24 ديسمبر، 2024 3:25 م

رواية عشاق وفونوغراف وأزمنة.. ما بين خراب الغزو وفرح العشق

رواية عشاق وفونوغراف وأزمنة.. ما بين خراب الغزو وفرح العشق

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (عشاق وفونوغراف وأزمنة) للكاتبة العراقية “لطيفة الدليمي” الصادرة عن دار المدى2016، تحكي عن العراق بعد الغزو الأمريكي ومصير عدد من الأبطال وسط الخراب الفادح والسقوط المدوي، وفي موازاة ذلك تحكي عن العراق في أواخر الحكم العثماني لها وبداية الغزو الانكليزي، وبناء دولة العراق الحديثة، مؤكدة على وجود تشابه كبير بين الزمنين والفترتين من خراب وفوضى وفساد.

الشخصيات..

نهى جابر الكتبخاني: البطلة، فتاة من مواليد الثمانينات، اضطرت أن تهاجر من العراق بعد محاولة اختطافها لابتزاز عائلتها، تنتمي لعائلة عريقة لكن من فرع زاهد في الحياة والمنافع المادية، تعيش في فرنسا وتعمل معلمة للغة العربية، وتتزوج زواجا فاشلا لا يدوم طويلا، لكنها تعود للعراق لرؤية والدها الذي يحتضر، فقدت أخيها “فؤاد” الذي قتل بعد الغزو الأمريكي. بعد عودتها إلى العراق تكشف جذور عائلتها من خلال مخطوطات احتفظ بها والدها في صندوقين قديمين.

جابر الكتبخاني: والد “نهى”، كان يعمل موظفا، لا يهتم بالمال ولا المكاسب، لذا ابتعد عن أفراد عائلته الكبيرة الذين يتاجرون في كل شيء، ويستغلون ظروف العراق لزيادة ثرواتهم، فقد ابنه وسافرت ابنته مما أدى إلى تحطيمه من الداخل، خاصة وهو يشاهد بلاده تتدمر ومات في النهاية بمرض القلب.

ميادة: والدة “نهى” سيدة قوية، كانت تعيش أيام مجد العراق وكانت لها نشاطاتها، ولكن كسرها موت ولدها وفراق أبنائها الآخرين وما يحدث للبلاد فأصبحت تعيش حياة هادئة منعزلة.

وليد: أخو “نهى”، متخصص في الجيولوجيا، يتزوج من فتاة أحبها، حدثت لأهلها مجزرة كبيرة هي “سميراميس”، ورغم أنها إنهارت نفسيا إلا أنه لم يتخل عنها وتزوج بها، وسافر إلى تركيا بصحبه ابن آخيها الطفل الوحيد الذي نجا من المذبحة تمهيدا للهجرة إلى أوروبا.

حياة البابلي: قريبة ل”نهي”، سيدة عانت من إخفاقات كثيرة في حياتها خاصة في الحب، لكنها رغم ذلك عادت قوية واستطاعت أن تعيش بفردها في ظل الحروب والصراعات، كما وأنها تحافظ على تراث العراق بمساعدة من عمها، واستطاعت أن تحب مرة أخرى وتستأنف حياتها.

مديحه: خالة “نهى”، أحبت رجلا سيئا، تركها وتزوج بسيدة غنية من أغنياء ما بعد الغزو، وحين اكتشفت أنه مخادع فضلت أن تموت في النهر لأنها فقدت حب حياتها.

هناء: خالة “نهى” الأخرى، عانت هي أيضا من إخفاق في الحب حيث خدعها رجل أيضا وتقرب منها رغم أنه متزوج، ومن بعده قررت ألا تتزوج أبدا، وأن تعيش مستقلة، سيدة مرحة تتعامل بمرونة مع الأحداث الصعبة.

منال: صديقة ل”هناء”، هي أيضا عانت مثل كثير من العراقيين وظلت تعيش مع أخيها ولم تترك العراق مثل أشقاءها الآخرين، وفي النهاية تزوجت بمن تحب وعاشت حياة مستقرة.

نادر: أخو “منال”، يعيش حياة العزلة سنوات طويلة، تمردا على الحياة عديمة الجدوى من حوله، يتفرغ لعمل أبحاث فيزيائية في غرفته، حين يتقابل مع “نهى” يجد الحب ويستعيد توازنه النفسي، وتستطيع هي أن تخرجه من عزلته، كما يمثل هو بالنسبة لها حلم الحب الذي افتقدته طويلا..

صبحي الكتبخاني: جد ل”نهي” تتبعت مذكراته وما كتبه، عاش في ظل الحكم العثماني للعراق وكان رافضا لانتهازية والده وتذيله للحكم العثماني، وحين سافر لإكمال تعليمه في الأستانة انبهر بالتطور الهائل هناك، وتواصل مع الحضارة وعاد متمردا ورافضا للأوضاع المزرية في العراق، مما آثار غضب والده وطرده من العائلة، ليتزوج من جارية مغنية وينجب منها طفلا، وهو كان يسعى لتحرير بلاده من الحكم العثماني كما رفض غزو الانكليز لها.

إسماعيل الكتبخاني: والد “صبحي”، تاجر يتذيل السلطة ويتقرب منها ليحصل على امتيازات مادية كثيرة، يتاجر في كل شيء الشاي والعبيد وأشياء أخرى كثيرة، تتجمع حوله المحظيات ويعاملهن بقسوة كما يفرض على أولاده تسلطا وقهرا.

بنفشة خاتون: جارية تم خطفها من بلدها “سمرقند”، وهي طفلة صغيرة وتعرضت لأسوأ الانتهاكات، اغتصبت وخطف ابنها منها وبيعت في الأسواق عارية، لكنها رغم ذلك تعلمت لغات عدة وتعلمت الغناء وكانت جارية مشهورة في بغداد في ذلك الوقت، أحبت “صبحي” وتزوجت منه وأنجبت له ابنا، لكنها هجرته حينما علمت أن والده هو التاجر الذي اغتصبها وخطف ابنها الذي أنجبته منه.

فؤاد الكتبخاني: ابن “صبحي”، يذهب للتعلم في انكلترا ويتزوج من فتاة هندية، لكنه يعود لبلاده خوفا من فراق أبيه ورغبة في الاستقرار في بلاده.

رأفت الخيامي: قريب ل”صبحي”، يساعده كثيرا ويتشارك معه في بعض الأفكار، لكنه في النهاية يتعاون مع الانكليز ويحاول الثراء من التقرب إليهم ويصبح جشعا للمال.

الراوي..

تتميز الرواية بتعدد الرواة، وتعدد الأصوات، يبدأ صوت “نهي” الرواية لتحكي عن نفسها وعن أسرتها في 2016، ورحلة ذهابها من باريس إلى العراق، وتحكي عن أبوها وأمها وأخوها وبعض المقربين، ثم تترك الكاتبة الحرية ل”صبحي الكتبخاني” من خلال مذكراته التي هي مخطوطات تحققها “نهي” وتزيل عنها الغموض، ليحكي عن عائلته هو أيضا، وعن علاقته بها وعن العراق وعن الأستانة وعن الغزو الانكليزي وب”نفشة”، ثم تترك الحرية ل”بنفشة خاتون” لتعبر عن نفسها من خلال خطاب تحكي فيه بقية حكايتها، و”رأفت الخيامي” هو أيضا يحكي عن “صبحي” و”بنفشه”، و”فؤاد” يحكي بشكل موجز عن حياته، ويكمل حكاية العراق في ظل الاحتلال الانكليزي، ثم تعود “نهى”  لتمسك بزمام الحكي بين حكايات هؤلاء الرواة، وتترك الكاتبة الحرية ل”نهى” للحكي عن “نادر” و”منال” و”هناء” وتنتهي الرواية على سر “بنفشة خاتون”.

السرد..

الرواية محكمة البناء مقسمة إلى فصول، يبدأ كل فصل باقتباس من كاتب أو مشاهير التصوف، تقع في حوالي 590 صفحة من القطع المتوسط، السرد عبارة عن قصة داخل قصة، القصة الأولى تدور فيما بعد غزو العراق وحتى 2016 عن “نهى” وعائلتها وشخصيات قريبة منها، والقصة الثانية قصة عائلة الكتبخاني وبالأخص “صبحي الكتبخاني” جدها البعيد وقصة العراق. وفي النهاية تجد “نهى” طريقها في البقاء مع “نادر” والسفر معا خارج العراق.

ما بين غزو الانكليز وغزو الأمريكان..

الرواية تناقش قضايا كثيرة مثل أهمية العشق في حياة الناس والذي يوفر لهم السلام والتوازن الروحي والنفسي، وتناقش اختيارات الناس والتي تكون سببا في شقاءهم أو سعادتهم، لكن أهم ما تتناوله الرواية هو المقارنة ما بين غزو الانكليز للعراق في بداية القرن العشرين واستبداد الحكم العثماني قبلها، وما بين غزو أمريكا للعراق في 2003 بداية القرن الواحد والعشرين، وكأن دولة العراق منيت بقدر صاخب حيث يتم غزوها على مر عصور كثيرة،  تركز الرواية بشكل أساسي على الغزو الانكليزي وما سببه من خراب ودمار وحصار ومعاناة للعراقيين في ذلك الوقت، رغم أنهم كانوا منهوبين من الحكم العثماني، ومن العائلات التي تتقرب إليه لتنهب المزيد من الثروات والأراضي، ثم يأتي الغزو الانكليزي ليتقرب إليه نفس الانتهازيين، ويستبدلون حاكم بآخر، ويستمرون في النهب وتكديس الثروات، ومن ضمن العائلات التي عرفت بتاريخها الانتهازي عائلة “الكتبخاني” وبعض أبناءها الذين يتقربون من الحاكم بالهدايا والطاعة ليحصدوا المكاسب المادية، وظلت هذه العائلة حتى الغزو الأمريكي تعمل بنفس الانتهازية ونفس الفساد والنهب.

لكن رغم ذلك هناك أفراد في العائلة تمردوا على هذا النهج الانتهازي وكانوا ثوريين بحق، يريدون الخير لبلادهم مثل “صبحي” و”فؤاد” و”جابر الكتبخاني”.

الخراب..

كما ترصد الرواية الخراب الذي حدث للعراق في الزمنين، وخاصة بعد الغزو الأمريكي حيث تخربت البنية التحتية للبلاد، وانتشرت الحرب الأهلية والميليشيات والعصابات في كل مكان، حتى أن البطلة ذكرت أكثر من مرة أن البلاد إلى دمار وأنها بلاد تتفكك وتنهار، تتعرض للنهب والسلب وتفقد أبسط أساسيات الحياة الكريمة، ويعيش كثير من الناس فيها حياة البؤس والعوز، في حين أن أفراد قليلون ينهبون الأموال ويكدسون ثرواتهم، بلد يهجرها كثير من أبنائها لأن العيش فيها أصبح دربا من المستحيل، ويعيش آخرون هناك في ظروف غاية في القسوة ويتعايشون معها، إما بالانعزال مثل “نادر” و”منال” أو بالمرونة مثل “هناء”، ومنهم من يساهم في تخفيف مشاكل الآخرين بالتطوع ومساعدة المحتاجين مثل “هناء” و”ميادة” و”حياة البابلي”.

العشق محرك..

وفي كل تلك الظروف يبقى العشق محركا هاما للشخصيات، بفشله يدورون في متاهات وضياع وعدم توازن، وعندما ينجحون في العشق يستعيدون توازنهم النفسي وبهاء أرواحهم، ويكتسبون القدرة على المواصلة والمقاومة في حياة لا تتصف بالعدل، وتتميز الرواية بأنها تصور العشق من خلال صوت الأنثى، التي تتعامل مع العشق على أنه مفتاح الروح والجسد وترى الجسد مهرجان من الفرح والصخب، حين يختبر العشق تتألق ذراته وتنبهر الروح بنورها، وحين ينعدم العشق تنطفئ الروح ويضعف الجسد.

الكاتبة..

“لطيفة الدليمي  كاتبة وصحفية عراقية، حاصلة على شهادة “آداب في اللغة العربية”، وتعتبر من أكبر المدافعات عن حقوق المرأة في العراق. عملت رئيسة تحرير مجلة “هلا” الثقافية التي تصدر في بغداد، عملت لسنوات كمديرة تحرير لمجلة “الثقافة الاجنبية”- بغداد.

أسست مركز “شبعاد” لدراسات حرية المرأة عام 2003 ببغداد، وهي عضوة مؤسسة للمنبر الثقافي العراقي 2005، وعضوة مؤسسة وأمينة عام الجمعية العراقية لدعم الثقافة.

أصدرت حتى الآن 22 كتابا بين الرواية والقصة القصيرة والنصوص والترجمات والدراسات، وكتبت المسرح والسيناريو ولها خمس مسرحيات وهي تعيش حالياً في باريس.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة