيكية وإن حاول أن ينوّع في هندستها، وبعض موضوعاته كلاسيكي، في حين أن موضوعاته الأخرى رومانسية، ولذلك تقلّب “علي محمود طه” بين الشعر الكلاسيكي، والشعر الرومانسي.

تتجلّى النزعة الكلاسيكية في أعمال هذا الشاعر في موضوعات محدّدة، ففي ديوانه الضخم قصائد رثاء ل(حافظ إبراهيم وأحمد شوقي وعدلي يكن ومحمد عبد المعطي الهمشري وصاحب جريدة الأهرام جبرائيل تقلا وشكيب أرسلان)، وفيه قصائد مناسبات أخرى في الملك فاروق وأسرته وفي ذكرى وفاة “محمد عليّ الكبير”، وله قصائد قومية في “عبد الكريم الخطابي” وشهيد ميسلون “يوسف العظمة” بعد أن حقّقت سورية الجلاء في عام 1946.

وتتجلّى الرومانسية في عناوين كثير من قصائده، ومنها (قيثارتي، قلبي، الله والشاعر، عاصفة في جمجمة، الشاطئ المهجور، عاشق الزهر، قبر شاعر، القمر العاشق)، ومن أهمّ موضوعاته الرومانسية الغناء للمرأة والطبيعة ومصر والوطن العربي ومشاهد الطبيعة الخلاّبة في مصر وأوربا، كما تتجلّى في أنظمة إيقاعاته التي شارك بها جماعة أبولو وجماعة المهجر في النظام المقطعي، كما هي الحالة في قصائده: «الشاعر الكئيب، قبلة، قلبي، الله والشعر، عاصفة في جمجمة، حانة الشعراء…إلخ)، ومن ذلك أيضاً الرباعيات التي اشتهر بنظمها، كقصيدته “كأس الخيام” و”زهراتي”.

وفاته..

توفى “علي محمود طه” في 1949 إثر مرض قصير وهو في قمة عطائه وقمة شبابه، ودفن بمدينة المنصورة.

قصيدة الملاح التائه..

أيّها الملاح قم واطو الشّراعا     لم نطو لجّة اللّيل سراعا

جدّف الآن بنا في هينة            وجهة الشّاطئ سيرا واتّباعا

فغدا يا صاحبي تأخذنا            موجة الأيّام قذفا واندفاعا

عبثا تقفو خطا الماضي الذي     خلت أنّ البحر واراه ابتلاعا

لم يكن غير أويقات هوى         وقفت عن دورة الدّهر انقطاعا

فتمهّل تسعد الرّوح بما            وهمت أو تطرب النّفس سماعا

ودع اللّيلة تمضي إنّها             لم تكن أوّل ما ولّى وضاعا

سوف يبدو الفجر في آثارها      ثمّ يمضي في دواليك تباعا

هذه الأرض انتشت ممّا بها       فغّفت تحلم بالخلد خداعا

قد طواها اللّيل حتى أوشكت      من عميق الصّمت فيه أن تراعا

إنه الصّمت الذي في طيّه         أسفر المجهول والمستور ذاعا

سمعت فيه هتاف المنتهى         من وراء الغيب يقريها الوداعا

أيّها الأحياء غنّوا واطربوا               وانهبوا من غفلات الدّهر ساعا

آه ما أروعها من ليلة              فاض في أرجائها السّحر وشاعا

نفخ الحبّ بها من روحه          ورمى عن سرّها الخافي القناعا

وجلا من صور الحسن لنا               عبقريّا لبق الفنّ صناعا

نفحات رقص البحر لها           وهفا النّجم خفوقا والتماعا

وسرى من جانب الأرض صدى  حرّك العشب حنانا واليراعا

بعث الأحلام من هجتها            كسرايا الطّير نفّرن ارتياعا

قمن بالشّاطئ من وادي الهوى   بنشيد الحبّ يهتفن ابتداعا

أيّها الهاجر عزّ الملتقى           وأذبت القلب صدّا وامتناعا

أدرك التائه في بحر الهوى       قبل أن يقتله الموج صراعا

وارع في الدّنيا طريدا شاردا     عنه ضاقت رقعة الأرض اتّساعا

ضلّ في اللّيل سراه، ومضى     لا يرى في أفق منه شعاعا

يجتوي اللاّفح من حرقته          وعذاب يشعل الرّوح التياعا

والأسى الخالد من ماض عفا     والهوى الثّائر في قلب تداعى

فاجعل البحر أمانا حوله          واملأ السّهل سلاما واليفاعا

وامسح الآن على آلامه           بيد الرّفق التي تمحو الدّماعا

وقد الفلك إلى برّ الرّضى         وانشر الحبّ على الفلك شراعا

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب